الرئيسية/فتاوى/الحكم بالكفر لا يشترط أن يعلم مرتكبه أن فعله كفر
share

الحكم بالكفر لا يشترط أن يعلم مرتكبه أن فعله كفر

السؤال :

 الجمهور يقول: إنّ المرء يكفرُ بالقول والفعل، وإن لم يَعلم بأنّه كُفْر. والنّووي يقول: إنّه لا يكفر إلا بِمَا يعتقده أو يفعله عالمًا بأنّه يُوجب الكفر. فنرجو توضيح هذا الإشكال، ومتى يُعذر المرء بالجهل ؟

 

 الحمدُ لله، أصلُ الإيمان والإسلام: تصديقُ القلب، والإقرارُ بالشّهادتين ظاهرًا وباطنًا، ومعنى هذا أنّ أصل الدّين هو: التّوحيد، والإقرار برسالة محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- فكلّ ما ناقض واحدًا مِن هذين الأصلين أو هما معًا: فإنّه كفر، ولو لم يَعلم معتقدُه أو قائلُه أو فاعلُه أنّه كفر، ما دام أنّه يعلمُ تحريمه ومخالفته للشّرع، فليس مِن شرط الحكم بالكفر على مَن ارتكبه أن يعلم أنّه كفر.
لكن الشّرط: أن يعلمَ أنّه مُخالف لما جاء به الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم-، ونظير هذا: أنّ مَن فعلَ كبيرة مِن كبائر الذّنوب فإنّه لا يعفيه مِن تبعة هذا الذّنب وعقوبته أن يقول: لم أعلم أنّها كبيرة، أو لم أعلم أنّه تترتب عليها هذه العقوبة، وكلّ مسلم يعلم أنَّ الاستهزاء بالقرآن أو الرّسل -عليهم السّلام- أنّه حرام، فمَن استهزأ بالله أو آياته أو رسوله -عليه الصّلاة والسلّام- فإنّه كافر، ولو لم يعلم أنّ ذلك كُفرٌ، وكذا مَن سجدَ لصنم، فإنّه يصير بذلك مشركًا، ولو لم يعلم أنّه شركٌ مخرجٌ مِن الملّة، فلا يقبل منه أن يقول: ما ظننت أنَّه يصل إلى هذه الدَّرجة في التّحريم.
وأسباب الردّة الأعتقاديّة والقوليّة والعمليّة كثيرة، فمَن وقعَ في شيء منها عالمًا عامدًا: كفرَ، لكن يُعذر المكلّف في الأسباب الظّاهرة؛ كالأقوال والأفعال إذا أكره عليها، لقوله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النحل:106]
وأمّا الاعتقادات الموجبة للكفر فلا يُتصوّر الإكراه عليها، لأنّه لا سلطان للبشر إلا على ما ظهر مِن الأقوال والأفعال، فالواجب الحذر مِن أسباب الكفر، وقانا الله منها وثبّتنا على دينه إنّه سميع الدّعاء، والله أعلم.

قال ذلك:
عبدالرّحمن بن ناصر البرّاك
حرر في يوم الجمعة الموافق 10-ذو القعدة- 1427 هـ