الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة العنكبوت/(11) من قوله تعالى {ولئن سألتهم من خلق السماوات} الآية 61 إلى قوله تعالى {وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو} الآية 64
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(11) من قوله تعالى {ولئن سألتهم من خلق السماوات} الآية 61 إلى قوله تعالى {وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو} الآية 64

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة العنكبوت

الدَّرس: الحادي عشر

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63) وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت:61-64]

– الشيخ : إلى هنا

– القارئ : عفا اللهُ عنكَ

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، يخبرُ سبحانَهُ وتعالى عن حالِ المشركين الَّذين اتَّخذوا من دونِ اللهِ آلهةً، وعبدوا معَ اللهِ آلهةً أخرى، معَ أنَّهم يقرّون بأنَّ اللهَ خالقُهم وخالقُ السموات والأرض ومسخِّرُ الشمسَ والقمرَ، وهو الَّذي ينزلُ الماءَ فيُحيي به الأرضَ من بعدِ موتِها، وهذا كثيرٌ في القرآنِ في مواضعَ، اللهُ تعالى يحتجُّ عليهم بما يقرُّون به من توحيدِ الرُّبوبيَّةِ، يحتجُّ عليهم بإقرارِهم بربوبيَّتِه تعالى على ما أنكرُوه من إلهيَّتِه أو توحيد الإلهيَّة.

وهذا من العجبِ، سبحانَ اللهِ، نعوذُ بالله، يقرّون أنَّ اللهَ خالقُهم، وهو خالقُ السمواتِ والأرضِ، وهو الَّذي له الأرضُ والسمواتُ، {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون:84-85] {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون:86-87] ومعَ ذلكَ يعبدون معَه غيرَه، ولما قالَ لهم الرسولُ -صلَّى الله عليه وسلَّمَ- قولوا: "لا إله إلَّا الله" استنكرُوا هذا وكَبُرَ عليهم، {كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} [الشورى:13] كبرَ عليهم وعَظُمَ، عظمَ في نفوسِهم، وقالُوا: ما أخبرَ اللهُ به: {أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} [ص:5] لا الآلهةُ عندَهم عددٌ، هذا يعبدُ كذا وهذا يعبدُ كذا، هذا يعبدُ الملائكةَ، وهذا يعبدُ شجراً أو حجراً، وهذا يعبدُ صنماً، وهم كثيرٌ.

وهذه الآلهةُ يعني ليسَ فيها من صفاتِ التعظيمِ ما يوجبُ عبادتَها، خصوصاً الأصنام، حتَّى أنَّ إبراهيمَ -عليه السلامُ- يقولُ: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم:35] {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} قالَ يا قومُ ما تعبدون؟ {قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء:71-74] المسألة …. وفي هذه الآيات يقولُ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}

قالَ اللهُ: {فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} كيف تُصرَفون عن الحقِّ الواضحِ؟ كيف تُصرَفون عن عبادةِ اللهِ وحدَه لا شريكَ له؟ كيف تُصرَفون عن الَّذي خلقَ السمواتِ والأرضَ؟ عن عبادته، إنَّ هذا لعجبٌ! {فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}

ثمَّ قالَ تعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} كذلك هو الَّذي يرزقُ العبادَ، هو الرّزّاقُ، هو الخالقُ الرازقُ، {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الروم:40]

ثمَّ ذكرَ سؤالاً ثانياً: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا} وأخبرَ أنَّهم سيقولون: الله، {لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} لو عقلُوا العقلَ الصحيحَ ما تناقضُوا هذا التناقضَ الفظيعَ، تناقضٌ، وفي آياتٍ أخرى يذكرُ هذا الدليلَ، للاستدلالِ عليهم بما يقرّون به، {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ} [النحل:17] هذانِ لا يستويانِ، لا يستوي مَن يخلقُ وهو له قدرةٌ وتدبيرٌ وتصرُّفٌ ومن لا يخلقُ، لا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بالله، أعوذُ باللهِ من فسادِ العقولِ، فسادٌ، {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}

ثمَّ قالَ تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} في هذه الآيةِ نوعُ موازنةٍ بينَ الدنيا والآخرةِ، هذه الَّتي الدنيا الَّتي يتعلَّقُ بها أكثرُ الخلقِ ويُعرضون عن الآخرةِ ويغفلون عن الآخرةِ، وهذا يحصلُ من الكفَّارِ الَّذين لا يؤمنونَ باليومِ الآخرِ، لا يؤمنونَ بالدارِ الآخرةِ، وهذا ليس بغريبٍ منهم، ما دامُوا أنَّهم لا يقرُّون فليسَ غريباً أن يتعلَّقوا بالدنيا ويعظِّمونها، لكنَّ العجبَ -سبحان الله- ممَّن يؤمنُ باليومِ الآخرِ والبعثِ والجزاءِ ويعلمُ أنَّ العبادَ قادمون، قادمون على ذلك اليومِ ثمَّ معَ ذلك يفرِّطُ، وهذا هو الغالبُ على أكثرِ الناسِ، المسلمون المسلمون كلُّ مسلمٍ الأصلُ أنَّه يقرُّ باليومِ الآخرِ، ولكن عندَ الموازنةِ تجدُ ما في، ما في نسبة، يعني عملُه للآخرةِ لا يوازنُ يعني ما لها من الشأنِ العظيمِ.

اللهُ يقولُ: إن في ذلك {قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة:219] في الدنيا والآخرة، تفكّر، تفكّر في الدنيا، ما حالُها، مدَّةٌ محدودةٌ، لذّاتُها منغّصةٌ، والدارُ الآخرةُ باقيةٌ، وللآخرةُ خيرٌ وأبقى، الدارُ الآخرةُ باقيةٌ، دائماً، ونعيمُها نعيمُ الجنَّةِ خالص، نعيمٌ لا يشوبُه كدرٌ، نعيمٌ وأيُّ نعيمٍ؟ {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} [الطور:17]

فالشاهدُ أنَّ اللهَ تعالى يذكرُ هذا المعنى في مواضعٍ من القرآنِ، يعني الآياتُ الَّتي فيها الموازنةُ بينَ الدنيا والآخرةِ، في آياتٍ مفصَّلةٍ، اعلموا شوف {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [الحديد:17] هذه الحياةُ، لعبٌ ولهوٌ وزينةٌ وتفاخرٌ وتكاثرٌ، ثمَّ في الآخرِ: سابقوا إلى مغفرة، سابقُوا إلى مغفرةٍ من ربِّكم وجنَّةٍ عرضُها السمواتُ والأرضُ، جنَّةٌ، معنى جنَّة أنَّها بستانٌ عظيمٌ فيه أنواعُ النعيمِ وأنواعُ الثمارِ وأنواعُ المطاعمِ، أُعِدَّتْ للَّذين آمنُوا باللهِ ورسولِهِ ذلكَ فضلُ اللهِ يؤتيهِ مَن يشاءُ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى:14-17]

المقصودُ أنَّ في هذه الآيةِ يقارنُ أو يوازنُ بينَ الدنيا والآخرةِ، تدبَّروا وتفكَّروا، {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ} أبد، الخيرُ الَّذي فيها هو ما فيها من الإيمانِ والعملِ الصالحِ، اللَّهم لكَ الحمدُ على نعمةِ الإسلامِ، نعمةُ الإسلامِ الإيمانُ باللهِ ورسلِه وباليومِ الآخرِ والقيامِ بفرائضِ اللهِ والطاعةِ لله، {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف:43] بل الله يمن عليكم، {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:17]

{وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ} الدارُ الآخرةُ الجنَّةُ، {وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} قالَ المفسِّرون معناها "لهيَ الحياةُ"، الحياةُ العظيمةُ، الحياةُ الطيِّبةُ، الحياةُ الآهلةُ بالنعيمِ {وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} أمَّا هذه الدنيا هي الحياة الدنيا اسمُها الحياةُ الدنيا، حياةٌ عاجلةٌ زائلةٌ، صفوُها كدرٌ، المهم أنَّ اللهَ يذكِّرُنا بأمرِ الدنيا والآخرةِ؛ لنحذرَ من إيثارِ الدنيا على الآخرةِ، اللهُ تعالى عيَّرَ الكفَّارَ بإيثارِ الدنيا، {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآَخِرَةُ} {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} خيرٌ بما فيها من أنواعِ النعيمِ واللَّذَّاتِ، نعم يا محمَّد.

 

"تفسيرُ السَّعديِّ"

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى:

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ} الآيات.

هذا استدلالٌ على المشركينَ المكذِّبينَ بتوحيدِ الإلهيَّةِ والعبادةِ، وإلزامٌ لهم بما أثبتُوهُ مِن توحيدِ الرُّبوبيَّةِ، فأنتَ لو سألْتَهم مَن خلقَ السَّمواتِ والأرضَ؟ ومَن نزَّلَ مِن السَّماءِ ماءً فأحيا بهِ الأرضَ بعدَ موتِها؟ ومَن بيدِهِ تدبيرُ جميعِ الأشياءِ؟ {لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} وحدَهُ، ولاعْتَرَفُوا بعجزِ الأوثانِ ومَن عبدُوهُ معَ اللهِ عن شيءٍ مِن ذلكَ.

فاعجبْ لإفكِهم وكذبِهم، وعدولِهم

– الشيخ : سبحان الله العظيم، أعوذُ بالله، يا مقلِّبَ القلوبِ.

– القارئ : إلى مَن أقرُّوا بعجزِهِ، وأنَّهُ لا يستحقُّ أنْ يدبِّرَ شيئاً، وسَجِّلْ عليهم بعدمِ العقلِ، وأنَّهم السُّفهاءُ، ضعفاءُ الأحلامِ، فهل تجدُ أضعفَ عقلاً وأقلَّ بصيرةً؟

– الشيخ : إنَّا لله وإنَّا، أعوذُ بالله، لِمَ تعبدُ ما لا يسمعُ ولا يبصرُ ولا يغني عنك شيئاً؟

– القارئ : ممَّن أتى إلى حجرٍ، أو قبرٍ ونحوِهِ، وهوَ يدري أنَّهُ لا ينفعُ ولا يضرُّ، ولا يخلقُ ولا يرزقُ، ثمَّ صرفَ لهُ خالصَ الإخلاصِ، وصافيَ العبوديَّةِ، وأشركَهُ معَ الرَّبِّ، الخالقِ الرَّازقِ، النَّافعِ الضَّارِّ.

وقلْ: الحمدُ للهِ الَّذي بيَّنَ الهدى مِن الضَّلالِ، وأوضحَ بطلانَ ما عليهِ المشركونَ؛ ليحذرَهُ الموفَّقونَ.

وقلْ: الحمدُ للهِ، الَّذي خلقَ العالمَ العلويَّ والسُّفليَّ، وقامَ بتدبيرِهم ورزقِهم، وبسطَ الرِّزقَ على مَن يشاءُ، وضيَّقَهُ على مَن يشاءُ، حكمةً منهُ، ولعلمِهِ بما يصلحُ عبادَهُ وما ينبغي لهم.

قالَ اللهُ تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا…} الآيات.

يخبرُ تعالى عن حالةِ الدُّنيا والآخرةِ، وفي ضمنِ ذلكَ، التَّزهيدُ في الدُّنيا والتَّشويقُ للأخرى، فقالَ: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} في الحقيقةِ {إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ} تلهو بها القلوبُ، وتلعبُ بها الأبدانُ، بسببِ ما جعلَ اللهُ فيها مِن الزِّينةِ واللَّذَّاتِ، والشَّهواتِ الخاليةِ للقلوبِ المعرضةِ.

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، نسألُ اللهَ العافيةَ، أعوذُ باللهِ، لا إله إلَّا الله، الله أكبرُ، الله أكبرُ، لا إله إلَّا الله، كلُّ ما في هذه الدنيا باطلٌ إلَّا ذكرُ اللهِ وما والاه، كلُّ أفعالِ الإنسانِ كلُّها باطلةٌ، يعني هي ثلاثةُ أنواعٍ، أفعالُ الإنسانِ ثلاثةٌ، إمَّا أفعالٌ ضارَّةٌ وإمَّا أفعالٌ نافعةٌ وإمَّا أفعالٌ يعني ضائعةٌ، وهي كلُّها فالأعمالُ الضَّارَّةُ هذا أمرُها ظاهرٌ، يعني كلُّ ما فيه معصيةٌ للهِ وفيها إثمٌ فهو ضارٌّ، والأعمالُ الصالحةُ بأنواعِها وعلى حسبِ درجاتِها هي الأمورُ النافعةُ على الحقيقةِ، ويدخلُ فيها ما يعينُ عليها، الأفعالُ المعيَّنةُ هذه تبع، فللوسائلِ حكمُ الغاياتِ، والضائعةُ هي الَّتي ليسَ فيها خيرٌ ولا شرٌّ، لكنَّها تؤولُ إلى الضررِ من وجهٍ، وهو أن تكونَ خساراً، خسارةً، {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر:2-3]

فوازنْ أيُّها العاقلُ، وازنْ في أفعالِك وتصرُّفاتِك، هل هذا نافعٌ أم ضارٌّ؟ أم أنَّه ضياعٌ ضائعٌ، إضاعةٌ لعمرِك ووقتِك، نعم أعد الكلام، بعض كلام الشيخ.

 

– القارئ : نعم، {إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ} تلهو بها القلوبُ، وتلعبُ بها الأبدانُ، بسببِ ما جعلَ اللهُ فيها مِن الزِّينةِ واللَّذَّاتِ، والشَّهواتِ الخاليةِ للقلوبِ المعرضةِ، الباهجةِ للعيونِ الغافلةِ، المفرحةِ للنُّفوسِ المبطلةِ الباطلةِ، ثمَّ تزولُ سريعاً، وتنقضي جميعاً ولم يحصلْ منها محبُّها إلَّا على النَّدمِ والحسرةِ والخسرانِ

– الشيخ : إنَّا لله وإنَّا إليه، حسبُنا اللهُ.

– القارئ : وأمَّا الدَّارُ الآخرةُ، فإنَّها دارُ {الحيوانِ} أي: الحياةُ الكاملةُ، الَّتي مِن لوازمِها، أنْ تكونَ أبدانُ أهلِها في غايةِ القوَّةِ، وقواهم في غايةِ الشِّدَّةِ؛ لأنَّها أبدانٌ وقوىً خُلِقَتْ للحياةِ، وأنْ يكونَ موجوداً فيها كلُّ ما تكملُ بهِ الحياةُ، وتتمُّ بهِ اللَّذةُ، مِن مفرحاتِ القلوبِ، وشهواتِ الأبدانِ، مِن المآكلِ، والمشاربِ، والمناكحِ، وغيرِ ذلكَ، ممَّا لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعَتْ، ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ.

{لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} لما آثرُوا الدُّنيا على الآخرةِ، ولو كانُوا يعقلونَ لما رغبُوا عن دارِ الحيوانِ، ورغبُوا في دارِ اللَّهوِ واللَّعبِ، فدلَّ ذلكَ أنَّ الَّذين يعلمونَ، لا بدَّ أنْ يؤثرُوا الآخرةَ على الدُّنيا، لما يعلمونَهُ مِن حالةِ الدَّارينِ.

ثمَّ ألزمَ تعالى المشركينَ بإخلاصِهم للهِ تعالى، في حالةِ الشِّدَّةِ.

– الشيخ : إلى آخره، يقولُ: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ} [العنكبوت:65] نعم إلى هنا.

– القارئ : أحسنَ اللهُ إليكَ.