وفي "الأصول الثلاثة" للإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ما نصُّه: "كلّ مَن سوى الله عالم، وأنا واحد من ذلك العالم". نريد من سماحتكم التحقيق في لفظ (العالـَم)، جزاكم الله خيرا.
الجواب : الحمدُ لله وحده، وصلَّى الله وسلَّم على مَن لا نبي بعده، أمَّا بعد :
فهذه المسألة لغويةٌ لا شرعيةٌ، ولفظ "العالَم" لم يرد مفردًا في آية ولا حديث، وإنَّما الذي جاء في الكتاب والسُّنَّة لفظ "العالَمين"، كما في أول آية من الفاتحة، واختلفَ المفسرون في المراد بالعالَمين، هل المراد بهم الناس أو جميع المخلوقات؟ الأظهر عندي أنَّ المراد بالعالَمين كلُّ مَن يتَّصفُ بالعلم مِن أجناس المخلوقات، كالملائكة والإنس والجن، وهو قول الفراء وأبي عبيدة.
هذا؛ والمتدبِّرُ للقرآن يلحظ أن لفظ "العالَمين" يختلف معناه والمراد به في مواضعه بحسب سياق الكلام؛ فقد يُراد به جميع المخلوقات، كما في آية الفاتحة: الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وقد يراد به الجن والإنس، كما في قوله تعالى: لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان:1]، قاله القرطبي، وقد يُراد به عالَم كل زمان بحسبه، كما قال تعالى في بني إسرائيل: وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ [الجاثية:16] قيل: عالم أهل زمانهم من جنسهم، وهم الناس.
وأمَّا إطلاق "العالَم" على جميع الكون؛ فالأشبه أنَّه اصطلاح علمي، وهو المشهور في استعمال سائر الطوائف، فيساوي بهذا المعنى "العالَمين" مرادًا به جميع العوالم، وقد جرى العلماء على التَّسامح في استعمال المصطلحات العلميَّة، وإن لم تكن مشهورة في العربية، وعليه فلا حرج من إطلاق "العالَم" على مجموع الكون، والله أعلم. وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد .