الحمدُ لله وحده، وصلَّى الله وسلَّم على محمد، أمَّا بعد :
فلا يخفى أنَّ الحديث نصٌّ في نفي الحاجة عن الله إلى صيام مَن لم يدع قول الزّور والعمل به، ومفهومه أنَّ لله سبحانه حاجة إلى صيام مَن ترك قول الزور والعمل به، ومعلومٌ بالضَّرورة أنَّ الحاجة بمعنى الافتقار منتفيةٌ عن الله؛ إذن فلا افتقار في الله إلى صيام أحد ولا طاعة أحد؛ فإنه تعالى لا تنفعه طاعةُ المطيعين، ولا تضرُّه معصيةُ العاصين، وفي الحديث القدسي: «يَا عِبَادي، إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغوا ضُرِّي فَتَضُرُّوني ، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفعِي فَتَنْفَعُوني» رواه مسلم من حديث أبي ذر، [1] لكن الله يريدُ طاعة العباد: صلاةً وصيامًا وغير ذلك، مما شرعه لهم.
وعلى هذا: فيمكن تفسير الحاجة المثبتة أو المنفية في الحديث بالإرادة والمحبَّة؛ فصيامُ مَن لم يدع قول الزور ليس مرادًا لله ولا محبوبًا له سبحانه، وصيام مَن اتَّقى الله بترك ما نُهِي عنه مرادٌ ومحبوبٌ لله، وبتفسير الحاجة بالإرادة والمحبة يزول الإشكال؛ فإنَّ الحاجة بهذا المعنى لا تستلزم الحاجة الممتنعة على الله المنافية لغناه تعالى؛ فإنَّ الله يريدُ ويحب طاعات العباد، وليس مفتقرًا لذلك، فعُلِم ممَّا تقدَّم أنَّ الحاجة إن أُريدَ بها المعنى المتبادر لأكثر الناس، وهي الافتقار إلى الشيء، فهي منفيةٌ عن الله عقلًا وشرعًا، وإن أُريدَ بها محبة الله وإرادته للشيء لما فيه من الحكمة والمصلحة، فهذا ثابت لله بما لا يُحصَى من النصوص، وهذا التفصيل مقتضى القاعدة في الألفاظ المحتملة المجملة، أعني: الاستفصال والتَّفصيل بين ما يثبت وما ينفى، وهذا ما تضمَّنه كلام شيخ الإسلام عن الحديث المذكور؛ وهو في "شرح العمدة"، [2] وفي "منهاج السنة". [3]
وقد ذكرَ الحافظُ ابن حجر في شرح الحديث في "فتح الباري" [4] أقوالًا مآلها إلى معنى ما تقدم؛ فقد قالوا: إنَّ نفي الحاجة في الحديث كنايةٌ عن نفي القبول، أو نفي الثواب، ولا ريب أن ما لا يريده الله -الإرادة الشرعية- ولا يحبه فليس مرضيًّا ولا مقبولًا، ولا يثيب عليه. هذا ما تيسَّر مِن الجواب، والله أعلم بالصَّواب.
أملاه:
عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك
في 6 شوال 1442 هـ