وأخرجه أحمد (20430)، والبخاري في الأدب المفرد (701)، وأبو داود (5090)، عن أبي بكرة رضي الله عنه وصححه ابن حبان (970)، وحسنه الألباني في تخريج الكلم الطيب (رقم 121).)) ويتناولُ علمُ النفس وبعضُ المختصين فيه من المسلمين هذا اللفظ "الثقة بالنفس" على أنه ضرورة ملحَّة لكل مسلم؛ إذ إن القدر المعقول من الثقة بالنفس غير المؤدية للغرور والتكبر، تمكِّن الإنسان مِن التقدُّم في الحياة، وتحمِّل الأمانة، وقول الحق، والصبر والدعوة والأمر بالمعروف؛ فإن الإنسان الذي لا يثق بقدرته وعلمه وإمكاناته، لن يستطيع تحمل أعباء الحياة، حتى التكاليف الشرعية في حدها الأدنى، فإنه سيعجز عنها، وقالوا: إن الثقة بالنفس لا تنافي الثقة بالله، بل تخرج عنها لأنها من قبيل قولنا: إن لكل إنسان مشيئة خاصة لا تخرج عن مشيئة الله العامة. فلعكم تعطون في ذلك وافيًا، بارك الله حياتكم وعلمكم.
الجواب : الحمدُ لله، وصلَّى الله وسلَّم على محمَّد، أما بعد:
فعبارة "الثِّقة بالنفس" تأتي في كلام الناس على وجهين:
أحدهما: أن يُراد بها الاعتماد على الحول والقوة وما أوتيه الإنسان من قُدَرٍ عقليَّة وبدنيَّة، وأنَّه بما أُوتي من ذلك يصل إلى مطالبه غافلًا عن ربِّه الذي لا يكون شيءٌ في هذا الكون إلا ما شاءه سبحانه؛ فالثِّقة بالنفس من هذا الوجه هي من قَبيل الاعتماد على الأسباب، وهذا نوعٌ من الشرك، وهو مناقضٌ لما يجب من التَّوكِّل على الله، فهذا هو الوجه المذموم الذي يجب النهي عنه، فلا يجوز إطلاق هذه العبارة مرادًا بها هذا المعنى. [1]
الوجه الثاني: الثِّقة بالنفس، بمعنى الشُّعور بما أنعم الله على العبد من قُدَرٍ ومواهبَ تمكِّنه من الوصول إلى مطالبه، مستحضرًا فضل الله عليه، فهو بذلك لا يحتقر نفسه عن المطالب العالية، خلاف من يشعر بالنقص والعجز؛ فإنه لا يُقدِم في مواضع الإقدام، لأنه غيرُ واثقٍ بقدرته على هذا المطلوب، فتصغرُ همَّته، ويغلبُ عليه الجبن، أمَّا الواثق بنفسه شعورًا بما وهبه الله فإنه شجاعٌ مِقدامٌ طموحٌ إلى المراتب العليا، وهمَّتُه عالية؛ فنفسه بذلك كبيرة يصدق عليه قول الشاعر:
وإذا كانتِ النفوسُ كبـارًا تعبتْ في مـرادِها الأجســـامُ [2]
ويدخل في هذا الوجه من معنى الثِّقة بالنَّفس: استغناءُ الإنسان عن الناس، بعدم الالتفات إليهم للوصول إلى مطالبه، متوكِّلا على ربِّه مفتقرًا إليه جلَّ وعلا؛ فهذا الوجه من الثِّقة بالنفس من أنواع الكمالات الإنسانيَّة، وهو الذي يتعلق به المدح؛ لأنه يجمع بين التَّوكِّل على الله وحده وفعل الأسباب؛ فإطلاق العبارة بهذا المعنى لا بأس به، وهذا هو الصراط المستقيم في هذا المقام، والله هو الهادي من يشاء إلى صراط مستقيم. والله أعلم. [3]
عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك
حرر في 29 صفر 1443هـ