الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على محمد، أما بعد:
فقد تضافرت الأحاديث الصَّحيحة عن النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- بتحريم بيع الذَّهب بالذَّهب أو بغيره مِن الربويات كالفضة، إلا يدًا بيد، فمِن ذلك ما رواه الشَّيخان عن عمر -رضي الله عنه- أنَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: الذَّهب بالذَّهب ربًا إلا هاءَ وهاءَ [1] وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تبيعوا الذَّهب بالذَّهب إلا مثلًا بمثل، ولا تُشِّفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الوَرِق بالوَرِق إلا مثلًا بمثل، ولا تُشِّفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبًا بناجز [2] والوَرِق: الفضة، وقوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إلا هاءَ وهاءَ) أي: إلا يدًا بيد، كما جاء مصرَّحًا به في حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه- في البخاري، [3] وفي صحيح مسلم عن أسامة بن زيد أن النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: إنَّما الربا في النسيئة [4] أي: المؤجَّل، وما لم يُقبض في مجلس العقد فهو مؤجّل.
ومعنى هذه الأحاديث أنَّه يجب في بيع الربوياتِ التقابضُ في مجلس العقد قبل التَّفرق، وما لم يكن كذلك فهو ربا ولا يصحُّ، وعليه فالمعاملة المذكورة في السؤال حرام ولا تصحُّ؛ لعدم التقابض في الحال، وكذلك مسألة السلعة [5] التي تحتاج إلى تصنيع؛ فإنَّه لا يجوز تقديم شيء مِن ثمنها قبل تصنيعها وتسليمها، ولو كان المقدم عربونًا؛ فإن العربون محتسب من الثمن، فالتمسوا طريقة تخرجون بها مِن الحرج، وليس الحرجُ في أصل الحكم الشرعيُّ، وإنما الحرج في مخالفته للهوى، ويقال للتخلص من هذه الطريقة: أن يكون الدفع عند تسلُّم السلعة، إذا جاء مندوب التوصيل. والله أعلم.
أملاه:
عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك
إملاءً في 18 شعبان 1443هـ
الحاشية السفلية