الحمدُ لله وحده، وصلَّى الله وسلَّم على نبيّنا محمَّد وصحبه، أمَّا بعد:
فقد قال النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (مَن قامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّمَ مِن ذنبِهِ) [1] ، وقال عليه الصَّلاة والسَّلام: (تحرَّوا ليلةَ القدرِ في العشْرِ الأواخرِ) [2] ، وقال عليه الصَّلاة والسَّلام: (مَن كانَ مُتحرِّيها، فليتَحرَّها في السَّبع الأواخر) [3] ، إلى غير ذلك مِن الأحاديث التي فيها الأمر بتحرّي تلك الليلة.
وقولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: (مَن قامَ ليلةَ القدرِ) لفظُ عمومٍ يدلُّ على أنَّ كلّ مَن قامَ ليلة القدرِ حصلَ له هذا الثّواب، شعرَ بها أو لم يشعر، لكنَّه في قيامه طالبٌ لها؛ لقوله: (إيمانًا واحتسابًا)، فخرجَ مَن قامها اتفاقًا؛ أي صدفة لم يقصدها.
وقولُه -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (تحرَّوا)، وفي معناه قوله: (التمسوها)، يدلُّ على النَّظر في علاماتها؛ لأنَّ العلمَ بها ممَّا يُحمل على زيادة الاجتهاد، لذلك فطلبُ العلامات ممَّا يُؤجر عليه المسلم؛ لأنَّه ممَّا يقوي عزيمته، ومما يُفرح به.
وأكثر ما ذُكر مِن العلامات الواقعة في تلك الليلة غايتُها أن تُحدث ظنًا، وإذا تعددت العلامات أوجبت غلبةَ ظنٍّ، وأمَّا العلامة التي ذكرها أُبي بن كعب -رضي الله عنها- عن النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- (أنَّ الشَّمسَ تطلعُ صبيحَتَها لا شعاع لها)، رواه مسلم [4] ، فتلكَ علامة لا أثر لها في العبادة؛ لأنَّه هذه العلامة تكون في صبيحتها، أي بعد أن مضت. والله أعلم.