الرئيسية/شروحات الكتب/نونية ابن القيم/(157) تابع فصل في إقامة المأتم على المتخلفين عن رفقة السابقين
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(157) تابع فصل في إقامة المأتم على المتخلفين عن رفقة السابقين

بسمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيم
التَّعليق على كتاب (نونيّة ابن القيم – الكافية الشَّافية)
الدرس: السَّابع والخمسون بعد المئة

***    ***    ***

- تحكيمُ غير الشَّرع هو الخطرُ الأعظم [1] - إيثارُ بعض النَّاس الدّنيا شكا في الآخرة [2]

 
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلى الله وسلمَ وبارك على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبِه أجمعين، أما بعد: فقال ابن القيم -رحمه الله تعالى-:
فصلٌ: في إقامةِ المأتمِ على المُتخلِّفين عن رفقةِ السابقين، قالَ -رحمه الله تعالى-:
فاتعبْ ليومِ معادِكَ الأدنَى تجدْ … راحاتِه يومَ المعادِ الثاني

– الشيخ: الله أكبر، نعم، فاتعب في هذه الحياة، نعم، من تعبَ استراحَ، المشتكى لله، فاتعب ليوم
– القارئ:
فاتعبْ ليومِ معادِكَ الأدنَى تجدْ … راحاتِه يومَ المعادِ الثاني
وإذا أبَتْ تنقادُ نفسُك فاتَّـ … ـهمْها ثم راجعْ مطلعَ الإيمانِ
فإذا رأيتَ الليلَ بعد وصبحَه … ما انشقَّ عنه عمودُه لأذانِ
والناسُ قد صلُّوا صلاةَ الصبحِ وانـ … ـتظرُوا طلوعَ الشمسِ قربَ زمانِ
فاعلمْ بأنَّ العينَ قد عميَت فنا … شِدْ ربَّكَ المعروفَ بالإحسانِ
واسألْه إيمانًا يُباشرُ قلبَك الـ … ـمحجوبَ عنه لتنظرَ العينانِ
واسألْهُ نورًا هاديًا يهديك في … طرقِ المسيرِ إليه كلَّ أوانِ
واللهِ ما خوفِي الذنوبَ فإنَّها … لعلَى طريقِ العفوِ والغفرانِ

 

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
1 تحكيمُ غير الشَّرع هو الخطرُ الأعظم
- الشيخ: لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، الذنوب يعني هو يريدُ أن يقول: أنها أخطر، تحكيمُ أقوال الناس ومذاهب الناس، تحكيمُ غير شرعِ الله هو الخطرُ الأعظمُ، وإلا كلها مَخُوْفَة، وهو يريد أنها أخوفُ، فالإنسان يخافُ من زيغ القلب، يخاف من زيغ قلبه، هذا أخطرُ ما يكون، مع خوفِه من الذنوب، ينبغي أن يخافَ، يخافُ الإنسان من الذنوبِ ولا يتهاونُ بشيءٍ، لكن ابنَ القيم يريد أن يُبينَ أنَّ الخطرَ الأعظمَ هو في فسادِ الاعتقادِ وتحكيمِ غير شرعِ الله، واللهِ ما خوفي الذنوبَ.
- القارئ:
واللهِ ما خوفِي الذنوبَ فإنَّها ... لعلَى طريقِ العفوِ والغفرانِ
لكنَّما أخشى انسلاخَ القلبِ من ... تحكيمِ هذا الوحيِ والقرآنِ
ورضًا بآراءِ الرجالِ وخرصِها ... لا كان ذاكَ بمنَّةِ الرحمنِ
فبأيِّ وجهٍ ألتقي ربِّي إذا ... أعرضْتُ عن ذا الوحيِ طولَ زمانِ
وعزلتُه عمَّا أُريدُ لأجلِه ... عزلًا حقيقيًّا بلا كتمانِ
صرَّحْتَ أن يقينَنَا لا يُستفادُ ... به وليسَ لديه من إيقانِ
أوليتُه هجرًا وتأويلًا وتحـ ... ـريفًا وتفويضًا بلا برهانِ
وسعيتُ جهدي في عقوبةِ مُمسكٍ ... بعُراه لا تقليدَ قولَ فلانِ
يا مُعرضًا عما يُراد به وقدْ ... جدَّ المسيرُ فمُنتهاه دانِ
جذلانَ يضحكُ آمنًا مُتبخترًا ... فكأنَّه قد نالَ عقدَ أمانِ

- الشيخ: هذه من الأبياتِ الواعظةِ المُناسبة الجديرةِ بالحفظ، "يا مُعرضًا عما يُراد به وقدْ ... جدَّ المسيرُ" إلى الموتِ، إلى أين؟ وقد جدَّ المسيرُ، يا مُعرضًا.
- القارئ:
يا مُعرضًا عما يُراد به وقدْ ... جدَّ المسيرُ فمُنتهاه دانِ
جذلانَ يضحكُ آمنًا مُتبخترًا ... فكأنَّه قد نالَ عقدَ أمانِ
خلعَ السرورُ عليهِ أوفَى حلَّةً ... طردَت جميعَ الهمِّ والأحزانِ

- الشيخ: مغرورٌ، مغرورٌ بمتاع الدنيا.
- القارئ:
يختالُ في حُلَلِ المسرَّةِ ناسيًا ... ما بعدَها من حلَّةٍ الأكفانِ
ما سعيَه إلا لطيبِ العيشِ في الدُّ ... نيا ولو أفضى إلى النيرانِ
قد باعَ طيبَ العيشِ في دارِ النعيـ ... ـمِ بذا الحطامِ المُضمحلِّ الفانِي
إنِّي أظنُّك لا تُصدِّقُ كونَه ... بالقربِ بل ظنٌّ بلا إيقانِ
بل قد سمعتَ الناسَ قالوا جنةً ... أيضًا ونارًا بل لهم قولان
والوقفُ مذهبُكَ الذي تختارُه ... وإذا انتهَى الإيمانُ للرجحانِ
لم تُؤثرِ الأدنى عليه وقالَتِ الن ... فسُ التي اشتغلَت على الشيطانِ
أتبيعُ نقدًا حاصلًا بنسيئةٍ ... بعدَ المماتِ وطيِّ ذي الأكوانِ
 
2 إيثارُ بعض النَّاس الدّنيا شكا في الآخرة
- الشيخ: هذا معنىً يذكره في غير هذا، وهو أن المُؤثرين للدنيا تعتريهم أمورٌ، يعني مما يردُ عليهم الشكُّ في الآخرة، يعني الشكُّ هو الذي يحملُ على إيثار الدنيا، وعدم القطع واليقينِ بالبعث والنشور والجزاء والحساب، ثم من أقوالهم يقول: تبيعُ شيئًا بشيءٍ غائبٍ ما تدري عنه!، هو يذكرُ بعض الكلمات يقول: ذرةٌ منقودة كذا، ذكرها في غير هذا المكان، "ذرةٌ منقودةٌ حاضرةٌ، ولا درةٌ موعودةٌ"، كذبٌ، هذا باطل، هذه تعبيرات، خذِ الحاضر، ما تدري عن المستقبل، تنعَّمْ بهذه الدنيا، هذا ترجمةُ هذا الكلام، هذه شبهاتٌ تخطر إما على ألسنتهم أو تجري في قلوبهم، نسألُ الله العافية، أعدِ  أبياتًا أعد..
- القارئ:
إنِّي أظنُّك لا تُصدِّقُ كونَه ... بالقربِ بل ظنٌّ بلا إيقانِ
- الشيخ: خطابٌ لمُؤثرِ الدنيا، خطابٌ لمُؤثرِ الدنيا.
- القارئ:
بل قد سمعتَ الناسَ قالوا جنةً ... أيضًا ونارًا بلْ لهم قولَانِ
والوقفُ مذهبُكَ الذي تختارُه ...

- الشيخ: إذًا أنتم في تردُّدٍ –شكٍّ- ما أنتم في يقين، والوقفُ.
- القارئ:
والوقفُ مذهبُكَ الذي تختارُه ... وإذا انتهَى الإيمانُ للرجحانِ
لم تُؤثرِ الأدنى عليه وقالَتِ الن ... فسُ التي اشتغلَت على الشيطانِ

- الشيخ: اشتغلت؟
- القارئ: نعم
- طالب: اشتعلت.. اشتعلت، مثل ما نقول: اشتعلت.

- الشيخ: إي، اشتعلت صح، اشتعلت يعني صارت أشطن من الشيطان، النفسُ الأمَّارة بالسوءِ اشتعلت على الشيطان.
- القارئ:
أتبيعُ نقدًا حاصلًا بنسيئةٍ ... بعدَ المماتِ وطيِّ ذي الأكوانِ
لو أنَّه بنسيئةِ الدنيا لها ... نَ الأمرُ لكن في معادٍ ثانِ
دَعْ ما سمعْتَ الناسَ قالُوه وخُذْ ... ما قدْ رأيْتَ مُشاهَدًا بعيانِ

- الشيخ: خذِ الحاضرَ المُشاهَد، نعم هذه عبارات.
- القارئ:
واللّهِ لو جالسْتَ نفسَكَ خاليًا ... وبحثتَها بحثًا بلا روغانِ
لرأيتَ هذا كامنًا فيها ولو ... أمنَتْ لألقَتهُ إلى الآذانِ

- الشيخ: لو أمِنَتْ؟ أي: لو أمنَتْ من سيف الحق، سيف العدل، يعني لو تكلمَ مُتكلِّمٌ بما يردُّ على النفس من هذه المعاني الخبيثة، لأنَّ هذا إلحادٌ وضلالٌ، نعم. أعد بيت بيتين.
- القارئ:
دَعْ ما سمعْتَ الناسَ قالُوه وخُذْ ... ما قدْ رأيْتَ مُشاهَدًا بعيانِ
واللّهِ لو جالسْتَ نفسَكَ خاليًا ... وبحثتَها بحثًا بلا روغانِ
لرأيتَ هذا كامنًا فيها ولو ... أمنَتْ لألقَتهُ إلى الآذانِ
هذا هوَ السِّرُّ الذي من أجلِه اخ ... تارَتْ عليه العاجلَ المُتدانِ
نقدٌ قدِ اشتدَّتْ إليهِ حاجةٌ ... منها ولمْ يحصلْ لها بهوانِ
أتبيعُه بنسيئةٍ في غير هذي ... الدارِ بعدَ قيامةِ الأبدانِ

- الشيخ: إي والله نبيعُه، الله أكبر، أتبيع؟ هذا تقولُه النفس الأمَّارة بالسوء، نعم أتبيعُ؟
- القارئ:
أتبيعُه بنسيئةٍ في غير هذي ... الدارِ بعدَ قيامةِ الأبدانِ
هذا وإنْ جزمَتْ بها قطعًا ول ... كن حظُّها في حيِّزِ الإمكانِ
ما ذاكَ قطعيًّا لها والحاصلُ ال ... موجودُ مشهودٌ برأيِ عيانِ
فتألَّفت من بين شهوتِها وشُب ... هتِها قياساتٌ من البطلانِ
واستنجدَتْ منها رضًا بالعاجلِ ال ... أدنى على الموعودِ بعد زمانِ
وأتى من التأويلِ كلُّ مُلائِمٍ ... لمُرادِها يا رقَّةَ الإيمانِ
وصغَتْ إلى شُبهاتِ أهلِ الشِّركِ وال ... تعطيلِ مع نقصٍ من العرفانِ
واستنقصَت أهلَ الهدى ورأتْهُم ... في الناسِ كالغرباءِ في البلدانِ
ورأتْ عقولَ الناسِ دائرةً على ... جمعِ الحُطامِ وخدمةِ السلطانِ

- الشيخ: كل الناس كذا، كل الناس، أكثرهم، الاغترار بالكثرة، الاغترار بالكثرة، الاغترارُ بأحوالِ الناس.
- القارئ:
وعلى المليحةِ والمليحِ وعشرةِ ال ... أحبابِ والأصحابِ والإخوانِ
- الشيخ: أعد. أعد بيتين.
- القارئ:
واستنقصَتْ أهلَ الهدَى ورأتْهُمُ ... في الناسِ كالغرباءِ في البلدانِ
- الشيخ: المُتديِّنين ما لهم حضورٌ، ولا لهم شأنٌ، ولا لهم جاهٌ، ولا لهم..
- القارئ:
ورأتْ عقولَ الناسِ دائرةً على ... جمعِ الحُطامِ وخدمةِ السلطانِ
وعلى المليحةِ والمليحِ وعشرةِ ال ... أحبابِ والأصحابِ والإخوانِ
فاستوعرَتْ تركَ الجميعِ ولم تجدْ

- الشيخ: فاستوعرَت تركَ الجميع.. صحيح مُفارقة العوائد، هذا هو المعنى، مُفارقة العوائد، ومفارقةُ ما عليه الناس، مُفارقة صعبةٌ على النفس، فاستوعرت.
- القارئ:
فاستوعرَتْ تركَ الجميعِ ولم تجدْ... عوضًا تلذُّ به من الإحسانِ
فالقلبُ ليس يقرُّ إلا في إنا ... ءٍ فهوَ دونَ الجسمِ ذُو جولَانِ
يبغِي لهُ سكنًا يلذُّ بقربِه ... فتراه شبهَ الوالِه الحيرانِ
فيحبُّ هذا ثم يهوَى غيرَه ... فيظلُّ مُنتقلًا مدى الأزمانِ
لو نالَ كلَّ مليحةٍ ورئاسةٍ ... لمْ يطمئنَّ وكانَ ذَا دورانِ

- الشيخ: ما تشبعُ النفس، ولا يحصل لها الغنى مهما بلغَ، مهما نال من متعِ الدنيا ولذاتها.
- القارئ:
لو نالَ كلَّ مليحةٍ ورئاسةٍ ... لمْ يطمئنَّ وكانَ ذَا دورانِ
بلْ لو ينالُ بأسرِها الدنيا لمَا ... قرَّتْ بما قدْ نالَهُ العينانِ
نقِّلْ فؤادك حيثُ شئتَ من الهَوى ... واخترْ لنفسِكَ أحسنَ الإنسانِ
فالقلبُ مُضطرٌّ إلى محبوبِه ال ... أعلى فلا يُثنيه حبٌّ ثانٍ
وصلاحُه وفلاحُه ونعيمُه ... تجريدُ هذا الحبِّ للرحمنِ
فإذا تخلَّى منه أصبحَ حائرًا ... ويعودُ في ذا الكونِ ذا هيَمَانِ

- الشيخ: جزاك الله خيرًا، لا إله إلا الله، هذا فصلٌ بديعٌ مُؤثِّرٌ، مُصوِّرٌ لحال النفوسِ.
 
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :