الرئيسية/شروحات الكتب/نونية ابن القيم/(159) تابع فصل في زهد أهل العلم والإيمان وإيثارهم الذهب الباقي على الخزف الفاني
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(159) تابع فصل في زهد أهل العلم والإيمان وإيثارهم الذهب الباقي على الخزف الفاني

بسمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيم
التَّعليق على كتاب (نونيّة ابن القيم – الكافية الشَّافية)
الدرس: التَّاسع والخمسون بعد المئة

***    ***    ***

- المثل المضروب للدّنيا [1] - أحقُّ النَّاس بالحجر مَن آثرَ الفاني على الباقي [2] - بقاءُ عمل الإنسان في قبره ورجوع أهله وماله [3] - ثناءُ الشَّيخ على هذا الفصل مِن القصيدة [4]

 
 – القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلم وباركَ على نبينا محمدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين. أمَّا بعدُ فقالَ ابنُ القيِّم -رحمَه اللهُ تعالى-:
فصلٌ: في زهدِ أهل العلمِ والإيمانِ وإيثارهِم الذهبَ الباقيّ على خَزَفِ الفَانيّ.

– الشيخ: الله أكبر!
– القارئ: قالَ رحمَه اللهً:
لكنَّ ذا الإيمانِ يَعلمُ أنَّ هـ     ـذا كالظِّلالِ وكلُّ هذا فَانِ

– الشيخ: الله أكبر، يعني مُتَعُ الدنيا، يعني عُلِمَ في الفصلِ السَّابقِ حال الـمُؤْثِرِيْن للدُّنيا على الآخرة، وتعلُّقِهِم بها، والتماسِهِمُ الأعذارَ لأنفسِهم في ذلك، وفي هذا الفصل يَذكر موقفَ أهلِ العلمِ والإيمانِ المهتدين بهُدى المرسلين.
– القارئ:
لكنَّ ذا الإيمانِ يَعلمُ أنَّ هـ     ـذا كالظِّلالِ وكلُّ هذا فَانِ
كَخَيالِ طَيْفٍ ما اسْتَتَمَّ زيارةً     إلا وفجرُ رحيلِهِ بأذانِ
وسحابةٍ طَلعتْ بيومٍ صائفٍ     فالظِّلُّ منسوخٌ بقُربِ زمانِ
وكزهرةٍ وافى الربيعُ بحسنِها     زَالَا معاً فكلاهُما أخَوَانِ
أو كالسَّرابِ يَلوحُ للظَّمآنِ في     وَسَطِ الهجيرِ بمستوى القِيعانِ
أو كالأماني طابَ منها ذِكرُها     بالقولِ واستحضارُها بجَنانِ
وهي الغَرورِ رؤوسُ أموالِ المفا     ليسِ الأُلى اتَّجَروا بلا أثمانِ
أو كالطعامِ يَلَذُّ عندَ مَسَاغِهِ     لكنَّ عُقْباهُ كما تَجدانِ
هذا هو المثلُ الذي ضَرَبَ الرسو     لُ لها وذا في غايةِ التبيانِ

– الشيخ: الله أكبر! شوف التعليق على المثال.
– القارئ: قال: يُشيرُ إلى ما رُويَ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ الْكِلَابِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُ:
(يَا ضَحَّاكُ مَا طَعَامُكَ؟) قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اللَّحْمُ وَاللَّبَنُ؟ قَالَ: (ثُمَّ يَصِيرُ إِلَى مَاذَا؟) قَالَ: إِلَى مَا قَدْ عَلِمْتَ، قَالَ: (فَإِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- ضَرَبَ مَا يَخْرُجُ مِنْ ابْنِ آدَمَ مَثَلًا لِلدُّنْيَا) رواهُ أحمدُ والطبرانيُّ والبيهقيُّ في شُعَبِ الإيمانِ، قال الهيثميُّ: رواهُ أحمدُ والطبرانيُّ، ورجالُ الطبرانيِّ رجالُ الصحيحِ غيرَ عليِّ بنِ زيدِ بنِ جَدْعان وقدْ وُثِّقَ.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
1 المثل المضروب للدّنيا
- الشيخ: وُثِّقَ، وهو المشهورُ تضعيفُه. لكن المعنى، أقول: المعنى حقٌّ، أنَّ الدنيا تصيرُ إلى مثلِ ما يصيرُ طعامُ الإنسانِ اللذيذُ الطيبُ الذي يأكلُه يصيرُ إلى ماذا؟ يخرج منه، يصيرُ إلى أخبثِ ما يكونُ بولٌ وغائطٌ وخبائثُ، أعوذ بالله!
فهذا مصيرُ الدنيا، هذه الدنيا الزاهية المزدهِرة التي فيها المظاهرُ والمـُغريات وأنواعُ الزِّينات وأنواع الـمُسْتَلَذَّاتِ خلاص، تنتهي إلى زوالٍ وإلى دمارٍ وسوءِ حالِ الإنسانِ، نعوذ بالله، الله أكبر.

- القارئ:
وإذا أردتَ ترى حقيقتَها فَخُذْ      منْهُ مثالاً واحداً ذا شانِ
- الشيخ: يكفي واحد من هذه الأمثلة.
- القارئ:
أَدْخِلْ بجهدِكَ أُصبعاً في اليَمِّ وانـْ      ـظُرْ ما تَعَلّقَهُ إذًا بِعِيانِ
- الشيخ: هذا مثلٌ من الامثالِ المضروبةِ للدنيا، مَثَلُ ما يُدخِلُ الإنسانُ أُصبعَهُ في اليَمِّ ويرفعُهُ ماذا تعلَّقَ به من اليَمِّ؟ هكذا من يَدخلُ الدنيا يَخرجُ منها بماذا؟ لا بشيء
- القارئ:
هذا هو الدُّنيا كذا قالَ الرسو      لِ ممثِّلاً والحقُّ ذو تِبيانِ
وكذاكَ مَثَّلَهَا بِظِلِّ الدَّوْحِ في      وقتِ الحَرورِ لقائلِ الركبانِ

- الشيخ: (مَا لِي وَلِلدُّنْيَا؟ إنَّمَا مَثَلِي ومَثَلُ الدُّنْيَا كَرَاكِبٍ قَالَ في ظِلِّ دوحَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا)، والله، نسألُ اللهَ العافيةَ.
- القارئ:
هذا ولو عَدَلَتْ جناحَ بعوضةٍ      عندَ الإلهِ الحقِّ في الميزانِ
لمْ يَسْقِ منها كافراً مِنْ شَربةِ      ماءٍ وكانَ أَحَقَّ بالحِرمانِ
تاللهِ ما عَقْلُ امرئٍ قدْ باعَ ما      يَبقى بما هو مُضْمَحِلٍّ فَانِ
هذا وتُفْتِي ثمَّ تقضِي حاكماً     بالحَجْرِ مِنْ سَفَهٍ لِذَا الإنسانِ
إذْ باعَ شيئاً قَدْرُهُ فوقَ الذي
 
2 أحقُّ النَّاس بالحجر مَن آثرَ الفاني على الباقي
- الشيخ: إي معروف يقولُ: إذا كانَ المفتي والحاكم يحكمُ على السَفيه الذي يبيعُ الشيءَ ولا يُحسِنُ التصرُّفَ يبيعُه بأقلِّ من ثمنِ الـمِثْلِ، أصبحَ ما يُحسِنُ التصرُّفَ، يُقضَى عليه بالحَجْرِ، أليسَ هذا أحقَّ -مَن يُؤثِرُ ما يَفنى على ما يَبقى- أليسَ هذا أسفَه؟ أو أشدَّ سفهًا؟
- القارئ:
هذا وتُفْتِي ثمَّ تقضِي حاكماً      بالحَجْرِ مِنْ سَفَهٍ لِذَا الإنسانِ
إذْ باعَ شيئاً قَدْرُهُ فوقَ الذي      يَعْتَاضُهُ مِن هذهِ الأثمانِ
فَمَنِ السَّفِيهُ حقيقةً إنْ كنتَ ذا      عقلٍ وأنَّ العقلَ للسَّكرانِ
واللهِ لو أنَّ القلوبَ شَهِدْنَ مِنـَّ      ـا كانَ شأنٌ غيرُ هذا الشانِ
نَفَسٌ مِن الأنفاسِ هذا العيشُ إنْ      قِسْنَاهُ بالعَيشِ الطويلِ الثَّاني
يا خِسَّةَ الشُّرَكَاءِ مَعَ عَدَمِ الوَفَا      ءِ وطُولَ جَفْوَتِهَا معَ الحِرمانِ
هلْ فيكِ مُعتبَرٌ فَيَسْلُو عَاشِقٌ      بمصارعِ العُشَّاقِ كلَّ زمانِ
لكنْ على تلكَ العيونِ غَشَاوةٌ      وعلى القلوبِ أَكِنَّةُ النِّسيانِ
وأخو البَصَائِرِ حاضرٌ مُتَيَقِظٌ      مُتَفَرِّدٌ عَنْ زُمْرةِ العُميانِ
يَسمُو إلى ذاكَ الرفيقِ الأرفعِ الأ      على وخَلَّى اللَّعِبِ للصِّبيانِ

- الشيخ: "وخَلَّى اللَّعِبِ للصِّبيانِ" "وخلَّا" أم "وخلِّ"؟
- القارئ: "وخَلَّى" بالماضي أحسنَ اللهُ إليك.
يَسمُو إلى ذاكَ الرفيقِ الأرفعِ الأ      على وخَلَّى اللَّعِبِ للصِّبيانِ
والناسُ كلُّهُم فَصِبيانٌ وإنْ     بَلَغُوا سِوى الأفرادِ والوُحْدانِ
وإذا رأى ما يشتهيهِ قالَ مَوْ     عِدَكَ الجِنانُ وَجَدَّ في الأثمانِ

- الشيخ: موعدكَ أم موعدَكِ؟
- القارئ: قال: موعدُكَ.
- الشيخ: بالفتح؟
- القارئ: ضم الدال أحسنَ اللهُ إليك.
- الشيخ: عندك أيش
- طالب: بالكَسر

- الشيخ: كأنَّه للنَّفسِ زينةٌ، كأنَّ الكَسرَ أنسبُ، يقول لنفسِهِ: موعدكِ.
- القارئ:
وإذا رأى ما يشتهيهِ قالَ مَوْ      عِدَكِ الجِنانُ وَجَدَّ في الأثمانِ
وإذا رأى ما تشتهيهِ نفسُهُ      قال انْظُري عُقباه بعدَ زمانِ
وإذا أَبَتْ إلا الجِماحَ أعاضَهَا     بالعلمِ بعدَ حقائقِ الإيمانِ
ويَرى مِن الخُسرانِ بَيْعَ الدائمِ الـ     ـباقي بِهِ يا ذِلَّةَ الخُسْرانِ
ويَرَى مَصَارِعَ أهلِها مِنْ حولِهِ     وقلوبُهُم كمراجلِ النيرانِ
حَسَرَاتُها هُنَّ الوقودُ فإنْ خَبَتْ      زادَتْ سعيراً بالوقودِ الثاني
جَاؤوا فُرادَى مثلَ ما خُلِقُوا بِلَا      مَالٍ ولا أهلٍ ولا إخوانِ
 
3 بقاءُ عمل الإنسان في قبره ورجوع أهله وماله
- الشيخ: الله أكبر، خلاص يَخرجونَ من هذه الدنيا بدونِ، ليسَ معهمْ شيءٌ منها لا مالَ ولا.. إذا ماتَ ابنُ آدمَ فإنَّهُ يَصْحَبُهُ ثلاثةٌ: مالُه وأهلُه وعملُه فيرجعُ اثنانِ -كما في الحديث الصحيح- فيرجعُ اثنانِ ويَبْقى واحدٌ، أهلُه ومالُه يتركونَه يمشي الأهلُ يودِّعُونه خلاص أيش يستفيدوا منه؟ أصبحَ جُثمانًا لا ينتفعون منه بشيءٍ، والمالُ يرجعون حتى يتقاسَمُونَه، ويتنافسون عليه، ويختصمون عليه، ويبقى الصاحب اللازم المـُلازِم وهو: العمل. لا إله إلا الله. هكذا مثَّل النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- حالَ الإنسان. أعد البيتين.
- القارئ:
ويَرَى مَصَارِعَ أهلِها مِنْ حولِهِ      وقلوبُهُم كمراجلِ النيرانِ
حَسَرَاتُها هُنَّ الوقودُ فإنْ خَبَتْ      زادَتْ سعيراً بالوقودِ الثاني
جَاؤوا فُرادَى مثلَ ما خُلِقُوا بِلَا     مَالٍ ولا أهلٍ ولا إخوانِ
مَا معْهُمُ شيءٌ سِوَى الأعمالِ فَهـِ      ـيَ متاجِرٌ للنارِ أو لـِجِنَانِ
تَسْعَى بهمْ أعمالُهم سَوْقَاً إلى الدَّ      ارَيْنِ سَوْقَ الخَيلِ بالـرُّكـبَانِ
صَبَرُوا قليلاً فاستراحُوا دائماً      يا عِزَّةَ التوفيقِ للإنسانِ
حَمِدُوا التُّقَى عندَ المماتِ كذا السُّرى      عندَ الصباحِ فَحَبَّذَا الحَمْدَانِ
وَحَدَتْ بِهمْ عَزَمَاتُهُمْ نحو العُلى      وَسَرُوا فَمَا نَزَلُوا إلى نَعمانِ

- الشيخ: وسرَوا من السُّرى، وسرَوا.
- القارئ:
باعُوا الذي يَفنى مِن الخَزَفِ الخَسِيـْ     ـسِ بدائمٍ مِنْ خالصِ العِقيانِ
رُفِعَتْ لهمْ في السَّيرِ أعلامُ السعا      دةِ والهُدى يا ذِلَّةَ الحَيرانِ
فَتَسَابَقَ الأقوامُ وابتدرُوا لها      كتسَابقِ الفرسانِ يومَ رِهَانِ
وأخو الهُوَيْنى في الدِّيارِ مُخلَّفٌ     معَ شَكْلِهِ يَا خَيبةَ الكسلانِ
- الشيخ: الله أكبر، جزاك الله خيراً.. لا إله إلا الله، ما شاء الله.
4 ثناءُ الشَّيخ على هذا الفصل مِن القصيدة
هذا الفصلُ شقيقُ الفصلِ الذي قبلَه، كلُّه تعبيرٌ وتصويرٌ لحالِ الدنيا معَ الآخرة، والله -تعالى- يَضربُ الأمثالَ للدنيا والآخرة مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ [الكهف:45] والآية الاخرى: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ [الأنعام:94]. 
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :