الرئيسية/شروحات الكتب/نونية ابن القيم/(162) فصل في توجه أهل السنة إلى رب العالمين أن ينصر دينه وكتابه ورسوله وعباده المؤمنين
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(162) فصل في توجه أهل السنة إلى رب العالمين أن ينصر دينه وكتابه ورسوله وعباده المؤمنين

بسمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيم
التَّعليق على كتاب (نونيّة ابن القيم – الكافية الشَّافية)
الدرس: الثَّاني والسّتون بعد المئة

***    ***    ***

- نصرُ الدّين كله أمرٌ بمعروفٍ ونهيٌ عن منكرٍ [1] - توسُّلُ النَّاظم إلى الله لنصرةِ دينِه [2]

 
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلى الله وسلم وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. أمَّا بعدُ: فقالَ ابنُ القيمِ رحمَهُ اللهُ تعالى..
– الشيخ: نحنُ قرأْنَا الهَرَّاس على الفصولِ هذي الأخيرة؟
– القارئ: الفصلُ الأخير ما قرأنَاهُ، اللي هو كانَتْ
– الشيخ: في أعدائِهِ الأربعة؟
– القارئ: في أعدائِهِ الأربعة.
– الشيخ: قرأناه؟
– القارئ: قرأنا على الأول تقريباً.
– الشيخ: طيّب، تفضل كمِّل.
– القارئ: أقرأُ المتن؟ الشرح؟
– الشيخ: في طريقِك، لا، لا، كمِّل اللي عندكَ، اللي عندكَ.
– القارئ: قالَ رحمَه اللهُ تعالى:
فصلٌ: في توجُّهِ أهلِ السُّنَّة إلى ربِّ العالمينَ أنْ ينصرَ دينَهُ وكتابَهُ ورسولَهُ وعبادَهُ المؤمنينَ.

قالَ رحمَه اللهُ تعالى:
هذا ونَصْرُ الدِّينِ فرضٌ لازمٌ       لا للكفايةِ بَلْ على الأعيانِ

بِيَدٍ وإمَّا باللسانِ فإنْ عجزَ       تَ فبالتوجُّهِ والدُّعَا بحَنانِ
 

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
1 نصرُ الدّين كله أمرٌ بمعروفٍ ونهيٌ عن منكرٍ
- الشيخ: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ ... فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ) فالأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عَن المنكرِ هو من نصرِ الدِّينِ، بلْ نصرُ الدينِ كلُّهُ أمرٌ بمعروفٍ ونهيٌ عَن منكرٍ مِن الشِّركِ وما دونَهُ، والكفرِ.
- القارئ:
ما بعدَ ذَا واللهِ للإيمانِ حَبـَّ       ـةُ خَرْدَلٍ يا ناصرَ الإيمانِ
بحياةِ وجهِكَ خيرِ مسئولٍ بِهِ    
2 توسُّلُ النَّاظم إلى الله لنصرةِ دينِه
- الشيخ: قَسَمٌ يعني هو، أو توسُّلٌ، توسُّلٌ، توسُّلٌ، توسُّلٌ، بحياةِ وجهِكَ خيرِ مسئولٍ، يعني: النُّظْمُ يضطرُهُ، يعني كأنه يقولُ: أسألكَ بوجهِكَ. نعم بحياةِ وجهك.
- القارئ:
بحياةِ وجهِكَ خيرِ مسئولٍ بِهِ       وبنورِ وجهِكَ يا عظيمَ الشَّانِ
وبحَقِّ نِعْمَتِكَ التي أَوْلَيْتَهَا            مِنْ غيرِ ما عِوَضٍ ولا أثمانِ
وبحَقِّ رحمتِكَ التي وسِعَتْ جميعَ الـ       ـخَلقِ مُحسنَهُمْ كذاكَ الجَاني

- الشيخ: كلُّ هذا السِّياقِ -باعتبارِ أولِهِ- كلُّهُ مِن قبيلِ التَّوسُّلِ.
- القارئ:
وبحقِّ أسماءٍ لكَ الحُسنى مَعَا       نِيْهَا ونعوتُ المدحِ للرحمنِ
وبحقِّ حمدِكَ وهو حمدٌ واسعُ الـ       أكوانِ بلْ أضعافُ ذِي الأكوانِ
وبأنَّكَ اللهُ الإلهُ الحقُّ معـ       ـبودُ الوَرَى مُتَقَدِّسٌ عَن ثانِ
بلْ كلُّ معبودٍ سِواكَ فباطلٌ       مِن دونِ عَرْشِكَ للثَّرَى التَّحْتَانيّ
وبِكَ الـمَعَاذُ ولا مَلَاذَ سِواكَ أنـْ       ـتَ غِياثُ كلِّ مُلَدَّدٍ لهفانِ
مَنْ ذاكَ للمُضَّطَرِ يَسمعُهُ سِوَا       كَ يجيبُ دعوتَهُ معَ العِصيانِ

- الشيخ: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62]
- القارئ: 
إنَّا تَوجَّهْنَا إليكَ لحاجةٍ       تُرضيكَ طالبُهَا أحقُّ مُعانِ
فاجعلْ قَضَاهَا بعضَ أنْعُمِكَ التي       سَبَغَتْ علينا منكَ كلَّ زمانِ
انصرْ كتابَكَ والرسولَ ودينَكَ الـ       ـعالي الذي أنزلْتَ بالبرهانِ
واخترتَهُ دِيناً لنفسِكَ واصطفَيْـ       ـتَ مُقِيمَهُ مِن سائرِ الإنسانِ
ورضيتَهُ دِيناً لِمَنْ تَرْضاهُ مِن       هذا الوَرَى هو قَيِّمُ الأديانِ

- الشيخ: الله أكبر، عظيم! عظيم! أقول: كلامٌ مستمَدٌّ مِن كتابِ اللهِ وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3]
- القارئ:
وأَقِرَّ عينَ رسولِكَ المبعوثِ بالـ       ـدينِ الحنيفِ بنصرِهِ الـمُتَدَانِ
وانصرْهُ بالنصرِ العزيزِ كمِثْلِ ما       قَدْ كنتَ تنصرُهُ بكلِّ زمانِ

- الشيخ: الله أكبر، نسألُ الله أنْ ينصرَ دينَهُ، اللهمَّ انصرْ دينَكَ وكتابَكَ وعبادَكَ، اللهمَّ انصرْ دينَكَ واجعلْنَا أنصارَهُ، اللهمَّ انصرْ دينَكَ واجعلْنَا أنصارَهَ، اللهمَّ انصرْ بنا، اللهمَّ انصرْ بنا، اللهمَّ انصرْ بنا.
- القارئ:
وانصرْهُ بالنصرِ العزيزِ كمِثْلِ ما       قَدْ كنتَ تنصرُهُ بكلِّ زمانِ
يا ربِّ وانصرْ خيرَ حِزْبَيْنَا على       حزبِ الضلالِ وعَسْكرِ الشيطانِ
يا ربِّ واجعلْ شَرَّ حِزْبَيْنَا فِدَىً       لخيارِهِم ولِعَسْكرِ القرآنِ
يا ربِّ واجعلْ حِزْبَكَ المنصورَ أهـ       ـلَ تراحمٌ وتواصلٌ وتدانِ

- الشيخ: الله أكبر، الله أكبر، يعني: اللهمَّ أصلحْ ذاتَ بينِهم، واجعلْهُم إخوةً متآلفينَ مُتحابِّينَ، الله أكبر، نعم أعد بيتين.
- القارئ:
يا ربِّ واجعلْ شَرَّ حِزْبَيْنَا فِدَىً       لخيارِهِم ولِعَسْكرِ القرآنِ
يا ربِّ واجعلْ حِزْبَكَ المنصورَ أهـ       ـلَ تراحمٌ وتواصلٌ وتدانِ
يا ربِّ واحْمِهِمُ مِن البِدَعِ التي       قدْ أُحدِثَتْ في الدِّينِ كلَّ زمانِ
يا ربِّ جَنِّبْهُم طرائقَها التي       تُفضِي بسالِكِهَا إلى النِّيرانِ

- الشيخ: أعوذ بالله من النار.
- القارئ: يا ربِّ واهدهِمُ بنورِ الوَحِي كِي       يصلُوا إليكَ فيَظْفَرُوا بجِنَانِ
- الشيخ: يا الله، يا الله، يدعو -أقول- يدعو لأمةِ الإسلامِ، يدعو للمسلمين خاصةً أهلَ السُّنَّة والجماعة.
- القارئ:
يا ربِّ كُنْ لهمُ وليَّاً ناصراً       واحفظْهُمُ مِن فتنةِ الفَتَّانِ
وانصرْهُمُ يا ربِّ بالحقِّ الذي       أنزلتَهُ يا مُنزلَ الفرقانِ
يا ربِّ إنَّهُمُ هُمُ الغُرَبَاءُ قَدْ       أَوَوْا إليكَ وأنتَ ذُو الإحسانِ
يا ربِّ قَدْ عَادَوا لأجْلِكَ كلَّ       هذا الخلقِ إلا صادقَ الإيمانِ
قَد فَارقُوهُم فيكَ أحوجَ ما هُمُ       دُنْيَا إليهِمْ في رِضَا الرحمنِ
ورَضَوا وِلَايَتَكَ التي مَنْ نَالَها       نَالَ الأمانَ ونالَ كلَّ أماني
ورضُوا بوحِيكَ مِنْ سِواهُ وما ار   تَضُوا بسِواهُ مِنْ آراءِ ذِي الأذهانِ
يا ربِّ ثَبِّتْهُم على الإيمانِ واجـ       ـعَلْهُمْ هُداةَ التَّائِهِ الحيرانِ
وانصرْ على حزبِ النُّفَاة عساكرَ الـ  إثباتِ أهلَ الحَقِّ والعِرفانِ
وأقمِ لأهلِ السُّنَّةِ النبويةِ الـ       أنصارَ وانْصُرْهُمْ بكلِّ مكانِ
واجعلْهُم للمتقينَ أئمَّةً           وارزقْهُمُ صبراً معَ الإيقانِ
تَهْدِي بأمرِكَ لا بِمَا قَدْ أحْدَثُوا          

- الشيخ: تَهْدِي، كذا؟
- القارئ: نعم، أحسنَ اللهُ إليك، هِي تكملةٌ للبيتِ السابقِ، واجعلْهُم يهدونَ بأمرِكَ، تَهْدِي بأمرِكَ لا بِمَا قَدْ أحْدَثُوا.
تَهْدِي بأمرِكَ لا بِمَا قَدْ أحْدَثُوا       ودَعَوا إليهِ الناسَ بالعدوانِ
وَأَعِزَّهُم بالحقِّ وانصرْهُم بِهِ       نصراً عزيزاً أنتَ ذُو السُّلطانِ
واغفرْ ذنوبَهُمُ وأصلحْ شأنَهُم       فلأنتَ أهلُ العفوِ والغُفرانِ
ولكَ المحامدُ كلُّها حَمْداً كمَا       يُرضيكَ لا يَفْنى على الأزمانِ
مِلءَ السمواتِ العُلَى والأرضِ والـ       ـموجود بعدُ ومُنْتَهَى الإمكانِ
ممَّا تشاءُ وراءَ ذلكَ كُلِّهِ       حمداً بغيرِ نهايةٍ بزمانِ

- الشيخ: هذا أقولُ: مِن معنى الحمدِ بعدَ الركوعِ: (مِلْءَ السَّمَوَاتِ والْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ).
- القارئ: وعلى رسولِكَ أفضلُ الصلواتِ والتـ       ـسليمِ منكَ وأكملُ الرضوانِ
- الشيخ: اللهم صلِّ وسلم عليهِ، اللهم صلِّ على عبدِكَ ورسولِكَ، الله أكبر، أعد البيت.
- القارئ: وعلى رسولِكَ أفضلُ الصلواتِ والتـ       ـسليمِ منكَ وأكملُ الرضوانِ
- الشيخ: اللهمَّ صلِّ وسلِّم، اللهمَّ صلِّ وسلِّم.
- القارئ: وعلى صحابتِهِ جميعاً والأُلَى       تَبِعُوهُمُ مِن بعدُ بالإحسانِ
انتهى. تَمَّتْ، وللهِ الحمدُ.

- الشيخ: الله أكبر، رحمَه اللهُ وجزاهُ اللهُ، اللهمَّ انصر الإسلام.. اقرأْ بعضَ كلامِ الهَرَّاس.. لا إله إلا الله.
 

- القارئ: قالَ الشيخُ محمد خليل الهَرَّاس رحمَه اللهُ تعالى:
أنْ فرغَ المؤلِّفُ مِن ذكرِ صنوفِ أعداءِ التوحيدِ والسُّنةِ وطريقِ سلفِ الأمةِ مِن أهلِ الزيغِ والضلالِ والإلحادِ والبِدعةِ، توجَّهَ إلى إخوانِهِ مِن أهلِ السُّنَّةِ المحمديةِ وأنصارِ الطريقةِ السَّلفيةِ، التي هي الفرقةُ الناجيةُ المنصورةُ إلى قيامِ السَّاعةِ، مُوصِياً لهمْ بالدفاعِ عَن الإسلامِ، والجهادِ لإعلاءِ كلمتِهِ ضِدَّ خصومِهِ مِن سائرِ فِرَقِ الضلالِ وأشياعِ الباطلِ، مُبيِّنَاً أنَّ هذا فرضٌ حَتْمٌ على كلِّ أحدٍ، وليسَ فرضاً على الكفايةِ حتى يَكفي قيامُ جماعةٍ بِهِ ويسقطُ الحَرَجُ عَن بقيتِهِم.
وهذا النصرُ للإسلامِ والجهادُ لإزالةِ كلِّ ما يخالفُهُ لَهُ ثلاثُ مراتبٍ:
فأولُها وأعلاهَا: أنْ يكونَ باليدِ، معَ القدرةِ والإمكانِ.
وأوسطُهَا: أنْ يكونَ بالإرشادِ والنُّصحِ والبيانِ لِمَنْ عجزَ عَن إزالتِهِ باليدِ.
وأدناها: أنْ يكونَ إنكاراً بالقلبِ، وتوجُّهَاً بالدعاءِ إلى اللّهِ أنْ ينصرَهُ ويعليهِ.
وقدْ بَيَّنَ النبيُّ صلّى اللّه عليه وسلّم هذهِ المراتبَ بقولِهِ في الحديثِ الصحيحِ: (
مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ).
وبقولِهِ في الحديثِ الصحيحِ الآخرِ:
(خيرُ القرونِ القرنُ الذي بُعثْتُ فيهِم، ثمَّ الذينَ يَلُونَهُم، ثمَّ الذينَ يَلُونَهُم، ثمَّ تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ).
و لَمَّا كانَ المؤلِّفُ رحمَه اللّهُ ومَن معَهُ مِن إخوانِهِ الموحِّدِين ليسَ في مقدورِهم القيامَ بالدرجةِ الأولى، وهِيَ نصرُ دينِ اللّهِ بالسِّيفِ والسِّنانِ، وذلكَ؛ لِقِلَّتِهِم وضَعْفِهِم وسطَ جيوشِ الجهلِ والظُّلمِ التي لها الصَّولةُ والدولةُ، فقدْ توجَّهَ إلى اللّهِ عز وجل بهذا الدعاءِ الضارعِ والنِّداءِ الذليلِ، متوسلاً إليهِ بأحبِّ الوسائلِ لديهِ وهِيَ أسماؤُهُ الحُسنى وصفاتُهُ العُليا، فهوَ يسألُهُ بحياةِ وجهِهِ ونورِهِ وبعظمةِ جلالِهِ وشأنِهِ وقديمِ سلطانِهِ، وبِحَقِّ نِعَمِهِ وآلائِهِ التي أولاهَا ووهبَهَا مِن غيرِ سابقِ عملٍ، ولا سَعْيٍ تكونُ جزاءً لَهُ، وبحقِّ رحمتِهِ التي وسعَتْ جميعَ خلقِهِ في الدنيا، مؤمنِهم وكافرِهم، بَرِّهِم وفاجرِهِم.
وبحقِّ أسمائِهِ الحُسنى كلِّها الدالَّةِ على صفاتِ كمالِهِ التي يُمدَحُ ويُثنَى عليهِ بها، وبحقِّ حمدِهِ الذي ملأَ الأكوانَ كلَّها، بلْ هو أضعافُ أضعافِها.
ويسألُهُ كذلكَ بحقِّ إلهيتِهِ التي تفرَّدَ بها وتنزَّهَ عَن أنْ يكونَ لَهُ شريكٌ فيها، فليسَ معَه إلهٌ غيرُهُ، بلْ كلُّ ما عُبِدَ سواهُ فعبادتُهُ مَحْضُ الباطلِ وعينُ الضلالِ والافتراءِ مِن العَرْشِ إلى الفرشِ، وبِهِ وحدَهُ العَوذُ والتحصُّنُ مِن كلِّ شَرِّ وسوءٍ، وهو الـمَلَاذُ لعبدِهِ مِن كلِّ خوفٍ ومكروهٍ، وهو الغِياثُ لكلِّ مكروبٍ ومَلهوفٍ، فمَنْ غيرُهُ للمُضطرِ يَسمعُهُ ويجيبُ دعوتَهُ معَ عصيانِهِ ومخالفتِهِ.
ثمَّ قالَ بعدَ هذهِ التَّوسُلاتِ القويةِ التي تزيحُ الجبالَ مِن أماكنِهَا: إنّا قدْ توجَّهْنَا إليكَ بحاجةٍ فيها حُبُّكَ ورضاكَ، وطالِبُهَا أحقُّ بعونِكَ مِن كلِّ مَن دعاكَ، فاجعلْ قَضَاءَهَا مِن جملةِ النِّعَمِ التي أَوْلَيْتَها في جميعِ الأوقاتِ.
وهذهِ هي الحاجةُ التي يريدُ المؤلِّفُ مِن اللّهِ عز وجل قضاءَهَا، وهي أنْ ينصرَ كتابَهَ المبين، فيُقِيِّضُ لَهُ مَن يُظهرُ حُججَهُ ويُوضِّحَ أغراضَهُ ومقاصدَهُ، و ينفيَ عنه تحريفَ الزائغينَ وانتحالَ المُبطلينَ وتأويلَ الجاهلينَ، وينصرَ رسولَهُ الأمينَ بنصرِ سُنَّتِهِ وإظهارِهَا وتأييدِ العاملينَ بِهَا، وينصرَ دينَهُ القويمَ الذي أنزلَهُ مُؤيَّدًا بالحجةِ والبرهانِ، واختارَهُ لنفسِهِ دينًا، واصطفَى مَن جاءَ بِهِ، وأقامَهُ على الخلقِ أجمعينَ، ورَضِيَهُ ديناً لِمَن رَضِيَ عنهمْ مِن خلقِهِ، وجعلَهُ مُهيمنًا على الدِّينِ كلِّهِ، وأنْ يُقِرَّ عينَ رسولِهِ الذي بعثَهُ بهذا الدينِ الحنيفِ بنصرِهِ العاجلِ القريبِ، وأنْ ينصرَهُ النَّصرَ العزيزَ الـمُؤَزَّرَ، كما نصرَهُ في كلِّ العصورِ، وأنْ ينصرَ مَن يعلمُ أنه خيرُ الحِزْبَيْنِ وأفضلُ الفَريقينِ مِنَّا ومِنْ حزبِ الضلالِ وعسكرِ الشيطانِ، وأنْ يجعلَ شَرَّ الحِزبينِ فداءً لخيرِهِم مِن جندِ الايمانِ وعسكرِ القرآنِ، وأنْ يُؤلِّفَ بينَ قلوبِ أوليائِهِ مِن أهلِ التوحيدِ، فيجعلَهُم مُتواصلينَ مُتراحمينَ متقاربينَ.
وأنْ يَقِيَهُم شرَّ المحدَثاتِ والبِدَعِ الـمُضلَّةِ، وأنْ يُجنِّبَهم مَسالِكَها وشِعَابِها التي تُفضي بأصحابِها إلى النارِ، وأنْ يهديَهُم بنورِ الوحِي حتَّى يستقيمُوا على صراطِ اللّهِ فيَظْفَروا برحمتِهِ ورِضَاهُ، وأن يكونَ وليَّهم وناصرَهم وحافظاً لهمْ مِن كلِّ فتنةٍ، وأنْ ينصرَهُم بالحقِّ الذي أنزلَهُ، فإنَّهُ نِعْمَ المولى ونِعْمَ النصيرُ.
ثمَّ يذكرُ المؤلِّفُ مِن أحوالِ أهلِ التوحيدِ والسُّنَّةِ وما هُم فيهِ مِن ضَعْفٍ وقِلَّةٍ، ما يَسْتَدِرُّ بِه رحمةَ اللّهِ عليهِم ونظرَهُ إليهم، فيقولُ: يا ربِّ إنَّهم هُم الغُربَاءُ في أوطانِهم وبينَ أهليهِم، وقدْ لجؤُوا إلى بابِكَ وأنزلوا حاجاتِهم بكريمِ رحابِكَ وأنتَ مَولى الفضلِ والإحسانِ.
وقد عادَوا مِن أجْلِكَ كلَّ الناسِ حتى الآباءَ والأبناءَ والأهلَ والعشيرةَ، ووالَوا فيكَ مَنْ كانَ على شاكلتِهم مِن أهلِ طاعتِكَ وتوحيدِكَ، وقدْ فارقُوا الناسَ وهُم أحوجُ ما يكونونَ إليهِم ليُعينُوهُم على شؤونِ دينِهم التي فيها رضاكَ، ولمْ يتخذُوا مِن دونِكَ وليَّاً يتولَّونَهُ، بلْ رضوا بولايتِكَ التي تُنيلُ صاحبَها أَمْنَهُ وأمانيهِ، واكتفَوا في دِينِهم بوحيكَ لمْ يَعْبَؤوا بغيرِه ولا اتخذُّوا بديلاً منْهُ آراءَ الهَاذِينَ والمُخلِّطِينَ.
فثبِّتْهِم يا ربِّ على الإيمانِ، فأنتَ مُقَلِّبُ القلوبِ كلِّها، بينَ أُصبعَيْكَ تُحوِّلُها كما تشاءُ، واجعلْهُم هداةَ كلِّ تائهٍ وضالٍّ، وانصرْ حزبكَ مِن أهلِ الإثباتِ أهلِ الحَقِّ والمعرفةِ على حزبِ النُّفاةِ الزَّائغينَ.
وهَيِّئْ لأهلِ السُّنَّةِ النبويةِ الجُنْدَ والأعوانَ وانصرْهُم في كلِّ مكانٍ، واجعلْهُم للمتقينَ إماماً، وارزقْهُم ما بهِ يَستأهلونَ منصبَ الإمامةِ في الدِّينِ مِن الصبرِ واليقينِ، كمَا قلتَ سبحانَكَ: وجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ [السجدة:24]
نعم يهدونَ الناسَ بأمرِكَ ووحيكَ لا بما أحدَثَهُ أهلُ البِدَعِ والضَّلالِ، ودعوا إليهِ الناسَ بالعُدوانِ، وأَعِزَّهُم بعِزَّةِ الحَقِّ وانصرْهُم بِهِ النصرَ العزيزَ فأنتَ ربُّ العِزَّةِ والسلطانِ. وصلِّ اللهمَّ على رسولِكَ محمَّدٍ وصحابتِهِ. والحمدُ للّهِ ربِّ العالمينَ.
ثمَّ ذكرَ: خاتمةً ورجاءً.
خاتمةٌ ورجاءٌ: وبعدُ:
فهذا مبلغُ ما يَسَّرَ اللّهُ مِن الجُهدِ في شرحِ هذهِ القصيدةِ الجامعةِ التي حَوتْ مِن أبوابِ العِلمْ وعَويصِ المسائلِ وفنونِ الحِجَاجِ والجَدَلِ وصنوفِ المذاهبِ والمقالاتِ ما جعلَهَا فريدةً في بابِها.
وهو شرحٌ لا أدَّعِي أنَّهُ بلغَ درجةَ الكمالِ ونهايةَ الإتقانِ، فإنَّ دَرْكَ الكمالِ في هذا المجالِ مُحَالٌ، ولكنَّهُ على كلِّ حالٍ محاولةٌ فيها النَّجاحُ أغلبُ مِن الفشلِ، والنصرُ أكبرُ مِن الهزيمةِ، رغمَ قِلَّةِ الوسائلِ، وكثرةِ العوائقِ والشواغلِ، فهو تمهيدٌ صالحٌ لِمَنْ يريدُ أنْ يسلكَ الطريقَ إلى زيادةٍ أو إجادةٍ، ويعلمُ اللّهُ كَمْ مِن مرةٍ وقفتُ أمامَ عَصَى شُموسٍ مِن أبياتِها أُقَلِّبُ فيهِ الفِكْرَ وأُجيلُ الخاطرَ حتى سَلَسَ لي مُقادُهُ، واطمأنَّ نافرُهُ.
وقدْ التزمْتُ في هذا الشرحِ ما سبقَ أنْ وعدتُ بِهِ في المقدمةِ، وهو أنْ لا يكونَ طويلاً إلى حَدِّ الإملالِ، ولا قصيراً إلى درجةِ الإخلالِ، كمَا تَوخيْتُ فيهِ بساطةَ الأسلوبِ وسهولةَ التعبيرِ؛ حتى يتيسرَ فهمُهُ لكلِّ قارئٍ مهمَا كانَتْ درجتُهُ مِن الثقافةِ.
وسيجدُ القارئُ فيه أحياناً نوعاً مِن السَّجَعِ الذي لمْ أتكلَّفَهُ، وإنَّما كانَ يجيءُ عَفْواً، فتزيدُ العبارةُ بِه حُسْنَاً والأسلوبُ رَونَقَاً، وإذا كانَ لي مَا أرجوهُ مِن القارئِ الكريمِ، فهو أنْ يقرأَهُ قراءةَ مُنْصِفٍ، وأنْ يُحاولَ جهدَ الطاقةِ أنْ يُطابِقَ بينَ الأبياتِ وبينَ شرحِها، فسيجدُ الثوبَ على قَدرِ الجَسَدِ، اللهمَّ إلا في بعضِ الأحيانِ قدْ يفيضُ ويتسعُ إذا وُجدَتْ حاجةً إلى الزيادةِ والاستطرادِ، وقدْ يقصرُ عنه إذا ركدَتْ ريحُ الفَهْمِ وجنحَت الـمَلَكَةُ إلى الشّرادِ، فما وجدْتَ أيُّها القارئُ مِن عيبٍ أو قصورٍ

- الشيخ: أيش؟ الشراب؟
- القارئ: ... وجنحَت الـمَلَكَةُ إلى الشَّرادِ أو إلى "الشِّراد"
- الشيخ: لا، كأنه الشَّراب.
- القارئ: هو من الشُّرود أحسنَ اللهُ إليك
- الشيخ: الشِّراد.
- القارئ: إي، نعم بالدال.
- الشيخ: إي، جيد.
- القارئ: فما وجدْتَ أيُّها القارئُ مِن عيبٍ أو قصورٍ فلا تعجلْ باللَّومِ والتَّثريبِ، فإنَّنَا بشرٌ نُخطِئُ ونصيبُ، ولا تفعلْ بفعلِ الجاهلِ المغرورِ، إذا رأى هفوةً طارَ بها فرحاً، واتخذَهَا مادةً للطعنِ والتشهيرِ. وما وجدتَ مِن حُسنٍ فهو مِن فضلِ اللّهِ وتوفيقِهِ، فاذكرْهُ بالخيرِ لصاحبِهِ، ولا تحاولْ غَمْطَهُ والتهوينَ مِن شأنِهِ، كما يفعلُ الحاقدُ الموتورُ.
واللّهَ أسألُ أنْ ينفعَ بِهِ كلَّ مَن قرأهُ، وأنْ يجعلَهُ مرآةً تنعكسُ عليها ما حَوتْهُ هذهِ القصيدةُ مِن حقائقٍ مطويةً، فلا ترتدُّ عنها إلى بصيرةِ القلبِ إلَّا وهِي ظاهرةٌ جليةٌ.
واللّهَ أسألُ أنْ يغفرَ لنَا وإخوانِنَا إنَّهُ سميعُ الدعاءِ.

- الشيخ: جزاهُ اللهُ خيراً، وغفرَ اللهُ لنَا ولَهُ ولكمْ ولجميعِ المسلمينَ.
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة