file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(37) “فصل” قوله ومن لم يقف معه إلا كافر

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
– شرح كتاب "زاد المستقنع في اختصار المقنع"
– (كتاب الصّلاة)
– الدّرس: السّابع والثّلاثون

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، أمَّا بعد؛ قال المصنّفُ رحمهُ اللهُ تعالى:
)ومَنْ لم يقفْ معهُ إلا كافرٌ، أو امرأةٌ، أو مَنْ عَلِمَ حدثَهُ أحدُهُما، أو صبيٌّ في فرضٍ: ففذٌّ).

– الشيخ: الحمدُ للهِ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على عبدِه ورسولِه.
يقولُ المؤلفُ: "ومن لم يقف معه إلَّا كافرٌ": وهذا لا يتبيّنُ إلَّا بعد؛ لأنَّ المسلمَ لن يسمحَ بأن يُصافَّهُ كافرٌ، قد يصافُّه شخصٌ لا يدري عن حالِهِ شيئًا فيتبيّنُ أنَّه كافرٌ، كافرٌ أصلي أم كافرٌ مرتدٌ. والكلامُ في المنفردِ خلفَ الصفِّ تقدَّمَ الكلامُ فيه، وأنَّ القولَ الصحيحَ: أنَّه لا تصحُّ صلاةُ المنفردِ خلفَ الصفِّ إلّا أن يكونَ له عذرٌ على القولِ الذي رجّحَهُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ وتبعَه على ذلك الشيخُ محمدُ ابنُ عثيمين وغيرُه.
لكن إذا "لم يقفْ معه إلَّا كافرٌ، أو امرأةٌ، أو من عَلِمَ حدثَهُ أحدُهُما": يعني وقفَ معه محدِثٌ وهو يعلمُ أنَّه محدِثٌ، هذا متلاعبٌ بالصلاةِ، يُصلّي وهو متعمّدٌ، أو يكونُ يعلمُه نفسُ الإمامِ الذي وقفَ إلى جنبه، أي يعلمُ حدثَه، لذلك قال المصنّفُ: "يعلمُ حدثَهُ أحدهُمُا"، أو لم يقفُ معه إلَّا صبيٌّ في الصفِّ.
يقول: "ففذ": فهو فردٌ منفردٌ؛ لأنَّ وجودَ الكافرِ كعدمِهِ، لأنَّه لا صلاةَ له. وكذا المرأةُ: لا تصحُّ مُصافّتُها للرجلِ؛ لأنَّه في حديثِ أنسٍ رضي اللهُ عنه وصلاة جدّتِه خلفَ النبيّ: كانت منفردةً خلفَ الصفّ فدلَّ على أنَّ المرأةَ لا تصحُّ مصافّتُها للرجلِ، أي لا تصيرُ الجماعةُ بِمُصَفّاةِ المرأةِ، فيعتبرُ فذًا.
كذا لو صفَّ معه محدثٌ وهو يعلمُ حدثَه، فهذا محدثٌ صلاتُه باطلةٌ، فوجودُه كعدمِه، لكنْ هذا كلُّه بشرطِ أن يعلمَ حدثَهُ أحدُهُما، وإذا قُدّرَ أنَّ أحدَهما لا يعلمُ بحدثِه فعندها لا يعتبرُ فذًا؛ لأنَّه يكونُ معذورًا، لكنْ إذا قُدّرَ أنَّ هذا الذي يحتاجُ إلى المصافّاةِ لا يدري بحدثِ الآخرِ، فحينَها تكونُ صلاتُه صحيحةً للعذرِ؛ لأنَّه هو لا يدري، وعلى قولِ المصنّفِ: ما دامَ المحدثُ يعلمُ حدثَ نفسِهِ فإنَّه لا تصحُّ ولو لم يعلمِ الآخرُ؛ ولهذا قال: "يعلمُ حدثَهُ أحدُهُما": إمَّا المحدثُ نفسُهُ أو المحتاجُ للمصافّةِ.
يقولُ النتيجة: "ففذٌّ": أي منفردٍ، وحينئذٍ يُنظرُ في حكمِ صلاتِه: إن كان له عذرٌ فصلاتُه صحيحةٌ، وإن لم يكن له عذرٌ فلا تصحُّ صلاتُه، المهمُّ أنَّه حينئذٍ يكونُ فذًا. وكذلك الصبيُّ؛ فإذا لم يجدْ من يُصافّه إلَّا الصبيّ، والصلاةُ فرضٌ، فلا تصحُّ مصافّتُه، وعلى مذهبِ الحنابلةِ -وما ذهبَ إليه المصنّفُ-: أنَّ الصبي لا تصحُّ إمامتُه بالبالغِ ولا تصحُّ مصافّتُه كذلك، أمَّا إذا كانت الصلاةُ نفلًا؛ فالأمرُ واسعٌ، فتصحُّ مصافّاةُ الصبيِّ في النفلِ.
 
– القارئ: (ومن وَجَدَ فُرْجَةً دخلَهَا، وإلَاَ عن يمينِ الإمامِ، فإنْ لم يمُكنُه: فلَهُ أنْ ينبِّه مَنْ يقومُ معَهُ، فإنْ صلى فذًا ركعةً لم تصحْ).
– الشيخ: المصنَّفُ عنده صلاةُ المنفردِ خلفَ الصفِّ لا تصحُّ مطلقًا، خلافَ ما رجَّحهُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ ومن قال بقولِ: أنَّه إذا وُجدَ العذرُ لتمامِ الصفِّ فإنَّ الصلاةَ تعتبرُ صحيحةً للعجزِ عن المصافَّةِ، لكن على المذهبِ لا تصحُّ، فماذا يصنعُ إذا دخلَ ولم يجد من يقفُ بجنبِه؟ يقدِّمُ المصنّفُ الحلَّ وهو: "من وجدَ فُرجةً دخلَها": وهذا أحسنُ الحلولِ، بأن يجدَ فُرجةً صغيرةً فينبِّه المأمومَ لذلك فيوسِّعُ له ويدخلُ، وحالُ كثيرٍ من الناسِ الآنَ أنَّهم لا يرصّونَ الصفوفَ جيدًا، فيجدُ فرجةً فيدخلُ فيها.
والحلُّ الثاني إذا لم يجدْ فرجةً: يتخلخلُ ويصبحُ عن يمينِ الإمام، وهذا إذا كانت الجماعةُ صفًا واحدًا فالأمرُ سهلٌ، لكن إذا كانتْ صفوفًا كثيرةً فيعسُرُ ذلك، والشيخُ محمدٌ تكلَّمَ عن هذه المسائلِ كعادتِه لكنَّه رجّحَ أنَّه لا يفعلُ ذلك؛ لِما يترتّبُ عليه من تخطّي الناسِ، وقد فرضَها فيما إذا كانت الصفوفُ كثيرةً، وفعلًا تكونُ هنا المفسدةُ كبيرةٌ، وهذه صورةٌ من صورٍ عديدةٍ، لكن في بعضِ الصورِ الأخرى يكونُ الأمرُ سهلًا، كما قلت: لو كان صفًا واحدًا مثلًا. فإن تعذَّرَ هذا أيضًا: فيقولُ المصنّفُ الحلُّ الثالثُ: يُنبِّه أحدَ المأمومينَ القائمينَ بالصفِّ بأن يرجعَ ليصافّه، ولا يجرُّهُ فهذا اعتداءٌ، بل يلمسُه ويقول: إذا سمحتَ، وهذا على قولِ بأنَّ صلاةَ المنفردِ لا تصحُّ مطلقًا حتى لو مع العذرِ، وهذا عندي حلٌّ وليسَ فيه كبيرُ مفسدةٍ، وأرى ألَّا يسحبَ أحدًا من وسطِ الصفِّ إنَّما من طرفِه. والأصلُ أن يبدأَ الصفُّ الثاني من الوسطِ لكن إن ذهبَ إلى طرفِ الصفّ فلا بأسَ، وإن كان الأصلُ أن يكونَ في الوسطِ لكن إذا ذهبَ اثنانِ إلى طرفٍ فيما يلي البابَ وصلّيا فصلاتُهما صحيحةٌ؛ لأنّهما اثنانِ فأكثر.
فمثلُ هذا المنفردِ لو نبَّهَ واحدًا في طرفِ الصفِّ ورجعَ معه، فأنا أرجو أنَّه لا حرجَ بذلك، ويروونَ في ذلك آثارًا لكنَّها ليست صحيحةً عندَ أهلِ الحديثِ، منها: (فما أعظمُ أجرَ المُجتَررِ).  لكنّي أقول أنَّه إذا أخذَ من طرفِ الصفِّ فلا بأسَ؛ لأنَّه سيتلافى المفسدةَ في تحرّكِ كاملِ الصفّ؛ لأنَّه إذا أخذَ من وسطِ الصفِّ فقد يحصلُ تخلخلٌ في الصفِّ؛ لأنَّه سيحتاجُ إلى رصِّ الصفِّ من جديدٍ، هذا رأيٌ لي خاصٌّ.
يقولُ المصنّفُ: "فإن صلّى فذًا ركعةً لم تصحَّ": لم يجدْ أيَّ حلِّ من الحلولِ السابقةِ وصلَّى لوحدِهِ منفردًا ركعةً ولم يأتِ معه أحدٌ لم تصحَّ هذه الركعةُ، وبالتالي لا تصحُّ الباقي.
 
– القارئ: (وإنْ ركعَ فذًا، ثمَّ دخلَ في الصفِّ، أو وقفَ معه آخرُ قبلَ سجودِ الإمامِ: صحَّتْ).
– الشيخ: معناها: أنَّ الفذَّ وهو المنفردُ في الصفِّ، ركعَ مع الإمامِ، ثمَّ رفعَ مع الإمامِ، ثمَّ انضمَّ إليه شخصٌ قبلَ أن يسجدَ الإمامُ، يقولُ: صحَّتْ صلاتُه. والأظهرُ: أنَّه إذا لم ينضمَّ إليه أحدٌ إلَّا بعدَ رفعِ الإمامِ من الركوعِ: لم تصحَّ صلاتُه على هذا القولِ؛ لأنَّ الركعةَ إنّما تُدركُ بإدراكِ الركوعِ.
"وإن ركعَ فذًا": ركعَ قبلَ الصفِّ ثمَّ دخلَ في الصفّ كما فعلَ أبو بكر رضي اللهُ عنه، ركعَ دونَ الصفِّ ثمَّ دخلَ فقال له النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: (زادكَ اللهُ حرصًا ولا تَعُدْ)، ففي هذه الحالةِ نقولُ: صلاتُه صحيحةٌ، أو قامَ معه آخرُ قبلَ سجودِ الإمامِ: فصلاتُه صحيحةٌ، والأظهرُ: أنَّ المعتبرَ في إدراكِ الركعةِ وصِحَّةِ المصافّاةِ أن تكون قبلَ الرفعِ من الركوعِ، واللهُ أعلمُ.
 
– القارئ: (فصل: في أحكامِ الاقتداءِ)
(يصحُّ اقتداءُ المأمومِ بالإمامِ في المسجدِ وإنْ لم يره، ولا مَنْ وراءَهُ إذا سَمِعَ التكبيرَ، وكذا خارجَه إنْ رأى الإمامَ أو المأمومين، وتصحُّ خلفَ إمامٍ عالٍ عنهم).
– الشيخ:
"فصل: في أحكامِ الاقتداءِ": ليسَ المرادُ اقتداء الأفعالِ الذي هو متابعةُ الإمامِ في الركوعِ والسجودِ المذكورِ في الحديثِ: (إنَّما جُعلَ الإمامُ ليؤتمَّ به فإذا ركعَ فاركعوا)، بل الاقتداءُ من حيثُ المكانِ، فهل يقتدي به على أيِّ حالٍ، أم أنَّ لذلك شروطًا؟
المصنّفُ يقولُ: يصحُّ اقتداءُ المأمومِ بالإمامِ إذا كان في المسجدِ مطلقًا إذا سمعَ التكبيرَ؛ لأنَّه معه في مكانِه. ففي داخلِ المسجدِ يصحُّ اقتداءُ المأمومِ بالإمامِ على أيِّ حالٍ إذا سمعَ التكبيرَ؛ لأنَّه حينئذٍ مع الإمامِ في مكانٍ واحدٍ، وإن كان في المسجدِ بينَه وبينَ الإمامِ حواجزٌ، جدارٌ، لا يرى الإمامَ ولا المأمومينَ لكنَّه في المسجدِ ويسمعُ صوتَ الإمامِ إمَّا مباشرةً، أو عن طريقِ مُبلّغٍ، أو أي وسيلةٍ كالمكبّرِ، فيصحُّ الاقتداءُ به وتصحُّ الصلاةُ.
أمَّا إذا كان خارجَ المسجدِ فيُشترطُ: أن يرى الإمامَ أو المأمومينَ، وأن يسمعَ صوتَ الإمامِ بحيثُ يمكنُه الاقتداءُ، لكنَّ ظاهرَ كلامِ المصنِّفِ: أنَّه إذا رأى الإمامَ أو المأمومينَ صحَّ الاقتداءُ به، فتكونُ وسيلتُه حينئذٍ الرؤيةُ، وظاهرُ كلامِ المؤلّفِ: أنَّه وإن كان بعيدًا ولم تتّصلَ بهم الصفوفُ، كأن يكونَ في شقّتِه كما هو الآن في الحرمِ؛ يرونَ المأمومينَ من النافذةِ مثلًا لكنَّهم منفصلينَ عن المأمومين، فظاهرُ كلامِ المؤلّفِ أنَّه يصحُّ الاقتداءُ بهم ما دامَ أنَّهم يرونَ المأمومينَ ولو لم تتّصل بهم الصفوفُ، لأنَّهم في مكانِهم في شُقتِهم.
والصحيحُ: أنَّ هذا لا يكفي، لا تكفي رؤيةُ المأمومينَ، بل لا بدَّ أن تتّصلَ الصفوفُ ليتحقّقَ الانضمامُ والاجتماعُ، وإلَّا لزمَ أن يصحَّ اقتداءُ من كان منفصلًا عن الجماعةِ. وهناك بعضُ النسخِ ذُكر فيها اشتراطُ اتصالِ الصفوفِ ولكنَّ كلامَه هنا يفيدُ بأنَّه لم يشترطْ ذلك، والشيخُ محمّدُ شرحَ على عدمِ اشتراطِ اتصالِ الصفوفِ، وضعّفَ هذا القولَ، ورجّحَ أنَّه لا بدَّ من اتصالِ الصفوفِ، أنا أُوصيكم بالعناية بهذا الشرحِ، حقًا إنَّه على اسمِه ممتعٌ ونافعٌ وواضحٌ، الشروحُ المعروفةُ لا تفيدُ فائدةَ شرحِ الشيخِ فإنَّه رحمهُ اللهُ يُبسّطُ المسألةَ بالأمثلةِ، ويُبيّنُ وجوهَ أحكامِ هذه المسائلِ. في الحقيقةِ إنَّه كتابٌ عظيمٌ وشرحٌ قيّمٌ، الأصلُ أنَّه مسموعٌ ولكن بتوفيقٍ من الله فُرّغَ وكُتبَ وأصبح كتابًا مقروءًا.
 
– القارئ: قال الشيخُ محمدٌ في "الشرحِ الممتعِ"
قوله: "فصل": أي في أحكامِ اقتداءِ المأمومِ بالإِمامِ، وقد سَبَقَ أنَّه يجبُ على المأمومِ متابعةُ الإِمامِ، وأنَّ المأمومَ بهذا الاعتبارِ ينقسمُ إلى أربعةِ أقسامٍ، وهي: 1 ـ متابعةٌ. 2 ـ ومسابقةٌ. 3 ـ وموافقةٌ. 4 ـ وتخلّفٌ.

– مداخلةٌ: هل تصحُّ مصافّاةُ الصبي؟
– الشيخ: الصوابُ أنَّ الصبيَّ تصحُّ مصافّاتُه في الفرضِ والنفلِ ما دامت تصحُّ صلاتُه، الصبيُّ يصحُّ أن يكونَ إمامًا.

– القارئ: قوله: "يصح اقتداء المأموم بالإِمام في المسجد…" "في المسجد": أي في مسجدٍ واحدٍ، فيصِحُّ اقتداءُ المأمومِ بالإِمامِ، ولو كانت بينهما مسافاتٍ، وظاهرُ كلامهِ أنه لا يُشترط أن يليَ الإِمامَ، فلو أنَّ أحدًا ائتمَّ بالإِمامِ وهو بمؤخّرِ المسجدِ، والإِمامُ في مقدمه وبينهما مثلًا خمسون مترًا فالصَّلاةُ صحيحةٌ، لأنَّ المكانَ واحدٌ، والاقتداءُ ممكن، وسواء رأى الإِمامَ أم لم يرَه.
(وَإِنْ لَمْ يَرَهُ وَلاَ مَنْ وَرَاءَهُ إِذَا سَمِعَ التَّكْبِيرَ، وَكَذَا خَارِجَهُ إِنْ رَأَى الإِمَامَ أَوْ المَأْمُومِين).
وقوله: "وَإِنْ لَمْ يَرَهُ وَلاَ مَنْ وَرَاءَهُ": أي لم يرَ الإِمامَ ولا مَن وراءَه مِن المأمومين. قوله: "إذا سمعَ التكبيرَ": أي لا بُدَّ مِن سماعِ التكبيرِ؛ لأنَّه لا يمكنُ الاقتداءُ به إلَّا بسماعِ التكبيِر إمَّا منه أو ممّن يبلِّغُ عنه، فصارَ شرطُ صِحَّةِ اقتداءِ المأمومِ بإمامِه إذا كان في المسجدِ شرطًا واحدًا فقط وهو: سماعُ التكبيرِ. فإن كان خارجَه فيقولُ المؤلِّفُ: "وكذا خارجَهُ إن رأى الإِمامَ أو المأمومين": أي وكذا يصحُّ اقتداءُ المأمومِ بالإِمامِ إذا كان خارجَ المسجدِ بشرطِ أنْ يَرى الإِمامَ أو المأمومين، وظاهرُ كلام المؤلِّفِ رحمه الله: أنَّه لا يُشترط اتِّصالُ الصُّفوفِ، فلو فُرِضَ أنَّ شخصًا جارًا للمسجد، ويرى الإِمامَ أو المأمومين مِن شُبَّاكه، وصَلَّى في بيتِه، ومعه أحدٌ يزيل فَذِّيَّتَه فإنه يَصِحُّ اقتداؤه بهذا الإِمامِ؛ لأنَّه يسمعُ التكبيرَ ويرى الإِمامَ أو المأمومين. وظاهرُ كلامِ المؤلِّفِ: أنَّه لا بُدَّ أن يرى الإِمامَ أو المأمومين في جميع الصَّلاةِ؛ لئلّا يفوته الاقتداءُ. والمذهبُ يكفي أنْ يراهم ولو في بعضِ الصَّلاةِ. إذًا: إذا كان خارجَ المسجدِ فيُشترطُ لذلك شرطان:
الشرطُ الأول: سماعُ التكبيرِ. الشرطُ الثاني: رؤيةُ الإِمامِ أو المأمومين، إمُا في كُلِّ الصَّلاةِ على ظاهرِ كلامِ المؤلِّفِ، أو في بعضِ الصَّلاةِ على المذهبِ. وظاهرُ كلامِهِ: أنَّه لا يُشترط اتِّصال الصُّفوفِ فيما إذا كان المأمومُ خارجَ المسجدِ وهو المذهبُ.
والقولُ الثاني: وهو الذي مشى عليه صاحبُ "المقنعِ": أنَّه لا بُدَّ مِن اتِّصالِ الصُّفوفِ، وأنَّه لا يَصِحُّ اقتداءُ مَن كان خارجَ المسجدِ إلا إذا كانت الصُّفوفُ متَّصلةً؛ لأنَّ الواجبَ في الجماعةِ أن تكون مجتمعةً في الأفعالِ ـ وهي متابعة المأمومِ للإِمام ـ والمكان، وإلَّا لقلنا: يَصِحُّ أن يكونَ إمامٌ ومأمومٌ واحدٌ في المسجدِ، ومأمومان في حجرةٍ بينها وبين المسجدِ مسافةٌ، ومأمومان آخران في حجرةٍ بينَه وبين المسجدِ مسافةٌ، ومأمومان آخران بينهما وبين المسجدِ مسافةٌ في حجرةٍ ثالثةٍ، ولا شَكَّ أنَّ هذا توزيعٌ للجماعةِ، ولا سيَّما على قولِ مَن يقول: إنَّه يجبُ أن تُصلَّى الجماعةُ في المساجدِ.
فالصَّوابُ في هذه المسألة: أنَّه لا بُدَّ في اقتداءِ مَن كان خارجَ المسجدِ مِن اتِّصالِ الصُّفوفِ، فإنْ لم تكن متَّصِلة فإنَّ الصَّلاة لا تَصِحُّ. مثال ذلك: يوجد حولَ الحَرَمِ عماراتٌ، فيها شُققٌ يُصلِّي فيها الناسُ، وهم يَرَون الإِمامَ أو المأمومين، إما في الصَّلاةِ كلِّها، أو في بعضِها، فعلى كلامِ المؤلِّفِ تكون الصَّلاةُ صحيحةً، ونقول لهم: إذا سمعتم الإِقامةَ فلكم أنْ تبقوا في مكانِكم وتصلُّوا مع الإِمامِ ولا تأتوا إلى المسجدِ الحرامِ.
وعلى القول الثاني: لا تَصِحُّ الصَّلاةُ؛ لأنَّ الصفوفَ غيرُ متَّصلةٍ، وهذا القولُ هو الصَّحيحُ، وبه يندفع ما أفتى به بعضُ المعاصرين مِن أنَّه يجوز الاقتداءُ بالإِمامِ خلفَ "المِذياعِ"، وكَتَبَ في ذلك رسالةً سمَّاها: "الإقناعُ بصحَّةِ صلاةِ المأمومِ خلفَ المِذياع"، ويلزمُ على هذا القول أن لا نصلِّيَ الجمعةَ في الجوامع بل نقتدي بإمام المسجدِ الحرامِ؛ لأنَّ الجماعةَ فيه أكثرُ فيكون أفضلَ، مع أنَّ الذي يصلِّي خلفَ "المِذياع" لا يرى فيه المأمومَ ولا الإِمامَ، فإذا جاءَ "التلفازُ" الذي ينقلُ الصَّلاةَ مباشرةً يكونُ مِن بابِ أَولى، وعلى هذا القولِ اجعلْ "التلفزيون" أمامَك وصَلِّ خلفَ إمامِ الحَرَمِ، واحْمَدِ اللهَ على هذه النِّعمةِ؛ لأنَّه يشاركك في هذه الصَّلاةِ آلافُ النَّاسِ، وصلاتُك في مسجدِكَ قد لا يبلغونَ الألفَ!
ولكن هذا القولُ لا شَكَّ أنَّه قولٌ باطلٌ؛ لأنه يؤدِّي إلى إبطالِ صلاةِ الجماعةِ أو الجُمعة، وليس فيه اتِّصالَ الصُّفوفِ، وهو بعيدٌ مِن مقصودِ الشَّارعِ بصلاةِ الجمعةِ والجماعةِ. وأنا رأيتُ شخصًا يُصلِّي بجماعةٍ، لكنَّهم جماعةٌ لا يَرَون الصَّلاةَ إلَّا خلفَ الإِمامِ المعصومِ جالسًا على جدارٍ قصيرٍ، ومعه مكبِّر صوتٍ، والقِبْلةُ خلفَه، والجماعةُ أمامَه، فيقولُ: "اللهُ أكبر" فيكبِّرونَ للإِحرامِ، وهو لا يصلِّي بهم بل جالسٌ على الجِدار، ثمَّ يقولُ: "اللهُ أكبر" فيركعون، ثم يقول: "سمعَ اللهُ لمن حمدَه" فينهضون، والذي يصلِّي خلفَ "المِذياع" يصلِّي خلفَ إمامٍ ليس بين يديه بل بينهما مسافاتٌ كبيرةٌ، وهو فتحُ بابٍ للشرِّ؛ لأنَّ المتهاونَ في صلاةِ الجُمُعة يستطيعُ أن يقولَ: ما دامتِ الصَّلاةُ تَصِحُّ خلفَ "المِذياعِ" و "التلفازِ"، فأنا أريدُ أن أصلِّيَ في بيتي، ومعيَ ابني أو أخي، أو ما أشبه ذلك نكون صفًّا. فالرَّاجحُ: أنَّه لا يَصِحُّ اقتداءُ المأمومِ خارجَ المسجد إلا إذا اتَّصلتِ الصُّفوف، فلا بُدَّ له مِن شرطين:
1 ـ أن يَسمعَ التكبيرَ.
2 ـ اتِّصال الصُّفوف.
أما اشتراطُ الرُّؤيةِ ففيه نظرٌ، فما دام يَسمعُ التَّكبيرَ والصُّفوفُ متَّصلةٌ فالاقتداءُ صحيحٌ، وعلى هذا؛ إذا امتلأ المسجدُ واتَّصلتِ الصُّفوف وصَلَّى النَّاسُ بالأسواقِ وعلى عتبةِ الدَّكاكين فلا بأسَ به". اهـ
– الشيخ:
إذا اتصلتِ الصفوفُ فإنَّ رؤيةَ المأمومينَ حاصلةٌ، فإذا اتصلتِ الصفوفُ تحقَّقَ معنى رؤية المأمومين.
– مداخلةٌ: الصلاةُ في الدَّورِ الثاني؟
– الشيخ: هذا مسجد، اتفقنا أنَّه داخلَ المسجدِ لا يُوجدُ أيُّ شرطٍ إلَّا سماعَ التكبيرِ.
– مداخلةٌ: ساحةُ المسجدِ كساحةِ الحرمِ النبويّ ألا تُعتبرُ منه؟
– الشيخ:
لا، لا تعتبرُ من الحرمِ.
– مداخلةٌ: هل للحائضِ أن تجلسَ في ساحةِ المسجدِ؟
– الشيخ: ما دامَ أنَّها ما أخذتْ حُكمَ المسجدِ فلها أن تجلسَ في الساحةِ.
 
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الفقه وأصوله