الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب زاد المستقنع/كتاب الصلاة من زاد المستقنع/(53) “باب صلاة الاستسقاء” قوله ويخرج معه أهل الدين والصلاح
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(53) “باب صلاة الاستسقاء” قوله ويخرج معه أهل الدين والصلاح

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
– شرح كتاب "زاد المستقنع في اختصار المقنع"
– (كتاب الصّلاة)
– الدّرس: الثّالث والخمسون

 ***    ***    ***    ***
 
– القارئ: الحمد لله رب العالمين، وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى أله وصحبه أجمعين، أما بعد؛ قال المصنف رحمه الله تعالى.
(ويخرجُ: مُتواضِعًا، مُتَخَشّعًا، مُتَذَلّلًا، مُتضرّعًا، ومعهُ: أهلُ الدينِ والصلاحِ، والشيوخُ، والصبيانُ المميزون)

– الشيخ: كما جاءَ عن ابن عباس أنه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- خرجَ إلى المُصلَّى مُتخّشعًا مُترسلًا مُتضرّعًا مُتذلّلًا؛ لأنَّ هذا الخروج للدعاءِ وطلبِ الغوثِ، وليس كخروجِ العيدِ الذي فيه الفرحُ ومظهرُ الزينةِ.
يخرجُ معه: أي مع الإمامِ، يخرجُ معه أهلُ الدينِ والصلاحِ، من أهلِ البلدِ يخرجون؛ لأنَّ هؤلاء تُرجى إجابتهم، إجابةُ اللهِ لدعائِهم، ومعه الشيوخُ كبارُ السنِّ كذلك، والصبيانُ كذلك، كلُّهم من الفئاتِ التي تُرجى دعوتُهم، وتُرجَى الاستجابةُ لدعائِهم؛ لأنَّ هؤلاءِ لصلاحِهم، وهؤلاءِ لضعفِهم، (وهل تُرزقونَ وتُنصرونَ إلَّا بضعفائِكم)
وقولُه ويخرجُ معه: العبارةُ تُشعرُ بأنَّه يخرجُ من حوله، يخرجونَ إلى المصلّى جميعًا، ويُحتملُ وهو أظهرُ أنَّهم يخرجونَ، والمعيّةُ ليست المتضمنةُ للصحبةِ والسيرِ معه، بل كأنّه قال: ويخرجُ إلى المصلّى كخروجِ الإمامِ إلى المصلَّى أهلُ الدينِ والصلاحِ والشيوخُ والصبيانُ، وهذا أظهرُ، ولم يُنقلْ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لما خرجَ إلى المصلَّى وصارَ الناسُ حولَه ويمشون معه وورائه، لا، لكنَّ المرادَ أن يخرجَ هؤلاء، ويخرجَ الإمامُ متواضعًا مُتخشّعا متذللًا، وهكذا الآخرونَ يخرجونَ بهذه الهيئةِ، وتخرجُ النساءُ كذلك؛ لأنّها تُشبهُ صلاةَ العيدِ.
 
– القارئ: (وإنْ خرجَ أهلُ الذمةِ منفردين عن المسلمينَ لا بيومٍ لم يُمنعوا)
– الشيخ: وإن خرجَ أهلُ الذمّةِ، اليهودُ والنصارى الذين لهم عهدٌ وهم مقيمونَ بين المسلمين كما كان الأمرُ عليه في تاريخِ المسلمين، ويدفعونَ الجزيةَ للمسلمينَ هكذا كان الأمرُ، لكن تغيرّتِ الأحوالُ وضعفَ المسلمون وفرّطوا في جَنبِ اللهِ، وتفرّقوا وتسلَّطَ الأعداءُ عليهم واحتلّوا ديارَهم، وحينئذٍ فلا سلطانَ للمسلمينَ عليهم، كما هو الحالُ الآن في أكثرِ البلادِ المسلمةِ، الكفارُ يُقيمونَ بينهم، ولعلَّ لبعضِهم لهم من العزّةِ والتعاظمِ على المسلمينَ ما يَشعرُ المسلمونَ بسببِه بالمذلّةِ، وهذا بلاءٌ عظيمٌ.
فيقولُ المؤلفُ: إذا أرادَ أهلُ الذمةِ الخروجَ للاستسقاءِ مُنفردينَ عن المسلمين، فلا يخرجونَ معهم ومختلطينَ بهم ويصطفّون معهم بالمصلّى، بل يخرجونَ مُنفردين في مكانٍ آخر، مُنفردينَ عنهم في المكانِ لا في الزمانِ، لذلك يقولُ: مُنفردينَ عن المسلمين "لا بيوم"، بل منفردين عنهم بالمكانِ، وفي الحقيقةِ هذا من دقائقِ فقهِ العلماءِ، لأنَّه قد يُصادفُ قَدَرًا أنَّ المطرَ ينزلُ على إثرِ استسقائِهم، فيحدثُ فتنةٌ، يعني استسقى المسلمونَ اليومَ ولم ينزلِ المطرُ، واستسقى أهلُ الذمّةِ من الغدِ فجاءَ المطرُ، فيحدثُ لضِعافِ الإيمانِ فتنةٌ، رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا [الممتحنة:5]، الكفارُ يغترّونَ ويعجبونَ أنَّه اُستجيبَ لهم، والمسلمونَ تنكسرُ نفوسُهم، ويشعرونَ بأنَّه لم يستجبْ لهم، فقطعًا لهذا الأمرِ قال الفقهاءُ: إن خرجَ أهلُ الذمةِ منفردينَ عن المسلمين في المكانِ لا الزمانِ لا بيومٍ لم يُمنعوا، الحاجةُ عامّةٌ لنا ولهم فلا يُمنعونَ من الخروجِ للاستسقاءِ.
 
– القارئ: (فيصلي بهم، ثم يخطبُ واحدةً يفتتحُها بالتكبيرِ، كخطبةِ العيدِ)

– الشيخ: فيُصلي بهم الإمامُ، حضروا الآن في المصلّى فيُصلّي بهم ركعتين، ويخطبُ بهم خطبةً واحدةً، يُصلي بهم ركعتين يجهرُ بها بالقراءةِ، ويفتتحُ الصلاةَ بالتكبيراتِ الزوائدِ، كما يصنعُ في العيدِ، كما جاءَ عن ابنِ عباسٍ أنَّه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- صلّاها كصلاةِ العيدِ، فصلاةُ الاستسقاءِ كصلاةِ العيدِ في وقتِها، ووقتُها بعدَ ارتفاعِ الشمسِ، وصفتُها ركعتان يجهرُ فيهما بالقراءةِ، ويخطبُ قبلَ الصلاةِ أو بعدَ الصلاةِ، وأكثرُ العلماءِ على أنَّه يخطبُ بعدَ الصلاةِ، كصلاةِ العيدِ، وجاءَ في بعضِ الرواياتِ أنَّه خطبَ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قبلَ الصلاةِ، لذلك اختلفَ العلماءُ، والصوابُ أنَّ الأمرَ واسعٌ، لكن الأولى أنَّ الخطبةَ تكونُ بعدَ الصلاةِ وعليه العملُ.
 
– القارئ: (ويكثرُ فيها الاستغفارَ، وقراءة َالآياتِ التي فيها الأمرُ بهِ، ويرفعُ يديهِ فيدعو بدعاء ِالنبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ومنه: (اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا) إلى آخره)
– الشيخ: تقدَّمَ أنَّه رجّحَ بعضُ أهلِ العلمِ أنَّ الخطبةَ يفتتحُها بالحمدِ، فهذا هديهُ –صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، ثمَّ يُكثرُ في الخطبةِ من الاستغفارِ؛ لأنَّه هو المقصودُ أخذًا من الآياتِ، فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا*يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا*وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح:10-12]
يُكثرُ من الاستغفارِ ومن وقراءةِ الآياتِ التي تتضمَّنُ ذلك الأمرَ كما في سورةِ هودٍ، وفي قصةِ نوحٍ، وفي قصةِ شعيبٍ، كلّها فيها ذكرُ الاستغفارِ، ولأنَّ الاستغفارَ هو طلبُ المغفرةِ وهو سببٌ لجلبِ الأرزاقِ؛ لأنَّ العبادَ إذا استغفروا ربّهم فإنّه يتوبُ عليهم ويغفرُ لهم ويمدُّهم برزقِه سبحانَه وتعالى.
"ويرفعُ يديه": لأنَّ الرسولَ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- رفعَ يديه ودعا، ورفعُ اليدين هو من أسبابِ الإجابةِ، وهو من آدابِ الدعاءِ، كما في الحديثِ: (ثمَّ ذكرَ الرجلَ يُطيلُ السفرَ أشعثَ أغبرَ يمدُّ يديه إلى السماءِ)، فيستجدي ربَّه ويسألُ ربَّهَ بلسانِه ويدِه وبقلبِه، فرفعُ اليدين سنّةٌ، كما رفعهما لما استسقى على المنبرِ، رفعَ يديه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في الاستسقاءِ والاستصحاءِ مرّتين.
"ويرفعُ يديهِ فيدعو بدعاء ِالنبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ومنه: (اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا)": وهذا الدعاءُ الذي دعاهُ ليسَ بالثابتِ، لكنَّه دعاءٌ حسنٌ: (اللهم اسقنا غيثًا)، ويُقالُ للاستسقاءِ استغاثةٌ، يستسقي يستغيثُ، يطلبُ الغوثَ وهو المددُ لكشفِ الشدّةِ والكربةِ. فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ [القصص:15]، إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ [الأنفال:9]
فالقحطُ والجدبُ شدّةٌ، وطلبُ السُّقيا هي استغاثةٌ، والمطرُ النازلُ هو الغيثُ، فيدعو بهذا الدعاءِ لأنَّه حسنٌ، لا على أنَّه سنةٌ؛ لأنَّه لم يثبتْ عنه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بل يكون عامًّا واسعًا هنيئًا دائمًا وليسَ بالقليلِ الذي ينقطعُ بل هو كثيرٌ، ولهذا لمّا استسقى النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في قصةِ الأعرابي دامَ المطرُ أُسبوعًا، حتى جاءَ الرجلُ هذا أو غيرُه فطلبَ من النبيّ أنْ يرفعَها عنهم، والنِّعمُ تكونُ تارةً هنيئة ليس فيها ما يكدّرها، وتارةً تكون مصحوبةً ببعضِ الأضرارِ؛ فلا يكونُ هذا الغيثُ هنيئًا ولا مريئًا، ولهذا من الدعاءِ سُقيا رحمةٍ، لا سقيا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ، فأحيانًا يكونُ المطرُ مُدمّرًا للبنيانِ ومُتلفًا للأموالِ.
 
– القارئ: (وإن سُقوا قبلَ خروجهِم: شكرُوا الله، وسألوهُ المزيدَ من فضلهِ)
– الشيخ: قد يصدفُ أن يكونَ الإمامُ قد عيّنَ لهم يومًا للخروجِ، وقبلَ خروجِهم أنزلَ اللهُ الغيثَ، فالمؤلفُ يقولُ: لا يخرجونَ بل يشكرونَ اللهَ ويحمدونَه؛ لأنَّه زالَ السببُ الموجبُ للخروجِ لصلاةِ الاستسقاءِ، وكُشفتِ الشدّةُ، كما في صلاةِ الكسوفِ إذا تجلّى الكسوفُ وزالَ لم يُصلّوا، ومعنى هذا أنّهم لا يخرجونَ؛ لأنَّه قد زالَ السببُ المقتضي لخروجِهم وصلاتِهم.
 
– القارئ: (وينادى: الصلاةُ جامعةٌ)
– الشيخ: هذا صريحٌ في كلامِ المؤلفِ أنَّه يُنادَى لصلاةِ الاستسقاءِ، كما قالوا في صلاةِ العيدِ، يعني يقولُ بعدَ طلوعِ الشمسِ: الصلاةُ جامعةٌ؛ ليحضرَ الناسُ إلى المصلَّى، وهذا في الحقيقةِ لا أصلَ له من النقلِ، ولا وجهَ له بالقياسِ، لا أصلَ له في النقلِ إذ لم ينقلْ عن النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أنَّه أمرَ مناديًا يُنادي: الصلاةُ جامعةٌ، كما فعلَ عندما حدثَ الكسوفُ، ولا يتوجّه القياسُ، ومَنْ عَوَّلَ على القياسِ فقياسُه لا وجهَ له وهو قياسٌ في مقابلِ النصِّ، ومن جهةِ النظرِ كما تقدَّمَ: صلاةُ الكسوفِ الأصلُ أنَّها تأتي فجأةً ولا يدري عنها أحد، فيحتاجُ الناسُ إلى أن ينبّهوا فيشعرونَ بأهميةِ الأمرِ وبأنَّ أمرًا حدثَ، أمَّا صلاةُ العيدِ فإنَّها معلومةٌ مُسبقًا، فلا يحتاجُ الناسُ إلى تنبيهٍ، وكذلك صلاةُ الاستسقاءِ فإنَّ الأمامَ يُنبّههم أنَّها في يومِ كذا فهي معلومةٌ، فالمقصودُ أنَّه لا يُنادَى لها.
 
– القارئ: (وليسَ من شرطِها إذنُ الإمامِ)
– الشيخ: لأنّها صلاةٌ ذاتُ سببٍ مع الحاجةِ، فإذا احتاجَ الناسُ في أيّ بقعةٍ من الأرضِ إلى الغيثِ فعلوا المشروعَ، فتصحُّ بدونِ إذنِ الإمامِ، لكن إذا كان الإمامُ الأعظمُ هو الذي يأمرُ بذلك فإنّه يُعملُ بأمرِه وتوجيهِه طاعةً، من بابِ الطاعةِ العامّةِ لوليّ الأمرِ مالم يأمرْ بمعصيةٍ، وهذا الذي عليه العملُ في هذه البلادِ؛ أنَّه لا تُقامُ صلاُة الاستسقاءِ إلّا بأمرٍ من وليّ الأمرِ العامِّ، والاستسقاءُ أمرُه واسعٌ، فطلبُ الغيثِ ليس مطلوبًا على صفةٍ واحدةٍ وهي الصلاةُ، بل يكون بصلاةٍ وغيرِ صلاةٍ، ويستسقي الناسُ في سائرِ أدعيتِهم وصلواتِهم؛ وهذا استسقاءٌ بالمعنى العامِّ، والاستسقاءُ بالصلاةِ هو صورةٌ من صورِ الاستسقاءِ، وهي أظهرُها، وتقعُ جماعةً وفي وقتٍ معلومٍ  وفي مكانٍ معلومٍ.
 
– القارئ: (ويُسنُّ أنْ يقفَ في أولِ المطرِ، وإخراج ُرحِله، وثيابِه ليصيبَها)
– الشيخ: بمعنى أن يبرزَ للمطرِ بأن يُصيبَه ويُخرِجُ رحلَه وثيابَه ليصيبَها، أخذًا ممّا جاءَ عن النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- (أنّه لمّا نزلَ المطرُ حسرَ عن رأسِه وقال إنَّه حديثُ عهدٍ بربّه)، فهذا سنّةٌ، يُسنُّ أن يقفَ أولَ نزولِ المطرِ، وحتى وإن لم تكن تعلمُ بأنَّ المطرَ نزلَ ثمَّ تبيَّنَ لك أنَّه نزلَ فكذلك يعني لا تعلَّق على بدايةِ النزولِ، لذلك أرى أنَّ السنّةَ باقيةٌ.
 
– القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
قولُه: "ويُسنُّ أن يقفَ في أولِ المطرِ": السنَّةُ في اصطلاحِ الفقهاءِ: هي ما يثابُ فاعلُه امتثالًا، ولا يعاقبُ تاركُه.
قولُه: "أن يقف": أي أن يقفَ قائمًا أولَ ما ينزلُ المطرُ.
قولُه: "وإخراجُ رحلِه وثيابِه ليصيبَهما المطرُ": أي متاعه الذي في بيتِه، أو في خيمتِه إن كان في البّر، وكذلك ثيابُه يخرجُها؛ لأنَّ هذا رُويَ عن ابنِ عباسٍ ـ رضي اللهُ عنهما ـ والثابتُ من سنّةِ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: (أنَّه إذا نزلَ المطرُ حسرَ ثوبه)، أي: رفعَه حتى يصيبَ المطرُ بدنَه، ويقول:
(إنَّه كان حديثُ عهدٍ بربّه).
 
القارئ:
(وإذا زادت المياهُ، وخَيفَ منها: سُنَّ أن يقولَ:
(اللهمَّ حوالينَا ولا علينا، اللهمَّ على الظّرابِ والآكامِ وبطونِ الأوديةِ ومنابتِ الشجرِ ووَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ [البقرة:286])
– الشيخ: إذا زادتِ المياهُ وزادَ المطرُ وتتابعَ وتلاحقَ وخِيفَ منها، أي حصول أضرارٍ فإنَّه يُسنُّ عندها أن يقولَ: (اللهمَّ حوالينا ولا علينا، اللهمَّ على الظرابِ والآكامِ وبطونِ الأوديةِ ومنابتِ الشجرِ)؛ لما ثبتَ عنه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أنَّه كان يخطبُ في الجمعةِ الأخرى فدخلَ ذلك الرجلُ أو غيرُه فحدثَ ما حصلَ، وقال: انقطعتِ السبلُ فادعُ اللهَ أن يرفعَه عنّا، فدعا النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بهذا الدعاءِ: (اللهمَّ حوالينا ولا علينا، اللهمّ على الظرابِ والآكامِ وبطونِ الأوديةِ ومنابتِ الشجرِ)، يقولُ أنسٌ: فخرجنا نمشي في الشمسِ، يعني صحّت السماءُ في الحالِ، كما نشأَ السحابُ في الدعاءِ الأولِ حالًا وانتشرَ السحابُ وأمطرتِ السماءُ، وهذا من أعلامِ نبوّتِه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، وهذا من تنويعِ الكلماتِ، فالظرابُ: هي المرتفعاتُ من الأرضِ، والآكامُ: هي الجبالُ الصغيرةُ، وبطونُ الأوديةِ معروفةٌ، ومنابتُ الشجرِ عطفَها على ما قبلَها، يبدو أنَّه من عطفِ العامِّ على الخاصِّ فيشملُ الظرابَ والآكامَ وبطونَ الأوديةِ، فمنابتُ الشجرِ تكون هنا وهنا؛ لأنَّ هذه المواضعَ هي القريبةُ من الناسِ بخلافِ الجبالِ العاليةِ فلا يبلغُها أكثرُ الناسِ فلا ينتفعونَ بها، فنزولُ المطرِ على هذه المواضعِ يعودُ بالنفعِ على الناسِ.
"ولا تحمّلنا ما لا طاقةَ لنا به": لأنَّ المطرَ إذا تتابعَ وطالتْ مدّتُه، يحصلُ للناسِ أضرارٌ في أموالِهم، وفي حركتِهم، وهذا من الدعاءِ الذي علَّمه اللهُ لعبادِه كما في آخرِ سورةِ البقرةِ، رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:286]
– مداخلةٌ: وإخراجُ رحلِه وثيابِه ليصيبَهما المطرُ، هل هذا ثابتٌ؟
– الشيخ: ما علمتُ إلَّا أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- حسرَ عن بدنِه.
– مداخلةٌ: وإذا زادتِ المياهُ وخِيفَ منها سُنَّ أن يقولَ: حوالينا ولا علينا، يعني يخطبُ خطبةً خاصةً؟
– الشيخ: لا، يدعو فقط بينَه وبينَ نفسِه.
– مداخلةٌ: يقولُ في الروضِ: وأبيحَ خروجُ طفلٍ وعجوزٍ وبهيمةٍ والتوسلُ بالصالحين؟
– الشيخ: يعني جَعلها مباحًا، ولم يقلْ سنّةً، والمقصودُ من عبارةِ "والتوسلُ بالصالحين": فيها إجمالٌ، ولكن ينبغي حملُها على أحسنِ المحاملِ وهو التوسلُ بدعاءِ الصالحين، أمَّا بذواتِهم فلا يجوزُ، كما فعلَ عمرُ رضي اللهُ عنه أقامَ العباسَ وقال: اللهمَّ كنَّا نتوسّلُ إليك بنبيّنا فتسقينا، وإنَّا نتوسّلُ إليك بعمِّ نبيّنا فاسقنا، قم يا عبّاسُ فادعُ اللهَ.
– مداخلةٌ: خروجُ أهلِ الذمةِ للاستسقاءِ ما يعتبر …
– الشيخ: كفرُهم وشركُهم معهم في بيوتِهم وخارجها، لكن المهم أنَّهم لا يُمنعون.
– مداخلةٌ: قال ابنُ قاسم: وكذا نسائُهم وصبيانُهم ورقيقُهم وعجائزُهم مثلهم، أمّا الشابّةُ فتُمنعُ بلا خلافٍ.
– الشيخ: لا أدري عنها، لكن إذا خرجت تكون مُحتشمةً ومتسترةً، وكلمةُ بلا خلافٍ يمكن أن تكونَ في المذهبِ.
– مداخلةٌ: ذكرَ في الروضِ: ثمَّ يخطبُ خطبةً واحدةً؛ لأنَّه لم يُنقلْ عن النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- خطبَ بأكثر منها، ويخطبُ على منبرٍ ويجلسُ للاستراحةِ؟
– الشيخ: كلُّ هذا التفصيل ما، تقدَّمَ لكم أنَّ ابنَ القيمِ استشكلَ ما جاءَ في حديثِ عائشةَ أنَّ النبيَّ أمرَ بالمنبرِ أنْ يُوضعَ في المصلّى فخرجَ، والصحيحُ أنَّه خرجَ وخطبَ ولم ينقلْ أنَّ المنبرَ نُقلَ إلى مُصلّى، بل كان يخرجُ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ويخطبُ قائمًا.
– مداخلةٌ: هل من الأمورِ التي ينبغي مراعاتَها الوقتُ الذي يكونُ مظنّة نزولِ المطرِ مثلًا في الصيفِ؟
– الشيخ: إنَّ اللهَ على كلِّ شيءٍ قديرٍ، إذا حصلتِ الضرورةُ فما المانعُ، فسننُ اللهِ ليست مُطّردةً، اللهُ قادرٌ على خرقِ العادةِ، في أيِّ وقتٍ، لكن عند حصولِ الضرورةِ، وفي بعضِ الأحيانِ هنا في مناطِقنا يكرهونَ نزولَ المطرِ في الصيفِ، لأنَّه يحصلُ لهم أضرارٌ فيها.
– مداخلةٌ: لو أنَّ واحدًا دخلَ المسجدَ وصلَّى لغيرِ القبلةِ هل يستأنفُ أم أنَّه يميلُ للقبلةِ؟
– الشيخ: اللهُ أعلم، الذي يظهرُ أنه صلَّى من غيرِ تردّدٍ؛ أي أنَّه جازمٌ أنَّها القبلةُ، لم يتردّدْ ولم يتساهلْ فأرجو أنَّه يُجزئه أنَّه ينحرفُ.

 


الأسئلة:
س1: هل أهلُ البدعِ مثلُ أهلِ الذمّةِ في الخروجِ إلى صلاةِ الاستسقاءِ؟
ج: الأصلُ أنَّ أهلَ البدعِ مسلمين في الجملةِ، فيخرجونَ مع المسلمينَ، ولا نصبحُ طائفتين في الاستسقاءِ.
…………………………………………
س2: إذا دعا الكتابيُّ بنزولِ المطرِ فهل يجوزُ رفعُ اليدينِ معه والتأمين؟
ج: الذي يظهرُ أنَّكَ لا تجعلْه إمامًا لك، إذا دعا وصرت تُأمّن على دعائِه فقد جعلتَه إمامًا لك، فاعكسِ الأمرَ، وكن أنت الإمامُ وأنت الذي تدعو وهو يُؤمّنُ، وإلَّا فيدعوا لنفسِه.
…………………………………………
س3: وردَ في حديثٍ في دعاءِ النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أنَّه جعلَ ظهورَهما نحو السماءِ؟
ج: أحسنُ ما قيلَ في هذا أنَّه بالغَ في رفعِهما فقط، ليس معناه أنَّه جعلَ ظهورهما للسماءِ، هذا خلافُ ما يليقُ بحالِ المستجدي الضارعِ المحتاجِ، الإنسانُ إذا طلبَ شيئًا يطلبُه بباطنِ كفّه لا بظهرِه، وقال أهلُ العلمِ ورفعهما رفعًا كثيرًا حتى كأنَّ ظهورَهما للسماءِ.
…………………………………………
س4: هل قلبُ الرداءِ يكونُ في أثناءِ الخطبةِ أم بعد الدعاء؟
ج: ظاهرُ الترتيبِ والسياقِ يكونُ بعدَ الدعاءِ.
…………………………………………
س5: هل قلبُ الرداءِ خاصٌّ بالإمامِ فقط؟
ج: لا
القارئ: وهل الشماغُ يكونُ محلَّ الرداءِ فيقلبُ؟
الشيخ: يكونُ على اللباسِ الموجودِ من الشماغِ والبِشتِ.
…………………………………………
س6: في عهدِ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- كان اليهودُ، ولم يخرجوا للاستسقاءِ، كيف نستشهدُ بخروجِ أهلِ الذمّةِ؟
ج: نحن لم نستشهدْ أو نستدل بأنّهم خرجوا، لكن إذا رغبوا وهذا افتراضٌ فلا نأمرُهم ولا ننهاهُم، ولم نقلْ أنَّه سنّةٌ، ولم نقلْ أنّهم استسقوا في عهدِ النبيّ.
…………………………………………
س7: إذا أرادَ أهلُ الذمّةِ الاستسقاءَ وحدَهم هل يُؤذَنُ لهم بغيرِ المسلمين؟
ج: إذا أرادوا الخروجَ يخرجون، المهمًّ أنّهم لا يُمنعونَ.
…………………………………………
س8: هل يُسنُّ الوضوءُ من المطرِ؟
ج: لا.
…………………………………………
س9: ما حكمُ الأكلِ من الذبائحِ المستوردةِ من دولِ النَّصارى؟
ج: اللحومُ المستوردةُ هي بالجملةِ من المشتبِهاتِ، وإذا عُلمَ أنّهم يذبحونَ بالخنقِ ورضِّ الرأسِ فلا تحلُّ، أمَّا إذا عرفَ أنَّهم يذبحونَ الذبحَ الشرعيَّ فتكونُ حلالًا، وهي بهذه الحال من المشتبِهاتِ، ولهذا من مشايخنا من يرى تحريمَها، ومنهم من يرى الإباحةَ على الأصلِ، إلَّا إذا عُلمَ أنَّهم يذبحونَ على غيرِ الطريقةِ الشرعيةِ.
…………………………………………
س10: ما حكمُ ما يُسمَّى بجمعيةِ الموظفين؟
ج: فيها خلافٌ، والذي يظهرُ لي أنّها لا تجوزُ؛ لأنّها من بابِ القرضِ الذي يجرُّ نفعًا، كقولِه: أقرضني وأقرضك، أقرضني هذا الشهرَ ألفًا، وأُقرضُك الشهرَ القادمَ ألفًا.
…………………………………………
س11: هل الجلوسُ لثلاثةِ أيامٍ لاستقبالِ المعزّينَ أمرٌ مشروعٌ؟
ج: لا أعلمُ أنَّه مشروعٌ، بل بعضُ أهلِ العلمِ يكرَهُه، ولكنَّه جائزٌ، هو عندي جائزٌ إذا لم يصحبْه أمورٌ مكروهةٌ أومحرّمةٌ، فبعضُ الناسِ تحتاجُه، وبعضُ العلماءِ يُشدّدُ في هذا ويرى أنَّه لا يُجلسُ لاستقبالِ المعزّين، لكنَّ الذي جاءَ في حديثِ جريرٍ أنَّهم يرونَ الاجتماعَ إلى أهلِ الميتِ وصنعَ الطعامِ، يعني كونَهم هم الذين يصنعونَ الطعامَ للزوّارِ؛ فهذا لا يصلُحُ.
 

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الفقه وأصوله