file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

تدبر القرآن

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ

 
  تدبّر القرآن
 
بعض القُرَّاء يختار.. فلا بأس، الحمد لله، لكن لا يكون همّه الاطلاع على أصوات القُرَّاء: هذا فلان مِن القديمة أو الحديث!، ثم إنّ الغاية مِن سماع القرآن وتلاوته هو التّدبّر، كما قال تعالى: ﴿كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ مُبَٰرَكٞ لِّيَدَّبَّرُوٓاْ ءَايَٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ﴾[ص:29]
وذمَّ الله الكافرين والمنافقين؛ بإعراضهم عن تدبر القرآن: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَآ﴾[محمد:24]، ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا﴾[النساء:82]

وثم إنّ كثيرًا -ولله الحمد- مِن المسلمين يحفظون ما تيسّر مِن القرآن، يحفظون، فقد جعل الله كتابه سورًا؛ منها الطويل، ومنها القصير، ومنها المتوسط، وهكذا، فهذا جزء عمَّ -وهو الجزء الثلاثون- سبع وثلاثون سورة كلّه، فيها القصير وفيها المتوسط.
ومِن ذلك ما قُرِئ في الصّلاة مِن سورة الليل: ﴿وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰ*وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ﴾[الليل:1-2]، وهذا معناه القسم، والله -تعالى- يُقسم بما شاء مِن خلقه، فقد أقسم بالليل، والنّهار، والشّمس، والقمر، والسّماء والأرض، وهذا كثير في هذا الجزء كثير، سورة الشّمس، والليل، والضّحى: كلّها أقسام، أقسام، حلف، الله يُقسم: يعني يحلف، يحلف بما شاء مِن خلقه؛ منوّهًا لعظم شأن هذه الأمور وهذه المخلوقات، ومؤكّدًا لِمَا أخبر به -سبحانه تعالى- مِن الأمور الشّرعيّة أو الأمور القوليّة.

أمّا المخلوق: فليس له أن يُقسم إلّا بالله، فلا يجوز أن يُقسم الإنسان بحياة فلان، أو حياة فلان، أو يُقسم بالنّبي، أو بغيره، أو بالسّيد فلان، هذا كلّه حرامٌ وشرك، الإقسام بالمخلوق: شِرك، مَن حَلف، في الحديث الصحيح: (مَن حلفَ بغيرِ اللهِ فقد كفرَ أو أشرك).
﴿وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰ*وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ﴾: هذا كلّه قسم، ﴿وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰٓ﴾:يعني هو الذي خَلَقَ الذكر، أو خَلْقِ الذكر والأنثى، ﴿إِنَّ سَعۡيَكُمۡ لَشَتَّىٰ﴾: هذا هو المحلوف عليه، إنّ سعيكم وعملكم مختلفٌ ومتباين، سعي النّاس في هذه الدنيا متباين، بين هذا وهذا فرقٌ شاسع!، أين مَن يسعى في طاعة الله ويطلب رضاه ويعمل لآخرته ممّن هو معرض عن هذا كلّه، مُقبل على الدّنيا مؤثر لدنياه على آخرته؛ طريقان متباعدان وعملان مختلفان، إنّ سعيكم لشتى.

ثم فصَّل ذلك -سبحانه-: الصّنف الأول: ﴿فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ*وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ﴾: أعطى: ما أُمر به، وبذله واستجاب، واتّقى: الحرمات، اتّقى المحارم، واتّقى وصدَّق بالحسنى، قال المفسرون: "الحسنى": هي شهادة ألا إله إلا الله، فمَن هذه حاله: الله ييسره ويُعينهُ ويُمدّه ويوفّقه لسلوك سبيل الخيرات والاستقامة على ذلك.
والفريق الثاني: هذا ضده، ضده: ﴿وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسۡتَغۡنَىٰ﴾: وأما من بخل ولم يستجب ولم يطع ربّه، ولم يؤدِّ ما أُمر به، واستغنى، وتكبَّر على ربّه، ﴿وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسۡتَغۡنَىٰ*وَكَذَّبَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ*فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرَىٰ*وَمَا يُغۡنِي عَنۡهُ مَالُهُۥٓ إِذَا تَرَدَّىٰٓ﴾[الليل:8-11]: المال الذي استغنى به واغترّ به لا ينفعه، ولا يُغني عنه إذا نزل به الموت.
﴿وَمَا يُغۡنِي عَنۡهُ مَالُهُۥٓ إِذَا تَرَدَّىٰٓ*إِنَّ عَلَيۡنَا لَلۡهُدَىٰ﴾: فالله -تعالى- هو الذي يهدي مَن يشاء ويُضِلُّ من يشاء، إلى آخر السورة.
فليتدبّر المسلم، وما خفي عليه معناه: يسأل عنه، أو يراجع بعض كتب التّفسير، ومِن أفضلها وأحسنها: تفسير الشّيخ عبدالرّحمن السّعدي، تفسير سهل واضح بيِّن، ينتفع به العالم والمبتدئ والعامي، إذا قرأت بهذا التّفسير فإنّك في الغالب تفهم مضمونه. نسأل الله أن يفتح علينا وعليكم بفهم كتابه، وأن يجعله حجّة لنا لا حجّة علينا.