الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة ص/(10) من قوله تعالى {قل إنما أنا منذر} الآية 65 إلى قوله تعالى {إن يوحى إلي} الآية 70
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(10) من قوله تعالى {قل إنما أنا منذر} الآية 65 إلى قوله تعالى {إن يوحى إلي} الآية 70

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة  ص

الدَّرس: العاشر

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ [ص:65-69]

– الشيخ : إلى هنا بس، قصةُ آدمُ طويلةٌ، لا إله إلا الله.

الحمدُ للهِ، بعدَ هذا القَصصِ والذِّكْرِ لبعضِ الأنبياءِ: "داوودَ، وسليمانَ، وأيوبَ، وإبراهيمَ"، وبعدَ ذِكْرِ الوعدِ والوعيدِ: مصيرُ المتقين، ومصيرُ الطَّاغِينَ قالَ اللهُ لنبيهِ: {قُلْ} قُلْ أيُّها النَّبي، {إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ} ليسَ إليهِ هدايةُ أحدٍ مِن الخلقِ، ليسَ إليهِ شيءٌ مِن الأمرِ، اللهُ يقولُ لنبيِّهِ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران:128]، ما هو إلا رسولٌ، ما هو إلا نذيرٌ، {قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ}، هذهِ وظيفةُ الرُّسلِ، وظيفةُ الرسلِ: البِشَارةُ والنِّذَارةُ، بشارةُ مَنْ آمنَ بهمْ بالعاقبةِ الطيِّبةِ، وإنذارُ الـمُكذِّبين والمعرضين، ووظيفتُهم البلاغُ، {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} [الشورى:48]، {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ} [المائدة:99]، {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ} [النحل:35].

{قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ}، {مَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}، فتضمَّنَتِ هذه الآيةُ ذِكْرَ الأصلينِ، الشهادتين: شهادةُ أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً رسولُ الله، {قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ}، هذا مضمونُ "شهادةِ أنَّ محمداً رسول الله"، {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ}، هذا مضمونُ "لا إله إلا الله"، {الْوَاحِدُ} الذي لا شريكَ لَهُ، ولا شبيهَ سبحانه وتعالى، واحدٌ أحدٌ، وهو {الْقَهَّارُ} لكلِّ شيءٍ، فكلُّ الوجودِ في قَبْضَتِهِ وتحتَ قهرِهِ، فهو الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ سبحانه وتعالى.

{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} هو خالِقُها ومالِكُها ومُدَبِّرُهَا، {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، إذاً هو الـمُسْتَحِقُّ للعبادِة، رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ومَنْ فِيهِنَّ، مالكُها ومُدَبِّرُهَا وخالقُها، هو الأهلُ للعبادةِ دُونَما سِواهُ، {الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ}، عزيزٌ قويٌ غالبٌ، وهو كثيرُ المغفرةِ للعِبادِ، فهذانِ مِن أسمائِهِ الحُسنى، هو العزيزُ ولَهُ العِزَّةُ، {فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ} [فاطر:10]، قلْ للهِ العِزَّةُ جميعاً، {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر:10]، يُعِزُّ مَن يشاءُ ويُذِلُّ مَنْ يشاءُ، العزيزُ الغَفَّارُ، {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ}.

{قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ} النَّبَأُ العظيمُ هو: القرآنُ، {قُلْ هُوَ نَبَأٌ} هو هذا القرآنُ الذي أقسمَ اللهُ بهِ في أولِ السورةِ، {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص:1]، هذا هو النَّبَأُ العظيمُ، ويُحتمَلُ أن يُرادَ بِه: البعثُ والنشورُ {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ * كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} [النبأ:1-5] {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ}، وهذهِ الجملةُ كأنَّها تُشعِرُ بأنَّ المرادَ: القرآنُ، ولا مانعَ أنْ تكونَ الآيةُ شاملةً للأمْرين، {أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ}، همْ مُعْرِضُونَ عَن القرآنِ، ومُعْرِضُونَ عَن البعثِ لا يستعدُّونَ لَهُ ولا يؤمنونَ به، {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ}.

{مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى} أمرَ اللهُ نبيَّهُ أنْ يتبرَّأَ مِن علمِ الغيبِ، لا عِلْمَ لَهُ بالغيبِ، ولا عِلْمَ لَه بأحوالِ الملائكةِ، {مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ * إِنْ يُوحَى إِلَيَّ}، {إِنْ يُوحَى} أيْ: ما يُوحَى إِلَيَّ، {إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} وهذا يُؤكِّدُ الجملةَ الأولى، {قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ}، {قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ}، {إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} لا إله إلا الله، فهذهِ وظيفتُهُ النِّذَارةُ، {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} [الرعد:7]، {قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ..}، {إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ}، مُبَيِّنٌ أو نذيرٌ بَيِّنٌ، لا إله إلا الله.

ثمَّ تأتي قصةُ آدمَ لخَتْمِ السورةِ، {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ} [ص:71]

 

(تفسير السعدي)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعديّ رحمه الله تعالى في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ} الآيات

{قُلْ} يا أيُّها الرسولُ لهؤلاءِ المكذبينَ إنْ طلبُوا منكَ ما ليسَ لكَ ولا بيدِكَ: {إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ} هذا نهايةُ ما عندِي، وأمَّا الأمرُ فللهِ تعالى، ولكنِّي آمرُكُم وأنهاكُمْ، وأحثُّكُم على الخيرِ، وأزجرُكُم عَن الشَّرِ، فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَعَلَيْهَا {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا اللَّهُ} أيْ: ما أحدٌ يُؤَلَهُ ويُعْبَدُ بحقٍّ إلا اللهُ {الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} هذا تقريرٌ لألوهيتِهِ بهذا البرهانِ القاطعِ، وهو وحدَهُ تعالى وقَهْرَهُ لكلِّ شيءٍ، فإنَّ القهرَ مُلازمٌ للوحدةِ فلا يكونُ اثنانِ قَهَّارَيْنِ مُتَسَاويَيْنِ في قَهْرِهِمَا أبداً.

فالذي يَقهرُ جميعَ الأشياءِ هو الواحدُ الذي لا نظيرَ لَهُ، وهو الذي يستحقُّ أنْ يُعبَدَ وحدَهُ كما كانَ قاهراً وحدَهُ، وقرَّرَ ذلكَ أيضاً بتوحيدِ الربوبيةِ فقالَ: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} أيْ: خالقُهُما ومُرَبِّيهُما ومُدَبِّرُهُما بجميعِ أنواعِ التدابيرِ. {الْعَزِيزُ} الذي لَهُ القوةُ التي بها خلقَ المخلوقاتِ العظيمةِ.

الشيخ : لا إله إلا الله، لا إله إلا الله.

القارئ : {الْغَفَّارُ} لجميعِ الذنوبِ، صغيرِها، وكبيرِها، لِمَنْ تابَ إليهِ وأقلعَ منها.

فهذا الذي يُحَبُّ، ويستحقُّ أنْ يُعبَدَ دونَ مَنْ لا يخلقُ ولا يرزقُ، ولا يَضُرُّ ولا ينفعُ، ولا يملكُ مِن الأمرِ شيئاً، وليسَ له قوةُ الاقتدارِ، ولا بيدِهِ مغفرةُ الذنوبِ والأوزارِ.

{قُلْ} لهمْ مُخَوفَاً ومُحَذِّرَاً ومُنْهِضَاً لهمْ ومُنذرَاً: {هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ} أيْ: ما أنبأتُكُمْ بِهِ مِن البعثِ والنُّشورِ والجزاءِ على الأعمالِ خبرٌ عظيمٌ ينبغي الاهتمامُ الشديدُ بشأنِهِ، ولا يَنبغي إغفالُهُ.

ولكنْ {أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} كأنَّهُ ليسَ أمامَكُم حسابٌ ولا عقابٌ ولا ثوابٌ، فإنْ شَكَكْتُمْ في قَولي، وامْتَريتُمْ في خَبَرِي، فإنِّي أخبرُكُم بأخبارٍ لا علمَ لي بها ولا دَرَسْتُهَا في كتابٍ، فإخبارِي بها على وجهِها، مِنْ غيرِ زيادةٍ ولا نقصٍ أكبرُ شاهدٍ لِصدقي، وأدلُّ دليلٍ على حقِّ ما جئتكُمْ بِهِ، ولهذا قالَ: {مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلإ الأعْلَى} أي: الملائكةُ {إِذْ يَخْتَصِمُونَ} لولا تعليمُ اللهِ إيَّايَ وإيحاؤُهُ إليَّ، ولهذا قالَ: {إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي: ظاهرُ النِّذَارةِ، جَلِيُّهَا، فلا نذيرَ أبْلغَ مِن نذارتِهِ صلى الله عليه وسلم.

ثمَّ ذكرَ اختصامَ الملأِ الأعلى فقالَ: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ} على وجهِ الإخبارِ {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ} أيْ: مادتُهُ مِنْ طينٍ.

الشيخ : إلى آخرِه، هذا بدأ بالقصة، لا إله إلا الله.