الرئيسية/شروحات الكتب/الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي/(35) فصل المعصية مجلبة للذم – فصل المعصية تؤثر في العقل
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(35) فصل المعصية مجلبة للذم – فصل المعصية تؤثر في العقل

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (
الجوابُ الكافي لِمَن سألَ عن الدّواءِ الشَّافي) لابن القيّم
الدّرس: الخامس والثَّلاثون

***    ***    ***    ***

 

– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلِّ اللَّهمَّ وسلِّمْ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. أمَّا بعدُ؛ قالَ العلَّامةُ ابنُ القيِّمِ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ "الجوابِ الكافي لـِمن سألَ عن الدَّواءِ الشَّافي":

فَصْلٌ: وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: أَنَّهَا تَسْلُبُ صَاحِبَهَا أَسْمَاءَ الْمَدْحِ وَالشَّرَفِ، وَتَكْسُوهُ أَسْمَاءَ الذَّمِّ وَالصَّغَارِ

– الشيخ : أعوذُ بالله، نسألُ اللهَ العافيةَ، "فاسقٌ، عاصٍ، ظالمٌ" هذه ألقابُ الذَّمِّ والتَّقبيحِ.

– القارئ : فَتَسْلُبُهُ اسْمَ الْمُؤْمِنِ، وَالْبَرِّ، وَالْمُحْسِنِ، وَالْمُتَّقِي، وَالْمُطِيعِ، وَالْمُنِيبِ، وَالْوَلِيِّ، وَالْوَرِعِ، وَالمصلِحِ، وَالْعَابِدِ، وَالْخَائِفِ، وَالْأَوَّابِ، وَالطَّيِّبِ، وَالْمَرَضِيِّ وَنَحْوِهَا.

وَتَكْسُوهُ اسْمَ الْفَاجِرِ، وَالْعَاصِي، وَالْمُخَالِفِ، وَالْمُسِيءِ، وَالْمُفْسِدِ، وَالْخَبِيثِ، وَالْمَسْخُوطِ، وَالزَّانِي، وَالسَّارِقِ، وَالْقَاتِلِ، وَالْكَاذِبِ، وَالْخَائِنِ، وَاللُّوطِيِّ، وَالْغَادِرِ، وَقَاطِعِ الرَّحِمِ، وَأَمْثَالِهَا.

فَهَذِهِ أَسْمَاءُ الْفُسُوقِ قالَ تعالى: بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَان[الْحُجُرَاتِ:11] الَّذِي يُوجِبُ غَضَبَ الدَّيَّانِ، وَدُخُولَ النِّيرَانِ، وَعَيْشَ الْخِزْيِ وَالْهَوَانِ.

وَتِلْكَ أَسْمَاءٌ تُوجِبُ رِضَاءَ الرَّحْمَنِ، وَدُخُولَ الْجِنَانِ، وَتُوجِبُ شَرَفَ الْمُسَمَّى بِهَا عَلَى سَائِرِ أَنْوَاعِ الْإِنْسَانِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي عُقُوبَةِ الْمَعْصِيَةِ إِلَّا اسْتِحْقَاقُ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ وَمُوجِبَاتِهَا لَكَانَ فِي الْعَقْلِ نَاهٍ عَنْهَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي ثَوَابِ الطَّاعَةِ إِلَّا الْفَوْزُ بِتِلْكَ الْأَسْمَاءِ وَمُوجِبَاتِهَا لَكَانَ فِي الْعَقْلِ آمِرٌ بِهَا، وَلَكِنْ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى اللَّهُ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ، وَلَا مُقَرِّبَ لِمَن بَاعَدَ، وَلَا مُبْعِدَ لِمَنْ قَرَّبَ، وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [الْحَجِّ:18]

فَصْلٌ:

وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: أَنَّهَا تُؤَثِّرُ بِالْخَاصِّيَّةِ فِي نُقْصَانِ الْعَقْلِ، فَلَا تَجِدُ عَاقِلَيْنِ أَحَدُهُمَا مُطِيعٌ لِلَّهِ وَالْآخَرُ عَاصٍ، إِلَّا وَعَقْلُ الْمُطِيعِ مِنْهُمَا أَوْفَرُ وَأَكْمَلُ، وَفِكْرُهُ أَصَحُّ، وَرَأْيُهُ أَسَدُّ، وَالصَّوَابُ قَرِينُهُ.

وَلِهَذَا تَجِدُ خِطَابَ الْقُرْآنِ إِنَّمَا هُوَ مَعَ أُولِي الْعُقُولِ وَالْأَلْبَابِ، كَقَوْلِهِ: وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ [الْبَقَرَةِ:197]، وَقَوْلِهِ: فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الْمَائِدَةِ:100]، وَقَوْلِهِ: وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 269]، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.

وَكَيْفَ يَكُونُ عَاقِلًا وَافِرَ الْعَقْلِ مَنْ يَعْصِي مَنْ هُوَ فِي قَبْضَتِهِ وَفِي دَارِهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَرَاهُ وَيُشَاهِدُهُ فَيَعْصِيهِ وَهُوَ بِعَيْنِهِ غَيْرُ مُتَوَارٍ عَنْهُ، وَيَسْتَعِينُ بِنِعَمِهِ عَلَى مَسَاخِطِهِ، وَيَسْتَدْعِي كُلَّ وَقْتٍ غَضَبَهُ عَلَيْهِ، وَلَعْنَتَهُ لَهُ، وَإِبْعَادَهُ مِنْ قُرْبِهِ، وَطَرْدَهُ عَنْ بَابِهِ، وَإِعْرَاضَهُ عَنْهُ، وَخِذْلَانَهُ لَهُ، وَالتَّخْلِيَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ وَعَدُوِّهِ، وَسُقُوطَهُ مِنْ عَيْنِهِ، وَحِرْمَانَهُ رُوحَ رِضَاهُ وَحُبَّهُ، وَقُرَّةَ الْعَيْنِ بِقُرْبِهِ، وَالْفَوْزَ بِجِوَارِهِ، وَالنَّظَرَ إِلَى وَجْهِهِ فِي زُمُرَةِ أَوْلِيَائِهِ، إِلَى أَضْعَافِ أَضْعَافِ ذَلِكَ مِنْ كَرَامَتِهِ أَهْلَ الطَّاعَةِ، وَأَضْعَافِ أَضْعَافِ ذَلِكَ مِنْ عُقُوبَةِ أَهْلِ الْمَعْصِيَةِ.

– الشيخ : نسألُ اللهَ العافيةَ، نسألُ اللهَ العافيةَ، يعني الطَّاعاتُ هي سببُ كلِّ خيرٍ، والمعاصي سببُ كلِّ شرٍّ، نسألُ اللهَ أنْ يجنِّبَنا وإيَّاكم معاصيَهُ، وأنْ يعينَنا بتوفيقِه لطاعتِه، لا إله إلَّا الله، بعده فصل؟

 

– القارئ : فَأَيُّ عَقْلٍ لِمَنْ آثَرَ لَذَّةَ سَاعَةٍ أَوْ يَوْمٍ أَوْ دَهْرٍ، ثُمَّ تَنْقَضِي كَأَنَّهَا حُلْمٌ لَمْ يَكُنْ، عَلَى هَذَا النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، وَالْفَوْزِ الْعَظِيمِ؟ بَلْ هُوَ سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَوْلَا الْعَقْلُ الَّذِي تَقُومُ بِهِ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ لَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَجَانِينِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ الْمَجَانِينُ أَحْسَنَ حَالًا مِنْهُ وَأَسْلَمَ عَاقِبَةً، فَهَذَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

وَأَمَّا تَأْثِيرُهَا فِي نُقْصَانِ الْعَقْلِ الْمَعِيشيِّ، فَلَوْلَا الِاشْتِرَاكُ فِي هَذَا النُّقْصَانِ، لَظَهَرَ لِمُطِيعِنَا نُقْصَانُ عَقْلِ عَاصِينَا، وَلَكِنَّ الْجَائِحَةَ عَامَّةٌ، وَالْجُنُونَ فُنُونٌ.

وَيَا عَجَبًا لَوْ صَحَّتِ الْعُقُولُ لَعَلِمَتْ أَنَّ طَرِيقَ تَحْصِيلِ اللَّذَّةِ وَالْفَرْحَةِ وَالسُّرُورِ وَطِيبِ الْعَيْشِ، إِنَّمَا هُوَ فِي رِضَاءِ مَنِ النَّعِيمُ كُلُّهُ فِي رِضَاهُ، وَالْأَلَمُ وَالْعَذَابُ كُلُّهُ فِي سُخْطِهِ وَغَضَبِهِ، فَفِي رِضَاهُ قُرَّةُ الْعُيُونِ، وَسُرُورُ النُّفُوسِ، وَحَيَاةُ الْقُلُوبِ، وَلَذَّةُ الْأَرْوَاحِ، وَطِيبُ الْحَيَاةِ، وَلَذَّةُ الْعَيْشِ، وَأَطْيَبُ النَّعِيمِ، مِمَّا لَوْ وُزِنَ مِنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ بِنَعِيمِ الدُّنْيَا لَمْ يَفِ بِهِ، بَلْ إِذَا حَصَلَ لِلْقَلْبِ مِنْ ذَلِكَ أَيْسَرُ نَصِيبٍ لَمْ يَرْضَ بِالدُّنْيَا وَمَا فِيهَا عِوَضًا مِنْهُ، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ يَتَنَعَّمُ بِنَصِيبِهِ مِنَ الدُّنْيَا أَعْظَمَ مِنْ تَنَعُّمِ الْمُتْرَفِينَ فِيهَا، وَلَا يَشُوبُ تَنَعُّمَهُ بِذَلِكَ الْحَظِّ الْيَسِيرِ مَا يَشُوبُ تَنَعُّمَ الْمُتْرَفِينَ مِنَ الْهُمُومِ وَالْغُمُومِ وَالْأَحْزَانِ والْمُعَارِضَاتِ، بَلْ قَدْ حَصَلَ لَهُ عَلَى النَّعِيمَيْنِ وَهُوَ يَنْتَظِرُ نَعِيمَيْنِ آخَرَيْنِ أَعْظَمَ مِنْهُمَا، وَمَا يَحْصُلُ لَهُ فِي خِلَالِ ذَلِكَ مِنَ الْآلَامِ، فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ اللهُ سبحانَهُ: إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ [النِّسَاءِ:104]

فَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَا أَنْقَصَ عَقْلَ مَنْ بَاعَ الدُّرَّ بِالْبَعْرِ، وَالْمِسْكَ بِالرَّجِيعِ، وَمُرَافَقَةَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، بِمُرَافَقَةِ الَّذِينَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا.

فصلٌ

– الشيخ : إلى هنا يا شيخُ، حسبُك، كلُّ ما في القرآنِ: اتَّقُوا اللَّهَ، اتَّقُوا اللَّهَ، فيها التَّحذيرُ من المعصيةِ، اتَّقُوا اللَّهَ، تكونُ بفعلِ الطَّاعات وتركِ السَّيِّئاتِ، وهي وقايةٌ سُمِّيَتْ هذه الأعمالُ تقوى؛ لأنَّها وقايةٌ يقي بها العبدُ نفسَه من سخطِ اللهِ وعقابِه يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ [التحريم:6]

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :متفرقات