الرئيسية/شروحات الكتب/الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي/(36) فصل المعاصي توجب القطيعة بين العبد والرب
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(36) فصل المعاصي توجب القطيعة بين العبد والرب

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (
الجوابُ الكافي لِمَن سألَ عن الدّواءِ الشَّافي) لابن القيّم
الدّرس: السَّادس والثَّلاثون

***    ***    ***    ***

 

– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلِّ اللَّهمَّ وسلِّمْ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. أمَّا بعدُ؛ قالَ العلَّامةُ ابنُ القيِّمِ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ "الجوابِ الكافي لـِمَن سألَ عن الدَّواءِ الشَّافي":

فَصْلٌ:

وَمِنْ أَعْظَمِ عُقُوبَاتِهَا: أَنَّهَا تُوجِبُ الْقَطِيعَةَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَإِذَا وَقَعَتِ الْقَطِيعَةُ انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَسْبَابُ الْخَيْرِ وَاتَّصَلَتْ بِهِ أَسْبَابُ الشَّرِّ، فَأَيُّ فَلَاحٍ، وَأَيُّ رَجَاءٍ، وَأَيُّ عَيْشٍ لِمَنِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَسْبَابُ الْخَيْرِ، وَقطعَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلِيِّهِ وَمَوْلَاهُ الَّذِي لَا غِنَى عَنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَلَا بَدَلَ لَهُ مِنْهُ، وَلَا عِوَضَ لَهُ عَنْهُ، وَاتَّصَلَتْ بِهِ أَسْبَابُ الشَّرِّ، وَوَصَلَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْدَى عَدُوٍّ لَهُ: فَتَوَلَّاهُ عَدُوُّهُ وَتَخَلَّى عَنْهُ وَلِيُّهُ؟ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا فِي هَذَا الِانْقِطَاعِ وَالِاتِّصَالِ مِنْ أَنْوَاعِ الْآلَامِ وَأَنْوَاعِ الْعَذَابِ.

قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: رَأَيْتُ الْعَبْدَ مُلْقًى بَيْنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَبَيْنَ الشَّيْطَانِ، فَإِنْ أَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ تَوَلَّاهُ الشَّيْطَانُ، وَإِنْ تَوَلَّاهُ اللَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلً} [الْكَهْفِ:50]

يَقُولُ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ: أَنَا أَكْرَمْتُ أَبَاكُمْ، وَرَفَعْتُ قَدْرَهُ، وَفَضَّلْتُهُ عَلَى غَيْرِهِ، فَأَمَرْتُ مَلَائِكَتِي كُلَّهُمْ أَنْ يَسْجُدُوا لَهُ، تَكْرِيمًا لَهُ وَتَشْرِيفًا، فَأَطَاعُونِي، وَأَبَى عَدُوِّي وَعَدُوُّهُ، فَعَصَى أَمْرِي، وَخَرَجَ عَنْ طَاعَتِي، فَكَيْفَ يَحْسُنُ بِكُمْ بَعْدَ هَذَا أَنْ تَتَّخِذُوهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي، فَتُطِيعُونَهُ فِي مَعْصِيَتِي، وَتُوَالُونَهُ فِي خِلَافِ مَرْضَاتِي وَهُمْ أَعْدَى عَدُوٍّ لَكُمْ؟ فَوَالَيْتُمْ عَدُوِّي وَقَدْ أَمَرْتُكُمْ بِمُعَادَاتِهِ، وَمَنْ وَالَى أَعْدَاءَ الْمَلِكِ، كَانَ هُوَ وَأَعْدَاؤُهُ عِنْدَهُ سَوَاءً، فَإِنَّ الْمَحَبَّةَ وَالطَّاعَةَ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِمُعَادَاةِ أَعْدَاءِ الْمُطَاعِ وَمُوَالَاةِ أَوْلِيَائِهِ، وَأَمَّا أَنْ تُوَالِيَ أَعْدَاءَ الْمَلِكِ ثُمَّ تَدَّعِي أَنَّكَ مُوَالٍ لَهُ، فَهَذَا مُحَالٌ.

هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَدُوُّ الْمَلِكِ عَدُوًّا لَكُمْ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ عَدُوَّكُمْ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَالْعَدَاوَةُ الَّتِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ أَعْظَمُ مِنَ الْعَدَاوَةِ الَّتِي بَيْنَ الشَّاةِ والذِّئْبِ؟ فَكَيْفَ يَلِيقُ بِالْعَاقِلِ أَنْ يُوَالِيَ عَدُوَّهُ عَدُوَّ وَلِيِّهِ وَمَوْلَاهُ الَّذِي لَا مَوْلَى لَهُ سِوَاهُ، وَنَبَّهَ سُبْحَانَهُ عَلَى قُبْحِ هَذِهِ الْمُوَالَاةِ بِقَوْلِهِ: وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ [الْكَهْفِ:50]، كَمَا نَبَّهَ عَلَى قُبْحِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [الْكَهْفِ:50]، فَتَبَيَّنَ أَنَّ عَدَاوَتَهُ لِرَبِّهِ وَعَدَاوَتَهُ لَنَا، كُلٌّ مِنْهُمَا سَبَبٌ يَدْعُو إِلَى مُعَادَاتِهِ، فَمَا هَذِهِ الْمُوَالَاةُ؟ وَمَا هَذَا الِاسْتِبْدَالُ؟ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا.

وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ تَحْتَ هَذَا الْخِطَابِ نَوْعٌ مِنَ الْعِتَابِ لَطِيفٌ عَجِيبٌ وَهُوَ أَنِّي عَادَيْتُ إِبْلِيسَ إِذْ لَمْ يَسْجُدْ لِأَبِيكُمْ آدَمَ مَعَ مَلَائِكَتِي فَكَانَتْ مُعَادَاتُهُ لِأَجْلِكُمْ، ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةُ هَذِهِ الْمُعَادَاةِ أَنْ عَقَدْتُمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ عَقْدَ الْمُصَالَحَةِ.

فَصْلٌ

– الشيخ : إلى هنا، نسألُ اللهَ العافيةَ، نسألُ اللهَ العافيةَ، أعوذُ باللهِ.

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :متفرقات