الرئيسية/شروحات الكتب/التبصرة في أصول الدين/(25) قوله “الدلالة على أن الله عز وجل تكلم بحرف وصوت خلافا للأشعرية”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(25) قوله “الدلالة على أن الله عز وجل تكلم بحرف وصوت خلافا للأشعرية”

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
التَّعليق على كتاب (التَّبصرة في أصولِ الدِّينِ) لأبي الفرج الشّيرازي
الدِّرس: الخامس والعشرون

***    ***    ***    ***

 

- الفرق بين النداء والنجاء [1] - تعقيب على عبارة المصنف أن الكلام وصلهم الحروف والأصوات [2] - مراد أهلُ السُّنة بقولهم "كلام الله حروف وأصوات" [3]

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، أمَّا بعدُ قالَ أبو الفرجِ الشِّيرازيُّ –رحمَهُ اللهُ تعالى- في "التَّبصرةِ في أصولِ الدِّينِ":

قالَ رحمَهُ اللهُ تعالى: فصلٌ: الدَّلالةُ على أنَّ اللهَ -عزَّ وجلَّ- تكلَّمَ بحرفٍ وصوتٍ خلافًا للأشعريَّةِ في قولِهم: "إنَّ كلامَ اللهِ ليسَ بحرفٍ ولا صوتٍ، وإنَّما هو المعنى القائمُ بنفسِهِ، وهذا الحرفُ والصَّوتُ هوَ كلامُ المخلوقِينَ عندَهم":

دليلُنا: قولُهُ تعالى: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [القصص:30]، وكذلكَ قولُهُ تعالى

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
1 الفرق بين النداء والنجاء - الشيخ : النِّداءُ هو الخطابُ بصوتٍ مرتفعٍ، والمناجاةُ بصوتٍ خفيٍّ، وموسى -عليه السَّلامُ- اللهُ تعالى قرَّبَه وناداه وناجاه، وأكثرُ الآياتِ فيها النِّداءُ، وفي آيةِ مريم: وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا [مريم:52]، فاللهُ ينادي من شاءَ ويناجي من شاءَ، ينادي ويكلِّم من شاءَ نداءً أو نِجاءً، والنِّداءُ يتضمَّنُ الصَّوتَ.   - القارئ : وكذلكَ قولُهُ تعالى: وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا [مريم:52] والنِّداءُ عندَ جميعِ أهلِ اللُّغةِ لا يكونُ إلَّا بحرفٍ وصوتٍ. دليلٌ ثانٍ: قولُهُ تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88] فوجهُ الحجَّةِ في الآيةِ مِن وجهَينِ: أحدِهما: قولُهُ تعالى: {بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ} أشارَ إلى هذا القرآنِ وهذا عندَ جميعِ أهلِ اللُّغةِ إشارةٌ إلى شيءٍ حاضرٍ فلو كانَ كلامُ الباري -جلَّ جلالُهُ- قائمًا في نفسِهِ لم يصحَّ الإشارةُ إليهِ؛ لأنَّهُ يكونُ على ما ذكرُوهُ غائبًا، والإشارةُ إلى شيءٍ غائبٍ بلفظِ الإشارةِ الحاضرِ غيرُ صحيحٍ لغةً وشرعًا. - الشيخ : {هَذَا الْقُرْآنِ} نعم، فهذا المكتوبُ في المصاحفِ المحفوظُ هو القرآنُ هو كلامُ اللهِ. - القارئ : والوجهُ الثَّاني مِن الحجَّةِ مِن الآيةِ: هوَ أنَّ اللهَ تعالى امتحنَ الكفَّارَ حينَ قالَ: عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ولو كانَ قائمًا بنفسِهِ لما جازَ للباري أنْ يمتحنَهم بالإتيانِ بمثلِ ما ليسَ عندَهم ولا هوَ حاضرٌ عندَ مشاهدِهم، لأنَّهُ لا يحسنُ بالحكيمِ أنْ يمتحنَ العقلاءَ بالإتيانِ بما في نفسِهِ وهم لا يعلمونَ، لأنَّهُ سبحانَهُ وتعالى انفردَ بعلمِ ما في نفسِهِ وما في النُّفوسِ أيضًا لأنَّهُ علمٌ لما في الغيبِ، والعلمُ لما في طيِّ الغيبِ لا يعلمُهُ أحدٌ إلَّا هوَ سبحانَهُ وتعالى، ولم يطَّلعْ أحدٌ على ما في نفسِهِ ولهذا قالَ تعالى: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [المائدة:116] - الشيخ : يعني: قالَه عن عيسى -عليه السَّلامُ-، "قالَ اللهُ" يعني: عن عيسى، وإلَّا فالكلامُ هو كلامُ عيسى ابن مريم، تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ.   - القارئ : وأيضًا تحدِّيهم بالإتيانِ بمثلِ ما في نفسِهِ يكونُ تكليفًا بما لا يُطاقُ، وذلكَ على اللهِ تعالى غيرُ جائزٍ، كما لا يجوزُ تكليفُ الأعمى نقطَ المصحفِ، ولا الزَّمِنَ القيامُ، لم يبقَ إلَّا أنْ يكونَ تحدَّاهم بما سمعُوهُ مِن النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والَّذي سمعُوهُ مِن النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، سمَّاهُ اللهُ تعالى "قرآنًا". - الشيخ : وسمَّاه "كلامًا" حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ [التوبة:6] - القارئ : دليلٌ ثالثٌ: قولُهُ تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ [الفتح:15] ولا يخلو الَّذي يقعُ منهم التَّبديلُ، إمَّا أنْ يكونَ كلامًا وصلَهم أو كلامًا لم يصلْهم، ولا يجوزُ أنْ يكونَ الَّذي يقعُ التَّبديلُ في كلامِهم لم يصلْهم؛ لأنَّ ما لا يصلُهم لا يتأتَّى تبديلُهُ ضرورةً كونُهُ ما وصلَ إليهم، وما كانَ غيرُ واصلٍ إليهم لا يكونُوا عارفينَ بهِ، ولا قادرينَ على الإتيانِ بمثلِهِ، ولا على تبديلِهِ لضرورةِ ما ذكرْناهُ، لم يبقَ إلَّا أنْ يكونَ كلامًا قد وصلَهم، وما قد وصلَهم ليسَ إلَّا الحروفَ والأصواتَ، وقد سمَّاهُ اللهُ تعالى لذلكَ "كلامًا"، وقالَ بأنَّهُ كلامُهُ.  
2 تعقيب على عبارة المصنف أن الكلام وصلهم الحروف والأصوات - الشيخ : "أمَّا وصلَهم الحروف والأصوات"، فالحروفُ نعم، أمَّا الأصواتُ ما سمعُوها من اللهِ، لأنَّا نقصدُ بكلمةِ الأصواتِ، وأنَّ كلامَ اللهِ بحرفٍ وصوتٍ، المرادُ صوتُ الرَّبِّ تعالى، وهذا لم يحصلْ إلَّا لمن كلَّمَه اللهُ، إلَّا لمن كلَّمَه، أمَّا من لم يكلِّمْه اللهُ فقد يصلُ إليه كلامُه بواسطةِ الرَّسولِ مبلغًا، فتصلُ الألفاظُ وما تحملُه من معانٍ، وأمَّا الصَّوتُ فلا، كما لا يخفى، فعبارتُه عليها استفهامٌ.   - القارئ : دليلٌ رابعٌ: قولُهُ تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ [التوبة:6] والمسموعُ ليسَ إلَّا الحروفَ والأصواتَ - الشيخ : أصواتُ مَن؟ هذا مِن جنسِ ما قبله، والمسموعُ أيش؟ الحروفُ والأصواتُ، لكن صوتُ من؟ - القارئ : صوتُ المخلوقِ - الشيخ : كما في العبارةِ المشهورةِ: "الكلامُ كلامُ الباري والصَّوتُ صوتُ القاري"، فالمسلمون سمعُوا القرآنَ بصوتِ الرَّسولِ، وهكذا كلُّ مَن يُبلِّغُ القرآنَ أو يبلغْهُ القرآنُ يسمعُ القرآنَ من المبلِّغِ، ولهذا أُضيفَ القرآنُ إلى الرَّسولِ إضافةَ التَّبليغِ: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ [الحاقة:40].   - القارئ : وكذلكَ قولُهُ تعالى: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا [الأحقاف:29] فجعلُ اللهِ تعالى لما يُسمَعُ قرآنًا لكونِهِ جعلَهُ مسموعًا، والمسموعُ ليسَ إلَّا ما يُقرَأُ، ليسَ إلَّا الحروفَ، وما يُسمَعُ ليسَ إلَّا الأصواتَ، فدلَّ على أنَّهُ الحروفُ والأصواتُ، ضرورةُ كونِهِ مقروءًا ومسموعًا، والمقروءُ والمسموعُ ليسَ إلَّا الحروفَ والأصواتَ فدلَّ على أنَّهُ هوَ القرآنُ، ولا يجوزُ حملُهُ على المفهومِ ولا على المعنى؛ لأنَّ المعاني لا تُسمَعُ إنَّما تُفهَمُ فهما، فلمَّا سمَّاهُ اللهُ مسموعًا دلَّ على أنَّ القرآنَ هوَ الحروفُ والأصواتُ  
3 مراد أهلُ السُّنة بقولهم "كلام الله حروف وأصوات" - الشيخ : كلُّ هذا هو مشى على هذا المنهجِ في التَّعبيرِ عن الأصواتِ اعتبرَ ما يسمعُه النَّاسُ بعضهم من بعضٍ هو الأصواتُ، ومرادُ أهلِ السُّنَّةِ عندما قالوا "أنَّ كلامَ اللهِ حروفٌ وأصواتٌ" يريدون صوتَ الرَّبِّ تعالى، أنَّ له صوتًا يُسمِعُهُ من شاءَ، فموسى سمعَ كلامَ اللهِ من اللهِ بصوتِه تعالى، وآدمُ سمعَ كلامَ اللهِ بصوتِه وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا [الأعراف:22]، وإبراهيمُ -عليه السَّلامُ- سمعَ نداءَ اللهِ تعالى وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [الصافات:104-105].   - القارئ : دليلٌ خامسٌ: ما روى عمَّارُ أنَّ رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالَ: (مَن أحبَّ أنْ يسمعَ القرآنَ جديدًا غضًّا كما أُنزِلَ فليسمعْهُ مِن ابنِ مسعودٍ)، ورُوِيَ أنَّ النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالَ لابنِ مسعودٍ: (اقرأْ عليَّ سورةَ النِّساءِ) فقالَ: يا رسولَ اللهِ أقرأُ عليكَ وعليكَ أُنزِلَ!، فقالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (إنِّي أحبُّ أنْ أسمعَهُ مِن غيري) - الشيخ : صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القارئ : فقرأْتُ عليهِ سورةَ النِّساءِ حتَّى بلغْتُ إلى قولِهِ تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا [النساء:41] فلمَّا وصلْتُ عندَ هذهِ الآيةِ بكى رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتَّى ارتفعَ صوتُهُ بالبكاءِ، وقالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (حسبي أنْ أكونَ شهيدًا على أمَّتي) - الشيخ : هذا اللَّفظ من أين جابه؟ اللَّفظُ المعروفُ في الصَّحيح: يقولُ: فالتفتُّ.. قالَ: (حسبُكَ) فالتفتُّ فإذا عيناهُ تذرفانِ" فقط، أمَّا بصوت ما.. علَّقَ المحقِّق شيء؟ اللَّفظ هذا موجود..؟ - القارئ : ما أشارَ، أحسنَ اللهُ إليكَ، قالَ: أخرجَه البخاريُّ ومسلمٌ وفيه: " فإذا عيناهُ تذرفانِ"، وليسَ فيه: "بكى حتَّى ارتفعَ صوتُهُ" - الشيخ : تمام، أقولُ: جيِّد - القارئ : دليلٌ سادسٌ: قولُهُ تعالى: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل:40] فأخبرَ سبحانَهُ وتعالى بأنْ كوَّنَ أشياءً بقولِهِ "كنْ" وهي حرفانِ ولا يجوزُ أنْ يكونَ كوَّنَها بمعنى "كنْ"، لأنَّ ذلكَ المعنى هوَ الإرادةُ، واللهُ أخبرَ أنَّ الأشياءَ بإرادتِهِ وكلامِهِ. دليلٌ سابعٌ: قولُهُ تعالى: الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ [هود:1] فبيَّنَ أنَّ الألفَ واللَّامَ والرَّاءَ هيَ الكتابُ الَّذي أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ - الشيخ : أنَّ الألفَ واللَّامَ والرَّاءَ ليسَت هي الكتابُ، لكنَّ الكتابَ مؤلَّفٌ منها ومن نوعها، من مثلِها. - القارئ : وأيضًا قولُهُ تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ، وكذلكَ قولُهُ تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ [البقرة:37]، فالكلماتُ هيَ الحروفُ والأصواتُ بدليلِ ما سبقَ ذكرُهُ. دليلٌ ثامنٌ - الشيخ : إلى آخرِهِ، جزاكَ اللهُ خيرًا .      

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الفقه وأصوله