الحمدُ لله، وصلَّى الله وسلَّم على محمَّد، أمَّا بعد :
فقوله تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام:54]، وقولُ القائل: كتبَ اللهُ البقاءَ لنفسِه؛ الكتابةُ في مثل هذا التَّركيب بمعنى: التَّقدير للشَّيء وإرادة حصوله، والرَّحمةُ في الآية هي الرَّحمة الفعليَّة، التي تكونُ بمشيئتهِ تعالى، وليستْ مِن لَوازمِ ذاته، كقوله تعالى: وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ [العنكبوت:21]، وقوله: إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ [الإسراء:54].
وأمَّا "البقاء" في العبارة المسؤول عنها: فالمرادُ به دوامُ وجوده تعالى، وحياتُه وصفاتُ كماله، وذلك كلُّه مِن لوازمِ ذاتهِ، ولا تتعلَّقُ به المشيئة، وبهذا يظهرُ أنَّه لا يجوزُ أن يقالَ: "كتبَ لنفسِه البقاء"؛ فإنَّ هذا يشبهُ قولَ القائل: "شاءَ اللهُ أن يكونَ حيًّا ويكونَ موجودًا"، فكلُّ هذا لا يجوز؛ لأنَّ ما تتعلَّق به المشيئةُ لابدَّ أن يكونَ محدَثًا. والله أعلم.
عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك
في 22 شعبان 1441 هـ