بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح (الرّسالة العرشيّة لابن تيميّة)
الدّرس السّادس
*** *** *** ***
– القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، يقول شيخ الإسلام الإمام أبو العباس ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في رسالته الموسومة "بالرسالة العرشية"، قال رحمه الله:
الْمَقَامُ الثَّانِي:
أَنْ يُقَالَ: الْعَرْشُ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْفَلَكُ التَّاسِعُ، أَوْ جِسْمًا مُحِيطًا بِالْفَلَكِ التَّاسِعِ، أَوْ كَانَ فَوْقَهُ مِنْ جِهَةِ وَجْهِ الْأَرْضِ غَيْرِ مُحِيطٍ بِهِ.
– الشيخ: أيش؟
– القارئ: أَوْ جِسْمًا مُحِيطًا بِالْفَلَكِ التَّاسِعِ، أَوْ كَانَ فَوْقَهُ مِنْ جِهَةِ وَجْهِ الْأَرْضِ غَيْرِ مُحِيطٍ بِهِ.
– الشيخ: أو قيل
– القارئ: أَوْ كَانَ فَوْقَهُ مِنْ جِهَةِ وَجْهِ الْأَرْضِ غَيْرِ مُحِيطٍ بِهِ، أَوْ قِيلَ فِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ، فَيَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْعَالَمَ الْعُلْوِيَّ وَالسُّفْلِيَّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخَالِقِ تَعَالَى فِي غَايَةِ الصِّغَرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الزمر:67].
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: (يَقْبِضُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْأَرْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ؟).
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَقْبِضُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْأَرْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ؟).
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَطْوِي اللَّهُ السَّمَوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ..
– الشيخ: أعد أعد
– القارئ: وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَطْوِي اللَّهُ السَّمَوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟ ثُمَّ يَطْوِي الْأَرْضِينَ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ، أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟).
وَفِي لَفْظٍ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مقسم: أَنَّهُ نَظَرَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهم- كَيْفَ يَحْكِي أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يَأْخُذُ اللَّهُ سَمَوَاتِهِ وَأَرْضَهُ بِيَدِهِ، وَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ وَيَقْبِضُ أَصَابِعَهُ وَيَبْسُطُهَا: أَنَا الْمَلِكُ)، حَتَّى نَظَرْت إلَى الْمِنْبَرِ يَتَحَرَّك مِنْ أَسْفَلِ شَيْءٍ مِنْهُ.
– الشيخ: مِنْ أسفلَ، مِنْ أسفلَ شيء
– القارئ: حَتَّى نَظَرْت إلَى الْمِنْبَرِ يَتَحَرَّك مِنْ أَسْفَلَ شَيْءٍ مِنْهُ، حَتَّى إنِّي أَقُولُ: أَسَاقِطٌ هُوَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟!.
وَفِي لَفْظٍ قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ: (يَأْخُذُ الْجَبَّارُ سَمَوَاتِهِ وَأَرْضَهُ، وَقَبَضَ بِيَدِهِ وَجَعَلَ يَقْبِضُهَا وَيَبْسُطُهَا وَيَقُولُ: أَنَا الرَّحْمَنُ، أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْقُدُّوسُ، أَنَا السَّلَامُ، أَنَا الْمُؤْمِنُ، أَنَا الْمُهَيْمِنُ، أَنَا الْعَزِيزُ، أَنَا الْجَبَّارُ، أَنَا الْمُتَكَبِّرُ، أَنَا الَّذِي بَدَأْت الدُّنْيَا وَلَمْ تَكُنْ شَيْئًا، أَنَا الَّذِي أَعَدَدتُهَا، أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟..
– الشيخ: أعَدْتها
– القارئ: أَنَا الَّذِي أَعَدْتهَا، أَيْنَ..
– الشيخ: كذا عندك؟
أحد الحضور: …
– الشيخ: أي
– القارئ: أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟) وَفِي لَفْظٍ: "أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟" وَيَمِيلُ رَسُولُ اللَّهِ -صلّى الله عليه وسلم- عَلَى يَمِينِهِ، وَعَلَى شَمَالِهِ، حَتَّى نَظَرْت إلَى الْمِنْبَرِ يَتَحَرَّك مِنْ أَسْفَلَ شَيْءٍ مِنْهُ، حَتَّى إنِّي لَأَقُولُ: أَسَاقِطٌ هُوَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟.
وَالْحَدِيثُ مَرْوِيٌّ فِي الصَّحِيحِ وَالْمَسَانِيدِ وَغَيْرِهَا بِأَلْفَاظِ يَصْدُقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَفِي بَعْضِ.
– الشيخ: كأنها مثل ما قرأت، أن أسفلِ للإضافة، عندك مضبوطة؟
– القارئ: لا لا غير مضبوطة
– الشيخ: أسفل شيء يعني معروف، أسفل شيء من هذا المكان، فكلمة فيها إضافة، وأفعل ممنوع من الصرف لكن إذا أُضيف انصرف، تظل قراءتك الأولى صحيحة، نعم بعده.
– القارئ: وَالْحَدِيثُ مَرْوِيٌّ فِي الصَّحِيحِ وَالْمَسَانِيدِ وَغَيْرِهَا بِأَلْفَاظِ يَصْدُقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ قَالَ: قَرَأَ عَلَى الْمِنْبَرِ: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} الآية [الزمر:67]. قَالَ: (مَطْوِيَّةٌ فِي كَفِّهِ يَرْمِي بِهَا كَمَا يَرْمِي الْغُلَامُ بِالْكُرَةِ)، وَفِي لَفْظٍ: (يَأْخُذُ الْجَبَّارُ سَمَوَاتِهِ وَأَرْضَهُ بِيَدِهِ فَيَجْعَلُهَا فِي كَفِّهِ، ثُمَّ يَقُولُ بِهِمَا هَكَذَا كَمَا تَقُولُ الصِّبْيَانُ بِالْكُرَةِ: أَنَا اللَّهُ الْوَاحِدُ!).
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: يَقْبِضُ اللَّهُ عَلَيْهِمَا فَمَا تَرَى طَرَفَاهُمَا بِيَدِهِ، وَفِي لَفْظٍ عَنْهُ: (مَا السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ السَّبْعُ وَمَا فِيهِنَّ وَمَا بَيْنَهُنَّ فِي يَدِ الرَّحْمَنِ، إلَّا كَخَرْدَلَةِ فِي يَدِ أَحَدِكُمْ)، وَهَذِهِ الْآثَارُ مَعْرُوفَةٌ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ عَلَى إصْبَعٍ، وَالْأَرْضِينَ عَلَى إصْبَعٍ، وَالْجِبَالَ عَلَى إصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى إصْبَعٍ، فَيَهُزُّهُنَّ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْمَلِكُ، قَالَ: فَضَحِكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}الآية [الزمر:67].
فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُفَسِّرَةِ لَهَا الْمُسْتَفِيضَةِ الَّتِي اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى صِحَّتِهَا وَتَلَقِّيهَا بِالْقَبُولِ مَا يُبَيِّنُ أَنَّ السَّمَوَاتَ وَالْأَرْضَ.
– الشيخ: أن السَّمواتِ
– القارئ: أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ
– الشيخ: والأرضَ
– القارئ: ما يبين أن السمواتِ والأرضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، أَصْغَرُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَعَ قَبْضِهِ لَهَا إلَّا كَالشَّيْءِ الصَّغِيرِ فِي يَدِ أَحَدِنَا، حَتَّى يَدْحُوَهَا كَمَا تَدَّحِي الْكُرَةُ.
قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الماجشون الْإِمَامُ نَظِيرُ مَالِكٍ فِي كَلَامِهِ الْمَشْهُورِ الَّذِي رَدَّ فِيهِ عَلَى الْجَهْمِيَّة وَمَنْ خَالَفَهَا وَمَنْ أَوَّلَ كَلَامَهُ قَالَ.
– الشيخ: ومن أيش؟
– القارئ: ومن أول
– الشيخ: رد به على؟
– القارئ: رد فيه على الجهمية ومن خالفها
– الشيخ: أيش وخالفها؟ خلها حالفها يعني أحسن
– القارئ: يعني شابهها ربّما، المُثبت هنا خالفها.
– الشيخ: أنا أقول
– القارئ: لكن شابهها أفضل، يعني من نح نحوها
– الشيخ: لا لا، هي شابهها ما في شك، شابهها
– القارئ: وَمَنْ أَوَّلَ كَلَامَهُ قَالَ: فَأَمَّا الَّذِي جَحَدَ مَا وَصَفَ الرَّبُّ مِنْ نَفْسِهِ تَعَمُّقًا وَتَكَلُّفًا، فَقَدْ اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ، فَصَارَ يَسْتَدِلُّ بِزَعْمِهِ عَلَى جَحْدِ مَا وَصَفَ الرَّبُّ وَسَمَّى مِنْ نَفْسِهِ، بأن قال: لابد إنْ كَانَ لَهُ كَذَا مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ كَذَا، فَعُمِيَ عَنْ الْبَيْنِ.
– الشيخ: فَعَمِيَ
– القارئ: فَعَمِيَ عَنْ الْبَيْنِ بِالْخَفِيِّ.
– الشيخ: البَيِّنْ
– القارئ: فَعَمِيَ عَنْ الْبَيِّنِ بِالْخَفِيِّ، فَجَحَدَ مَا سَمَّى الرَّبُّ مِنْ نَفْسِهِ، بِصَمْتِ الرَّبِّ عَمَّا لَمَّ يُسَمَّ مِنْهَا.
– الشيخ: ما لم يُسَمِّ
– القارئ: عَمَّا لَمَّ يُسَمِّ مِنْهَا، فَلَمْ يَزَلْ يُمْلِي لَهُ الشَّيْطَانُ حَتَّى جَحَدَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[القيامة:22، 23]، فَقَالَ: لَا يَرَاهُ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
فَجَحَدَ وَاَللَّهِ أَفْضَلُ كَرَامَةِ اللَّهِ.
– الشيخ: أفضلَ؟
– القارئ: أَفْضَلَ كَرَامَةِ اللَّهِ الَّتِي أَكْرَمَ بِهَا أَوْلِيَاءَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنْ النَّظَرِ إلَى وَجْهِهِ وَنَضْرَتِهِ إيَّاهُمْ: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ}[القمر:55]، وَقَدْ قَضَى أَنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ، فَهُمْ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ يَنْضُرُونَ.
إلَى أَنْ قَالَ: وَإِنَّمَا جَحَدَ رُؤْيَةَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إقَامَةً لِلْحُجَّةِ الضَّالَّةِ الْمُضِلَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عُرِفَ أَنَّهُ إذَا تَجَلَّى لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، رَأَوْا مِنْهُ مَا كَانُوا بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ مُؤْمِنِينَ، وَكَانَ لَهُ جَاحِدًا.
وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟) قَالُوا: لَا. قَالَ: (فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟) قَالُوا: لَا. قَالَ: (فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَذَلِكَ).
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَمْتَلِئُ النَّارُ حَتَّى يَضَعَ الْجَبَّارُ فِيهَا قَدَمَهُ فَتَقُولُ: قَطٍ، قَطٍ، وَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ)، وَقَالَ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ: (قَدْ ضَحِكَ اللَّهُ مِمَّا فَعَلْت بِضَيْفِك الْبَارِحَةَ)، وَقَالَ فِيمَا بَلَغَنَا عَنْهُ: (إنَّ اللَّهَ يَضْحَكُ مِنْ أَزَلِكُمْ وَقُنُوطِكُمْ وَسُرْعَةِ إجَابَتِكُمْ)، وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ: إنَّ رَبَّنَا لَيَضْحَكُ؟ قَالَ: " نَعَمْ " قَالَ: لَنْ نَعْدَمَ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا. فِي أَشْبَاهٍ لِهَذَا مِمَّا لَمْ نَخُصُّهْ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى:11]، {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}[الطور:48]، وَقَالَ: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}[طه:39]، وَقَالَ: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]، وَقَالَ: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الزمر:67].
فَوَاَللَّهِ مَا دَلَّهُمْ عَلَى عِظَمِ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَمَا تُحِيطُ بِهِ قَبْضَتُهُ، إلَّا صِغَرَ نَظِيرِهَا مِنْهُمْ عِنْدَهُمْ إنَّ ذَلِكَ الَّذِي أُلْقِيَ فِي رُوعِهِمْ، وَخَلَقَ عَلَى مَعْرِفَتِهِ قُلُوبَهُمْ فَمَا وَصَفَ اللَّهُ مِنْ نَفْسِهِ وَسَمَّاهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ سَمَّيْنَاهُ كَمَا سَمَّاهُ، وَلَمْ نَتَكَلَّفْ منه علم ما سواه، لَا هَذَا، وَلَا هَذَا، لَا نَجْحَدُ مَا وَصَفَ، وَلَا نَتَكَلَّفُ مَعْرِفَةَ مَا لَمْ يَصِفْ انْتَهَى.
– الشيخ: إلى هنا
– القارئ: تبقى القليل وينتهي المقام الثاني
– الشيخ: نعم
– القارئ: وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ الْمَخْلُوقَاتِ كَالْكُرَةِ، وَهَذَا قَبْضُهُ لَهَا وَرَمْيُهُ.
– الشيخ: فإذا، فإذا قُدِّرَ
– القارئ: فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ الْمَخْلُوقَاتِ كَالْكُرَةِ، وَهَذَا قَبْضُهُ لَهَا وَرَمْيُهُ بِهَا، وَإِنَّمَا بَيَّنَ لَنَا مِنْ عَظَمَتِهِ وَصْفَ الْمَخْلُوقَاتِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ مَا يَعْقَلُ نَظِيرُهُ مِنَّا. ثُمَّ الَّذِي.
– الشيخ: ما.
– القارئ: مَا يَعْقَلُ نَظِيرُهُ مِنَّا.
– الشيخ: مَا يُعْقَلُ نَظِيرُهُ، لعلها كذا..
– القارئ: وَإِنَّمَا بَيَّنَ لَنَا مِنْ عَظَمَتِهِ وَصْفَ الْمَخْلُوقَاتِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ مَا يُعْقَلُ نَظِيرُهُ مِنَّا.
ثُمَّ الَّذِي فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ يُبَيِّنُ أَنَّهُ إنْ شَاءَ قَبَضَهَا وَفَعَلَ بِهَا مَا ذَكَرَ كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَقْبِضَهَا وَيَدْحُوَهَا كَالْكُرَةِ، وَفِي ذَلِكَ مِنْ الْإِحَاطَةِ بِهَا مَا لَا يَخْفَى، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، وَبِكُلِّ حَالٍ فَهُوَ مُبَايِنٌ لَهَا لَيْسَ بمحايث لَهَا. وَمِنْ الْمَعْلُومِ.
– الشيخ: ليس بمحايث يعني ليس، هي ليست حيث هي أي ليس حالّاً فيها، المحايثة أن يكون في المكان الذي فيه الشيء، الله ليس داخل العالم ليس محايثاً، فمن قال إنه حالٌّ أو قال إنه ليس محايثاً ولا مُبايناً كلٌّ منهما مبطلٌ، بل الله تعالى مباين للعالم خارج العالم، بائن فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه.
– القارئ: وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنَّا وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى إذَا كَانَ عِنْدَهُ خَرْدَلَةٌ، إنْ شَاءَ قَبَضَهَا فَأَحَاطَتْ بِهَا قَبْضَتُهُ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبِضْهَا بَلْ جَعَلَهَا تَحْتَهُ، فَهُوَ فِي الْحَالَتَيْنِ مُبَايِنٌ لَهَا، وَسَوَاءٌ قُدِّرَ أَنَّ الْعَرْشَ هُوَ مُحِيطٌ بِالْمَخْلُوقَاتِ كَإِحَاطَةِ الْكُرَةِ بِمَا فِيهَا أَوْ قِيلَ: أنَّهُ فَوْقَهَا وَلَيْسَ مُحِيطًا بِهَا، كَوَجْهِ الْأَرْضِ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَوْفِهَا، وَكَالْقُبَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا تَحْتَهَا، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
فَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، يَكُونُ الْعَرْشُ فَوْقَ الْمَخْلُوقَاتِ، وَالْخَالِقُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَوْقَهُ، وَالْعَبْدُ فِي تَوَجُّهِهِ إلَى اللَّهِ يَقْصِدُ الْعُلُوَّ دُونَ التَّحْتِ. انتهى المقام الثاني.
– الشيخ: بعده
– القارئ: وَتَمَامُ هَذَا بِبَيَانِ الْمَقَامُ الثَّالِثُ.
– الشيخ: الثالث؟
– القارئ: نعم
– الشيخ: بارك الله فيك وجزاك الله خير
– القارئ: أحسن الله إليكم، في أحسن الله إليكم في الدرس الماضي يقول شيخ الإسلام: أن نُبيّنَ أن ما ذكر في السؤال زائل على كل تقدير، فيكون الكلام في الجواب مبنياً على حجج علمية لا تقليدية، ما المقصود بالتقليدية؟
– الشيخ: أيش؟
– القارئ: يقول: عَلَى حُجَجٍ عِلْمِيَّةٍ لَا تَقْلِيدِيَّةٍ، وَلَا مُسَلَّمَةٍ، يعني الحجج العلمية هي مبنية على الكتاب والسنة.
– الشيخ: الحجج العلمية هي الحُجج الصحيحة، المعلومة بموجب العقل أو بدلالة الشرع أو بهما جميعاً، وأما الحُجج التقليدية والمُسَلَّمة هذا كأنه مصطلح من مصطلحات يعني أصحاب المنطق والجدل، عندهم يعني عندهم الحُجة المُسلَّمة يعني مُسلَّمة ما يُسلِّمُهُ الخصم ولو كان في نفس الأمر إنها ليست حجة، ولهذا يقول سيكفي مثلاً في الاحتجاج على الخصم التّسليم، الخصم إذا سلَّم الحجة كانت حجة عليه ولزِمته، ولا يلزم أن تكون الحُجّة صحيحة في نفس الأمر، لكنها إذا سلَّمها لزِمته، فليس كل حُجّةٍ مُسلَّمة تكون صحيحةً علمية، هذا ما يظهر. تقليدية ما أدري عنها.
– القارئ: أحسن الله إليكم.