بسمٍ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح (الرّسالة العرشيّة لابن تيميّة)
الدّرس العاشر
*** *** *** ***
– القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، يقول شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في رسالته الموسومة "بالرسالة العرشية"، قال رحمه الله:
وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ الْحَدِيثَ لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إنْ كَانَ ثَابِتًا، فَإِنَّ قَوْلَهُ: "لَوْ أُدْلِي بِحَبْلِ لَهَبَطَ".
أحسن الله إليكم أغلب النسخ "دلَّيتم، لو دليتم" نسخ الجامع الترمذي. والذي نفس محمد بيده لو أنكم دلَّيتم رجلاً بحبلٍ إلى الأرض السُّفلى.
– الشيخ: يعني هذا اللي عند الترمذي؟
– القارئ: هذا أغلب النسخ
– الشيخ: في الترمذي؟
– القارئ: أي نعم أي نعم
– الشيخ: المعنى ما يترتّب عليه شيء، سهل
– القارئ: أغلب النسخ دلَّيتُم بدل أدْلى أو أُدْليَ
– الشيخ: أقول المعنى ما يختلف هو هو
– القارئ: نعم أحسن الله إليك. يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمُدْلِي وَلَا فِي الْحَبْلِ، وَلَا فِي الدَّلْوِ وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَأَنَّهَا تَقْتَصي أَنَّهُ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ.
– الشيخ: تقتضي
– القارئ: الضاد غير منقوطة سبحان الله
– الشيخ: طيب اقرأ
– القارئ: وَأَنَّهَا تَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ، وَكَذَلِكَ تَأْوِيلُهُ بِالْعِلْمِ تَأْوِيلٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ، مَنْ جِنْسِ تَأْوِيلَاتِ الْجَهْمِيَّة، بَلْ بِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ يَكُونُ دَالًّا عَلَى الْإِحَاطَةِ. وَالْإِحَاطَةُ قَدْ عُلِمَ أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَيْهَا، وَعُلِمَ أَنَّهَا تَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّة، وَلَيْسَ فِي إثْبَاتِهَا فِي الْجُمْلَةِ مَا يُخَالِفُ الْعَقْلَ وَلَا الشَّرْعَ، لَكِنْ.
– الشيخ: لا إله إلا الله، ما يخالف لكن ما يُدرك العقل يعني الأمور التي لا يحيط بها العقل، فليس في العقل ما يثبتها ولا ينفيها نعم، ولا ما ينفيها.
– القارئ: أحسن الله إليكم، من يقول إن هذا وهمي
– الشيخ: أي شيء؟
– القارئ: الحديث، يعني الإدلاء و..
– الشيخ: وش معنى وهمي
– القارئ: يعني ليس حقيقياً
– الشيخ: وش معنى ليس حقيقياً؟
– القارئ: يعني لو أُدلي أحدكم في الأرض
– الشيخ: هذا افتراضي قال لك، ومن قال لك أنه فرض؟ ما، لا يمكن ولا هو واقع، يعني هو ممكن من حيث الذات؟ يعني ذات يعني هو من قبيل الممتنع لذاته؟
– القارئ: لا
– الشيخ: خلاص، يعني ما هو بخبر عن واقع، ليس خبر هذا افتراضي، لو لو..
– القارئ: نعم نعم
– الشيخ: أقول قال – الشيخ وقف وعدَّ وكرر هذا المعنى.
– القارئ: وَلَيْسَ فِي إثْبَاتِهَا فِي الْجُمْلَةِ مَا يُخَالِفُ الْعَقْلَ وَلَا الشَّرْعَ، لَكِنْ لَا نَتَكَلَّمُ إلَّا بما نعلم، ومالا نَعْلَمُهُ أَمْسَكْنَا عَنْهُ، وَمَا كَانَ مُقَدِّمَةُ دَلِيلِهِ مَشْكُوكًا فِيهَا عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ، كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَشُكَّ فِيهِ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ، وَإِلَّا فَلْيَسْكُتْ عَمَّا لَمْ يَعْلَمْ.
وَإِذَا تَبَيَّنَ هَذَا، فَكَذَلِكَ قَاصِدُهُ يَقْصِدُهُ إلَى تِلْكَ النَّاحِيَةِ، وَلَوْ فُرِضَ أَنَّا فَعَلْنَاهُ لَكُنَّا قَاصِدِينَ لَهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، لَكِنَّ قَصْدَنَا لَهُ بِالْقَصْدِ إلَى تِلْكَ الْجِهَةِ مُمْتَنِعٌ فِي حَقِّنَا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ التَّامَّ الْجَازِمَ يُوجِبُ طَلَبَ الْمَقْصُودِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ.
وَلِهَذَا قَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ لَمَّا تَكَلَّمْنَا عَلَى تَنَازُعِ النَّاسِ فِي النِّيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْفِعْلِ هَلْ يُعَاقَبُ عَلَيْهَا أَمْ لَا يُعَاقَبُ؟ بَيَّنَّا أَنَّ الْإِرَادَةَ الْجَازِمَةَ تُوجِبُ أَنْ يَفْعَلَ الْمُرِيدُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُرَادِ، وَمَتَى لَمْ يَفْعَلْ مَقْدُورَهُ لَمْ تَكُنْ إرَادَتُهُ جَازِمَةً، بَلْ يَكُونُ هَمًّا، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَرَكَهَا لِلَّهِ كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ.
وَلِهَذَا وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَمِّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهَمِّ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَد: الْهَمُّ هَمَّانِ: هَمُّ خَطَرَاتٍ وَهَمُّ إصْرَارٍ؛ فَيُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَمَّ هَمًّا تَرَكَهُ لِلَّهِ فَأُثِيبَ عَلَيْهِ، وَتِلْكَ هَمَّتْ هَمَّ إصْرَارٍ فَفَعَلَتْ مَا قَدَرَتْ عَلَيْهِ مِنْ تَحْصِيلِ مُرَادِهَا، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهَا الْمَطْلُوبُ.
– الشيخ: أغلقت الأبواب ودعته إلى نفسها، وهو لما رأى الموقف هرب إلى الباب فصارت تطرد ورائه، وأمسكت بقميصه فقدّت القميص، صار آية على صدقه وكذبها، {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا}[يوسف:26].
– القارئ: وَاَلَّذِينَ قَالُوا: يُعَاقَبُ بِالْإِرَادَةِ، احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: (إنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ)، وَفِي رِوَايَةٍ: (إنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ).
– الشيخ: هذا في الخير والشر، النية الجازمة تُنزَّل منزِلة الفعل، في الخير والشر، الله المستعان.
– القارئ: فَهَذَا أَرَادَ إرَادَةً جَازِمَةً، وَفَعَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ مَطْلُوبَهُ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ، فَمَتَى كَانَ الْقَصْدُ جَازِمًا، لَزِمَ أَنْ يَفْعَلَ الْقَاصِدُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ حُصُولِ الْمَقْصُودِ، فَإِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى حُصُولِ مَقْصُودِهِ بِطَرِيقِ مُسْتَقِيمٍ امْتَنَعَ مَعَ الْقَصْدِ التَّامِّ أَنْ يُحَصِّلَهُ بِطَرِيقِ مَعْكُوسٍ مِنْ بَعِيدٍ.
فَلِهَذَا امْتَنَعَ فِي فِعْلِ الْعِبَادِ عِنْدَ ضَرُورَتِهِمْ، وَدُعَائِهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَمَامُ قَصْدِهِمْ له ألا يَتَوَجَّهُوا إلَيْهِ إلَّا تَوَجُّهًا مُسْتَقِيمًا، فَيَتَوَجَّهُوا إلَى الْعُلُوِّ دُونَ سَائِرِ الْجِهَاتِ؛ لِأَنَّهُ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، الْقَرِيبُ.
وَمَا سِوَاهُ فِيهِ مِنْ الْبُعْدِ وَالِانْحِرَافِ وَالطُّولِ مَا فِيهِ، فَمَعَ الْقَصْدِ التَّامِّ الَّذِي هُوَ حَالُ الدَّاعِي الْعَابِدِ، وَالسَّائِلِ الْمُضْطَرِّ يَمْتَنِعُ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَيْهِ إلَّا إلَى الْعُلُوِّ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَيْهِ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى، كَمَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُدْلِيَ بِحَبْلٍ يَهْبِطُ عَلَيْهِ، فَهَذَا هَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الشَّرِيعَةِ فَإِنَّ الرُّسُلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ..
– الشيخ: إلى هنا يا أخي بس يكفي، اللهم صلي عليهم أجمعين.
– القارئ: أحسن الله إليكم.