الرئيسية/فتاوى/حكم عبارة لا شيء أيسر على الله من كذا
share

حكم عبارة لا شيء أيسر على الله من كذا

السؤال :

هل يصحُّ أن يُقالَ في حقِّ الله عزَّ وجلَّ: لا شيءَ أيسرُ على الله مِن تقليبِ أحوال العبادِ مِن مسيء إلى محسنٍ، ومِن شقيّ إلى سعيدٍ، ومِن مظلومٍ إلى مُنتصرٍ، هل هذا يعني أنَّه يوجد شيء يسيرٌ، ويوجدُ أيسرُ على الله سبحانه؟

 

الحمدُ لله؛ قد دلَّ العقلُ ونصوصُ الوحي مِن الكتاب والسُّنَّة على أنَّ الله على كلِّ شيء قدير، وأنَّ كلَّ شيءٍ عليه يسيرٌ، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: 20]، وقال سبحانه: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا [الكهف: 45]، وقال في القدَر: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحج: 70].

وقالَ سبحانه في شأن البعث والجزاء: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ  [التغابن: 7].

وقالَ في عذاب الكافرين: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا [النساء: 168، 169].

وقالَ في عذاب القاتل نفسَه: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا  [النساء: 30].

فقدرتُه سبحانه تامةٌ على جميع الأشياء، فليسَ هو تعالى على شيءٍ أقدرَ منه على غيره، فقدرتُه على خلق السَّماوات والأرض كقدرته على خلقِ ذرَّة مِن الذَّر، وقدرتُه على بعث الأوَّلين والآخرين كقدرته على خلقِ أو بعثِ نفسٍ واحدة، مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [لقمان: 28].

وأمَّا قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم: 27] يعني: أنَّ الإعادة أهونُ عليه مِن ابتداء الخلق، فقيلَ فيه: إنَّ هذا خطابٌ للعباد بحَسَب ما يعقلون مِن أنَّ الإعادة أهونُ مِن الابتداء.

وقيل: إنَّ هذا مِن (أفعل التَّفضيل) الذي على غير بابه، فمعنى أهون عليه أي: هيِّنٌ عليه، فيجبُ الإيمانُ بذلك واليقينُ به، والحذرُ مما يعارضُ ذلك مِن وساوس الشَّيطان التي تزرعُ الشَّك في النُّفوس، نعوذُ بالله مِن شرِّ الوسواس الخنَّاس، الذي يوسوسُ في صدورِ النَّاس، مِن الجنَّةِ والنَّاس.

إذا ثبتَ هذا؛ فيُعلمُ أنَّه لا يجوزُ أن يقالَ: «لا شيءَ أيسرُ على الله مِن تقليبِ أحوالِ العبادِ مِن مسيءٍ إلى مُحسنٍ، ومِن شقيّ إلى سعيدٍ»؛ فإنَّ مفهومَ هذه العبارة أنَّ تقليبَ أحوال العباد أيسرُ على الله مِن كلّ ما سواه، فهو -إذن- على تقليبِ أحوال العباد أقدرُ، وعلى غيره قادرٌ، فيتضمَّنُ هذا أنَّ قدرته على سائرِ الأشياء دون قدرته على تقليب أحوال العباد، وهذا مناقضٌ لأصلِ الإيمان بكمالِ قدرته سبحانه وتعالى.

فالصَّواب في العبارة أنْ يُقالَ: إنَّ تقليبَ أحوال العباد على الله يسيرٌ، كما وصفَ نفسه في كتابه. نسألُ الله الثَّبات على الإيمانِ واليقين، إنَّه تعالى على كلِّ شيء قدير. 

 

أملاه :

عبدُ الرَّحمن بن ناصر البرَّاك

في 6 شوال 1441 هـ