الرئيسية/فتاوى/هل حب العبد لربه وذله له يزيد وينقص
share

هل حب العبد لربه وذله له يزيد وينقص

السؤال :

فضيلة الشيخ العلامة الكبير عبد الرَّحمن بن ناصر البَرَّاك؛ أمدَّه الله مِن فضلِهِ وعطائِه، أمَّا بعد:

فقد دارَ نقاشٌ بين بعض طلبة العلم، وأبدى أحدُهم القولَ بأنَّ حبَّ العبدِ للهِ يتفاضلُ، فيزيدُ وينقُصُ، فأجابه آخر: بأنَّ العبادةَ هي كمالُ الحبِّ للهِ، مع كمالِ الذُّلِّ والخضوعِ له؛ فلا يجوزُ أن تَتفاضلَ؛ بل يجبُ أن يكونَ حبُّ العبدِ لربِّه على وجهِ التَّمامِ والكمالِ؛ وإلَّا فقد فاته أصلُ الإيمان والتَّوحيد؛ فلا يكونُ مؤمنًا.

والسؤالُ -يا فضيلة -: هل حبُّ المؤمِنِ للهِ يَتفاضَلُ، وكذلك ذلُّهُ له سبحانه؟ أي: هل يصحُّ أن يكونَ المؤمِنُ في بعضِ الأحوالِ ناقصَ الحبِّ لله، أو ناقصَ الخضوعِ له، أو ناقصًا في كلَيْهما؛ ويكون مع ذلك عنده أصلُ الإيمانِ، وإنَّما الذي نقَصَ منه كمالُه؟ أعني: هل حُبُّ المؤمِنِ للهِ وذلُّهُ له -وهما مِن أعمالِ القلوبِ المستلزِمةِ لأعمالِ الجوارحِ- ينقسِمانِ إلى أصلِ إيمان، وكمالِ إيمانٍ واجبٍ، وكمالِ إيمانٍ مستحَبٍّ؟  أفيدونا وجزاكم الله خيرا.

 

الجواب : الحمدُ لله، وصلَّى الله وسلَّم على محمَّد؛ أمَّا بعد :

فإنَّ مِن أصولِ أهلِ السُّنَّة والجماعة أنَّ الإيمانَ يزيدُ وينقصُ، وهذا يشملُ كلّ أركان الإيمان، أعني: العملَ والاعتقادَ، والعملُ يشملُ أعمالَ الجوارحِ وأعمالَ القلوبِ؛ مثلُ الحبِّ والخوفِ والرَّجاء والتَّوكل، وكذلك الاعتقاد مِن التَّصديق واليقين، وكلُّ ذلك يزيدُ وينقصُ، وهذا يستلزمُ أنَّ الكُمَّلَ مِن المؤمنين يزيدُ إيمانُهم مِن جميعِ الوجوه على إيمانِ سائرِ المؤمنين، وكما أنَّ أعمال الجوارحِ منها الواجبُ والمستحبُّ، فكذلك أعمالُ القلوبِ.

وعلى هذا: فحُبُّ العبدِ لربِّه يزيدُ وينقصُ، ويظهرُ ذلك بمسارعته في محابِّ الله، وبحبّ ما يحبّ الله مِن الأقوالِ والأعمال والذَّوات، ولهذا فمَن كمُلَ حبُّه لله ورسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فإنَّه يذوقُ طعمَ الإيمان وحلاوة الإيمان، كما في الصَّحيحين مِن حديث أنس، قالَ صلَّى الله عليه وسلَّم: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ» [1]  الحديث، وقالَ صلَّى الله عليه وسلَّم: «ذاقَ طَعْمَ الإيمانِ مَن رَضِيَ باللَّهِ رَبًّا، وبالإسْلامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ رَسولًا» رواهُ مسلمٌ عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه. [2]

وكلُّ مؤمنٍ فمعه أصلُ الإيمانِ وما يتفرَّع عنه مِن أصولِ أعمال القلوب، حتى العاصي المسرف على نفسِه بالمعصية معه أصلُ حُبِّ الله ورسوله، كما في حديث الرَّجل الذي كانَ يشربُ الخمرَ فجُلِدَ في عهد النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقالَ رجلٌ مِن القوم: "اللهمَّ العَنْه مَا أكثر مَا يُؤتَى به؟ فقالَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «لاَ تَلْعَنُوهُ، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» رواه البخاري عن عمر رضي الله عنه. [3]

هذا؛ ويحسنُ الرّجوعُ إلى مؤلَّفات أهلِ العلم في أعمال القلوب، كـ"التّحفة العراقيَّة" لابن تيميَّة، و"مدارج السَّالكين" لابن القيم، رحمهما الله، و"أعمال القلوب" للدكتور سهل بن رفاع العتيبي، ومثله للدكتور خالد بن عثمان السبت مِن المعاصرين جزاهما الله خيرًا، والله أعلم.

 

أملاه:

عبدُ الرَّحمن بن ناصر البرَّاك

حرر في 07 شوال 1441هـ


الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
1 – أخرجه البخاري (16) ومسلم (43).
2 – أخرجه مسلم (34).
3 – أخرجه البخاري (6780).