الرئيسية/شروحات الكتب/القواعد الحسان لتفسير القرآن/(46) القاعدة الحادية والأربعون: قوله “يرشد الله عباده في كتابه من جهة العمل إلى قصر نظرهم”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(46) القاعدة الحادية والأربعون: قوله “يرشد الله عباده في كتابه من جهة العمل إلى قصر نظرهم”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس السّادس والأربعون

***     ***     ***     ***

– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين وللمستمعين، قال الشيخ عبد الرّحمن بن ناصر السّعدي رحمهُ الله تَعالى واسكنهُ فَسيحَ جِنانهِ، في رسالتهِ "أصول وقواعد في تفسير القرآن العظيم":
القاعدة الحادية والأربعون:
يُرْشِدُ الله عبادهُ في كتابهِ مِن جِهة العملِ إلى قَصْرِ نَظرهم إلى الحالةِ الحاضِرة التي همْ فيها، ومِن جِهةِ التّرغيبِ فيهِ والتّرهيبِ مِن ضدِّهِ إلى ما يَتَرتّبُ عَليها مِنَ المصالِح، ومِن جِهة النِّعم إلى النظرِ إلى ضِدِّها.
وهذه القاعدةُ الجَليلة دلَّ عليها القرآنُ في آياتٍ عديدة..
– الشيخ:
لا إله إلّا الله، لا إله إلّا الله
– القارئ: وهي مِن أعظمِ ما يَدلُّ على حِكمةِ الله، ومِن أعظمِ ما يَرْقى العامِلين إلى خَيرٍ دينيٍ ودُنيَوي، فإنَّ العامِل إذا كانَ مُشْتَغِلاً بِعَمَلهِ الذي هو وظيفَتُهُ وقتُهُ..
– الشيخ:
هي وظيفةُ وقتِهِ
– القارئ: هي وَظيفةُ
– الشيخ: وَقْتِهِ
– القارئ: نعم، فإنّ العامِلَ إذا كانَ مُشْتَغِلاً بِعَمَلهِ الذي هو وَظيفةُ
– الشيخ:
وَقْتِهِ
– القارئ: وَقْتِهِ فإنْ قَصرَ فِكْرَهُ وظاهِرهُ وباطِنهُ عليهِ نَجَح، وتمَّ بِحَسبِ حالِه، وإنْ نَظرَ وتَشوَّقَتْ نَفْسهُ إلى أعمالٍ أخرى لمْ يَحِنْ وَقْتُها بَعدُ فَتَرَتْ عَزيمَته..
– الشيخ:
فَتَرَت
– القارئ: فَتَرَتْ عَزيمتهُ، وانْحَلَّتْ هِمَّتُهُ، وصارَ نَظرهُ إلى الأعمالِ الأخرى يُنْقِصُ مِن إتْقَانِ عَمَلهِ الحاضِر وجَمعَ الهِمَّةِ عَليهِ، ثمَّ إذا جاءتْ وَظيفةُ العملِ الآخَر جاءهُ وقدْ ضَعُفَتْ هِمَّتهُ وقلَّ نَشاطُه، وربّما كانَ الثاني مُتوقِّفاً على الأوّل في حُصولهِ أو تَكْميله، فَيُفوّتَ الأوّل والثاني، بِخلافِ مَن جَمعَ قَلْبهُ وقَالبه، وصارَ أكبرَ هَمِّه هو القيامُ بِعَملهِ الذي هو وظيفةُ وَقْتِه..
– الشيخ:
يعني على كل حال، هذا الكلام يَعْني مَعْناه مُراعاة، فكل شيء الأول بالأول، هذا في أمرِ الدين والدنيا، ففي أمرِ الدّينِ على المؤمنِ أنْ يَهْتم بِما أوجبَ الله عليهِ في هذا الوقت، فَيُقْبِلُ على شأنهِ، يكونُ اهْتِمَامهُ إذا دخَلَ وَقتُ الصّلاة، يَكونُ اهْتِمَامهُ في أنْ يؤدّي هذا الواجبَ كامِلاً بِما يَلزمْ لهُ مِن شروطٍ ومِن مُقدِّمات، ولا يَنْشَغِل عَنهُ بأمورٍ دُنيويّة وأمورٍ أخرويّة، بلْ حتّى لا يَنْشَغِل عَنهُ بأمورٍ وإنْ كانت عِبادة، حتى … الله، يعني إذا أذّن المؤذّنْ وأنتَ تَقْرأ القرآنْ فأيُّهما تُقدّمْ القرآن ولّا إجابة المؤذن؟
تُجيبْ المؤذّن، هذا هو واجب، ولاسيما أنَّ هذا العَمل المُؤقَّتُ بِوقتْ يَفوتْ، وأهلُ الدنيا يَبْنونَ أمورَهم على هذا النحو، يَهْتَمّونَ بأمورهِم الحاضِرة دونَ المُسْتقبليّة.

– القارئ: أحسن الله إليك، فإنّهُ إذا جاءَ العَملُ الثاني فإنّهُ قَدْ اسْتَعدَّ لهُ بِقوّةٍ ونَشاط وتَلقّاهُ بِشَوق، وصارَ قيامهُ بالأول مَعونةً على قيامهِ بالثاني.
– الشيخ:
نعم
القارئ: ومن هذا: قوله تعالى مُصرِّحاً بهذا المعنى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً [النساء:77]، فانْظُر كيفَ حَالهم الأولى، وأُمْنيَتُهم وهم مَأْمورونَ بِكفِّ الأيدي..
– الشيخ:
أحسنت
– القارئ: فلمّا جاءَ العملُ الثاني ضَعَفوا كُلَّ الضَعفِ عَنهُ، ونَظيرُ هذا ما عاتَبَ الله بهِ أهلَ أُحدٍ في قولهِ تعالى: وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ [آل عمران:143]
وقدْ كَشفَ هذا المعنى كُلَّ الكشفِ قولهُ تَعالى: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً [النساء:66]؛ لأنَّ فيهِ تَكْميلاً للعملِ الأول، وتَثْبيتاً مِنَ الله، وتَمرُّناً على العملِ الثاني.
ونظيره قوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ [التوبة:75-76-77]
فاللهُ أرْشدَ العبادَ أنْ يَكونوا أبناءَ وَقْتِهم، وأنْ يَقوموا بالعملِ الحاضِر ووَظيفَته، ثمَّ إذا جاءَ العملُ الآخَر صارَ وَظيفةَ ذلكَ الوقتْ، واجْتَمَعتْ تِلكَ الهِمَّةُ والعَزيمةُ عليهِ، وصارَ القيامُ بالعملِ الأول مُعيناً على الثاني، وهذا المعنى في القرآنِ كَثير.
وأمّا الأمورُ المُتأخّرة فإنَّ الله يُرشدُ العامِلينَ إلى مُلاحَظَتِها لِتقوى هِمَمُهمْ على العملِ المُثمِر للمصالِح والخَيرات، وهذا كالترغيبِ المُتنوِّع مِن الله على أعمالِ الخير، والتّرهيبِ مِن أفعالِ الشّر، بِذكرِ عُقوبَاتِها، وثَمَرتِها الذَّميمة.
فاعْرِف الفرقَ بينَ النظرِ إلى العملِ الآخر الذي لمْ يَجئْ وَقْتُه، وبينَ النظرِ إلى ثوابِ العملِ الحاضِر الذي كُلّما فَتَرتْ هِمَّةُ صاحِبهِ، وتأمّل ما يَتَرتّبُ عليهِ مِنَ الخيراتِ اسْتَجدَّ نَشاطهُ، وقَوِيَ عليهِ وهانتْ عليهِ مَشَقَّتُه، كما قال تعالى: إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ 
[النساء:104]
وأمّا إرشادهُ مِن جهةِ النِّعم التي على العبدِ مِنَ الله بالنظرِ إلى ضِدّها ليَعْرفَ قدْرها، ويَزْدادُ شُكْرهُ لله، فَفي القرآنِ منهُ كثير، يُذكِّر عِبادهُ نِعْمَتهُ عَليهم بالدّينِ والإسلام وما يَتَرتَّبُ على ذلكَ مِنَ النِّعَم، كقولهِ: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً [آل عمران:164] إلى قوله: وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164]، وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:103]، أي إلى الزّيادة لِشكرِ نِعَمِ الله.
وقوله: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الأنفال:26]
وقوله: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الليل سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة [القصص:71]، إلى آخرِ الآيات، حيثُ يُذّكرهُم أنْ يَنْظروا إلى ضِدِّ ما هُمْ فيهِ مِنَ النِّعمِ والخيرِ، ليَعْرِفوا قَدْرَ ما هُمْ فيهِ.
وهذا الذي أرشدَ إليهِ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم، حيثُ قال:
(انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُم، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُم، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُم)
وقوله تعالى: فاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأعراف:69]، وقوله: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى [الضحى:6-8] إلى آخرها.
– الشيخ:
انتهت
– القارئ: نعم، أحسن الله إليك
– الشيخ: وإش القاعدة؟، نشوف اللي بعدها
– القارئ: القاعدة الثانية والأربعون:
في أنَّ الله قدْ ميَّزَ في كِتابهِ بينَ حَقِّهِ الخاص، وحَقِّ رَسولهِ الخاص والحقِّ المُشتَرَك.
– الشيخ:
اي، إلى هنا
– القارئ: أحسن الله إليك.
 
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :القرآن وعلومه