الرئيسية/شروحات الكتب/القواعد الحسان لتفسير القرآن/(48) القاعدة الرّابعة والأربعون: قوله “عند ميلان النفس أو خوف ميلاها إلى ما لا ينبغي”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(48) القاعدة الرّابعة والأربعون: قوله “عند ميلان النفس أو خوف ميلاها إلى ما لا ينبغي”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس الثّامن والأربعون

***     ***     ***     ***

 
– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمّدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين، قال الشيخ عبد الرّحمن بن ناصر السّعدي رحمهُ الله تعالى، وأسكنهُ فَسيحَ جِنانهِ، في رسالتهِ: أصولٌ وقواعدُ في تَفْسيرِ القرآنِ الكريم:
القاعدة الرابعة والأربعون:
عِندَ مَيَلانِ النفس أو خَوفَ مَيَلانِها إلى ما لا يَنْبَغي، يُذكِّرُها الله ما يَفوتُها مِنَ الخيرِ، وما يَحْصلُ لها مِنَ الضّررِ.
وهذا في القرآنِ كَثير، وهو مِن أنفعِ الأشياءِ في حصولِ الاستِقامة؛ لأنَّ الأمرَ والنّهيَ المُجرَّدَ لا يَكْفي أكثرُ الخَلقِ في كفِّهم عَمّا لا يَنْبَغي، حتى يُقْرنَ بذلكَ ما يَفوتُ مِنَ المحبوباتِ التي تَزيدُ أضعافاً مُضاعَفةً على المحبوبِ الذي يَكْرههُ الله، وتَميلُ إليهِ النّفس، وما يَحْصلُ مِنَ المكروهِ المُرتَّبِ عليهِ، كذلكَ قَولهُ تَعالى..

– الشيخ:
يَعْني أنَّ الأوامرَ تَأتي مَقْرونةً بالتّرغيبِ والتّرهيب، فالمأمورات لها آثارٌ حَميدة مِمّا تَصْلحُ بهِ الدنيا والآخرة، وللمَنْهيّات آثارٌ سيّئة على الإنسانِ في نَفْسهِ وفي بَدنهِ وفي عَقْلهِ وفي أهلهِ ومَالهِ، وكُلُّ الشرورِ هي آثارٌ للذنوبِ، وكُلُّ خيرٍ فهو ثَمرةٌ للإيمانِ والعملِ الصّالح، إلّا ما يَجْري على وَجهِ الابْتِلاءِ والاسْتِدْراج، فالكفّارُ وأشْبَاههم تَحْصلُ لهمْ أمورٌ يُحبُّونها معَ كُفْرِهم ومَعاصيهم وظُلْمِهم، لكنْ ما يَحْصلُ لهمْ مِنَ المحبوبات إنّما هو اسْتِدْراجٌ ومَكرٌ مِنَ الله، فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ يعني مِمّا يُحبّونه، فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً [الأنعام:44]، وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ [الأعراف:182] وهذا هو مَكْرُ الله، فالاسْتِدْراج هو مَكْرُ اللهِ بأعدائهِ.
 
– القارئ: أحسن الله إليك، كذلكَ قَولهُ تَعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [الأنفال:28]، فَهاهُنا لمّا ذكرَ فِتنةَ الأموالِ والأولادِ التي مالتْ بأكثرِ الخَلقِ عَن الاستقامة، قال مُذكِّراً لَهمْ ما يَفوتُهم إنْ اُفْتُتِنوا، وما يَحْصلُ لهمْ إنْ سَلِموا مِنَ الفتنة: وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [الأنفال:28]
وقال تعالى: هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً [النساء:109]، وقال تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ [الشورى:20]، وقالَ تعالى: أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ [الشعراء:205-207]
والآياتُ في هذا المَعنى الجليل كثيرةٌ جداً، فإذا بانَ للناظِر أصْلَها وقاعِدتَها سَهُل عليهِ تَنْزيلُ ما كانَ يَرِدُ مِنها على الأصلِ المُتقرِّر، والله أعلم.
القاعدة الخامسة والأربعون: حثَّ (حثُّ) الباري في كِتابهِ على الصَّلاحِ والإصلاح.
هذه القاعدةُ مِن أهمِّ القواعِد، فإنَّ القرآنَ يَكادُ أنْ يَكونُ كُلّهُ داخِلاً تَحْتَها فإنَّ الله أمرَ بالصَّلاحِ في آياتٍ مُتَعدِّدة والإصْلاح، وأثنى على الصّالحينَ والمُصلِحينَ في آياتٍ أُخَر.
– الشيخ:
كُلُّ الأوامِر هو أمرٌ بالصّلاح، كُلُّ النّواهي غَايتُها تَرْكُ ما يُنافي الصّلاح، فالصّلاحُ في فعلِ المأْموراتْ وتَركِ المنهيّات، الصّلاح، صلاحُ أمرِ العبدِ في دُنياه وآخرته تابعٌ لامْتِثالِ المأموراتْ، امْتِثالُ الأوامرِ وتَجنّبْ المنهيّات.

– القارئ: أحسن الله إليك، والصَّلاح: أنْ تَكونَ الأمورُ كُلُّها مُسْتَقيمةً مُعْتَدلةً مَقْصوداً بِها غَاياتُها الحَميدة.
فأمرَ الله بالأعمالِ الصّالحة وأثنى على الصّالحين؛ لأنَّ أعمالَ الخيرِ تُصْلِحُ القلوبَ والإيمانْ، وتُصْلِحُ الدّين والدنيا والآخرة، وضِدُّها فَسادُ هذه الأشياء، وكذلكَ في آياتٍ مُتعدِّدة فيها الثناءُ على المُصْلِحين على ما أفْسَدَ النّاس.

– الشيخ:
إيش .. على المصلحين؟
– القارئ: نعم، وكذلكَ في آياتٍ مُتعدِّدةٍ فيها الثناءُ على المُصْلِحينَ ما أفسدَ النّاس..
– الشيخ:
أحسنت
– القارئ: والمُصْلِحينَ بينَ النّاس والتّصالُح فيما بينَ المُتنازِعينَ، وأخبرَ على وَجهِ العُمومِ أنَّ الصُّلحَ خَير.
فإصلاحُ الأمورِ الفاسِدة: السّعيُ في إزالةِ ما تَحْتَوي عليهِ مِنَ الشّرورِ والضَّررِ العامِّ والخاص، ومِن أهمِّ أنواعِ الإصلاح: السّعيُ في إصلاحِ أحوالِ المُسلمينَ في إصْلاحِ دينِهم ودُنْياهُم.

– الشيخ: لا إله إلّا الله، لا إله إلّا الله، لا إله إلّا الله، لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114]، وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء:128]، فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10] وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ [الأعراف:170]
الرُّسل وأتْبَاعَهم هم الصّالحون، وهُمْ المُصْلِحونْ، الرُّسلُ وأتْبَاعَهم هم الصّالحونَ المُصْلِحونْ، وأعْداؤهم هُم المُفسدونْ، فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ [آل عمران:63]
الإيمانُ والطّاعة، الإيمانُ بالله وطاعةِ رَسولهِ هو الصّلاح، قال الله: وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا [الأعراف:56]، وليسَ إصْلاحُ الأرضِ عِمارَتُها بالبناءِ، بالمباني ووسائِل الحياة، هذه مِن جُملة، هذه الأمورُ إذا اقْتَرَنتْ بالنيّة الصّالحة صارتْ صَلاحاً، أمّا إذا كانتْ مَظاهِر الدّنيا وحَضارة الدّنيا للفَخرِ والخُيلاء والتكبُّرِ على الخَلقِ كما هي حالُ الكفّارِ صارتْ وَبالاً وشَرّاً.
وهي التي انْخَدعَ بِها الكفّار: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [البقرة:212]، الكفّار بِسببِ ما فُتحَ عَليهم مِن وسائلِ الحياةِ الهائِلة، هُمْ مَغْرورون بأنْفُسِهم ويَسْخرونَ مِنَ المؤمنينْ الذينَ لمْ يَبْلغوا مَبْلَغَهم، ومِنَ المُؤسِفِ أنَّ كثيراً مِنَ المسلمين افْتَتَنوا بِحضارة الكفّار، افْتَتَنوا بِها، فأُعْجِبوا بِهم وعَظَّمُوهم وأطاعوهُم، واحْتَقَروا المسلمين، بلْ احْتَقَروا الإسلام.

– القارئ: أحسن الله إليك، كما قالَ شُعيبٌ عليهِ الصّلاة والسّلام: إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ [هود:88]، فكُلُّ ساعٍ في مَصْلحةٍ دينيّة أو دنيويّة للمسلمينْ، فإنّهُ مُصْلِح، والله يَهْديهِ ويُرشدهُ ويُسدّدهُ، وكُلُّ ساعٍ بضدِّ ذلكَ فَهو مُفْسِد، والله لا يُصْلِحُ عَملَ المُفْسِدينْ.
ومِن أهمِّ ما يَكونُ أيضاً: السّعيُ في الصُّلحِ بينَ المُتَنازِعينْ، كما أمرَ الله بذلكَ في الدّماءِ والأموالِ والحقوقِ بينَ الزّوجين، والواجِبُ أنْ يُصْلحَ بالعدلِ، ويَسْلُكَ كُلَّ طريقٍ تُوصِلُ إلى الملاءَمةِ بينَ المُتَنازِعين، فإنَّ آثارَ الصّلحِ برَكةٌ وخيٌر وصَلاح، حتّى إنَّ الله تَعالى أمرَ المُسْلمينَ إذا جَنحَ الكفّارُ الحربِيُّونَ إلى المُسالمَة والمُصالَحة أنْ يُوافِقوهم على ذلكَ مُتوكِّلينَ على الله.
وأَمْثِلةُ هذه القاعدة لا تَنْحَصِر، وحَقيقَتُها: السّعيُ في الكمالِ المُمْكِن حَسبَ القُدرةِ بِتَحْصيلِ المَصالِح أو تَكْميلِها أو إزالةِ المَفاسِدِ والمضارِّ أو تَقْليلِها: الكليّة والجزئية، المُتعدِّية والقاصِرة، والله أعلم.
– الشيخ:
أحسنت، إلى هنا يا شيخ
– القارئ: أحسن الله إليك
– الشيخ:
جزاك الله خيرا.
 
 
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :