الرئيسية/شروحات الكتب/القواعد الحسان لتفسير القرآن/(51) القاعدة الحادية والخمسون: قوله “كلما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(51) القاعدة الحادية والخمسون: قوله “كلما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس الحادي والخمسون

***     ***     ***     ***

 
– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمّدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين، قال الشيخ عبد الرّحمن بن ناصر السّعدي رحمهُ الله تعالى، وأسكنهُ فَسيحَ جِنانهِ في رسالتهِ "أصولٌ وقواعدُ في تَفْسيرِ القرآنِ الكريم":
القاعدة الحادية والخمسون:
كلُّ ما وردَ في القرآنِ، الأمرُ بالدّعاءِ، والنّهيُ عَن دُعاءِ غَيرِ الله، والثّناءِ على الدّاعين: تَنَاولَ دُعاء المسألةِ، ودُعاء العِبادة، وهذه قاعدةٌ نافِعة.
– الشيخ:
دعاءُ المسألةِ هو الدّعاءُ الصّريح الذي فيهِ طَلَب، مثل: اللهمَّ اغْفِر لنا وارْحَمنا وعَافِنا، اللهمَّ اهْدِنا صِراطكَ المُسْتَقيم، هذا دعاءُ مَسْألة، اللهمَّ أَصلِحْ لي في ذُرّيتي، أصْلِح سِرِّي وعَلانيَتي، اللهمَّ أجرنا مِنَ النّار، نَعوذُ بالله مِنَ النّار، هذا كُلّهُ دعاءُ مَسْألة.
دعاءُ العِبادة، الصّيامُ والصّلاة والحجُّ والطّوافُ بالبيت، العِباداتْ كُلّها دعاء، دعاءُ عِبادة؛ لأنَّ مَن يَفْعل هذه الأفعال هو طالبٌ في الحقيقة، يَطْلبُ رَحمةَ الله ومَغْفِرته، ويَطْلبُ النّجاةَ مِنَ النّار فهو داعي، طالِب، كذلكَ داعي المَسْألة إذا اسْتَحْضرَ طاعةَ الله في قَولهِ: ادْعُوا رَبَّكُمْ، فهو سائلٌ وعابدُ، مِثل قَولِك في الفّاتِحة، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، أنتَ سائِل، وأنتَ بِقِراءَتِها عابِد.

– القارئ: أحسن الله إليك، وهذه قاعدةٌ نافِعة، فإنَّ أكثرَ النّاسِ إنّما يَتَبادَرُ لهمْ مِن لفظِ الدّعاءِ والدّعوةِ: دعاءُ المَسْألةِ فَقط، ولا يَظُنّونَ دُخولَ جَميعِ العباداتِ في الدّعاء..
– الشيخ: ولا
– القارئ: ولا يَظُنّونَ دخولَ جَميعِ العباداتِ في الدّعاء.
ويَدلُّ على عُمومِ ذَلكَ: قولهُ تَعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، أي أسْتَجِب طَلَبَكُم، وأتَقبّل عَمَلكُم.
ثمَّ قالَ تَعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60]، فَسمَّى ذلكَ عِبادة؛ وذلكَ لأنَّ الدّاعي دعاءَ المَسألةِ يَطْلبُ مَسْؤولهُ بِلسانِ المَقال، والعابِدُ يِطْلبُ مِنْ رَبّهِ القَبولَ والثّوابَ، ومَغْفِرةَ ذُنوبهِ بِلسانِ الحال.
فلو سَألتهُ: ما قَصْدكَ بِصلاتِكَ وصيامِكَ وحَجِّكَ وقيامِكَ بِحقِّ الله وحقِّ الخَلق؟ لكانَ قَلبُ المؤمنِ ناطِقاً: بأنَّ قَصْدي مِن ذلكَ رِضا ربّي ونيلِ ثوابهِ والسّلامةِ مِنْ عِقابهِ، ولهذا كانتْ هذه النيَّةُ شَرطاً لصِحةِ الأعمالِ وكَمَالِها، وقالَ الله تَعالى: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين [غافر:14]، أي: أخْلِصوا لهُ إذا طَلَبتمْ حَوائِجَكم، وأخْلِصوا لهُ أعمالَ البرِّ والطّاعة.
وقدْ يُقيَّدُ أحياناً بدعاءِ الطّلب..
– الشيخ:
وقد؟
– القارئ: وقدْ يُقيَّدُ أحياناً بدعاءِ الطّلب، كقولهِ تَعالى: فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [القمر:10] وأمّا قولهُ: وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً [يونس:12]، فَيَدْخلُ فيهِ دعاءُ الطّلب، فإنّهُ لا يَزالُ مُلحّاً بِلسانهِ، سائِلاً دفعَ ضَرورتهِ، ويَدْخلُ فيهِ دعاءُ العبادة فإنَّ قَلبهُ في هذه الحال راجياً طامِعاً، مُنْقَطِعاً َعَن غيرِ الله، عالمِاً أنّهُ لا يَكْشفُ السّوءَ إلّا الله، وهذا دعاءُ عِبادة.
وقالَ تَعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً [الأعراف:55]، يَدْخلُ فيهِ الأمران، فَكَما أنَّ مِن كَمالِ دعاءِ الطّلب كَثْرةُ التّضرُّعِ والإلحاحِ، وإظْهارُ الفَقرِ والمَسْكَنة، وإخفاؤهُ ذلكَ وإخلاصهُ، فكذلكَ دعاءُ العِبادة لا تَتِمُّ العِبادةُ ولا تَكْمل إلّا بالمُداومةِ عَليها، ومُقارنَتهِ الخُشوعَ والخُضوع، وإخفائِها وإخلاصِها لله تَعالى.
وكذلكَ قَولهُ عَن خُلاصةِ الرُّسل: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً [الأنبياء:90]، فإنَّ الرّغبةَ والرّهبةَ وَصْفٌ لَهم إذا طَلبوا وسألوا، وَصْفٌ لهم إذا تَعبَّدُوا وتَقرّبوا بأعمالِ الخيرِ والقُرَبِ.
وقولهُ: فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ [العنكبوت:213]، وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ [المؤمنون:117]، وقوله: فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً [الجن:18]، يَشْملُ دعاء المَسألةِ ودعاء العِبادة.
فَكما أنَّ مَن طَلبَ مِن غَيرِ الله حَاجةً لا يَقْدرُ عَليها إلّا الله فَهو مُشْرِكٌ كافِر، فَكذلكَ مَن عَبدَ مَعَ الله غَيرهُ فَهو مُشرِكٌ كافِر.

ومثلهُ: وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ [يونس:106]، كلُّ هذا يَدْخلُ فيهِ الأمران.
وقولهُ تَعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180]، يَشْمَلُ دعاءُ المسألةِ ودعاءُ العِبادة؛ أمّا دعاءُ المَسألةِ: فإنّهُ يَسْألُ الله تَعالى في كُلِّ مَطْلوبٍ باسمٍ يُنَاسبُ ذلكَ المَطلوبِ ويَقْتَضيهِ، فَمَنْ سألَ رحمةَ الله ومَغْفِرته دَعاهُ باسمِ الرّحيم الغَفور، وحُصولِ الرّزقِ باسمِ الرّازِق، وهكذا.
وأمّا دعاءُ العِبادة: فهو التعبُّدُ لله تَعالى بأسمائهِ الحُسنى، فَيَفَهمُ أولاً مَعْنى ذلكَ الاسمِ الكَريم، ثمَّ يُديمُ اسْتِحْضارهُ بِقَلْبهِ، ويَمْتَلئُ قَلْبهُ مِنْهُ.
فالأسماءُ الدّالةُ على العَظمةِ والجّلالِ والكِبْرياءِ تَمْلأُ القلبَ تَعْظيماً وإجلالاً لله تَعالى، والأسماءُ الدّالّةُ على الرّحمةِ والفَضلِ والإحسانِ تَمْلأُ القلبَ طَمْعاً في فَضلِ الله ورجاءً لرَوْحِه ورَحمتهِ، والأسماءُ الدالَّةُ على الوِدادِ والحبِّ والكَمالِ تَمْلأُ القلبَ مَحبّةً ووِداداً وتألُّهاً وإنابةً لله تَعالى، والأسماءُ الدالّةُ على سَعَةِ عِلْمهِ ولَطيفِ خَبرهِ تُوجبُ للعبدِ مُراقبةَ الله تَعالى والحياءِ مِنْهُ.
وهذه الأحوالُ التي تتَّصفُ بِها القلوبُ هي أكْمَلُ الأحوالِ، وأجلُّ وصْفٍ يَتَّصفُ بهِ القلبُ ويَنْصَبِغُ بهِ، ولا يَزالُ العبدُ يُمرِّنُ نَفْسهُ عَليها حتّى تَنْجَذِبَ دواعيهِ مُنْقادةً راغِبة، وبهذه الأعمالُ القَلبيّة تَكْمُلُ الأعمالُ البدنيّة.
فَنَسألُ الله تَعالى أنْ يُمْلِأ قُلوبَنا مِن مَعْرِفتهِ ومَحبّتهِ والإنابةِ إليهِ، فإنّهُ أكرمُ الأكْرَمينَ وأجودُ الأجودِينَ.
– الشيخ:
انتهى
– القارئ: نعم، أحسن الله إليك.
– الشيخ: عَلِمْنا الفَرقَ بينَ دعاءِ المَسألةِ ودعاءِ العِبادة، ومعَ الفرقِ فَبَيْنَهُما يَعْني تَلازمٌ في المعنى؛ لأنَّ مَنْ يَفْعل العِبادة مِنَ المأمورات هو طالِبٌ يَسأل، هو طَالِب، وكَذلكَ الدّاعي، دعاءَ المَسألة يَكونُ بِهذا الدّعاء عابِداً؛ لأنّهُ يَفْعلُ ما أمرَ الله بهِ، فَبينَ النوعينِ تَلازمٌ، نعم إلى هنا.
– القارئ: أحسن الله إليك.
 
 
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :