الرئيسية/شروحات الكتب/القواعد الحسان لتفسير القرآن/(52) القاعدة الثّانية والخمسون: قوله “إذا وضح الحق وبان”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(52) القاعدة الثّانية والخمسون: قوله “إذا وضح الحق وبان”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس الثّاني والخمسون

***     ***     ***     ***

– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمّدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، اللهمَّ اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين، قال الشيخ عبد الرّحمن بن ناصر السّعدي رحمهُ الله تَعالى، وأسكنهُ فَسيحَ جِنانه..
– الشيخ:
آمين آمين اللهم اغفر لنا وله
– القارئ: في رسالتهِ "أصولٌ وقواعدُ في تَفْسيرِ القرآن":
القاعدة الثانية والخمسون: إذا وَضَحَ الحقُّ وبانَ، لمْ يَبْقَ للمُعارضةِ العلمية، ولا العملية محلٌّ.
وهذه قاعدةٌ شَرعيةٌ عَقليةٌ فِطريّة، قدْ وَردتْ في القرآنِ وأرشدَ إليها في مِواضِعَ كثيرة، وذلك أنّهُ مِنَ المعلومِ أنَّ محلَّ المُعارضات، ومَوضِعُ الاسْتِشْكالات، ومَوضِع التوقُّفات، ووَقتُ المُشاورات، إذا كان الشيءُ فيهِ اشْتِبَاهٌ أو احْتِمَالات فتُرَدُّ عليهِ هذه الأمور.
.
– الشيخ:
فتَرِدُ
– القارئ: فتَرِدُ عليهِ هذه الأمور؛ لأنّها الطّريقُ إلى البيانِ والتّوضيح.
فأمّا إذا كانَ الشيءُ لا يَحْتَمِلُ إلّا مَعْنىً واضِحاً..
– الشيخ:
أستغفر الله، فترِدُ عليه، إيش؟
– القارئ: فتَرِدُ عليهِ هذه الأمور؛ لأنّها الطّريقُ إلى البيانِ والتّوضيح..
– الشيخ:
إيش؟ أعد القاعدة
– القارئ: أحسن الله إليك
وهذه قاعدةٌ شَرعيّةٌ عَقليّةٌ فِطريّة، قدْ وردتْ في القرآنِ، وأرشدَ إليها في مَواضِعَ كَثيرة، وذلكَ أنّهُ مِنَ المعلومِ أنَّ مَحلَّ المعارَضات..
– الشيخ:
محلَّ المُعارضات؟
– القارئ: نعم، ومَوْضِعُ الاسْتِشْكالات، ومَوْضِعُ التّوقُّفات، ووَقتُ المُشاورات، إذا كانَ الشيءُ فيهِ اشْتِباهٌ أو احْتِمَالات فتَرِدُ عليهِ هذه الأمور..
– الشيخ:
فتَرِدُ عليه هذه الأمور؟
– القارئ: نعم، لأنّها الطريقُ إلى البيانِ والتّوضيح..
– الشيخ:
بس بس، فتَرِدُ عليه هذه الأمور؛ إيش بعدها؟
– القارئ: نعم، أحسن الله إليك، لأنّها الطريقُ إلى البيانِ والتّوضيح..
– الشيخ:
لا …
لأنّها الطريق، لا، ما يَسْتَقيم الكلام، فتحتاج إلى البيان، فتحتاج هذه الأمور التي هي الإشْكَالات والاحْتِمالات وما أشبهَ ذلك، فتحتاجُ إلى البيانِ والتّوضيح، بس بِدون "فإنّها الطريق"، لا تَصْلح "هي الطريق"، الإشْكالات ما هي بِطَريق.

– القارئ: صحيح، فَتَحْتاجُ إلى البيانِ والتّوضيح، فأمّا إذا كانَ الشيءُ لا يَحْتَمِلُ إلّا مَعْنىً واضِحاً، وقد تَعيَّنت المَصلحة، فالمُجادَلةُ والمُعارضةُ مِن بابِ العَبث، والمعارِضُ هُنا لا يُلْتَفَتُ لاعْتِراضاتهِ؛ لأنّهُ يُشْبهُ المُكابِر المُنْكِر للمَحْسوسات.
قالَ تَعالى: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ 
[البقرة:256]، يَعني وإذا تَبيّنَ هذا مِن هذا لمْ يَبْقَ للإكراهِ مَحلّ؛ لأنَّ الإكراهَ إنّما يَكونُ على أمرٍ فيهِ مَصْلحةٌ خَفيّة، فأمّا أمرٌ قد اتَّضحَ أنَّ مَصالِحَ الدّارينِ مَرْبوطةٌ بهِ ومُتعلّقةٌ بهِ، فأيُّ داعٍ للإكراهِ؟ وأيُّ موجبٍ له؟
ونَظيرُ هذا قولهُ تَعالى: وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ 
[الكهف:29]، أي هذا الحقُّ الذي قامتِ البراهينُ الواضِحة على حقِّيَّتهِ، فَمَنْ شاءَ فَليُؤمن ومَنْ شاءَ فَليَكفُر.
كقولهِ: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ
 [الأنفال:42]، وقال تعالى: وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران:159]، أي: في الأمورِ التي تَحْتاجُ إلى مُشاورةٍ، ويُطلبُ فيها وَجهُ المَصلحةِ، فأمّا أمرٌ قَدْ تَعيَّنت مَصْلَحتهُ، وظَهرَ وجوبهُ فَقالَ فيهِ: فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [آل عمران:159]
وقدْ كشفَ الله هذا المَعنى غايةَ الكشفِ، في قولهِ: يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ [الأنفال:6]، أي فكلُّ مَن جادلَ في الحقِّ بعدَ ما تَبيَّنَ عَلمهُ، أو طَريقُ عَملهِ، فإنّهُ غالَطَ شَرعاً وعَقلاً..

– الشيخ: فإنّهُ
– القارئ: فإنّهُ غالَطَ شَرعاً وعَقلاً
– الشيخ:
فإنّهُ غَالِطٌ
– القارئ: فإنّهُ غَالِطٌ شرعاً وعقلاً، أحسن الله إليك
وقال تعالى: ولا تأكلوا مما ذُكِرَ..
– الشيخ:
وَمَا لَكُمْ
– القارئ: وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ [الأنعام:119]، فَلامَهُم على عَدمِ التِزامِ الأكلِ مِمّا ذُكرَ اسمَ الله عليهِ، وذَكرَ السّببَ لهذا اللوم؛ وهو أنّهُ تَعالى فَصَّل لعبادهِ كُلَّ ما حرَّم عليهم، فَما لَمْ يَذْكر تَحْريمهُ فإنّهُ حلالٌ واضحٌ ليسَ للتوقفِ عَنهُ محلٌّ.
ولمّا ذكرَ تَعالى الآياتِ الدّالة على وجوبِ الإيمان، وَبَّخَ ولامَ المُتوقِّفِينَ عنهُ بعدَ البيان، فقال: فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ 
[الانشقاق:21-22]
ولمَّا بيَّنَ جَلالةَ القرآنِ وأنّهُ أعلى الكلام، وأصْدَقَهُ وأنفَعَهُ، قالَ تَعالى: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ [الجاثية:6]
ولمّا ذكَرَ عَظيمَ نِعَمِه الظّاهرةِ والباطِنة، قال تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى [النجم:55]، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:13]
وقالَ تَعالى: فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ [يونس:32]، وكذلكَ في آياتٍ كَثيرة يأمرُ بمُجادلةِ المُكذِّبينَ ويُجادِلَهم بالتي هي أحسن، حتّى إذا وَصلَ مَعَهم إلى حالةِ وضوحِ الحقِّ التام وإزالةِ الشُّبَهِ كُلِّها انْتَقَلَ مِن مُجادَلتِهم إلى الوعيدِ لهم بِعقوباتِ الدّنيا والآخرة، والآياتُ في هذا المَعنى الجليل كَثيرةٌ جِداً.
القاعدةُ الثالثة والخمسون.
– الشيخ: إلى هنا يا أخي، حسْبُك
رحمهُ الله، الله المستعان، هذه قاعدةٌ كما قال أنّها شَرعيَّةٌ عَقلية، أنَّ الأمورَ قِسْمان: يَعْني أمرٌ واضِح، وأمرٌ فيهِ اشْتِباه.
الأمرُ الواضِح لا يَصِحُّ فيهِ الجّدل، ولا يَصِحُّ فيهِ إيرادُ الإِشكالات، فَيَكونُ الجدلُ في الأمرِ البيِّن مِنَ المُغالطةِ ومِنَ الباطِلِ، ولهذا أنكرَ على الذين جادَلُوا بعدَ بيانِ الحق: يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ [الأنفال:6]، فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ [يونس:32]
والجِدالُ بالباطلِ هذا شأنُ الضَّالِّين والمُّتبِّعينَ لأهوائِهم، أعداءُ الرُّسلِ ومَنْ أشْبَههُم، مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ [غافر:4]
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :القرآن وعلومه