الرئيسية/شروحات الكتب/القواعد الحسان لتفسير القرآن/(56) القاعدة السّادسة والخمسون: قوله “يرشد القرآن المسلمين إلى إقامة جميع مصالحهم”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(56) القاعدة السّادسة والخمسون: قوله “يرشد القرآن المسلمين إلى إقامة جميع مصالحهم”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس السّادس والخمسون

***     ***     ***     ***

 

– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمّدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، اللهمَّ اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين، قال الشيخ عبد الرّحمن بن ناصر السّعدي رحمهُ الله تَعالى، وأسكنهُ فسيحَ جنانهِ في رسالتهِ "أصولٌ وقواعدُ في تَفْسيرِ القرآن":
القاعدة السادسة والخمسون:
يُرشِدُ القرآنُ المسلمينَ إلى قيامِ جَميعِ مَصالِحهم، وأنّهُ إذا لمْ يَكنْ حُصولُها مِنَ الجميعِ، فليَشتغل بِكُلِّ مَصْلحةٍ مِن مَصالِحهم مَن يَقومُ بِها.
.
– الشيخ:
أعد، يُرشِدُ القرآن..
– القارئ: يُرشِدُ القرآنُ المسلمينَ إلى قيامِ جَميعِ مَصالِحهم، وأنّهُ إذا لمْ يَكنْ حُصولُها مِنَ الجميعِ، فليَشْتَغل بِكُلِّ مَصْلحةٍ مِن مَصالِحهم مَن يَقومُ بِها، ويُوفِّرُ وَقْتهُ عليها لِتَقومَ مَصالِحُهم، وتَكونُ وِجْهَتُهم جَميعاً واحِدة.
– الشيخ: يَعني يَحْصلُ إذا قامَ كُلٌّ مِمّن يَسْتَطيع مِنَ الخيرِ بِحسبِ اسْتِطاعَتِه، يَحْصل التّكامُل، يُسمّى التّكامُل، هذا يَفْعَلُ كذا وهذا يَفْعَلُ كذا؛ لأنَّ الغالِب، الخَلقْ لا يَسْتَطيعونَ كُلَّ شيء، الفرد أو مَجْموعة لا يَسْتَطِيعونَ كُلَّ شيء، فهذا شأنُ البَشريّة لا خَصوصَ المُسْلمين، لكنْ المُسلمون لَهم اهْتِمام، سائرُ النّاس اهْتِمامَهم بِمصالِح الدنيا، وأمّا المسلمون فإنّهم يَهْتمّونَ بِمصالِح الدنيا والآخرة جميعاً، يَهْتَمّون، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً [البقرة:201]، فالواجبُ على المسلمينَ أنْ يَتَعاوَنوا، يَتَعاوَنوا؛ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، يَتَعاوَنون على مَصالِح دينهم ودُنياهُم، وإذا صَحَّت نيّاتُهم في ما يَقومونَ بهِ مِن مَصالِح الدنيا كانتْ خَيراً عاجلاً وآجلاً، الله أكبر.
أمُرُ المؤمنِ عَجبٌ، يَعْملُ في صلاحِ دُنياهُ ويَنْتَفِعُ بِهذا العملِ عاجلاً وآجلاً، تَصْلُحُ دُنياهُ ويَكْتَسِب الأجرَ بهذا السّعي وبِهذا العمل.
مَن يَعْمل في التّجارة بِنيّةٍ صَالِحة يُؤجَرُ على ذلك، يَكْتَسِب المالَ مِن أجلِ أنْ يَسْتَغْني بهِ عَن الخَلق، ويُؤدّي الواجبات مِنَ النّفقات أو التطوّعات كالصّدقات، فَلهُ أغراض، ولكنْ سبحان الله!
يَعني هذا الجانِب أكثرُ تَصرّفاتِ النّاس بِحُكمِ العادة والجِبِلَّةِ، يَطْلبُ المالَ لِما جُبِلَ عليهِ مِن مَحبّة المال، قدْ لا يَسْتَحْضِر النيّة في كَسْبهِ، لكنْ في الصّرف يُمْكن يَكون أقرب إلى اسْتِحْضَارِ النيّة.

– القارئ: أحسن الله إليك، وهذه مِنَ القواعدِ الجَليلة ومِنَ السِّياسةِ الشّرعية، فإنَّ كثيراً مِنَ المصالِح العامّة الكليّة لا يُمْكن اشْتِغالُ النّاسِ كُلّهم بِها، ولا يُمْكنُ تَفْويتَها، فالطّريقُ إلى حُصولِها ما أرشدَ الله عبادهُ إليهِ، قالَ الله تَعالى في الجهادِ الذي هو مِن أعظمِ مَصالِح المُسْلمين..
– الشيخ:
إيش؟، والأمن؟
– طالب: والعلم
– الشيخ:
والعلم، عندك "والعلم"؟
– القارئ: نعم، بس أنا مؤخرة
– الشيخ:
نعم، الجهاد إيش بعده؟ اقرأ
– القارئ: قالَ الله تَعالى في الجهادِ الذي هو مِن أعْظمِ مَصالِح الدّينِ والعِلم.
لكن الأولى اللي عند حبيبنا أرتب، جمعَ بين الجهاد والعلم..
– الشيخ:
عندك الجهاد والعلم، إيش بعد؟
– طالب: …
– الشيخ:
اللَّذَين هما، هذا أجود. نعم بعده
– القارئ: نعم أجود، أحسنت
قالَ تَعالى في الجهادِ والعِلم..
– الشيخ:
اللَّذَين
– القارئ: اللَّذَين هُما مِن أعظمِ مَصالِح الدّين: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ [التوبة:122]، فأمرَ أنْ يَقومَ بالجهادِ طائفةٌ كافية، وبالعِلمِ طائفةٌ أخرى، وأنَّ القائِمة بالجهادِ تَسْتَدْرِكُ ما فاتَها مِنَ العِلمِ إذا رَجِعتْ.
وقالَ تَعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
 [آل عمران:104]، وقالَ تَعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، وقالَ تَعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، وقالَ تَعالى: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [الشورى:38]
– الشيخ: يُريدُ الشيخ أنَّ كلَّ هذه الآياتِ تُرشِدُ إلى هذا الأصل، وهو القيامُ بالمَهامِ كُلٌّ بِحسبِ حالهِ، والمَكان والموقِع الذي هو فيه، والقُدرةِ التي جَعَلها الله لهُ.

– القارئ: أحسن الله إليك، وقالَ تَعالى: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [الشورى:38] إلى غَيرِ ذلكَ مِنَ الآياتِ الدّالات على هذا الأصلِ الجليل والقاعِدة النّافعة، وبِقيامِ كُلِّ طائِفةٍ مِنْهم بِمَصْلحةٍ مِنَ المَصالِح تَقومُ المَصالِحُ كُلُّها؛ لأنَّ كلَّ فردٍ مأمورٌ أنْ يُراعي المَصالِح الكليّة، ويَكونُ سائِراً في جميعِ أعمالهِ إليها، فَلو وُفِّقَ المُسْلِمونَ لِسلوكِ هذه الطريق لاسْتَقامَتْ أحوالُهم وصَلُحتْ أمورُهم وانْجَابتْ عَنهم شرورٌ كثيرة، فالله المستعان.
– الشيخ: الله أكبر، الله أكبر، يَعني الشيخ يُنبِّهُ إلى أنَّ المسلمينَ إنّما أُتوا مِن قِبَلِ أنْفُسَهم بالتقصيرِ بأداءِ الواجبات، وبالتهاونِ والإقْدامِ على المَنْهيات، فهذا أصل، والسببُ الأعظم فيما حَصلَ على المسلمينَ مِن نَقصٍ ومِن ضَعفٍ، ومِن تَسلُّطِ الأعداءِ، مَصْدَرُها هو الذنوب، إمّا بِتركِ واجبٍ أو فِعلِ مُحرَّمٍ، أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165]، وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30] وهذا شامِل، يَعني بحالِ الفَردِ والأسرة والمُجْتَمع، على الإنسانِ أنْ يُفَكّر مِن أينَ أُتي ليَتَدَاركَ النّقص، ويسُدَّ البابَ الذي دَخلَ عليهِ النقصُ مِنْهُ.

– القارئ: أحسن الله إليك، القاعدة السابعة والخمسون:
في كَيفية الاسْتِدْلال بِخلقِ السّماواتِ والأرضِ وما فيها على التوحيدِ والمَطالِب العالية.
قدْ دعا الله عبادهُ إلى التَفكُّرِ في هذه المخلوقاتِ في آياتٍ كثيرة وأثنى على المُتَفكّرينَ فيها، وأخبرَ أنَّ فيها آياتٌ وعِبَراً..
– الشيخ:
أنَّ فيها
– القارئ: آياتٍ وعِبَراً
– الشيخ:
نعم
– القارئ: فَيَنْبَغي لنا أنْ نَسْلُكَ هذا الطريق المُنتِج للمَطلوب..
– طالب:
سقطت جملة
– الشيخ: طيب وش هي الجملة؟
– طالب: ثمَّ قال: نَحنُ مُحْتَاجونَ إلى فَهْمِها ومَعْرفةِ ما فيها لِمصالِح ديننا ودُنْيانا.
– الشيخ:
إمم، لا إله إلّا الله، أكمِّل
– القارئ: نعم، أحسن الله إليك، فَيَنْبَغي لنا أنْ نَسْلُكَ الطّريقَ المُنتِجِ للمطلوبِ بأيسرِ ما يَكون..
– الشيخ: أن نسلكَ
– القارئ: أنْ نَسْلُكَ هذا الطريق المُنتِجِ للمطلوبِ بأيسرِ ما يَكون، وأوضِح ما يَكون. وحاصِلُ ذلكَ على وَجهِ الإجمالِ: أنّنا إذا تَفَكّرنا في هذا الكونِ العَظيم..
– الشيخ:
الكون، نعم، هذا الوجود السّمواتِ والأرض، والليل والنّهار، تَفكّر في الأرض، ماذا فيها مِنَ الآياتِ، هذا كثير.
لا إله إلّا الله، وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ [الذاريات:20-21]، وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا [يوسف:105]، وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ [الأنبياء:32] إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ [آل عمران:190] كذلك الآية الاخرى: وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ [البقرة:164]
يعني لا تَكنْ أيّها المسلم تَنْظر لهذا الوجود، إمّا نَظرَ الكفّار أو نظرَ البهائِم، لا، المسلم يَجب أنْ يَنْظر إلى الوجودِ، وإلى ما حَولهُ نَظر عَقلٍ ودين وإيمان.
لا إله إلّا الله، يعني إذا رأى ما يَلْفت النّظر تَفكَّر في طلوعِ الشّمس وغُروبِها، أه، كل يوم جديد، فَكِّر في الشّمس التي تَطْلع على الوجود، وتُحوِّلُ الوجودَ بعدَ الظّلام الدَّامِس، وبعدَ السّكون، يَتَحوّل الوجود إلى الإشراقِ والإضاءة، تَفكَّر، تفكَّر، طيِّب هذا تدبيرُ من؟
وهذا المعنى، الله يُذَكّرنا بهِ، كيف لو كان هذا الظّلام الدّامِس دائِم، أو كانَ الضياءُ هذا دائم، اقرأوها في سورة القَصص، لا إله إلّا الله.
التَفكُّر يَدْعوكَ إلى التَسبيح، إلى التّوحيد، إلى زيادةِ الإيمان، يَزْدادُ إيمانُ العبدِ، سبحان الله! كلَّ يومٍ انْظر إلى طُلوعِ الشّمس وانْظر إلى الغروب، هذا لهُ معنى.
أنتَ كلَّ يوم تَقْطع، كلَّ يومٍ تَطْلعُ بهِ الشّمس ثمَّ تَغيب يَنْقَضي يوم وليلة مِن عُمُرِ الدنيا، ومِن عُمُرِ كلِّ أحد، هكذا تأمل، فكِّر، اقرؤوا، ابن القيم تَكلّم كثيراً في أقسامِ القرآن، عندَ قولهِ: وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21] كيفَ تَكْوينك أيّها الإنسان؟! فكِّر في هذا، في خِلْقَتِك، الله أكبر.
الكفّار ما عِندَهم أصل، ما يَعْرفونَ إلّا الدنيا والمتاعِ العاجل بس، يُفكِّرونَ في الأكلِ والشّرب والمتاع كالبهائِم، ويُفكِّرون فيما يُوصِلهم إلى هذه الغايات، الآن كلُّ هذه المُخترعات، إنّما فَكَّروا فيها ووَصلوا فيها إلى هذا الإبداع الهائِل، لأيِّ غاية؟! ما لهم غاية إلّا مُجرَّد مَتاع الدّنيا.
يَطْلبونَ فيها المتاع، كَسْبِ المال كَسْبِ الشُهرة، هذا المُخترِعُ الفلانيُّ، هذا يُنوَّه باسمهِ ويُذكَر، يُوضَعُ اسمه على نَفس الآلة، للشهرة.
مرَّ عليَّ أنَّ سيد قطب -رحمه الله- يقول أنّهُ جاءَ إلى أمريكا يقول: وجدتُ بِها أربعة آلهة مَعْبودةٍ مَعْنويَّة: اللذَّة والشُّهرة، اللذَّة والشُّهرة والإنتاج، وفي..
المقصود أنْ ما عِندَهم هذا هو، لكنَّ المؤمنَ: لا، يَعْملُ للآخرة؛ لأنَّ أمامَهُ مُسْتَقبل، يَعْمل للمُسْتَقبل البعيد القريب، وأمَّا الكفّار والمُتشبِّهُون بِهم فَيَعْملونَ للمستقبلِ الحاضِر الدنيا بس، أمّا المستقبل … أنكَ تَعمل لكَ بيت، تَعمل لك كذا، تُؤمِّن وظيفة لتأمينِ المستقبل، تأمين المستقبل، لا بأس، لا بأس، تأخذ بالأسباب التي تَحْتاج إليها، وهذه كما قُلنا يُمكن، إذا اقْتَرَنتْ بِمراعاةِ مُسْتَقبل الآخرة كانَ ذلكَ خَيراً.
ليسَ المقصودُ الإعراضُ عَن حاجاتِ الإنسان إلى مَصالِح دُنياه، لا، لكن لا تَجْعلِ الدنيا هي أكبرُ هَمِّك، إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ [يونس:7-8] هذا تَوصيفُ حالِ الكفّار، وعَلاقَتهم بالدنيا وعَلاقَتِهم بالآخرة، زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ [البقرة:212]، هُم الآن يَسْخَرون مِنْكُم، الكفّار يَسْخَرون مِنّا، إي والله، هم يَسْخَرون جِهاراً، الكفّار هؤلاءِ الطُّغاة، أمّا الطّغام فهؤلاءِ مِثلُ الأنعام، أتْبَاعُهم وشُعوبُهم مِثلُ البهائِم، أتباع.

– القارئ: أحسن الله إليك، عَرَفنا أنّهُ لمْ يُوجَد بِغيرِ مُوجِد..
– الشيخ
:
وبهذا التفكُّر بهذا الوجود، يَهْديكَ إلى أنَّ لهُ مُوجِدٌ، هذه نتيجة..
– القارئ: أحسن الله إليك، ولا أوْجدَ نَفْسهُ -هذا أمرٌ بَديهي- فَتَيقنَّا أنَّ الذي أوْجَدَهُ الأوّل الذي ليسَ قَبْلهُ شيء، كامِلُ القُدرةِ..
– الشيخ:
أنَّ الذي، أنَّ الذي؟
– القارئ: أنَّ الذي أوْجَدَهُ، الأوّلُ الذي ليسَ قَبْلهُ شيء..
– الشيخ:
لأنّهُ هو الأوّل، أنَّ الذي أوْجَدهُ هو الأوّلُ الذي ليسَ قَبْلهُ شيء
– القارئ: كاملُ القُدرةِ عَظيمُ السّلطانِ واسِعُ العلمِ، وأنَّ إيجادَ الآدميينَ في النشأةِ الثانيةِ للجزاءِ أسْهَلُ مِن هذا بِكَثير: لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاس [غافر:57]
– الشيخ: أسْهل في مَفْهومِ العَقل، وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم:27]، أمّا بالنسبةِ لِقُدرةِ الله فَليسَ فيهِ شيء، يُقال: هذا أسهلُ على الله، ما في شيء يُقال: هذا سَهل وهذا أسهل، بل كلُّ الأشياءِ بالنظرِ لِقُدْرتهِ سواء، فلا يُقالُ إنّهُ تَعالى على الشيءِ القليلِ والصّغير أنّهُ أقدرُ عليهِ مِنَ الكبير، لا، وما ذُكر ممَّا يُشعرُ بِهذا إنّما هو خطابٌ للنّاسِ بِحَسبِ عُقولِهم.

– القارئ: أحسن الله إليك، وعَرفنا بِذلكَ أنّهُ الحيُّ القيّوم.
وإذا نَظرنا ما فيها مِنَ الإحكامِ والإتقانِ والحُسْنِ والإبداع، عَرفنا بِذلكَ كَمالَ حِكْمة الله وحُسْنِ خلْقِهِ وسَعةِ عِلمهِ، وإذا رأينا ما فيها مِنَ المنافِع والمَصالِح الضروريّة والكماليّة التي لا تُعدُّ ولا تُحْصى، عَرفنا بذلكَ أنَّ الله واسِعُ الرّحمة، عَظيمُ الفضلِ والبرِّ والإحسانِ، والجودِ والامتِنان، وإذا رأينا ما فيها مِنَ التّخْصيصاتِ، فإنَّ ذلكَ دالٌّ على إرادةِ الله ونُفوذِ مَشيئتهِ، ونَعْرفُ مِن ذلكَ كُلّهِ أنَّ مَن هذه أوصافهُ وهذا شأنهُ؛ هو الذي لا يَسْتَحِقُّ العبادةَ إلّا هو، وأنّهُ المحبوب المَحْمود، ذو الجلالِ والإكرام والأوصافِ العِظام، الذي لا تَنْبَغي الرّغبةُ والرّهبةُ إلّا إليه، ولا يُصْرِفُ خالصَ الدّعاءِ إلّا له؛ لا لغيرهِ مِنَ المخلوقاتِ المَربوبات المُفتَقِرات إلى الله في جَميعِ شؤونِها. ثمَّ إذا نَظرنا إليها..

– الشيخ: إلى هنا يمكن عندك
– القارئ: بقي شيء قليل
– الشيخ:
وتنتهي القاعدة؟
– القارئ: نعم
– الشيخ:
زين

– القارئ: ثمَّ إذا نَظرنا إليها مِن جِهة أنّها كُلُّها خُلقت لِمَصَالِحنا، وأنّها مُسخَّرةٌ لنا، وأنَّ عَناصِرها وموادَّها وأرواحُها قدْ مَكَّنَ الله الآدميَّ مِن اسْتِخْراجِ أصنافِ المنافعِ مِنْها..
– الشيخ:
اش يقول؟
– القارئ: نعم أحسن الله إليك، وأنها مُسخَّرةٌ لنا، وأنَّ عَناصِرها وموادّها وأرواحُها قدْ مَكَّنَ الله الآدميَّ..
– الشيخ: أرواحها، أرواحها، اش يقول أنَّ؟
– القارئ: وأنَّ عَنَاصِرَها وموادّها وأرواحُها..
– طالب:
ومواردها
– الشيخ: .. ما في أرواحها؟
– طالب: لا، في أرواحها، وأن عناصرها ومواردها. قال هو: وموادها
– الشيخ:
يمكن مواردها ماشي، بس "وأرواحها" عندك؟
– طالب: نعم

– القارئ: قدْ مَكَّنَ الله الآدميَّ مِن اسْتِخْراجِ أصنافِ المنافعِ مِنْها.
عَرفنا أنَّ هذه الاختراعاتِ الجديدة في الأوقاتِ الأخيرة، مِن جُملةِ المنافِع التي خَلَقها الله لِبَني آدمَ فيها..
– الشيخ:
لكن مَنافِع مُفيدة في حدِّ ذاتها، لكن الحِكمة العامة هي الابتلاء، الحِكمَةُ العامّة الابتلاء، يَعْني البشر منذُ كانوا وهم يَعْرفونَ أشياء مِن مَنافعِ هذا الكون، وهذه المواد أشياء مَحْدودة في شؤونِ حَياتِهم، يَعْني المأكل والمَشرب واللِّباس والمَسْكن.
كانوا يَعْرفون هذه الأشياء ويَصْنَعون، لكن كانت فيها بَساطة وفيها مَحْدوديّة، وفي هذا الزمن، يَعني أمرٌ يعني بلَغَ مِن تمكُّنِ البشرِ مِنَ الانتفاعِ واسْتِخْراجِ ما في هذه الكونيات مِن مواد ومِن مَنافِع، لكنْ مَرْدودها المعنوي على البشريّة ليسَ هو في أمرِ ما خُلِقوا لهُ، يَعْني مَرْدودها في شأنِ البشريّة فيما يَتَعلّقُ بِما خُلِقوا لهُ هذا ضئيلٌ جداً، ضَئيلٌ جداً.
الكفّار يَعني أفْضَى بِهم ذلكَ إلى الغُرور والكِبَر، والاسْتِكْبارِ والظّلم والتسلُّطِ والتّمادي في الكُفرانِ والتّمادي في اتّباعِ الشّهوات، والمسلمونَ انْتَفَعَ مَن شاءَ الله مِنْهم بِمَنافِعَها في أمرِ دينٍ ودُنيا.
ولكن أيضاً أصيبَ أكثرُ النّاسِ بالإعجابِ بالكفّارِ والانْبِهارِ مِن حَياتِهم، ومِن أمورِهم حتّى صارَ أكثرُ أو كثير نَقول مِن المسلمين يَنْظرونَ إليهم بِعينِ الإعجابِ والاحْتِقارِ لأنْفُسِهم، الإعجابُ بالكفّارِ والاحْتِقارِ لأنْفُسهم، لأنْفُسِ المسلمين، هذه حالُ كَثيرين، هذه حَالُ كَثيرينَ مِنَ المسلمين، والواجبُ أنْ نَنْظُر إليهم بِما يَقْتَضيهِ الشَّرع، نَنْظُرُ إليهم نَظرَ احْتِقار، كفَّارٌ، أضلُّ مِنَ الأنعامِ، اقرؤوا: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ [محمد:12] شوف يَتَمَتّعون، هذا شأنُهم ويَأكلون، المَسألة مَسْألةُ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ، لا إله إلّا الله.
الله أبانَ لنا في القرآنِ، يَعْني حَقيقةَ أمرِ الكفّار، وحال المُسْلمين، فَعلى المُسْلِم أنْ يَسْتَنيرَ بهذا النّور، بِهذا الكتاب، ويَحْكم على الأمورْ بِحكمِ الله في كتابهِ، وحُكمِ رَسولهِ صلّى الله عليه وسلّم، نعم، انتهت؟
– القارئ: أحسن الله إليك، بقي قليل
فَسَلكنا بذلكَ كُلَّ طريقٍ نَقْدرُ عليهِ في اسْتِخْراجِ ما يُصْلِحُ أحوالنا مِنها، بِحسبِ القُدرة، ولمْ نَخْلُد إلى الكَسلِ والبَطالة، أو نُضيفُ عِلمَ هذه الأمورِ واسْتِخْرَاجها إلى علومٍ باطِلة، بِحجّةِ أنَّ الكفّارَ سَبَقوا إليها وفاقوا فيها، فإنّها كُلَّها كما نبَّهَ الله عليهِ داخلةٌ في تَسْخيرِ الله الكونِ لنا، وأنّهُ يُعلِّم الإنسانَ ما لَمْ يَعْلَم، والله أعلم.
– الشيخ:
والحِكمةُ هي الابْتِلاء، الابْتِلاءُ هو حِكْمةُ الوجودِ، نعم، لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :