الرئيسية/شروحات الكتب/القواعد الحسان لتفسير القرآن/(61) القاعدة الثّالثة والستون: قوله “يرشد القرآن إلى أن العبرة بحسن حال الإنسان”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(61) القاعدة الثّالثة والستون: قوله “يرشد القرآن إلى أن العبرة بحسن حال الإنسان”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس الحادي والستون

***     ***     ***     ***

– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمّدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، اللهمَّ اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين، قال الشيخ عبد الرّحمن بن ناصر السّعدي رحمهُ الله تَعالى، وأسكنهُ فسيحَ جنانهِ، في رسالتهِ "أصولٌ وقواعدُ في تَفْسيرِ القرآن":
القاعدة الثالثة والستون:
يُرْشِدُ القرآن إلى أنَّ العِبْرةَ بحُسْنِ حالِ الإنسانِ إيمانهُ وعَملهُ الصّالِح، وأنَّ الاسْتِدْلال على ذلكَ بالدَّعاوى المُجرَّدة، أو بإعطاءِ الله للعبدِ مِنَ الدنيا أو بالرّياسات: كلُّ ذلكَ مِن طُرقِ المُنْحَرِفين، والقرآنُ يَكادُ أنْ يَكونَ أكثرُه تَفْصيلاً لهذه القاعدة، وقدْ قالَ تَعالى..
– الشيخ:
أعد، أعد القاعدة

– القارئ: يُرْشِدُ القرآن إلى أنَّ العِبْرةَ بحُسْنِ حالِ الإنسانِ إيمانهُ وعَملهُ الصّالِح، وأنَّ الاسْتِدْلال على ذلكَ بالدَّعاوى المُجرَّدة، أو بإعطاءِ الله للعبدِ مِنَ الدنيا أو بالرّياسات: كلُّ ذلكَ مِن طُرقِ المُنْحَرِفين، والقرآنُ يَكادُ أنْ يَكونَ أكثرُه تَفْصيلاً لهذه القاعدة، وقدْ قالَ تَعالى: وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا [سبأ:37]
وقالَ تَعالى: يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89] وقَدْ أكثرَ الله مِن هذا المَعنى في عِدَّةِ آيات.
وأمّا حِكايةُ المَعنى الآخر عَن المُنْحَرِفينَ فَقالَ عَن اليَهود والنّصارى: وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ 
[البقرة:111]
ثمَّ ذكرَ البَرهان الذي مَن أتى بهِ فَهو المُسْتَحِقُّ للجنّة فَقالَ: بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:112]
وقالَ تَعالى: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ [النساء:123]، وقالَ تَعالى: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً [مريم:73]، وقالَ تَعالى: وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف:31]
ونَحْوِها مِنَ الآياتِ التي يَسْتَدِلُّ بِها الكفّارُ على حُسنِ حَالِهم، بِتَفوُّقهم في الأمورِ الدنيوية والرّياسات، ويَذمُّونَ المؤمنين، ويَسْتَدِلّونَ على بُطْلانِ دينِهم بِنَقْصِهم في هذه الأمورِ، وهذا مِن أكبرِ مَواضِع الفِتَنْ.
– الشيخ: الله المُستعان..
– القارئ: القاعدة الرابعة والستون: الأمورُ العَارضِة التي لا قَرارَ لَها بِسببِ المُزعِجات أو الشُّبُهاتِ قَدْ تَرِدُ على الحقِّ والأمورِ اليَقينيّة، ولكنْ سُرْعانَ ما تَضْمَحلُّ وتَزولُ.
وهذه قاعدةٌ شَريفةٌ جَليلة وقدْ وَردتْ في عِدّة مَواضِعَ مِنَ القرآن، فَمَنْ لمْ يُحكِّمْها حَصلَ لهُ مِنَ الغَلطِ في فَهْمِ بَعضِ الآياتِ ما أوجبَ الخروجَ عَن ظاهرِ النَّص، ومَن عَرفَ حِكمةَ الله تَعالى في ورودِها على الحقِّ الصّريح: لأسبابٍ مُزعجةٍ تَدْفَعُها أو لِشُبهٍ قَويّة تُحْدِثُها ثمَّ بعدَ هذا إذا رجعَ إلى اليَقينِ والحقِّ الصّريح، وتَقَابلَ الحقُّ والباطِلُ، فَزَهقَ الباطِلُ وثَبتَ الحقُ، حَصلتْ العاقِبة الحَسنة، وزيادةُ الإيمانِ واليَقين، فكانَ في ذلكَ التَقْدير حِكَمٌ بالغةٌ، وأيادٍ سابِغة، ولِنُمثِّل لهذا بأمثلة:
فَمِنْها: أنَّ الرُّسَل صلواتُ الله وسَلامهُ عليهم أكملُ الخَلقِ إيماناً ويَقيناً، وتَصْديقاً بوعدِ الله ووَعيدهِ، وهذا أمرٌ يَجِبُ على الأممِ أنْ يَعْتَقِدوا في الرُّسل، أنَّهم قَدْ بَلَغوا ذُروتهُ العُليا، وأنّهم مَعْصومونَ مِن ضِدّهِ، ولكن ذكرَ الله في بَعضِ الآياتِ أنّهُ قدْ يُعْرَضُ مِنَ الأمورِ المُزعِجة المُنافية حِسَّاً لِما عُلِمَ يَقيناً ما يُوجبُ لهؤلاءِ الكُمَّل أنْ يَسْتَبْطِؤوا مَعهُ النصر، ويَقولون: مَتَى نَصْرُ اللَّهِ 
[البقرة:214]، وقَدْ يَقعُ في هذه الحالةِ على القلوبِ شيءٌ مِن عَوارِض اليأسِ بِحَسبِ قوّة الوارِدات وتأثيرِها في القلوب، ثمَّ في أسرع وقتٍ تَنْجَلي هذه الحال ويَصيرُ لِنَصرِ الله وصِدقِ مَوعودهِ مِنَ الوقْعِ والبِشارة والآثارِ العَجيبة أمرٌ كبيرٌ، لا يَحْصلُ بِدونِ هذه الحال، ولهذا قالَ تَعالى: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا [يوسف:110]، فهذا الوارِدُ الذي لا قَرارَ لهُ، ولمّا حَقَّت الحقائِق اضْمَحلَّ وتَلاشى، لا يُنكِر ويُطلَبُ للآياتِ تأويلاتٌ مُخالِفةٌ لِظاهِرها.
ومِن هذا الباب بلْ مِن صَريحهِ قَولهُ تَعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ [الحج:52]، أيْ يُلْقي مِنَ الشُّبَه ما يُعارِضُ اليَقين.
ثمَّ ذكرَ الحِكَم العَظيمة المُترتبةِ على هذا الإلقاءِ وأنَّ نِهايةَ الأمرِ وعاقِبتهُ أنَّ الله يُبْطِلُ ما يُلقي الشّيطان، ويُحكِمُ آياتهِ، والله عليمٌ حَكيم، فقدْ أخبَر بِوقوعِ هذا الأمر لجميعِ الرُّسلِ والأنبياء، لهذه الحِكَمِ التي ذَكرها، فَمنْ أنكرَ وقوعَ ذلكَ بِناءً على أنَّ الرُّسلَ لا ريبَ ولا شكَّ مَعْصومون، ظنَّ أنَّ هذا يُنافي العِصمة، فقدْ غَلِطَ أكبرَ الغَلط، ولو فَهِمَ أنَّ الأمورَ العَارِضة لا تُؤثِّرُ في الأمورِ الثابِتة لمْ يَقل قَولاً خالفَ فيهِ الواقِع وخالفَ نصَّ الآياتِ الكَريمات.
ومِن هذا -على أنَّ أحدَ قَولَي المُفسّرين- قولهُ تَعالى: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ [الأنبياء:87]، وأنّهُ ظَنٌ عَرضَ في الحالِ ثمَّ زالَ، نَظيرُ الوسواس (الوساوس) العارضِة في أصلِ الإيمان التي يُنْكِرُها العبدُ حينَ تَرِدُ قَلبَهُ، ولكنَّ إيمانَهُ ويَقينهُ يُزيلُها ويُذْهِبُها ولهذا قالَ صلّى الله عليه وسلّم عِندما شكا إليهِ أصحابَهُ هذه الحال التي أقْلَقَتْهُم، مُبشِّراً لهم: (الحَمْدُ للهِ الذي رَدَّ كَيْدَهُ إلى الوَسْوَسَة).
ويُشْبهُ هذا: العَوارِض التي تُعْرضُ في إراداتِ الإيمانِ لِقوّةِ واردٍ مِن شَهْوَةٍ أو غَضب، وأنَّ المؤمنَ كامِلُ الإيمانِ قَدْ يَرِدُ في قَلبه هَمٌّ وإرادةٌ لِفعلِ بَعض المعاصي التي تُنافي الإيمانَ الواجِبَ ثمَّ يأتي بُرهانُ الإيمانِ، وقوّةُ ما معَ العبدِ مِنَ الإنابةِ التامّة، فَيَدْفعُ هذا العارِض.
ومِن هذا: قولهُ تَعالى عَن يوسُف: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ [يوسف:24]، وهو أنّهُ لمّا رَجعَ إلى ما مَعهُ مِنَ الإيمانِ ومُراقبةُ الله وخَوفهُ ورَجائهُ، دفعَ عَنْهُ هذا الهمَّ واضْمَحلَّ، وصارتْ إرادتهُ التامّة فيما يُرضي ربّهُ.
ولهذا بعدَ المعالجة الشّديدة التي لا يَصيرُ إليها إلّا الخواصُّ مِنَ الخَلقِ قال صلّى الله عليه وسلّم: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ [يوسف:33]، وكانَ أحدَ السّبعة الذينَ يُظلُّهمْ الله في ظِلّهِ يومَ لا ظِلَّ إلّا ظِلُّهُ: (رَجُلٌ دَعَتهُ امْرَأة ذاتَ مَنْصِبٍ وجَمالٍ فَقَالَ إنّي أخافُ الله).
وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201]، يَشْملُ الطَّائِف الذي يَعْرِضُ في أصلِ الإيمانِ والذي يَعرِضُ في إرادتهِ، فإذا مَسَّهم تَذكَّروا ما يَجِبُ مِن يَقينِ الإيمانِ ومِن واجباتهِ، فأبْصَروا، فَرجعَ الشّيطانُ خاسِئاً وهو حَسير.
ولعلَّ هذا مِن قولِ لوطٍ عليهِ الصّلاةُ والسّلام: أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ [هود:80] وقولُ النبي صلّى الله عليه وسلّم..
– الشيخ: اش يقول، من قول؟
– القارئ: نعم أحسن الله إليك.
ولعلَّ هذا مِن قولِ لوطٍ عليهِ الصّلاة والسّلام: أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ [هود:80]
وقولُ النّبي صلّى الله عليه وسلّم: (رحِمَ اللهُ لوطاً لَقَدْ كانَ يَأوي إلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ)، يَعْني: وهو الله القويُّ العَزيز، لكنْ غَلبَ على لوطٍ عليهِ السّلام تِلكَ الحالة الحَرِجة والنّظرُ للأسبابِ العاديّة، فَقالَ ما قال، مَعَ عِلْمهِ التّام بِقوّةِ ذي العَظمةِ والجّلال.
القاعدة الخامسة والستون.
– الشيخ: حسبك يا أخي
– القارئ: أحسن الله إليك
– الشيخ: لا إله إلا الله.

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :القرآن وعلومه