file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(4) تحريم الزوجة لا يكون طلاقا

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح "بلوغ المرام مِن أدلّة الأحكام" (كتاب الطّلاق)
الدّرس الرّابع

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الحافظُ ابنُ حجرٍ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في "بلوغِ المرامِ":
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضيَ اللهُ عنهما- قَالَ: إذَا حَرَّمَ امْرَأَتَهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِمُسْلِمٍ: "إذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ عليه امْرَأَتَهُ، فَهُوَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا"
– الشيخ:
هذه مسألةٌ عظيمةٌ أيضاً، وهي مسألةُ التحريمِ، إذا قالَ الرجلُ لامرأته: أنتِ عليَّ حرامٌ، فهذه مسألةٌ اختلفَ فيها السلفُ والخلفُ اختلافاً عظيماً، هل يكونُ ظِهاراً أو يكونُ طلاقاً، طلاق بالثلاث أو طلاق دون الثلاث وهل وهل، أقاويلُ كثيرةٌ، وما تضمَّنَه حديثُ ابنِ عبَّاسٍ يدلُّ على أنَّ تحريمَ الرجلِ امرأتَه يمين، يمينٌ مكفَّرةٌ، يكفِّرُها، فلا تحرمُ عليه، بل إذا قالَ لها: أنتِ عليَّ حرامٌ، فإنَّها لا تحرمُ عليه، ولا يكون طلاقاً ولا ظهاراً ولكن يكون يميناً فعليهِ أن يكفِّرَ كفَّارةَ يمينٍ بأحدِ الأمورِ الثلاثة، إطعامُ عشرة مساكين أو كسوتُهم أو تحريرُ رقبةٍ، هذا معنى قولُ ابن عبَّاسٍ.
وقولُه: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ" يشيرُ إلى أنَّ هذا قد دلَّتْ عليه سنَّةُ الرسولِ -عليه الصلاة والسلامُ- فهذا يتضمَّنُ رفعَ هذا المعنى وهذا الحكم إلى الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وهذا القولُ قولٌ قويٌّ لهذا الحديثِ، وهو لا شكَّ أنَّ فيه يسراً عظيماً ورفعاً للحرجِ، بخلاف من قالَ إنَّهُ ظِهارٌ، فإذا كانَ ظهارٌ فإنَّه لا يمسُّ امرأتَه حتَّى يكفِّرَ كفارةً مغلَّظةً، الكفَّارةُ المغلَّظةُ، عتقُ رقبةٍ فإن لم يجدْ فصيامُ شهرين فإنْ لم يستطعْ فعليه إطعامُ ستين مسكيناً، وإن اعتُبِرَ يعني طلاق ثلاثٍ كانَ الأمرُ أشدَّ، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله.
وقد ابتُلي الناسُ قديماً وحديثاً بهذا الكلام، كثيراً ما يحرِّمُ الرجلُ امرأتَه على نفسِه، يقولُ: هي عليَّ حرامٌ، أو زوجتي عليَّ حرامٌ، أو يقول: عليَّ الحرامُ، يريدُ تحريمَ امرأته، أمَّا تحريمُ الحلالِ، لو حرَّمَ طعاماً، وقالَ: حرامٌ عليَّ هذا الطعامُ، فهذا فيه كفَّارةٌ باتِّفاقِ أهلِ العلمِ، أو حرَّمَ أمَّتَه الأمَّة السُّرِّية لا الزوجة، لكنَّ الخلافَ العظيمَ في تحريم المرأة، لا إله إلَّا الله، إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، وش بعده؟

– القارئ: وَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا- «أَنَّ ابْنَةَ الْجَوْنِ لَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَدَنَا مِنْهَا قَالَتْ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْكَ، فَقَالَ: لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ، الْحَقِي بِأَهْلِك» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
– الشيخ:
هذا يُستدَلُّ به على أنَّ قولَ الرجلِ لامرأته: الحقي بأهلِك، يريدُ الطلاقَ، فإنَّها تصيرُ طالقاً، وهذا من صيغ الكناية، فالطلاقُ له صيغٌ صريحةٌ وصيغٌ كنائيَّةٌ، فألفاظُ الطلاقِ السريعةِ يحصلُ بها الطلاقُ بإطلاقٍ، أمَّا الكنايةُ فلا يقعُ بها الطلاقُ إلَّا بنيَّةٍ، فالرسولُ قالَ للمرأة: "الحقي بأهلِكِ" يريدُ طلاقَها لما تعوَّذَتْ منه، وكان هذا جهلاً منها أو بسببٍ من غرِّها، قالَ: "الحقي بأهلِكِ"
 
– القارئ: وَعَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا طَلَاقَ إلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ، وَلَا عِتْقَ إلَّا بَعْدَ مِلْكٍ» رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَهُوَ مَعْلُولٌ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ مِثْلَهُ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ، لَكِنَّهُ مَعْلُولٌ أَيْضًا.
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«لَا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا عِتْقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا طَلَاقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَنُقِلَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ أَصَحُّ شيءٍ فيهِ..
– الشيخ: انتهى البابُ؟
– القارئ: لا، باقي حديث
– الشيخ: لا، قفْ على هذه الأحاديثِ واقرأْ شرح حديث ابن عبَّاس شوف ماذا يقول الشيخُ البسَّام
– القارئ: البسَّامُ ذكرَ الخلافَ، أحسنَ اللهُ إليكَ
– الشيخ: أي هات هات
 
– القارئ: ما يُؤخَذُ مِن الحديثِ:
1-معنى الحديثُ أنَّ الرَّجلَ إذا قالَ لزوجتِهِ: "أنتِ عليَّ حرامٌ" فليسَ التَّحريمُ بطلاقٍ، وإنَّما يكونُ يمينًا، فيهِ كفَّارةُ اليمينِ؛ كما قالَ تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم:1-2]

– الشيخ: والآيةُ هذه ليسَت في تحريمِ الزوجة، الآيةُ في تحريمِ العسلِ أو تحريمِ الجاريةِ، وهذا لا خلافَ فيه بين أهل العلم أنَّ تحريمَ العسلِ أو الطعامِ أنَّها يمينٌ مُكفَّرةٌ، لكن المستدلُّون بالآية يقيسون الزوجةَ على غيرها، لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ فتدخلُ في عموم ما أحلَّ اللهُ لهُ.
 
– القارئ: أي: شرعَ اللهُ لكم تحليلَ أيمانِكم بأداءِ الكفَّارةِ المذكورةِ في سورةِ المائدةِ.
2-فالحديثُ يدلُّ على أنَّ مَن حرَّمَ شيئًا قد أحلَّهُ اللهُ لهُ، فإنَّهُ لا يكونُ حرامًا؛ فإنَّ حِلَّ الأمورِ وحرمتَها بيدِ اللهِ تعالى؛ ولذا قالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ [المائدة:87] فإنَّهُ لا فرقَ بينَ مَن أباحَ ما حرَّمَ اللهُ، وبينَ مَن حرَّمَ ما أحلَّ اللهُ، فكلُّهُ افتئاتٌ على اللهِ في أحكامِهِ
– الشيخ:
لكن فرق، يجبُ أن نفرِّقَ بين التحريمِ يعني حكماً، الحكمُ بتحريمِ الشيءِ الَّذي أحلَّه اللهُ هذا منكرٌ عظيمٌ أو يكونُ كفراً، افتراءٌ على اللهِ، تحليلُ الحرامِ أو تحريمُ الحلالِ، لكنَّ الَّذي يقولُ: حرامٌ عليَّ هذا الطعامُ، هل هو يريد أنَّ اللهَ حرَّمَه عليه؟ لا، يريدُ منعَ نفسه، يعني: حرامٌ عليَّ، يريد أنَّه لا يتناولُه، يريدُ منعَ نفسِه، لا يريدُ الإخبارَ بأنَّ اللهَ حرَّمَه عليه، لو قالَ: إنَّ اللهَ حرّمَه عليَّ، كانَ هذا افتراءً على الله، وكانَ هذا من تحريم الحلال الَّذي ذمَّ الله به الكفَّارَ، قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ [التوبة:29]
 
القارئ: 3-أثرُ ابنِ عبَّاسٍ -رضيَ اللهُ عنهما- صريحٌ في أنَّ الرَّجلَ إذا حرَّمَ زوجتَهُ، يصيرُ تحريمُهُ يمينًا، تحلُّها كفَّارةُ اليمينِ المذكورةُ في سورةِ المائدةِ.
وفي مثلِ هذا اليمينِ الواجبُ على الحالفِ أنْ يأتيَ ما حرَّمَ، وحلفَ عليهِ، ويُكَفِّرَ عن يمينِهِ؛ لما جاءَ في الصَّحيحينِ، مِن حديثِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ سمرةَ، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: "إذا حلفْتَ على يمينٍ، فرأيْتَ غيرَها خيرًا منها، فكفِّرْ عن يمينِكَ، وأْتِ الَّذي هوَ خيرٌ"
4-شارحُ هذا الكتابِ صحَّحَ القولَ بأنَّ تحريمَ الزَّوجةِ أو غيرِها مِن المباحاتِ لغوٌ، لا حكمَ لهُ في شيءٍ مِن الأشياءِ؛ والحجَّةُ على ذلكَ: أنَّ التَّحريمَ والتَّحليلَ إلى اللهِ تعالى

– الشيخ: أيش يقول؟
– القارئ: يشيرُ للصَّنعانيِّ، أحسنَ اللهُ إليكم
– الشيخ: عجيبٌ
– القارئ: نعم، ولم يذكرْ إلَّا هذا القولَ، أحسنَ اللهُ إليكم
– الشيخ: الصَّنعانيُّ يقولُ: إنَّه لغوٌ!
– القارئ: نعم
– الشيخ: ولا كفَّارةَ!
القارئ: ولا ذكرَ إلَّا هذا القولَ، قالَ: فلا نطيلُ
– الشيخ: ولا كفَّارةَ، حتَّى خالف نفس الحديث، عفا اللهُ عنه
– القارئ: في روايتَينِ أحسنَ اللهُ إليكم.. أنا كتبْتُ ملخَّصاً عن هذا:
أنَّهُ لغوٌ باطلٌ لا شيءَ فيهِ وهوَ إحدى الرِّوايتَينِ عن ابنِ عبَّاسٍ، وبهِ قالَ مسروقُ وأبو سلمةَ وطاووسُ وداودُ وجميعُ أهلِ الظَّاهرِ وأكثرُ أصحابِ الحديثِ وهوَ أحدُ قولِ المالكيَّةِ، اختارَهُ أصبغُ
– الشيخ: هذا كتابُك أنت؟
– القارئ: أي نعم، أنا نقلْتُهُ مِن كتابِ ابنِ عبدِ الهادي اسمُهُ "السَّيرُ الحاثُّ في طلاقِ الثَّلاثِ"
– الشيخ: لا هذا حديثُ ابن عبَّاسٍ
– القارئ: وقد رجَّحَهُ الصَّنعانيُّ
– الشيخ: خيرُ الأمور أوسطُها، لغوٌ… الَّذي يقولُ مثلَ ما ذكرتُ لكم، اللي يقولُ أنَّهُ حرامٌ يريد الإخبارَ عن تحريمها، أنَّها حراٌم عليه، حرَّمَها اللهُ عليه فهو مفترٍ كذَّابٌ، وكلامُه باطلٌ لا شكَّ، وعليه أن يتوبَ إلى الله، ولا تحرمُ امرأتُه ولا فيها كفَّارةٌ، ممكن بهذا الوجه، لا يكفِّر كلامَه، هذا كفارةُ يمينٍ، لا يعفيه كفارة يمينٍ ولا يسقط عنه الإثمُ.
أمَّا من يحرِّمها على نفسه، الرسولُ حرَّمَ، سبحان الله، أليسَ الرسولُ حرَّمَ العسلَ؟ والله يقولُ له سبحان الله، يعني هذا قولٌ عجيبٌ، لكن إذا حملوه على التحريم الشرعيِّ هذا نعم، إذا كان من يقولُ: زوجتي عليَّ حرامٌ، يريدُ أنَّ الله حرَّمها عليه فهو مفترٍ كذابٌ عليه أن يتوبَ إلى الله، يتوبُ إلى الله من هذا الافتراء، يتوجَّهُ إلى..، لكنَّ المعروفَ أنَّ الّذي يحرِّمُ يريدُ منعَ نفسِه، أترى الرسول عندما حرَّمَ الحلالَ يعني يخبُر أنَّ اللهَ حرَّم ذلك عليه؟ لا.. نعم قل.. كمِّلْ
 
– القارئ: 4-شارحُ هذا الكتابِ صحَّحَ القولَ بأنَّ تحريمَ الزَّوجةِ أو غيرِها مِن المباحاتِ لغوٌ، لا حكمَ لهُ في شيءٍ مِن الأشياءِ؛ والحجَّةُ على ذلكَ: أنَّ التَّحريمَ والتَّحليلَ إلى اللهِ تعالى؛ قالَ تعالى: وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ [النحل:116]
– الشيخ: أترى الرسول حرَّم؟ أترى الرسول حرَّم الحلالَ؟ حرَّمَ ما أحلَّ اللهُ؟ عجيبٌ هذا القول والله إنَّه..
 
– القارئ: وقالَ لنبيِّهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ
– الشيخ:
ها، وش بعدها، مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ [التحريم:1] يعني: حرَّمَ الحلالَ إرضاءً لزوجته، هذا قولٌ عظيمٌ في الرسول -عليه الصلاة والسلام-، قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم:2] سمَّى التحريمَ يميناً وكذلك في آيةٍ أخرى سمَّى التحريمَ يميناً، وقد أفاضَ شيخُ الإسلام في هذا الشأنِ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88) لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ… [المائدة:87-89] إلى آخرِ الآياتِ
 
– القارئ: فلا فرقَ بينَ تحليلِ الحرامِ، وتحريمِ الحلالِ، فلمَّا كانَ الأوَّلُ باطلاً، فليكنْ الثَّاني باطلاً، ونظرْنا إلى ما سوى هذا القولِ -الكلامُ للصَّنعانيِّ-  فوجدْنا أقوالاً مضطربةً، لا برهانَ عليها مِن اللهِ، وهذا القولُ يدلُّ عليهِ حديثُ ابنِ عبَّاسٍ، أمَّا الكفَّارةُ فهيَ لليمينِ، لا لمجرَّدِ التَّحريمِ.
خلافُ العلماءِ:
 اختلفَ العلماءُ في الرَّجلِ يقولُ لزوجتِهِ: "أنتِ عليَّ حرامٌ" إلى ثمانيةَ عشرَ قولاً، وأقربُ هذهِ الأقوالِ، أقوالٌ ثلاثةٌ هيَ؛ أحدُها: أنَّها يمينٌ مُكفَّرةٌ
– الشيخ:
على موجبِ حديث ابن عبَّاسٍ، كما دلَّ عليه، ولا ما قال؟
– القارئ: لا، ما ذكرَ الأدلَّةَ، هو يذكرُ بس الأقوالَ
– الشيخ: نعم
– القارئ: والقائلينَ.
وهذا مذهبُ الأئمةِ الثَّلاثةِ: أبي حنيفةَ، ومالكٍ، والشَّافعيِّ، والأوزاعيِّ، وبهِ قالَ أبو بكرٍ، وعمرُ، وابنُ مسعودٍ، وابنُ عبَّاسٍ، وعائشةُ -رضيَ اللهُ عنهم- وهذا رجَّحَهُ شيخُ الإسلامِ في بعضِ المواضعِ
– الشيخ:
أعد القولَ الأوَّلَ
– القارئ: أنَّها يمينٌ مكفَّرةٌ
– الشيخ:
ولكن ما أدري واللهِ كانَ شيخُ الإسلامِ
– القارئ: مرَّةً يقولُ: ظهارٌ..
– الشيخ:
كأنَّه يجعله يمينَ ظهارٍ
– القارئ: الثَّاني: أنَّهُ حسبَ نيَّةِ المتكلِّمِ مِن طلاقٍ، أو ظِهارٍ، أو يمينٍ؛ وهذا قولٌ لأبي حنيفةَ، وروايةٌ عن أحمدَ، واختارَهُ جماعةٌ مِن الحنابلةِ.
أحسنَ اللهُ إليكم، وابنُ بازٍ اختارَ هذا القولَ، وقالَ: هوَ مِن كناياتِ الطَّلاقِ
– الشيخ: من كنايات؟
القارئ: نعم، فيُرجَعُ إلى نيَّتِهِ
– الشيخ: يعني هذا أسهلُ، هذا أسهلُ، إذا كانَ له نيَّة أسهل، لكن هل يكونُ؟ لا، الشيخ يمكن يجعلُه واحداً، يجعلُه كنايةً.

– القارئ: الثَّالثُ: أنَّه ظهارٌ، فيهِ كفَّارةُ الظِّهارِ؛ وهذا هوَ المشهورُ مِن مذهبِ أحمدَ، وإسحاقَ، وجماعةٍ مِن التَّابعينَ.
بينَ هذهِ الأقوالِ الأربعةِ
– الشيخ:
اصبر، […..] باختلافِ شيخ الإسلام هذا؟
– القارئ: رجَّحَ في بعضِ المواضعِ، أحسنَ اللهُ إليكم
– الشيخ: طيب بعدهُ
– القارئ: بعضُها رجَّحَ أنَّها يمينٌ مُكفَّرةٌ
– الشيخ:
هذا أشبهُ إنْ شاءَ اللهُ
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، الحديثُ الثَّاني
– الشيخ: لا لا خلاص، انتهى كلامُه؟
– القارئ: لا بقيَ قليلٌ.
قالَ القرطبيُّ: وسببُ الاختلافِ أنَّهُ ليسَ في الكتابِ والسُّنَّةِ نصٌّ يعتمدُ عليهِ، فتجاذبَها العلماءُ لذلكَ. قالَ ابنُ القيِّمِ..
– الشيخ: هذا الحديثُ دليلٌ عظيمٌ، يرفعُه ابنُ عبَّاسٍ إلى الرسول، سنَّةُ نبيِّكم -صلَّى الله عليه وسلَّم-، سنَّةُ رسولِ الله، نعم كمِّل كلامَ القرطبيِّ.
 
– القارئ: نعم، انتهى كلامُ القرطبيِّ.
قالَ ابنُ القيِّمِ في مأخذِ أصحابِ هذهِ الأقوالِ:
فمأخذُ مَن قالَ: إنَّها يمينٌ مُكفَّرةٌ: قولُهُ تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم:1] ثمَّ قالَ: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ[التحريم:2] وأثرُ ابنِ عبَّاسٍ الَّذي معَنا.
قالَ صاحبُ الشَّرحِ الكبيرِ: وهذا القولُ أقربُ الأقوالِ، وأرجحُها.

– الشيخ: وأيسرُها، والشريعةُ قائمةٌ على التيسيرِ
– القارئ: حتَّى لو نوى الطَّلاقَ، أحسنَ اللهُ إليكم؟
– الشيخ: واللهِ عاد هذه تحتاج..
– القارئ: الآنَ يقولُ: عليَّ الحرامُ والطَّلاقُ، حرامٌ وطلاقٌ يعني فيهِ
– الشيخ: ما، اترك عنك [هؤلاء]، يخبطون تخبُّط اللَّهمَّ عافِنا، نعم، بلاءٌ، نعم انتهى؟
 
– القارئ: قالَ صاحبُ الشَّرحِ الكبيرِ، باقي أحسنَ اللهُ إليكم، وهذا القولُ أقربُ الأقوالِ، وأرجحُها.
ومأخذُ القولِ الثَّاني: هوَ أنَّ اللَّفظَ لم يُوضَعْ لإيقاعِ الطَّلاقِ خاصَّةً، بل هوَ محتملٌ للطَّلاقِ، والظِّهارِ، والإيلاءِ، فإذا صرفَهُ إلى أحدِها بالنِّيَّةِ، فقد استعملَهُ فيما هوَ صالحٌ لهُ، فيُصْرَفُ

– الشيخ: هذا القولُ الثاني؟
– القارئ: نعم، هذا أظنُّهُ الثَّالثُ
– الشيخ: هذا نقلَه عن ابن القيِّم
– القارئ: نعم، حسبَ نيَّةِ المتكلِّمِ
– الشيخ: يقولُ: يحتملُ للطلاق و؟ اليمين؟
– القارئ: هوَ أنَّ اللَّفظَ لم يُوضَعْ لإيقاعِ الطَّلاقِ خاصَّةً، بل هوَ محتملٌ للطَّلاقِ، والظِّهارِ، والإيلاءِ، فإذا صرفَهُ إلى أحدِها بالنِّيَّةِ، فقد استعملَهُ فيما هوَ صالحٌ لهُ، فيُصْرَفُ إلى ما أرادَهُ، ولا يتجاوزُ بهِ، ولا يقصرُ عنهُ.
أمَّا مأخذُ القولِ الثَّالثِ -أنَّهُ ظهارٌ-: فهوَ أنَّ اللَّفظَ موضوعٌ للتَّحريمِ، والعبدُ ليسَ لهُ التَّحريمُ والتَّحليلُ، وإنَّما إليهِ إنشاءُ الأسبابِ الَّتي يترتَّبُ عليهِ ذلكَ، فإذا حرَّمَ ما أحلَّ اللهُ لهُ، فقد قالَ القولَ المنكرَ والزُّورَ، فيكونُ كقولِهِ: أنتِ عليَّ كظهرِ أمِّي، بل هذا أولى أنْ يكونَ ظهارًا؛ لأنَّهُ إذا شبَّهَها بمَن تحرمُ عليهِ، دلَّ على التَّحريمِ باللُّزومِ، فإذا صرَّحَ بتحريمِها، فقد صرَّحَ بموجَبِ التَّشبيهِ في لفظِ الظِّهارِ
– الشيخ
: لكنَّ هذا
– القارئ: فهوَ أولى أنْ يكونَ ظهارًا
– الشيخ: قوله: "أنتِ عليَّ كظهرِ أمِّي" فيه بشاعةٌ وشناعةٌ، تلاحظُ أنَّ قولَهُ: "أنتِ عليَّ حرامٌ" أهونُ لفظاً من قوله: "أنتِ عليَّ كظهرِ أمِّي" يعني: فيه شناعةٌ في التشبيه بأمِّه، المهمُّ أنَّه موضوع نزاعٍ واسعٍ.
– القارئ: وترجِّحونَ أحسنَ اللهُ إليكم في هذهِ الأقوالِ؟
– الشيخ: أمَّا إذا أطلقَ هذا التحريمَ فهو يمينٌ، هذا ما فيه شكٌّ، إذا لم ينوِ شيئاً بس أراد منعَ نفسه، أنتِ عليَّ حرامٌ، يريد تحريمَها عليه، منع نفسه منها، هذا مبنيٌّ على قول ابن عبَّاس، أمَّا إذا نوى شيئاً فهذا محلُّ تأمُّلٍ، اللَّهمَّ اهدِنا لما اختُلِفَ فيهِ مِن الحقِّ، نعم، انتهى؟
– القارئ: انتهى أحسنَ اللهُ إليكم، الحديثُ الآخرُ "الحقي بأهلِكِ" تكلَّمَ البسَّامُ عنهُ
– الشيخ: في شيء مهم؟
– القارئ: نعم أحسنَ اللهُ إليكم
– الشيخ: أي وهو؟
– القارئ: قالَ: الطَّلاقُ لهُ صريحٌ وكنايةٌ؛ فأمَّا صريحُهُ: فلفظُ الطَّلاقِ، وما تصرَّفَ منهُ مِن المشتقَّاتِ، فيقعُ فيهِ الطَّلاقُ
– الشيخ
: طيِّب
– القارئ: أمَّا كناياتُ الطَّلاقِ فقسمانِ: ظاهرةٌ، وخفيَّةٌ؛ فالظَّاهرةُ: نحوَ: أنتِ خليةٌ، وبريةٌ، وبائنٌ
– الشيخ: أي هذا المذكورُ عندَ الفقهاء، أي..
– القارئ: الفرقُ بينَ الكنايةِ الظَّاهرةِ والكنايةِ الخفيَّةِ، أنَّ ألفاظَ الظَّاهرةِ: موضوعةٌ للبينونةِ، فيقعُ بها ثلاثًا
– الشيخ: هذا تبعٌ تبعٌ، هذا هم الَّذين وضعوها، لكنَّ الناس يتكلَّمون، يحتاجُ الرجوع إلى نيَّاتهم
– القارئ: لا نيَّةَ ولا لفظَ أحسنَ اللهُ إليكم
– الشيخ: أي كذا الألفاظ ما يفهمونها لكن هم جعلُوها، الفقهاءُ نفسُهم هم الَّذين فرَّقُوا بينها بحسب دلالة اللُّغةِ عندهم، والناسُ يتكلَّمون بحسب عرفِهم وحسب لغاتهم ولهجاتهم، العامَّةُ ما يعرفون أنَّ هذا بينونة ولا ليس ببينونة، يطلقون ألفاظاً، فلا بدَّ من الرجوع إلى نيَّاتهم.
 
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم.
قالَ ابنُ القيِّمِ: تقسيمُ الألفاظِ إلى صريحٍ أو كنايةٍ، وإنْ كانَ تقسيمًا صحيحًا في أصلِ الوضعِ، لكنْ يختلفُ باختلافِ الأشخاصِ، والأزمنةِ، والأمكنةِ، فليسَ..
– الشيخ:
تمام هذا هو الصوابُ.
– القارئ: فليسَ حكمًا ثابتًا للفظٍ في ذاتِهِ، فرُبَّ لفظٍ صريحٍ عندَ قومٍ، كنايةٌ عندَ آخرينَ، أو صريحٌ في زمانٍ ومكانٍ، كنايةٌ في غيرِ ذلكَ المكانِ والزَّمانِ..
– الشيخ: تمام هذا هو القولُ الصوابُ في هذا المقام
– القارئ: والواقعُ شاهدٌ بذلكَ.
وقالَ الشَّيخُ عليُّ بنِ عيسى، قاضي بلدةِ شقراءَ: إنَّ لفظَ التَّخلاةِ صريحٌ في عرفِنا اليومَ
– الشيخ:
أيش؟ لفظ؟
– القارئ: التَّخلاةِ، أنتِ خليَّةٌ
– الشيخ
: خليَّة؟
– القارئ: نعم، قالَ صريحٌ في عرفِنا اليومَ.
وقالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ: الصَّحيحُ أنَّ ألفاظَ الطَّلاقِ لا تتعيَّنُ بلفظٍ مخصوصٍ، فكلُّ لفظٍ أفادَ معنى الطَّلاقِ، فإنَّهُ يصلحُ أنْ يكونَ مِن ألفاظِ الطَّلاقِ، كما هوَ في المعاملاتِ وغيرِهِ، واللهُ أعلمُ.
9-قالَ الشَّيخُ محمَّدُ بنِ إبراهيمَ آلِ الشَّيخِ: لا شكَّ أنَّ الإمضاءَ على ورقةِ الطَّلاقِ، ليسَ مِن صيغِ الطَّلاقِ، لا مِن الصَّريحِ ولا مِن الكنايةِ؛ إذْ الزَّوجُ لم يكتبْ طلاقَ زوجتِهِ، وغايةُ ما في الأمرِ أنَّهُ كتبَ اسمَهُ تحتَ كتابةِ وإنشاءِ غيرِهِ، فإذا لم يتلفَّظْ بشيءٍ ممَّا كُتِبَ في الورقةِ، فلا يظهرُ لنا وقوعُ الطَّلاقِ منهُ بإمضائِهِ الورقةَ

– الشيخ: إذا كانَ قرأَها، إذا قرأَها وهو يفهمُ معناها هذا شيءٌ آخرُ، لكن إذا قالَ: والله هذه كتابة ورقة وأمضى ووقَّعَ هذه ورقة طلاق، قد يقالُ: إنَّه أقرَّ بطلاقِ امرأتِه؛ لأنَّ التوقيعَ معناه الموافقة، كما لو قيَل له: امرأتُك طالقٌ، فقالَ: نعم، خلاص هم قالوا، بل يجعلون هذا من الصريح.
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الحديث وعلومه