file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(16) باب الرضاع – الرضاع في الكبر

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح "بلوغ المرام مِن أدلّة الأحكام" (كتاب الطّلاق)
الدّرس السّادس عشر

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، قالَ الحافظُ ابنُ حجرٍ -رحمه الله تعالى- في "بلوغِ المرامِ":
بابُ الرضاع:
عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلا الْمَصَّتَانِ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

– الشيخ: الرضاع: كأنَّه اسم مصدرٍ من أرضعَت المرأة إرضاعًا، المصدر إرضاعًا، والرَّضاعُ على هذا يكونُ اسمَ مصدرٍ، وقد يحتملُ أن يكون مصدرًا من رضعَ الطفل رضاعًا أيضًا، فيكون مصدرُ رضعَ الطفل رضاعًا، كأنه ليس المراد "الإرضاع" إرضاعُ الرضاعةِ من الغيرِ، من غير الأمِّ، رضاع الطفل من أمِّه هذا هو الأصلُ وهو الطبيعي، والمقصودُ رضاع الطفل من غيرِ أمه.
المقصودُ أنَّ الرضاعة تُوجِبُ التحريمَ في الكتاب والسنة والإجماع، فأمَّا الكتاب فقوله تعالى: وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعةِ [النساء:23] فإذا رضع الطفل من امرأةٍ فهي أمه، وبناتُها أخواته، وأولادُ بناتها هو خالُهم، وأولادُ أبنائها هو عمُّهم، وآباؤها آباؤه وأمها ….
الجامع: (الرضاعةُ تُحرِّمُ ما تُحرِّمُ الولادة) حديثُ عائشة، واللفظ الآخر: (يحرُم من الرضاعِ ما يحرُمُ من النسبِ) فإذا كانت المُحرَّمات من النسبِ سبعٌ: بنات الأمهات، الأمهات، والبنات، والأخوات، إلى آخره.. كما في آية "التحريم"؛ فكذلك المُحرَّمات من الرضاع سبعٌ، الأمُّ من الرضاع، والبنت من الرضاع، وهكذا، والأختُ من الرضاع، والعمَّةُ من الرضاع، والخالةُ من الرضاع، وبنتُ الأخِ من الرضاع، وهكذا، تحريمٌ عجيبٌ، سبحان الله!
وفي الرَّضاعِ مسائل، يعني: اختلفَ الناسُ في قدْرِ الرِّضاعِ المُحرِّم، أقاويلٌ، وأظهرُ الأقوال أنَّ الرضاع المحرِّم خمسُ رضعات، وأهل العلم يتفاوتون في هذا تفاوتًا عظيمًا، منهم من يقولُ: أنَّ أقلَّ رضاعٍ يحرمُ ولو رضعةً واحدةً، رضعَ مصةً، لكن هذا مردودٌ بقولِه: (لا تحرّم المصَّةُ والمصَّتان، ولا الإملاجَةُ والإملاجَتان) فهم بين طرفين مُتباينين مُتباعدين، منهم من يقول: لا يحرُم إلا ثلاثُ رضعات، لكن بتدبُّرِ الأحاديث إنَّ الرضاعَ المُحرَّمَ خمسُ رضعاتٍ كما في حديثِ سهلة، التي قالَ لها النبي في شأن سالم: (أرضعِيه خمسَ رضعاتٍ تحرُمي عليه).
 
– القارئ: عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلا الْمَصَّتَانِ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
– الشيخ:
هذا فيه دلالة على أن الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ لا تُحرِّمان، وفيه الردُّ على من يقولُ بأنَّ ذلك يُحرِّمُ.
– القارئ: وَعَنْهَا -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (اُنْظُرْنَ مَنْ إخْوَانُكُنَّ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
– الشيخ:
اُنْظُرْنَ مَنْ إخْوَانُكُنَّ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ، هذا يُستدَلُّ به على أنَّ الرضاعَ المُحرِّم ما كان قبلَ فطامٍ -يعني: في الوقت الذي يعتمد فيه الطفلُ على الرضاع- ويُوضِّحُه الأحاديث الأخرى: (لا رضاع إلا في الحولين) لأنَّ زمنَ الرضاعة هو حولان: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ[البقرة:233]، وعليه فلا يُحرِّمُ رضاعَ الكبير، الطفلُ إذا استغنى عن الطعامِ صار يأكلُ الخبزَ ويأكل اللحمَ ما جاعَ، لكن يجوعُ إذا كان عمدتُه الرضاعة، فهو يرتضِعُ لسدِّ الجوعة.
وقولُه: (إنما الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ) يُشبه: (لا رضاعَ إلا في الحَولين).
 
– القارئ: وَعَنْهَا -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: (جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ مَعَنَا فِي بَيْتِنَا، وَقَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ، قَالَ: "أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ"). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
– الشيخ: هذا فيه دليلٌ على التحريم عند الرضاع، وأنَّ الرضاعَ يُحرِّم، في بعض الروايات: (أرضعيه خمسًا) لكن المؤلف كما ذكرَ (خمسَ رضعات)، وهو يستدلُّ به من يرى جوازَ أو أنَّ رضاعَ الكبير مُحرَّمٌ، يستدلُّ به من يرى أن رضاعَ الكبير يُحرِّمُ، وهي مسألةُ خلافٍ قديمٍ، اختلفَت فيها أُمَّهاتُ المؤمنين، فعائشةُ تذهبُ إلى ما دلَّ عليه هذا الحديث، وغيرها من أمَّهات المؤمنين لا يُوافقنَّها على ذلك.
وأهلُ العلم بعد ذلك أيضًا مُختلفون، منهم من لا يرى إرضاعَ الكبيرِ يُحرِّمُ، ومنهم من يرى إرضاعَه، ومنهم من يُفصِّلُ، منهم من يُطلِقُ ويقولُ: إرضاعُ الكبير: إذا رضعَ رجلٌ كبيرٌ من امرأةٍ حرُمَت عليه وصارَت أمَّه من الرضاعة، ومنهم من يُقيِّدُه بمثل ما جاءَ في قصة "سهلة وسالم"، يعني إذا صارَ في حالةٍ مُعيَّنةٍ يعني: ناسٌ تربَّى عندَهم طفلٌ وكبر، والمرأةُ ليست مَحرمٌ له وصار عليهم مشقةٌ من الاحتراز، ذلك كقصة سالم، والله أعلم. وهي مسألةُ اجتهادٍ، واللهُ أعلمُ بالصواب، نعم إلى هنا يا محمد.
 
– القارئأحسنَ الله إليكم، الآن من يأخذُ كلامَ شيخِ الإسلام ابن تيمية في جوازِ إرضاعِ الكبير ويُجوِّزُ إرضاعَ السائقِ يقولُ: للضرورةِ.
– الشيخ: لا. السائق والعامل وهات، يعني ما هو بس السائق -الله يهديك- جماعة، ناسٌ عندَهم خدمٌ كثير سواقين طيب.
– القارئ:  الأعمالُ المنزلية.. أقول مُزارع، وكذا اللي في البيت.
– الشيخ: أقول لك: ما هو بسوَّاق فقط، في ناس عندهم سواويق [سائقين] …. بس تحتاج أنها تأكل كثيرًا حتى تُرضِّع [الشيخ ضاحكًا] لا. الله أعلم، لكلِّ حالةٍ نظرٌ، أما الإطلاقُ فلا يستقيمُ عندي.
– طالب: أيش رأيكم؟ أحسن الله إليكم
– الشيخ: أنا قلت: لا أقولُ فيها، فهي موضعُ اجتهاد، ولكل حالٍة اجتهادٌ مُعيَّن.
– القارئ:  وهذا يُعارض -أحسنَ الله إليكم- الحديثَ المُتقدِّم.
– الشيخ: أيش هو؟
– القارئ: (إنما الرضاعة للحولين)، (إنما الرضاعة من المجاعة).
– الشيخ: أي.
– القارئ: يعني مُعارِضة.
– الشيخ: مُعارضة، هي مُعارِضَة، ومن أجل ذلك صار اللي صار، لا، أما القولُ بالإطلاق فهذا لا شكَّ في رده، لأنه مُخالفٌ للأحاديث الصحيحة الصريحة الكثيرة الـمُستفيضة: (اُنْظُرْنَ مَنْ إخْوَانُكُنَّ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ)، (لا رَضاعَ إلّا في الحولين وكانَ قبلَ الفِطَامِ)، إلى هنا يا محمد، نعم يا محمد.
 
– طالب: يا شيخ كلام الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله- يقول: من كانت حالُه كحالِ سالم مولى أبي حذيفة فهو ابنٌ بالتبنِّي والآن لا يوجد تبنِّي..
يقولُ الشيخ محمد بن عثيمين: مَن كانتْ حالُه كحالِ سالم مولى أبي حذيفة فإنَّه يجوزُ إرضاعُه، لا بُدَّ أن تكون مُطابقةً كاملةً وهو أنَّ هذا المولى الذي أرضعتْه زوجتُه كان ابنًا لهم بالتبنِّي والآن لا يوجدُ تبنِّي.
– الشيخ:  ما أدري والله، ما أدري والله.
– القارئ: يقولُ: فلا رضاعَ عليه.
– الشيخ: هو ابنٌ بالتبنِّي، هو ابنٌ لهم، عائشةُ -رضي الله عنها- التي تروي هذا الحديث كانت تأمرُ أخواتَها بإرضاعِ من تريدُ دخولَه عليها، ولكن أمَّهاتِ المؤمنين الأُخريات لم يريْنَ ذلك.
– طالب:  في احتراز. قالَ القاضي: لعلَّها حلبَتْه ثمَّ شربَه من غير
– الشيخ: أي سهل هذا، ما مشكِلة، متيسرة تحلبُ وما شاء الله، يعني الاحترازُ أنه يرضعُ منها وهي أجنبيةٌ؟ لكن الرسولَ ما. قال لها: أرضعِيه إذا حلَّ إرضاعُه من أجل التحريم مُمكن، تُبرِزُ ثديَها وهو يمصُّ منه، بس ما تُبرِزُ إلا حِلمةَ الثدي.
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :