الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب بلوغ المرام/كتاب الطلاق من بلوغ المرام/(15) باب العدة والإحداد – استبراء المسبية وجواز وطئها قبل الإسلام – الولد للفراش وللعاهر الحجر
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(15) باب العدة والإحداد – استبراء المسبية وجواز وطئها قبل الإسلام – الولد للفراش وللعاهر الحجر

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح "بلوغ المرام مِن أدلّة الأحكام" (كتاب الطّلاق)
الدّرس الخامس عشر

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنَا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ الحافظُ ابنُ حجر -رحمَه اللهُ تعالى- في "بلوغِ المرام" في آخر بَابِ الْعِدَّةِ وَالْإِحْدَادِ:
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ: (لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً). رواه أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
وَلَهُ شَاهِدٌ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- فِي الدَّارَقُطْنِيِّ.

– الشيخ: غزوةُ "أوطاس"، أوطاس: موضعٌ قريب، بين مكة والطائف، وهي غزوة صغيرة كانت بعد حُنين، ويقول: أَنَّه -صلى الله عليه وسلم- قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسِ، سبايا: جمع سبيَّة، وهي ما استولى عليه المسلمون من نساء الكفار، فِي سَبَايَا أَوْطَاسِ: (لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ) يعني قد تكون السَّبِيَّة، أو المسبية، قد تكون حاملًا من زوجها -من الكفار- فإذا ملكَها المسلم في السَّبْيِ وهي حاملٌ، فلا يجوز له أن يطأها حتى تضع، وتطهر من نفاسِها، هذا حكم الحامل.
ومن ليست بحامل وهي تحيض، لا يطؤُها حتى تحيضَ حيضة، من أجل استبراء، يستبرئُها بحيضة، فإذا حاضت حيضة عُلِمَ أنَّه ليس فيها حملٌ، وهذا شاهدٌ للحديثِ المُتقدم: (لَا يَحِلُّ لمن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ).
 
– القارئ: أحسن الله إليكم، الصنعانيُّ قال: "وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَدِيثَ دَلَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِمْتَاعِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ بِدُونِ الْجِمَاعِ".
أما البسَّامُ قال: ما يجوزُ الاستمتاعُ.
رأيكم -أحسن الله إليكم-؟
– الشيخ: الحديث صريح، (لَا تُوطَأُ) بس، (لَا تُوطَأُ)، كلامُ الصنعاني أقربُ إلى ظاهر الحديث، والذي يقول: أنه لا يستمتعُ، من باب سدِّ الذريعة، والظاهرُ ما قاله الصنعاني كأنه أقرب، ما يلزمُ من تحريم الوطء تحريم المُقدِّمات، إلا إذا خشيَ من الوقوع في الحرام، مثل المُباشرة والتقبيل في رمضان.
 
– القارئ: وَعَلَيْهِ دَلَّ فِعْلُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: "وَقَعَتْ فِي سَهْمِي جَارِيَةٌ يَوْمَ" [جلولاء]
– الشيخ: هذا الذي يقولُه الصنعاني؟
– القارئ: نعم، قال: "كَأَنَّ عُنُقَهَا إبْرِيقُ فِضَّةٍ قَالَ فَمَا مَلَكْت نَفْسِي أَنْ جَعَلْت أُقَبِّلُهَا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
– الشيخ: الله أكبر! رضي الله عنه! رواه البخاري. خلاص.
– القارئ: ما عاد في..
– الشيخ: نَسَكِّتْ، يقولون. نَسَكِّت نعم، يقول: منا ولّا منا يمكن كذا، رضي الله عنه!
نعم. هذا حُجَّةٌ ظاهرةٌ.
– القارئ: وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِهِ. وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةٍ -ستأتي قريبًا- وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عِنْدَ النَّسَائِيِّ. وَعَنْ عُثْمَانَ. عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ.
– الشيخ: هذا حديثٌ أصلٌ في النسب، قالَه الرسول بمناسبة قصةِ ستأتي -كما ذكر المؤلِّفُ ووعدَ بها-
الرسول -عليه الصلاة والسلام- لما تنازعَ فلان وفلان، سعدُ بن أبي وقاص، وعبدُ بن زمعة في غلام وُلِدَ من أمةٍ كانت فراشًا لعتبةَ بن أبي وقاص، يقول: وكان سعد يقول: وُلدَ على فراشِ أخي، وُلد على فراش أخي، فالرسول -عليه الصلاة والسلام- حكمَ بينهم: فقال: (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ).
العاهر: الزاني، فلو زنى رجلٌ بامرأة هي فراشٌ لآخر، إما سَرِيَّة أو زوجة، فوُلِدَ من ذلك الوطء -من الزنى- مولودٌ، فالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، لصاحبِ الفراش إلا أن ينفيه عنه. فهذا الحديثُ أصلٌ في لحوقِ النسب: (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ).
والحجرُ -ستأتي القصة- قيل: إنه كناية عن رجمِه بالحجارة، وقيل: إنه كناية عن أنْ ليس له شيءٌ، لا يستحقُّ هذا المولود، ولا يُلحق به المولود. والله أعلم.
 
– القارئ: بَابُ الرَّضَاعِ
عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-

– الشيخ: انتهى؟
– القارئ: نعم.
– الشيخ: عجل القصة ستأتي في بابٍ مُتأخِّرٍ ولَّا؟       
– القارئ: لا، في باب
– الشيخ: قال: ستأتي!
– القارئ: نعم.
– الشيخ: الظاهرُ أنه موجود، شوف الذي بعد الرضاع. غريبة! هذا محلها! ما قالَ الحافظُ أين ستأتي؟
– القارئ: في بعض النسخ، وفي بعض النسخِ ما ذكرَ.
– الشيخ: طيب، أيش قال الصنعاني ولا البسام؟
– القارئ: الصنعانيُّ ذكرَها في الشرحِ.. ذكرَها في شرحِه على هذا الحديث.
– الشيخ: طيب اقرأ كلام الصنعاني، الصنعاني مفيد.
– القارئ: قال -رحمه الله-
– الشيخ: جاب [أتى] لفظة ستأتي؟
– القارئ: نعم، أتى بها، ما ذكر شيئًا، ما عقَّبَ عليها، ولا ذكرَ الإحالةَ.
– الشيخ: لكن لمَّا قال: ستأتي ذكرها؟
– القارئ: في بعض النسخ: قال: مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةٍ. وفي بعضها: فِي قِصَّةٍ -ستأتي قريبًا-
– الشيخ: في بعض النسخ ذكرَ القصة في هذا الموضع؟
– القارئ: ما ذكرَها كاملةً، إنما قالَ
– الشيخ: اقرأ، اقرأ، اقرأ، لتجديد المعلومة.
– القارئ: نقرأُ الشرحَ، والقصةُ ذكرَها.
– الشيخ: طيب. قُلْها.

– القارئ: قال الصنعاني –رحمه الله-: وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ بِالْفِرَاشِ مِنْ الْأَبِ.  وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى الْفِرَاشِ: فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ اسْمٌ لِلْمَرْأَةِ، وَقَدْ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ حَالَةِ الِافْتِرَاشِ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ اسْمٌ لِلزَّوْجِ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا بِمَاذَا يَثْبُتُ: فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ إنَّمَا يَثْبُتُ لِلْحُرَّةِ بِإِمْكَانِ الْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، أَوْ فَاسِدٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْهَادَوِيَّةِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ بِهَا، بَلْ وَلَوْ طَلَّقَهَا عَقِيبَهُ فِي الْمَجْلِسِ.

– الشيخ: هذا قولٌ مرجوحٌ، سبحان الله! أتكون فراشًا بمُجردِ العقد! ويُصوِّر العلماء بشاعةَ هذا القول، لو عُقد لها في المشرق وهي في المغرب، ثم ولدَت، يُعقل إلحاق ذلك المولود بمن عُقد له عليها؟ سبحان الله! إنما تكون فراشًا إذًا بإمكان الوطء، هذا أقلُّ حال.
 
– القارئ: وَذَهَبَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الدُّخُولِ الْمُحَقَّقِ وَاخْتَارَهُ تِلْمِيذُهُ ابْنُ الْقَيِّمِ
– الشيخ: يعني ما يكفي مُجردُ إمكان الوطءِ، بل لابد أن يُعرف أنَّه دخلَ بها، يعني: أُقيمَ العرس ودخل بها، وعُلمَ أنه خلا بها، وإلى آخره، حتى يتحقَّقَ معنى "فراش" ما صارت فراشًا إلا إذا دخلَ بها.
وهذا أقربُ إلى معنى الكلمة.
 
– القارئ: قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَهَلْ يَعُدُّ أَهْلُ اللُّغَةِ وَأَهْلُ الْعُرْفِ الْمَرْأَةَ فِرَاشًا قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهَا؟ وَكَيْف تَأْتِي الشَّرِيعَةُ
– الشيخ: قبلَ، قبلَ الاجتماع؟
– القارئ: نعم، قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهَا
– الشيخ: هو البناء يتضمنُ الاجتماعَ بها.
– القارئ: قال: وَكَيْف تَأْتِي الشَّرِيعَةُ بِإِلْحَاقِ نَسَبِ مَنْ لَمْ يَبْنِ بِامْرَأَتِهِ، وَلَا دَخَلَ بِهَا، وَلَا اجْتَمَعَ بِهَا لِمُجَرَّدِ إمْكَانِ ذَلِكَ؟ وَهَذَا الْإِمْكَانُ قَدْ يُقْطَعُ بِانْتِفَائِهِ عَادَةً، فَلَا تَصِيرُ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا إلَّا بِدُخُولٍ مُحَقَّقٍ.
قَالَ فِي الْمَنَارِ: "هَذَا هُوَ الْمُتَيَقَّنُ. وَمِنْ أَيْنَ لَنَا الْحُكْمُ بِالدُّخُولِ بِمُجَرَّدِ الْإِمْكَانِ، فَإِنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَنَحْنُ مُتَعَبَّدُونَ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ بِعِلْمٍ، أَوْ ظَنٍّ، وَالْمُمْكِنُ أَعَمُّ مِنْ الْمَظْنُونِ، وَالْعَجَبُ مِنْ تَطْبِيقِ الْجُمْهُورِ بِالْحُكْمِ مَعَ الشَّكِّ".
قال الصنعاني: فَظَهَرَ لَك قُوَّةُ كَلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.
هَذَا فِي ثُبُوتِ فِرَاشِ الْحُرَّةِ.
وَأَمَّا ثُبُوتُ فِرَاشِ الْأَمَةِ فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ شُمُولُهُ لَهُ، وَأَنَّهُ يَثْبُتُ الْفِرَاشُ لِلْأَمَةِ بِالْوَطْءِ إذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِلْوَاطِئِ، أَوْ فِي شُبْهَةِ مِلْكٍ إذَا اعْتَرَفَ السَّيِّدُ أَوْ ثَبَتَ بِوَجْهٍ، وَالْحَدِيثُ وَارِدٌ فِي الْأَمَةِ وَلَفْظُهُ فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ قَالَتْ: (اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي غُلَامٍ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا ابْنُ أَخِي عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ اُنْظُرْ إلَى شَبَهِهِ. وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هَذَا أَخِي يَا رَسُولَ اللَّهِ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي مِنْ وَلِيدَتِهِ. فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَى شَبَهِهِ فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ: "هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ") فَأَثْبَتَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْوَلَدَ لِفِرَاشِ زَمْعَةَ لِلْوَلِيدَةِ الْمَذْكُورَةِ.
فَسَبَبُ الْحُكْمِ وَمَحَلِّهِ إنَّمَا كَانَ فِي الْأَمَةِ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَالنَّخَعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْفِرَاشُ لِلْأَمَةِ إلَّا بِدَعْوَى الْوَلَدِ، وَلَا يَكْفِي الْإِقْرَارُ بِالْوَطْءِ، فَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ، فَلَا نَسَبَ لَهُ، وَكَانَ مِلْكًا لِمَالِكِ الْأَمَةِ، وَإِذَا ثَبَتَ فِرَاشُهَا بِدَعْوَتِهِ

– الشيخ: بدعواه؟
– القارئ: بِدَعْوَتِهِ
– الشيخ: بدعواه يعني، بدعواه، ما في فرق.
– القارئ: وَإِذَا ثَبَتَ فِرَاشُهَا بِدَعْوَتِهِ أَوَّلِ وَلَدٍ مِنْهَا فَمَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَحِقَ
– الشيخ: بِدَعْوَتِهِ!
– القارئ: أَوَّلِ وَلَدٍ
– الشيخ: بادِّعائه. عجل [إذًا]
– القارئ: أو بادِّعائِه، هو هكذا قال.
– الشيخ: ما تصلح، لا بدعوتِه، ولا بدعواه. هو بادِّعائِه، أول ما وَلدَتْ ادَّعى أنَّه ولدُه.
– القارئ: وَإِذَا ثَبَتَ فِرَاشُهَا بادِّعائِهِ أَوَّلِ وَلَدٍ مِنْهَا فَمَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَحِقَ بِالسَّيِّدِ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْمَالِكُ ذَلِكَ قَالُوا: وَذَلِكَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ، فَإِنَّ الْحُرَّةَ تُرَادُ لِلِاسْتِفْرَاشِ وَالْوَطْءِ، بِخِلَافِ مِلْكِ الْيَمِينِ، فَإِنَّ ذَلِكَ تَابِعٌ، وَأَغْلَبُ الْمَنَافِعِ غَيْرُهُ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَمَةِ الَّتِي اُتُّخِذَتْ لِلْوَطْءِ، فَإِنَّ الْغَرَضَ مِنْ الِاسْتِفْرَاشِ قَدْ حَصَلَ بِهَا، فَإِذَا عُرِفَ الْوَطْءُ كَانَتْ فِرَاشًا، وَلَا يُحْتَاجُ إلَى اسْتِلْحَاقٍ، وَالْحَدِيثُ دَالٌّ لِذَلِكَ

– الشيخ: (الولد للفراش): كلمةٌ جامعةٌ مُوجزة غايةٌ في الدلالةِ والوضوح.
– القارئ: سيُطيل الشرح -أحسن الله إليكم-
– الشيخ: سيُطيل، عطِنا الإطالةَ. أيش عنده؟
 
– القارئ: وَالْحَدِيثُ دَالٌّ لِذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ: "وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي" أَلْحَقَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِزَمْعَةَ صَاحِبِ الْفِرَاشِ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى الشَّبَهِ الْبَيِّنِ الَّذِي فِيهِ الْمُخَالَفَةُ لِلْمَلْحُوقِ بِهِ.
وَتَأَوَّلَتْ الْحَنَفِيَّةُ وَالْهَادَوِيَّةُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِتَأْوِيلَاتٍ كَثِيرَةٍ وَزَعَمُوا أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يُلْحَقْ الْغُلَامُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ بِنَسَبِ زَمْعَةَ وَاسْتَدَلُّوا: (بِأَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ بِالِاحْتِجَابِ مِنْهُ). وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَمَرَهَا بِالِاحْتِجَابِ مِنْهُ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ وَالْوَرَعِ وَالصِّيَانَةِ لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ بَعْضِ الْمُبَاحَاتِ مَعَ الشُّبْهَةِ، وَذَلِكَ لِمَا رَآهُ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْوَلَدِ مِنْ الشَّبَهِ الْبَيِّنِ بِعُتْبَةَ
– الشيخ: يعني هذا الغلام المولودُ تنازعَه أمران: الشبه، رأى شبهًا بيِّنًا بعتبة، الذي هو أخو سعد، وذاك زعمَ أنه وُلِدَ على فراشِ زمعة، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، واحتجبِي منه يا سودة) نظرًا لأنَّ فيه شبهٌ بعتبة، ففيه تردُّدٌ فيه، لكن الحديث يتضمن تقديمَ مُقتضى الفراش على مُقتضى الشبه.
 
– القارئ: وَلِلْمَالِكِيَّةِ هُنَا مَسْلَكٌ آخَرُ، فَقَالُوا: الْحَدِيثُ دَلَّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ حُكْمٍ بَيْنَ حُكْمَيْنِ، وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ الْفَرْعُ شَبَهًا مِنْ أَكْثَرَ مِنْ أَصْلٍ فَيُعْطَى أَحْكَامًا، فَإِنَّ الْفِرَاشَ يَقْتَضِي إلْحَاقَهُ بِزَمْعَةَ وَالشَّبَهُ يَقْتَضِي إلْحَاقَهُ بِعُتْبَةَ
– الشيخ: فأعملَ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأمرَين.
– القارئ: فَأُعْطِيَ الْفَرْعُ حُكْمًا بَيْنَ حُكْمَيْنِ فَرُوعِيَ الْفِرَاشُ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ، وَرُوعِيَ الشَّبَهُ الْبَيِّنُ بِعُتْبَةَ فِي أَمْرِ سَوْدَةَ بِالِاحْتِجَابِ قَالُوا: وَهَذَا أَوْلَى التَّقْدِيرَاتِ، فَإِنَّ الْفَرْعَ إذَا دَارَ بَيْنَ أَصْلَيْنِ فَأُلْحِقَ بِأَحَدِهِمَا فَقَطْ، فَقَدْ أَبْطَلَ شَبَهَهُ بِالثَّانِي مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَإِذَا أُلْحِقَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهٍ كَانَ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا فِي كُلِّ وَجْهٍ.
– الشيخ: هذا مسلكٌ جميل، هو أقربُ إلى تطبيق ظاهرِ الحديث في الجانبين.
– القارئ: فَيَكُونُ هَذَا الْحُكْمُ، وَهُوَ إثْبَاتُ النَّسَبِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا يَجِبُ لِلْمُدَّعِي مِنْ أَحْكَامِ الْبُنُوَّةِ ثَابِتًا بِالنَّظَرِ إلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْغَيْرِ مِنْ النَّظَرِ إلَى الْمَحَارِمِ غَيْرَ ثَابِتٍ.
قَالُوا: وَلَا يَمْتَنِعُ النَّسَبُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ كَمَا ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَغَيْرُهُمْ إلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَه مِنْ الزِّنَا، وَإِنْ كَانَ
– الشيخ: وهو الحقُّ الذي لا ريبَ فيه. سبحان الله!
– القارئ: وَإِنْ كَانَ لَهَا حُكْمُ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَقَدْ اعْتَرَضَ على هَذَا المُحقِّقُ العلّامة تاج الدين ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ.
– الشيخ: اعترضَ على مذهبِ مالك كأنَّه، أو على الثاني.
– القارئ: مو تقي الدين المعروف -أحسن الله إليكم-؟
– الشيخ: هو، أقول: اعترض على من؟
– القارئ: اعترض
– الشيخ: على مذهب مالك؟
– القارئ: أي
– الشيخ: أي هو الظاهر
– القارئ: لا هو ذكر أنه "تاج الدين" والمعروفُ أنَّه: "تقي الدين"!
– الشيخ: هو يقول: "تاج الدين"؟
– القارئ: أي، نعم
– الشيخ: لا، هو "تقي الدين"
– القارئ: وَقَدْ اعْتَرَضَ على هَذَا المُحقِّقُ العلّامةُ "تاجُ الدين ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ" بِمَا لَيْسَ بِنَاهِضٍ.
– الشيخ: بِمَا لَيْسَ بِنَاهِضٍ. جيد، تمام، يعني الصنعاني كأنه يذهبُ أو يُرجِّحُ المنهجَ الوسط.
– القارئ: وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِغَيْرِ الْأَبِ أَنْ يَسْتَلْحِقَ الْوَلَدَ، فَإِنَّ عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ اسْتَلْحَقَ أَخَاهُ بِإِقْرَارِهِ بِأَنَّ الْفِرَاشَ لِأَبِيهِ. وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ ذَلِكَ يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الْوَرَثَةُ، فَإِنَّ سَوْدَةَ لَمْ يُذْكَرْ مِنْهَا تَصْدِيقٌ، وَلَا إنْكَارٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ سُكُوتَهَا قَائِمٌ مَقَامَ الْإِقْرَارِ.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُسْتَلْحِقُ غَيْرَ الْأَبِ، وَلَا وَارِثَ غَيْرُهُ وَذَلِكَ كَأَنْ يَسْتَلْحِقَ الْجَدُّ، وَلَا وَارِثَ سِوَاهُ صَحَّ إقْرَارُهُ، وَثَبَتَ نَسَبُ الْمُقَرِّ بِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمُسْتَلْحِقُ بَعْضَ الْوَرَثَةِ وَصَدَّقَهُ الْبَاقُونَ.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَنْ حَازَ الْمَالَ ثَبَتَ النَّسَبُ بِإِقْرَارِهِ وَاحِدًا كَانَ، أَوْ جَمَاعَةً، وَهَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ قَامُوا مَقَامَ الْمَيِّتِ وَحَلُّوا مَحَلَّهُ.
الثَّانِي: لِلْهَادَوِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِلْحَاقُ مِنْ غَيْرِ الْأَبِ، وَإِنَّمَا الْمُقَرُّ بِهِ
– الشيخ: والحديثُ فيه ردٌ عليه، أقولُ: الحديثُ ظاهرُ الدلالة.
– القارئ: ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِلُحُوقِ النَّسَبِ بِإِقْرَارِ غَيْرِ الْأَبِ هَلْ هُوَ إقْرَارُ خِلَافَةٍ وَنِيَابَةٍ عَنْ الْمَيِّتِ؟ فَلَا يُشْتَرَطُ عَدَالَةُ الْمُسْتَلْحِقِ
– الشيخ: إلى آخره يا أخي. يُعاد، خلاص. بعدك يا محمد …
 
 

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :