الرئيسية/شروحات الكتب/مقدمة في أصول التفسير/(3) فصل في اختلاف السلف في التفسير وأنه اختلاف تنوع
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(3) فصل في اختلاف السلف في التفسير وأنه اختلاف تنوع

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
شرح رسالة "مُقدِّمة التَّفسير" لشيخ الإسلام ابن تيميّة
الدَّرس: الثّالث

***    ***    ***   
 
– القارئ: بسمِ الله الرحمنِ الرحيم،  الحمدُ لله والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله،  وعلى آلِه وصحبِه ومن اهتدَى بهُدَاه،  أما بعدُ؛  قالَ المؤلفُ رحمه الله -في سياقِ كلامِه عن الصنفِ الأولِ من اختلافِ التنوُّعِ-:
فَالسَّلَفُ كَثِيرًا مَا يُعَبِّرُونَ عَنْ الْمُسَمَّى بِعِبَارَةِ تَدُلُّ عَلَى عَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا مِنْ الصِّفَةِ مَا لَيْسَ فِي الِاسْمِ الْآخَرِ كَمَنْ يَقُولُ: أَحْمَد هُوَ: الْحَاشِرُ وَالْمَاحِي وَالْعَاقِبُ، وَالْقُدُّوسُ هُوَ: الْغَفُورُ وَالرَّحِيمُ أَيْ أَنَّ الْمُسَمَّى وَاحِدٌ لَا أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ هِيَ هَذِهِ الصِّفَةُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَيْسَ اخْتِلَافَ تَضَادٍّ كَمَا يَظُنُّهُ بَعْضُ النَّاسِ مِثَالُ ذَلِكَ تَفْسِيرُهُمْ لِلصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ"الْقُرْآنُ": أَيْ اتِّبَاعُهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ هُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ "الْإِسْلَامُ" لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ:
(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا وَعَلَى جَنَبَتَيْ الصِّرَاطِ سُورَانِ وَفِي السُّورَيْنِ أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ وَدَاعٍ يَدْعُو عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ قَالَ: فَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ الْإِسْلَامُ وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ وَالدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ وَالدَّاعِي فَوْقَ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُؤْمِنٍ) فَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مُتَّفِقَانِ؛ لِأَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ هُوَ اتِّبَاعُ الْقُرْآنِ وَلَكِنْ كُلٌّ مِنْهُمَا نَبَّهَ عَلَى وَصْفٍ غَيْرِ الْوَصْفِ الْآخَرِ كَمَا أَنَّ لَفْظَ"صِرَاطٍ"يُشْعِرُ بِوَصْفِ ثَالِثٍ وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ"السُّنَّةُ وَالْجَمَاعَةُ"وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: "هُوَ طَرِيقُ الْعُبُودِيَّةِ" وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: "هُوَ طَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" وَأَمْثَالُ ذَلِكَ فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ أَشَارُوا إلَى ذَاتٍ وَاحِدَةٍ؛ لَكِنْ وَصَفَهَا كُلٌّ مِنْهُمْ بِصِفَةِ مِنْ صِفَاتِهَا.
الصِّنْفُ الثَّانِي: أَنْ يَذْكُرَ كُلٌّ مِنْهُمْ مِنْ الِاسْمِ الْعَامِّ بَعْضَ أَنْوَاعِهِ

– الشيخ: الحمدُ للهِ وصلَّى اللهُ وسلم وباركَ على عبدِه ورسولِه، وعلى آلِه وصحبه ومن اهتدَى بهداه.
تقدَّمَ أن الشيخَ رحمه الله يُنبِّهُ إلى أنَّ الاختلافَ من حيث نوعِه نوعان: اختلافُ تنوُّعٍ، واختلافُ تضادٍّ. وتقدَّمَ أنَّ الغالبَ على اختلافِ المُفسرين هو اختلافُ التنوعِ لا اختلافُ التضادِّ، واختلافُ التنوع يقتضي أنَّ كلًّا من المُختلفَين -أو المُختلِفِين- مُصيبٌ، وأنَّه لا مُنافاةَ بين أقوالِ أولئك المُختلفِين، لا مُنافاةَ بينَهما، وتقدَّمَ أنَّ من أسباب اختلافِ التنوعِ أن يكونَ المُسمَّى له عدةُ أسماء، وكلُّ اسمٍ يتضمنُ صفةً، وهذا النوعُ من الأسماءِ تقدَّمَ أنها تُسمَّى: "الأسماءَ المُتكافئة" بخلافِ المُترادفةِ والمُتباينةِ، ومثَّلَ لهذا النوعِ من الأسماءِ -أعني المُتكافئةَ- بأسماءِ السيفِ وأسماءِ الرسول وأسماءِ القرآنِ وكذلك أسماءِ اللهِ فهذه الأسماءُ مثل أسماءِ الرسولِ هي مُتحدةٌ من حيثُ المُسمَّى وهو شخصُ الرسولِ محمدٌ صلى الله عليه وسلم، وهي مُختلفةٌ من حيثُ ما تدلُّ عليه هذه الأسماءُ من المعاني والصفاتِ، فهو أحمدٌ ومحمدٌ وهو الحاشرُ والعاقبُ والماحي، وهو البشيرُ والنذيرُ وهو السِّراجُ المُنير صلى الله عليه وسلم، وهكذا القولُ في أسماءِ الله فإنَّها أعلامٌ وصفاتٌ ليس كما يقولُ المُعطلةُ –كالمعتزلة- أنها أعلامٌ محضة لا تدلُّ على معاني، وتقدَّمَ إيضاحُ ذلك في أسماءِ الله، يضربُ الشيخ في هذا المقامِ مثلًا من اختلافِ المُفسرين الذي منشؤُه يعني تعدُّدُ الصفاتِ واتحادُ المُسمَّى فيقول: كاختلافِهم في تفسيرِ الصِّراطِ: اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ [الفاتحة:6] الصِّراطُ المُستقيم: اختلفَت عباراتُ المُفسرين –كما ذكر الشيخ-: هو القرآنُ يعني اتِّباعُ القرآن، هو الإسلامُ، هو الرسولُ: يعني اتباعُ الرسولِ، طاعةُ اللهِ ورسولِه، هو السُّنةُ والجماعةُ واتباعُ الكتابِ والسنةِ فالعبارات واحدة -المُؤدَّى واحدٌ- يعني كلُّ هذه العباراتِ صحيحةٌ والمقصود منها: تعيينُ المراد منها بالصِّراطِ المُستقيمِ ولكن كلُّ عبارةٍ لها دلالةٌ واستشهدَ لهذا بحديثِ -يعني من قالَ هو الصِّراطُ استدلَّ واستشهدَ له بحديثِ- عليِّ ابن أبي طالب الذي تقدَّمَ لفظُه وأشارَ إلى من خرَّجَه هنا، فتقدَّمَ أنها ستكونُ فتنةٌ قالَ عليه الصلاة والسلام:
(أنها ستكونُ فتنةٌ) قالَ عليٌّ –قلتُ-: فما المخرجُ منها قالَ: (كتابُ اللهِ، فيه نبأُ ما قبلِكم، وخبرُ ما بعدِكم، وحكمُ ما بينِكم، هو الفصلُ ليس بالهزلِ هو الذِّكرُ الحكيم) -هذا الشاهدُ- (والنورُ المُبين، والصِّراطُ المُستقيمُ) هو الصِّراطُ المُستقيمُ: (الذِّكرُ الحكيم والنورُ المُبين، والصِّراطُ المُستقيمُ، هو الفصلُ ليس بالهزلِ، ما تركَه من جبارٍ إلَّا قسمَه الله، ومن ابتغَى الهدى من غيرِه أضلَّه الله).
وكذلك أشارَ إلى حديثِ النواسِ بن سمعان الذي سمعناه وفيهِ:
(فالصِّراط هو الإسلامُ) لما قالَ: (ضربَ الله مثلًا صراطًا مستقيمًا، وعلى جنبتَي الصِّراطِ سوران، وفيهما أبوابٌ، وعلى الأبوابِ ستورٌ مُرخاةٌ، وداعٍ يدعو فوقَ الصِّراطِ، وداعٍ يدعو عند رأسِ الصِّراطِ) وفسَّرَ ذلك فالصراطُ المُستقيم هو الإسلامُ، إذًا هذا اختلافُ تنوُّعٍ، يعني منشأُ هذا الاختلافِ هو تعدُّدُ الصفاتِ، تعدُّدُ الأسماءِ لمُسمّىً واحدٍ، الصِّراطُ المُستقيم هو دينُ الله اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ هو الإسلامُ هو اتباعُ القرآن هو طاعةُ اللهِ ورسولِه، وأصل الصراطِ يعني هو الطريقُ: وتقعدون يقول عن إبليس: لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ [الأعراف:16]  وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا [الأعراف:56] 
 وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ [الأعراف:86] {لاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ}: يعني بكلِّ طريقٍ. يقولُ ابن القيم: أنَّ لفظَ الصِّراطِ له خصائصٌ: أنْ يكون مستقيمًا وواضحًا ومسلوكًا ومُوصلًا للغايةِ، فالطريقُ لا يكون صراطًا إلا هكذا، إذا كان واضحًا مسلوكًا مُوصلًا للغايةِ، وهكذا دينُ الله طريقٌ مسلوكٌ وواضحٌ ولله الحمدُ، ومُستقيمٌ مُوصِلٌ للغايةِ وهي مغفرةُ اللهِ وكرامتُه وجنتُه.
 

– القارئ: الصِّنْفُ الثَّانِي: أَنْ يَذْكُرَ كُلٌّ مِنْهُمْ مِنْ الِاسْمِ الْعَامِّ بَعْضَ أَنْوَاعِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ وَتَنْبِيهِ الْمُسْتَمِعِ عَلَى النَّوْعِ -لَا عَلَى سَبِيلِ الْحَدِّ الْمُطَابِقِ لِلْمَحْدُودِ فِي عُمُومِهِ وَخُصُوصِهِ مِثْلَ سَائِلٍ أَعْجَمِيٍّ سَأَلَ عَنْ مُسَمَّى "لَفْظِ الْخُبْزِ" فَأُرِيَ رَغِيفًا وَقِيلَ لَهُ: هَذَا. فَالْإِشَارَةُ إلَى نَوْعِ هَذَا لَا إلَى هَذَا الرَّغِيفِ وَحْدَهُ- مِثَالُ ذَلِكَ مَا نُقِلَ فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ [فاطر:32]. فَمَعْلُومٌ أَنَّ الظَّالِمَ لِنَفْسِهِ يَتَنَاوَلُ الْمُضَيِّعَ لِلْوَاجِبَاتِ وَالْمُنْتَهِكَ لِلْمُحَرَّمَاتِ. وَالْمُقْتَصِدُ يَتَنَاوَلُ فَاعِلَ الْوَاجِبَاتِ وَتَارِكَ الْمُحَرَّمَاتِ وَالسَّابِقُ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ سَبَقَ فَتَقَرَّبَ بِالْحَسَنَاتِ مَعَ الْوَاجِبَاتِ. فَالْمُقْتَصِدُونَ هُمْ أَصْحَابُ الْيَمِينِ: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ [الواقعة:10-11]. ثُمَّ إنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَذْكُرُ هَذَا فِي نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: السَّابِقُ الَّذِي يُصَلِّي فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَالْمُقْتَصِدُ الَّذِي يُصَلِّي فِي أَثْنَائِهِ وَالظَّالِمُ لِنَفْسِهِ الَّذِي يُؤَخِّرُ الْعَصْرَ إلَى الِاصْفِرَارِ. وَيَقُولُ الْآخَرُ: السَّابِقُ وَالْمُقْتَصِدُ وَالظَّالِمُ قَدْ ذَكَرَهُمْ فِي آخِرِ "سُورَةِ الْبَقَرَةِ" فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْمُحْسِنَ بِالصَّدَقَةِ وَالظَّالِمَ بِأَكْلِ الرِّبَا وَالْعَادِلَ بِالْبَيْعِ. وَالنَّاسُ فِي الْأَمْوَالِ: إمَّا مُحْسِنٌ وَإِمَّا عَادِلٌ وَإِمَّا ظَالِمٌ فَالسَّابِقُ الْمُحْسِنُ بِأَدَاءِ الْمُسْتَحَبَّاتِ مَعَ الْوَاجِبَاتِ، وَالظَّالِمُ آكِلُ الرِّبَا أَوْ مَانِعُ الزَّكَاةِ، وَالْمُقْتَصِدُ الَّذِي يُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَلَا يَأْكُلُ الرِّبَا وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ.
فَكُلُّ قَوْلٍ فِيهِ ذِكْرُ نَوْعٍ دَاخِلٍ فِي الْآيَةِ ذُكِرَ لِتَعْرِيفِ الْمُسْتَمِعِ بِتَنَاوُلِ الْآيَةِ لَهُ وَتَنْبِيهِهِ بِهِ عَلَى نَظِيرِهِ؛ فَإِنَّ التَّعْرِيفَ بِالْمِثَالِ قَدْ يَسْهُلُ أَكْثَرَ مِنْ التَّعْرِيفِ بِالْحَدِّ الْمُطْلَقِ. وَالْعَقْلُ السَّلِيمُ يَتَفَطَّنُ لِلنَّوْعِ كَمَا يَتَفَطَّنُ إذَا أُشِيرَ لَهُ إلَى رَغِيفٍ فَقِيلَ لَهُ: هَذَا هُوَ الْخُبْزُ.
وَقَدْ يَجِيءُ كَثِيرًا مِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُمْ: هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي كَذَا

– الشيخ: يعني من صورِ اختلافِ التنوعِ أنْ يذكرَ كلُّ مُفسِّرٍ فردًا من أفرادِ المعنى ليدلَّ على نوعِه، ويضربُ الشيخ مثالًا عاديًا في الأمورِ العادية كأعجميٍّ سألَ عن الخبزِ أيش الخبزُ؟ فأُشيرَ إلى رغيفٍ، هذا ليس تفسيرًا للخبزِ بعينه، لا، المقصودُ الإشارةُ إلى جنسِه نوعِه، يعني كأنَّه يقولُ: الخبزُ مثل هذا، لكن قد لا يكون مثلَ هذا قد يكون …
وينتقل الشيخُ ويذكرُ مثالًا من اختلافِ المُفسِّرين على هذا الوجهِ اختلافُهم بذكرِ مثالٍ يدل على نوعِ المعنى للآيةِ فيستشهدُ بآيةِ "فاطر" ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإذْنِ اللهِ ففي هذه الآية تصنيفُ الناسِ إلى ثلاثٍ: ظالمٌ ومُقتصدٌ وسابقٌ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ فتجدُ بعضَ المفسرين ما يقولُ لك: الظالمُ لنفسه هو الذي يتركُ الواجباتِ -أو بعضَ الواجبات- أو يفعلُ بعض المُحرماتِ يعني بطريقةِ الحدِّ، والمُقتصدُ هو الذي يفعلُ الواجباتِ ويتركُ المُحرَّماتِ كما ذكرَ الشيخُ، لا، يعني من أقوالِ المُفسرين يقول لك: السابقُ هو الذي يُصلِّي في أولِ الوقت هذا مثالٌ، هذا مثالٌ من سبقِه، والمُقتصدُ هو الذي يُصلِّي في أثناءِ الوقتِ لا في أولِه، والظالمُ هو الذي يُصلي بعد خروجِ وقتِ الاختيارِ -كما في العصرِ- يُصلي عند غروبِ الشمسِ، ظالمٌ لنفسه تلك صلاةُ المُنافقِ
(تلكَ صلاةُ المُنافقِ، يقعدُ يرقبُ الشمس حتى إذا كانَت بين قرنَي الشيطان قامَ فنقرَ أربعَ ركعاتٍ، لا يذكرُ الله فيها إلا قليلًا) هذا … تأخيرُ الصلاة إلى وقتِ الغروبِ مع أنَّه من أدركَ ركعةً من صلاة العصرِ قبل أن تغربَ الشمسُ أدركَ العصرَ، لكن هذا يسوغُ مع الضرورةِ كامرأةٍ لم تطهر إلا مع اصفرارِ الشمسِ، كنائمٍ نامَ ولم يستيقظ إلا مُتأخِّرًا، فإنَّه إذا صلى ركعةً قبل غروبِ الشمسِ فقد أدركَ الصلاة في الوقتِ، ويقولُ الشيخ أيضًا كما لو فُسِّرَ السابقُ والظالمُ والمُقتصِدُ بالمُنفِقِ والمُرابِي مثلًا والعادلَ وذلك باقتصارِه على المُعاملة الجائزةِ –كالمُداينةِ- كما ذكرَ الله في آخرِ سورةِ البقرة: مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ [البقرة:261] إلى قولِه: الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:274] آياتٌ كلُّها في ذِكرِ المُنفقِين: وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُه [البقرة:270] إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ [البقرة:271] وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ [البقرة:272] إلى آخره.
فهذا وصفُ المُحسنين، فهم بهذا من السابقِين، ثم ذكرَ حالَ المُرابين الذين يأكُلون الربا فهذا نموذجٌ من الظالمِ لنفسِه، ثم ذكرَ المُداينةَ -البيع والشراء-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى [البقرة:282] فهذا مُقتصدٌ لا مُتصدِّقٌ ولا مُرابٍ، فهو مُقتصرٌ على المُباح في مُعاملته. هذا مثالٌ لاختلافِ النوعِ في تفسيرِ هذه الآيةِ وهو الاختلافُ الذي منشؤُه ذِكرُ بعضِ أفرادِ النوعِ: بعضُ أفرادِ الظالمِ، وبعضُ أفرادِ المُقتصدِ بعضُ أفرادِ السابقِ. إذًا هذا اختلافُ تنوعٍ لا مُنافاةٍ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ يعني كلُّ الطاعاتِ فيها هذا الإنفاقُ، في الصلاةِ، في الصيامِ الذي يصومُ في رمضان على الوجهِ المشروعِ، ويتزوَّدُ من النوافلِ، هذا أخذَ بنصيبٍ من صفةِ السابقين ثم المُفرِّطُ في فريضةِ الصيامِ ظالمٌ لنفسِه، والذي يقتصرُ على صيامِ رمضانَ كالرجلِ الذي سألَ عن صيامِ رمضانَ قالَ: هل عليَّ غيرُه؟ قال:
(لا، إلَّا أن تطوَّعَ) وذكرَ الصلاةَ والصيامَ والزكاةَ ثم قالَ: "والذي بعثَك بالحقِّ لا أزيدُ على هذا ولا أنقُصُ" هذا أيش يصير؟ مُقتصِدٌ لا أزيدُ على هذا ولا أنقُصُ، اللهُ المُستعانُ.
 

– القارئ: وَقَدْ يَجِيءُ كَثِيرًا مِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُمْ هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي كَذَا لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الْمَذْكُورُ شَخْصًا؛ كَأَسْبَابِ النُّزُولِ الْمَذْكُورَةِ فِي التَّفْسِيرِ كَقَوْلِهِمْ: إنَّ آيَةَ الظِّهَارِ نَزَلَتْ فِي امْرَأَةِ ثابتِ بن قيس بن شمَّاس
لكن هنا عندي في الحاشيةِ

– الشيخ: لكن المعروفُ أنَّها نزلت في خولة -كما عندَكم في الحاشيةِ- خولةُ امرأةُ أوسٍ بن الصامتِ. أيش قالَ المُحقق؟
– القارئ: ذكرَ أنَّ في "نسخةِ الفتاوى": نزلَت في امرأة أوسِ بن الصامت يقولُ: "ولا أدري هل وجدَها الشيخُ ابن قاسم هكذا أم عدَّلها". والصحيحُ من حيث النسبةِ ما في "نسخةِ الفتاوى" فإنَّ أوسَ بن الصامتِ هو زوجُ خولةَ بنت ثعلبة.
– الشيخ: ماشي
– القارئ: وَإِنَّ آيَةَ اللِّعَانِ نَزَلَتْ فِي عويمر العجلاني أَوْ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَأَنَّ آيَةَ الْكَلَالَةِ نَزَلَتْ فِي جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.
وَأَنَّ قَوْلَهُ: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ [المائدة:49] نَزَلَتْ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ وَأَنَّ قَوْلَهُ: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ [الأنفال:16] نَزَلَتْ فِي بَدْرٍ وَأَنَّ قَوْلَهُ: شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ [المائدة:106] نَزَلَتْ فِي قَضِيَّةِ تَمِيمٍ الداري وَعَدِيِّ بْنِ بَدَاءٍ وَقَوْلَ أَبِي أَيُّوبَ إنَّ قَوْلَهُ: "وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195] نَزَلَتْ فِينَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ" الْحَدِيثَ، وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرٌ مِمَّا يَذْكُرُونَ أَنَّهُ نَزَلَ فِي قَوْمٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ أَوْ فِي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. أَوْ فِي قَوْمٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ.
فَاَلَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ لَمْ يَقْصِدُوا أَنَّ حُكْمَ الْآيَةِ مُخْتَصٌّ بِأُولَئِكَ الْأَعْيَانِ دُونَ غَيْرِهِمْ؛ فَإِنَّ هَذَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ وَلَا عَاقِلٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالنَّاسُ وَإِنْ تَنَازَعُوا فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ الْوَارِدِ عَلَى سَبَبٍ هَلْ يَخْتَصُّ بِسَبَبِهِ أَمْ لَا؟ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ عمومات الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَخْتَصُّ بِالشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ وَإِنَّمَا غَايَةُ مَا يُقَالُ: إنَّهَا تَخْتَصُّ بِنَوْعِ ذَلِكَ الشَّخْصِ فَيَعُمُّ مَا يُشْبِهُهُ وَلَا يَكُونُ الْعُمُومُ فِيهَا بِحَسَبِ اللَّفْظِ.
وَالْآيَةُ الَّتِي لَهَا سَبَبٌ مُعَيَّنٌ إنْ كَانَتْ أَمْرًا وَنَهْيًا فَهِيَ مُتَنَاوِلَةٌ لِذَلِكَ الشَّخْصِ وَلِغَيْرِهِ مِمَّنْ كَانَ بِمَنْزِلَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ خَبَرًا بِمَدْحِ أَوْ ذَمٍّ فَهِيَ مُتَنَاوِلَةٌ لِذَلِكَ الشَّخْصِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ كَانَ بِمَنْزِلَتِهِ أَيْضًا.
وَمَعْرِفَةُ "سَبَبِ النُّزُولِ" يُعِينُ عَلَى فَهْمِ الْآيَةِ فَإِنَّ الْعِلْمَ بِالسَّبَبِ يُورِثُ الْعِلْمَ بِالْمُسَبَّبِ

– الشيخ: قف على هذا، كذلك يقولُ – الشيخ: من وجوهِ اختلافِ التنوعِ وممَّا يُوضِّحُ المراد بالآيةِ ذِكرُ سببِ النزولِ، ذِكْرُ سبب النزولِ، فإذا قالَ الصحابيُّ أو التابعي هذه الآيةَ: "نزلت في كذا" فليس مقصودُه أنَّ الآيةَ مُختصَّةٌ في هذا الشخصِ كما في هذه الأمثلةِ، آيةُ الظِّهارِ نزلَت في خولةَ امرأةِ أوسِ بن الصامت، آيةُ اللِّعان في عويمرَ وهلالَ -عُويمرُ العجلاني وهلالُ بنُ أميةَ- آيةُ الكلالة نزلَت في جابر، لا يقصدون أنَّ الآيةَ نزلَت في هؤلاءِ الأشخاصِ وبقضاياهم -بقضايا أولئكَ الأشخاصِ- بل يريدون أنَّ هذه القضايا هي السببُ في نزولِها، سببٌ في نزولِها، وإذا اختلفَ السببُ.. وقد تنزلُ الآيةُ لأكثرَ من سببٍ فلا يكون ذِكرُ هذا السببِ، وهذا لسببٍ آخرَ لا يكونُ اختلافَ تضادٍّ بل تكون الآيةُ قد نزلت في هذا وهذا، وسيأتي أنَّ الشيخَ سيقولُ لهم عبارَتين، تارةً يقولون: أنَّ الآيةَ نزلت في كذا -فيمن فعلَ كذا أو تركَ كذا- وهم يريدون أنَّ الآيةَ نزلت في بيانِ هذا الحكمِ، حكمِ من فعلَ ذلك مُطلقًا، وقد يكونُ هذا الشيءُ ليس هو السببُ بل يريدونَ إنَّ هذه الآيةَ تعمُّ وأنَّ حكمَها يعمُّ هذا النوعَ أو هذا الشخصَ، ولا يلزمُ أن يكون ما ذكرُوه في قولهم "أنَّ الآيةَ نزلَت في كذا" ما يلزمُ أن يكونَ هذا هو السببُ، مُحتملٌ أنْ يكون أنَّ الآيةَ نزلت بسببٍ، ويحتمل أنَّ ما ذُكِرَ ليس هو السببُ، لكنها نزلَت في بيانِ هذا الحكمِ الذي يتناولُ هذه الصورةَ أو هذا الحالَ، ويُنبِّهُ الشيخُ في هذه الجملةِ أنَّه باتفاقِ أهلِ العلم أنَّ نصوصَ القرآن وعُمومَات القرآنِ ليست مقصورةً، ليست مقصورةً على أعيانِ من نزلَت فيهم، بل يعني اختلفَ العلماءُ هل يُعتبرُ في عمومها اللفظُ، أم يُعتبرُ في عمومِها نوعُ السببِ الذي نزلَت فيه، وهناك عباراتٌ: "إنَّ العبرةَ بعمومِ اللفظِ لا بخصوصِ السببِ" فمن أهلِ العلم من يقولُ: إنَّ العبرةَ بعموم اللفظِ مُطلقًا، ولا تُقصَرُ على نوع سببِها، وبالإجماعِ أنها عامةٌ في نوعِ من نزلَت فيه، ومعنى ذلك: أنَّ نوعَها شاملٌ للسببِ المُعيَّنِ الذي نزلَت ولكل من كانَ بمنزلتِه، فآية اللِّعانِ نزلَت في فلانٍ وفلانٍ وليست خاصةً بهم -بمعنى أنَّ حكمَها خاصٌّ بهم- فلا عمومَ لمعناها بل إنَّها نزلت في بيان حكمِ من رمَى زوجتَه: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ هذا العمومُ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [النور:6] إلى آخرِ الآياتِ. إذاً: هذه الآيةُ ليست خاصةً بعُويمِرٍ العجلاني وامرأتَه وهلالَ بن أميةَ وامرأتَه لكنها عامةُ في كل منْ رمى زوجتَه بالزِّنا: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وهكذا القولُ في نظائرِ هذه الآيةِ نزلت آيةُ الكلالةِ في جابرٍ في شأنِ جابرَ وأخواتِه: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ [النساء:176] ليست خاصةً به، بل هي عامةٌ في كلِّ من كان وارثُه كلالةٌ أو من كان كلالةً، والكلالةُ: "هو من لا ولدَ له ولا والدَ ذكر" هذا ضابطُها عند أهلِ العلم. رجلٌ تُوفِّيَ وليس له ذريةٌ لا بنينَ ولا بناتَ وليس له أبٌ ولا جدٌّ، إنَّما له إخوةٌ فإخوتُه هم ورثتُه، فإنْ لم يُوجدُ إلا أختٌ له مثلًا: شقيقةٌ [….] لأب فلها النصفُ فإن كانتا اثنتَين فلهما الثلثَان فإنْ كانوا مُتنوِّعِين رجالًا ونساءً فللذكرِ مثلُ حظِّ الأنثيين تفصيلًا.  
       

– القارئ: وَمَعْرِفَةُ "سَبَبِ النُّزُولِ" يُعِينُ عَلَى فَهْمِ الْآيَةِ فَإِنَّ الْعِلْمَ بِالسَّبَبِ يُورِثُ الْعِلْمَ بِالْمُسَبِّبِ؛ وَلِهَذَا كَانَ أَصَحُّ قَوْلَيْ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْرَفْ مَا نَوَاهُ الْحَالِفُ رُجِعَ إلَى سَبَبِ يَمِينِهِ وَمَا هَيَّجَهَا وَأَثَارَهَا.
وَقَوْلُهُمْ: "نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي كَذَا" يُرَادُ بِهِ تَارَةً أَنَّهُ سَبَبُ النُّزُولِ وَيُرَادُ بِهِ تَارَةً أَنَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي الْآيَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ السَّبَبُ كَمَا تَقُولُ: "عَنَى بِهَذِهِ الْآيَةِ كَذَا".

– الشيخ: هذه جملةٌ مُعترضةٌ يقولُ: معرفةُ سببِ النزول يُعينُ على فهمِ الآيةِ يعني يُعرف أنَّ هذه الآيةَ نزلت لبيانِ هذه الحادثةِ وهذه القضيةِ، ويُوضِّحُ الشيخ ذلك فإنَّ العلمَ بالسببِ يعني على العلمِ بالمُسَبَّبِ معرفةَ المُسبِّبِ، ويضربُ لهذا مثلًا يقول: إنَّ اليمينَ إن لم تكن للحالفِ نيةٌ يعني المُعوَّلُ في اليمين من حيث الحنثِ وعدمُه يقول: المُعوَّلُ على نيتِه فإن لم تكن له نيةٌ فإنه يُرجعُ إلى سببِ اليمينِ وما هيَّجَها لمعرفة مُرادِ الحالفِ، يُرجَعُ إلى سببِها يمينُه ما الذي هيَّجَه على اليمينِ، فهذا يُعينُ ويُرجَعُ إلى السببِ، يعني مثلًا: إنسانٌ حلفَ ليُعطِينَّ فلانًا كذا، ولم يكن له نيةٌ -في يعني- من جهةِ هذا الشخصِ، فيُرجَعُ إلى الباعثِ: ما الذي جعلَه يحلفُ؟ يعني قِيل له أنَّه فقيرٌ يعني لم يُحدِّدْ هديةً أو صدقةً أو ما أشبهَ ذلك، لكن الذي هيَّجَها أنَّه ذكرَ له كذا وكذا فَيُعلم أنَّ الذي هيجَه لحلفِه بأن يُعطيه هو ما ذُكِرَ له من حلفٍ فَيُعلم أنه أرادَ الصدقةَ أنَّه أعطاه صدقةً لا هديةً.  
 

– القارئ: وَقَوْلُهُمْ: "نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي كَذَا" يُرَادُ بِهِ تَارَةً أَنَّهُ سَبَبُ النُّزُولِ وَيُرَادُ بِهِ تَارَةً أَنَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي الْآيَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ السَّبَبَ كَمَا تَقُولُ: "عَنَى بِهَذِهِ الْآيَةِ كَذَا".
– الشيخ: هذا سبقَت الإشارةُ إليه آنفًا، يعني تارةً يقولُ بعضُ الصحابةِ أو التابعين من المُفسِّرِين "الآيةُ نزلت في كذا" فهذا لفظٌ محتملٌ قد يريد به إن الآيةَ سببُ نزولها هذا الأمرُ، وقد يريد به أن الآيةَ معناها يشملُ وأنَّ هذا الأمرَ يدخلُ في معناها فيكون قولُه: "هذه الآيةُ نزلَت في كذا" يُساوي: عنى الله تعالى بهذه الآيةِ كذا. يكون مجردَ تفسيرٍ أنَّها نزلت في بيانِ هذا الحكمِ فلفظةُ "نزلَت الآيةُ في كذا": لفظٌ مُحتملٌ، يحتمل أنه يريدُ ذكرَ سبب النزولِ، وقد يُريدُ به بيانَ معنى الآيةِ وما تتناولُه بخلافِ ما لو قالَ أنه حدَّثَ كذا وكذا وكذا ونزلَتِ الآيةُ فهذا نصٌّ في أنَّ هذا الأمرَ يعني أنَّ الآيةَ نزلَت لهذا السبب، فذِكرُ الحادثِ وذكرُ الواقعةِ وترتيبُ نزولِ هذه الآيةِ عليها هذا نصٌّ في سببيَّةِ هذه القضيةِ لنزولِ الآيةِ بخلافِ اللفظِ الأولِ: "نزلَت الآيةُ في كذا" هذا لفظٌ مُحتملٌ أنْ يُراد به بيانُ سبب النزولِ أو بيانُ ما يدخلُ في معنى الآيةِ.
 

– القارئ: وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِ الصَّاحِبِ: "نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي كَذَا" هَلْ يَجْرِي مَجْرَى الْمُسْنَدِ كَمَا يَذْكُرُ السَّبَبَ الَّذِي أُنْزِلَتْ لِأَجْلِهِ، أَوْ يَجْرِي مَجْرَى التَّفْسِيرِ مِنْهُ الَّذِي لَيْسَ بِمُسْنَدٍ، فَالْبُخَارِيُّ يُدْخِلُهُ فِي الْمُسْنَدِ وَغَيْرُهُ لَا يُدْخِلُهُ فِي الْمُسْنَدِ وَأَكْثَرُ الْمَسَانِدِ عَلَى هَذَا الِاصْطِلَاحِ كَمُسْنَدِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا ذَكَرَ سَبَبًا نَزَلَتْ عَقِبَهُ فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ يُدْخِلُونَ مِثْلَ هَذَا فِي الْمُسْنَدِ.
– الشيخ: المُسندُ هو المرفوعُ المُسندُ في اصطلاحِ المُحدثين هو المتصلُ المرفوعُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فهنا إذا قالَ الصحابيُّ: حدَثَ كذا وكذا، وسُئِلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن كذا فنزلَتِ الآيةُ هذا في حُكمِ المسندِ، هذا مسند: يعني مرفوعَ إلى الرسولِ صلى الله عليه وسلم. أما إذا قالَ: "نزلَت الآيةُ في كذا" هذا محلُّ خلافٍ، منه من يجعلُه من قبيلِ المرفوعِ فيعتبرُه تفسيرًا مرفوعًا منسوبًا إلى النبي عليه الصلاةُ والسلام بمنزلةِ المُسندِ -أو هو من قبيل المُسندِ- و منهم من يقولُ: لا، إنَّ هذا من تفسيرِ الصحابيِّ ليس له حكمُ الرفعِ، يذكرُ الشيخُ أنَّ البخاريَّ يختارُ الأولَ -أنَّه يُدخله في المُسندِ-. أعِدْ: وقد تنازعَ
 

– القارئ: وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِ الصَّاحِبِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي كَذَا.
– الشيخ: انظرْ للعبارةِ، "نزلَت هذه الآيةُ في كذا" ما ذكرَ حادثةً ولا شيئًا.
– القارئ: هَلْ يَجْرِي مَجْرَى الْمُسْنَدِ كَمَا يَذْكُرُ السَّبَبَ الَّذِي أُنْزِلَتْ لِأَجْلِهِ أَوْ يَجْرِي مَجْرَى التَّفْسِيرِ مِنْهُ الَّذِي لَيْسَ بِمُسْنَدِ؟
– الشيخ: ليس بمُسندٍ يعني ليس بمرفوعٍ.
– القارئ: فَالْبُخَارِيُّ يُدْخِلُهُ فِي الْمُسْنَدِ وَغَيْرُهُ لَا يُدْخِلُهُ فِي الْمُسْنَدِ، وَأَكْثَرُ الْمَسَانِدِ عَلَى هَذَا الِاصْطِلَاحِ كَمُسْنَدِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا ذَكَرَ سَبَبًا نَزَلَتْ عَقِبَهُ فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ يُدْخِلُونَ مِثْلَ هَذَا فِي الْمُسْنَدِ.
– الشيخ: واضح
– القارئ: وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَقَوْلُ أَحَدِهِمْ نَزَلَتْ فِي كَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَ الْآخَرِ نَزَلَتْ فِي كَذَا إذَا كَانَ اللَّفْظُ يَتَنَاوَلُهُمَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي التَّفْسِيرِ بِالْمِثَالِ.
– الشيخ: إذا قال الصاحبُ أو التابعُ: "نزلَت الآيةُ في كذا" علمْنا أنَّ هذا اللفظَ مُحتملٌ فقد تكونُ الآية نزلت على سببَين، وقد يُريدون أنَّ معنى الآية يعمُّ القضيَّتَين فلا مُنافاةَ بين القولين لأنَّ الآيةَ تعمُّهما، أو تكونُ قد نزلَت لسبَبين أو على سببَين، فيكونُ هذا كلُّه من قبيلِ اختلافِ التنوِّعِ.
 

– القارئ: وَإِذَا ذَكَرَ أَحَدُهُمْ لَهَا سَبَبًا نَزَلَتْ لِأَجْلِهِ وَذَكَرَ الْآخَرُ سَبَبًا؛ فَقَدْ يُمْكِنُ صِدْقُهُمَا بِأَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ عَقِبَ تِلْكَ الْأَسْبَابِ أَوْ تَكُونَ نَزَلَتْ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً لِهَذَا السَّبَبِ.
– الشيخ: هنا ممَّا يحدثُ أن يقولَ قائلٌ: نزلَتْ آيةُ اللِّعان في هلالِ بن أميةَ، ويقولُ آخرٌ -من الرواة-: نزلت في عُويمرَ العجلاني وامرأتِه. فيُقالُ: إذا اختلفَ الصحابةُ في سببِ نزولِ الآية فهناك احتمالَان، قد يُقالَ أنَّه حدثَ السببانِ فنزلَت الآيةُ، يعني جاءَ عُويمرُ العجلاني وذكرَ ما ذكرَ من حالِ امرأتِه، ثم جاءَ هلالُ بن أميةَ –وكذلك- ثم نزلَتِ الآيةُ، فمن قالَ أنها نزلت في هلالٍ فهو صادقٌ، ومن قالَ أنها نزلَت في عُويمر فهو صادقٌ لأنَّ الآيةَ نزلت بعد الحادثتَين -يعني نزلت للسَّببَين- وقد لا يتأتَّى هذا فيُقالُ في الجمعِ بين القولين إنَّ السورةَ أو الآيةَ نزلت مرتين -ولا أذكرُ- قالوا: أنَّ آيةً نزلت مرتين إلا الفاتحة قِيل: أنها نزلَت في مكةَ وقِيل: أنَّها نزلَت في المدينةِ فقيل: أنَّها نزلَت مرَّتَين.
هل عندَك مثالٌ ذكر مثال في آيةٍ قيل أنها نزلَت مرَّتَين؟
– الطلاب: ما في [لا يوجد].

– الشيخ: ما عندَكم للشيخ محمد شرح؟
– الطلاب:

– الشيخ: ها؟ بس الفاتحة، وش غيرها ما في [ألا يوجد]؟
– طالب:
 

– القارئ: وَهَذَانِ الصِّنْفَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي تَنَوُّعِ التَّفْسِيرِ: تَارَةً لِتَنَوُّعِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَتَارَةً لِذِكْرِ بَعْضِ أَنْوَاعِ الْمُسَمَّى وَأَقْسَامِهِ كَالتَّمْثِيلَاتِ.
– الشيخ: هذا الآن كتلخيصٍ لما مضَى
– القارئ: هُمَا الْغَالِبُ فِي تَفْسِيرِ سَلَفِ الْأُمَّةِ الَّذِي يُظَنُّ أَنَّهُ مُخْتَلِفٌ.
وَمِنْ التَّنَازُعِ الْمَوْجُودِ عَنْهُمْ مَا يَكُونُ اللَّفْظُ فِيهِ مُحْتَمِلًا لِلْأَمْرَيْنِ؛ إمَّا لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا فِي اللَّفْظِ كَلَفْظِ "قَسْوَرَةٍ" الَّذِي يُرَادُ بِهِ الرَّامِي وَيُرَادُ بِهِ الْأَسَدُ. وَلَفْظِ "عَسْعَسَ" الَّذِي يُرَادُ بِهِ إقْبَالُ اللَّيْلِ وَإِدْبَارُهُ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ مُتَوَاطِئًا فِي الْأَصْلِ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَحَدُ النَّوْعَيْنِ أَوْ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ كَالضَّمَائِرِ فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى [النجم:8-9] وَكَلَفْظِ: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} [الفجر:1-3] وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
فَمِثْلُ هَذَا قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ كُلُّ الْمَعَانِي الَّتِي قَالَهَا السَّلَفُ وَقَدْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ. فَالْأَوَّلُ إمَّا لِكَوْنِ الْآيَةِ نَزَلَتْ مَرَّتَيْنِ فَأُرِيدَ بِهَا هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً، وَإِمَّا لِكَوْنِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَعْنَيَاهُ إذْ قَدْ جَوَّزَ ذَلِكَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ: الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنْبَلِيَّةُ وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ، وَإِمَّا لِكَوْنِ اللَّفْظِ مُتَوَاطِئًا فَيَكُونُ عَامًّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِهِ مُوجِبٌ، فَهَذَا النَّوْعُ إذَا صَحَّ فِيهِ الْقَوْلَانِ كَانَ مِنْ الصِّنْفِ الثَّانِي.
وَمِنْ الْأَقْوَالِ الْمَوْجُودَةِ عَنْهُمْ وَيَجْعَلُهَا بَعْضُ النَّاسِ

– الشيخ: هذا أيضًا نوعٌ من اختلافِ المُفسرين سوى ما تقدَّمَ نقول: إنَّ الغالبَ هناك -الغالبَ من اختلافِهم- اختلافُ التنوعِ يعني تعدُّدَ الأسماء مع اختلافِ الصفاتِ أو تفسير الآية ببعض أفرادِ ما تدلُّ عليه بذكرِ المثال، وتَبِعَ ذلك ذِكرُه لتعددِ أسبابِ النزولِ، فهنا يقولُ أنه أيضًا من أسبابِ اختلافهم أنْ يكون اللفظُ مُشتركًا أو مُتواطِئًا، والمُشتركُ يريدون به المُشتركَ اللفظيَّ والمُتواطِئُ هو المُشتركُ المعنويُّ، ويتضحُ الفرقُ بالمثال: فالمُشتركُ اللفظيُّ هو ما اتَّحدَ لفظُه واختلفَ معناه. مثالُه: "العين" العين هذا اللفظُ يُطلقُ ويُرادُ به العينُ الباصرةُ والعينُ الجاريةُ والعينُ اللي [الذي] هو الجاسوسُ والعينُ الذي هو الذهبُ، إذًا العينُ هو لفظٌ مُشتركٌ، اشتراكٌ لفظيٌّ، ومثلُه المُشتري: يُطلق على مُشتري السلعةِ المُبتاعُ ويُطلقُ على نجمٍ من النجومِ يُسمَّى المُشتري معروفٌ، فهذا اشتراكٌ لفظيٌّ، وأما المُتواطِئُ الذي هو الاسمُ العام الذي تحتَه أفرادٌ فيشتركُ أفرادُه في لفظِه ومعناه: مثل الإنسانِ، الإنسانُ: لفظٌ يشتركُ فيه جميعُ الناس، هذا لفظٌ مُتواطِئٌ وقد يُسمَّى مُشتركًا معنويًّا. ومن الألفاظِ التي جاءِت في القرآن واختُلفَ في تفسيرِها بسبب الاشتراكِ اللفظي "قَسْورة" و"عسعس" فالقسورةُ فُسِّرَ بالصيادِ الرامي وفُسِّرَ بالأسد، لأن قسورةَ جاءَ في اللغةِ إطلاقُها على الأسدِ، وإطلاقُها على الصيادِ: فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ ، كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ [المدثر:50-51] وكذلك قولُه تعالى: وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ [التكوير:17] قِيلَ: أقبلَ، وقِيلَ: أدبرَ. إذًا: عسعسَ لفظٌ مُشتركٌ بين الإقبالِ والإدبارِ، فمنشأُ هذا الاختلافِ هو الاشتراكُ في اللفظ، اشتراكُ المعنيين في اللفظِ ثم المُشتركُ اللفظيُّ يعني كقاعدةٍ عامةِ، يعني اختلفَ في ذلك العلماءُ، قِيلَ: أنَّه يجوزُ حملُ المشتركِ على معنيَين، وقِيل: لا يجوزُ، وفي الحقيقةِ أنه تارةً من المُمكنِ حملُه على معنَيين، وتارةً لا يمكن حملُه على معنيَين. ففي مثلِ: "قسورة" و"عسعسَ" ممكن لأنَّ كلًّا من والإقبال الإدبار في الليلِ قد أقسمَ الله به فقالَ سبحانه وتعالى: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى [الليل:1] هذا إقبالٌ، أليس هذا إقبالٌ؟ وفي الآيةِ الأخرى: وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ [المدثر:33] إذًا: اللهُ أقسمَ بالليل مقبلًا ومدبرًا إذًا فقوله: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} ممكن حمل هذا اللفظ على المعنيين {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} يعني أقبلَ، وإذا أدبرَ كذلك، وقد يترجَّحُ تفسيرُ "عسعسَ" بـِ: أقبلَ لأنَّه أتبعَه بقولِه: {والصبحُ} ولكن حتى هناك وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ [المدثر:33-34] يعني أقسمَ بالليلِ في إدبارِه والصبحِ بإسفارِه وهما مُتلازمان، إذا أدبرَ الليلُ أسفرَ النهارُ، وإذا أقبلَ الليلُ أدبرَ النهارُ وهكذا (إذا أقبلَ الليلُ من هاهنا، وأدبرَ النهارُ من هاهنا فقد أفطرَ الصائمُ) وهكذا "القسورةُ" كلٌّ منهما تفرُّ الحُمُرُ المستنفرةُ الصيادُ والأسدُ وقد لا يتأتَّى حملُ اللفظِ المُشتركِ على معنيَين لأنَّ أحدَهما لا يليقُ بالمقامِ، يتعيَّنُ حملُ المُشتركِ على أحدِ المعنيَين فقط، ولا يُمكن. نعم أعد الفتوى.
 

– القارئ: فَمِثْلُ هَذَا قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ كُلُّ الْمَعَانِي الَّتِي قَالَهَا السَّلَفُ وَقَدْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ. فَالْأَوَّلُ إمَّا لِكَوْنِ الْآيَةِ نَزَلَتْ مَرَّتَيْنِ فَأُرِيدَ بِهَا هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً، وَإِمَّا لِكَوْنِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَعْنَيَاهُ، إذْ قَدْ جَوَّزَ ذَلِكَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ: الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنْبَلِيَّةُ وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ، وَإِمَّا لِكَوْنِ اللَّفْظِ مُتَوَاطِئًا فَيَكُونُ عَامًّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِهِ مُوجِبٌ
– الشيخ: اللفظُ المُتواطِئُ لفظٌ عامٌّ يشتركُ أفرادُه فيه، فإذا أمكنَ حملُه على عمومِه فهذا هو الأصلُ ما لم يدلَّ على أنَّ هذا العامَّ أُريدَ به الخصوصُ.
– القارئ: فَهَذَا النَّوْعُ إذَا صَحَّ فِيهِ الْقَوْلَانِ كَانَ مِنْ الصِّنْفِ الثَّانِي.
ثم قالَ رحمه الله: وَمِنْ الْأَقْوَالِ الْمَوْجُودَةِ عَنْهُمْ وَيَجْعَلُهَا بَعْضُ النَّاسِ اخْتِلَافًا أَنْ يُعَبِّرُوا عَنْ الْمَعَانِي بِأَلْفَاظِ مُتَقَارِبَةٍ لَا مُتَرَادِفَةٍ فَإِنَّ التَّرَادُفَ فِي اللُّغَةِ قَلِيلٌ

– الشيخ: قفْ على هذا
 




 
الأسئلة:
س1: أحسنَ الله إليك، سائلٌ يسألُ يقول: قولُ الإمامِ أحمدَ رحمه الله تعالى عن الآيةِ في آخرِ سورةِ "الأعراف" نزلَت في الصلاةِ إجماعًا، هل يعني أنَّ الإنصاتَ خارجَ الصلاةِ لا يجبُ؟
ج: هذا معناه: يعني ما يجبُ الإنصاتُ، ولكن لا يجوزُ اللغوُ،، إذا قرأَ القارئُ فلا يجوزُ اللغوُ والكلامُ، يعني إما أن يكون القارئ نفسه يُنظَرُ من الواردُ؟ يعني الواردُ القارئُ ولَّا المُتحدثُ، لو قرأَ قارئٌ ونحنُ في هذا الدرسِ يكون من هو الذي ينبغي له أن يَتركَ؟ القارئُ.
القارئ إما أن يقرأَ سرًّا ما يلزمُنا أن نُنصتَ له لأنه واردٌ علينا، لكن لو جِئنا وهو يقرأُ ليس لنا أنْ نتحدَّثَ يعني هذا فيه نوعٌ من الإعراضِ على القراءةِ وفيه نوعٌ من التعدِّي عليه، لأنَّه كان سابقًا لنا إلا أن يكونَ أيضًا المكانُ مُشتركٌ كالمسجدِ كلٌّ له فيه حقٌّ، أنا أريدُ أُصلِّي وهو يقرأَ، يلزمُني أن أتركَ الصلاةَ لأستمعَ؟ قد أحتاجُ أن أُذاكرَ، أقرأَ في كتابٍ، ما يجب عليَّ أن أستمعَ لكن إذا لم يكن هذا ولا ذاكَ. فتركُ الاستماعِ قد يكونُ عن إعراضٍ -هذا لا يجوزُ- يعني إعراضٌ وعدمُ احترامٍ للقرآنِ وعدمُ مُبالاةٍ، وقد يقترنُ بهذا اللغوِ: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ [فصلت:26] أما الوجوبُ المُتحتِّمُ فهو في الصلاةِ كما قالَ الإمامُ أحمد، هذا معناه: وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204]  وفسَّرُوها أيضًا بالقراءةِ في الخطبةِ لأنه جاءَ في الحديثِ:
(الذي يتكلَّمُ يومَ الجمعةِ والإمامُ يخطبُ فهو كمثلِ الحمارِ يحملُ أسفارًا).
______________________
س2: أحسنَ الله إليك، السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاته: يعلمُ الله أني أُحبُّك في الله، أرشِدْنا -حفظك الله- على كتابٍ يُعينُنا على معرفةِ أسبابِ النزولِ؟
ج: في [يوجد] كتبٌ ومُؤلَّفاتٌ في أسبابِ النزولِ، الظاهرُ في [يوجد] كتابٌ للسيوطيِّ في أسبابِ النزولِ ولغيرِه، ثم إن أسبابَ النزولِ مُبينةٌ في التفسيرِ مثل: "تفسيرِ ابن كثير" حافلٌ بذكرِ أسبابِ النزولِ، هذه عادةُ المُفسرين أن يذكرُوا، إذا ذكرُوا تفسيرَ الآيةِ إذا كان لها سببُ نزولٍ سواءٌ إذا كان صحيحًا ثابتًا أو جاءَ في رواياتٍ جاءَ فيها ضعفٌ وفيها مقالٌ فإنَّهم يذكرون سببَ النزولِ.
______________________
س3: أحسنَ الله إليك، يقولُ: عندَ أحدِ المذاهبِ لا يُصلُّون العصرَ إلا قبلَ غيابِ الشمسِ، فهل من صلَّى هكذا يدخلُ في الآيةِ {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ}؟
ج: نعم ممكن، هؤلاءِ ظالمون لأنفسِهم بتأخيرِ الصلاةِ عن وقتِ الاختيارِ.
______________________

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :