الرئيسية/الاختيارات الفقهية/صلاة المفترض خلف المتنفل ومن يصلي الظهر بمن يصلي العصر وغيرها صحيحة
share

صلاة المفترض خلف المتنفل ومن يصلي الظهر بمن يصلي العصر وغيرها صحيحة

 

صلاةُ المفترضِ خلفَ المُتنفّل، ومَن يُصلّي الظُّهرَ بِمَن يُصلّي العصرَ، وغيرها – صحيحةٌ

صلاةُ المفترضِ خلفَ المتنفّلِ صحيحةٌ  [1] ، ولهذا الحكم أدلّةٌ، أشهرُها حديثُ معاذٍ: أنَّه كان يُصلّي مع النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- صلاةَ العشاءِ، ثمَّ يرجعُ إلى قومِه فيُصلّي بهم [2] ؛ فكان –رضي الله عنه- يُطيلُ بهم الصَّلاة، حتى حدثت قصّةُ ذلك الرَّجل الذي انفردَ عنه وتركَهُ، وصارت قضيةً لهما مع النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-  [3] ، فكانت صلاتُه بقومِهِ نافلةً، وأقرّهُ النبيّ-صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- على ذلك، وبعد أن بلغَهُ قصةُ الرَّجلِ مع معاذٍ لم ينكرْ عليه سوى التَّطويلَ؛ فقال له: (أفتَّانٌ أنت يا معاذ).
واستُدلَّ للمسألةِ أيضًا: ببعضِ صورِ صلاةِ الخوفِ، إذ كان من صورِها: أنَّه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- تارةً يُصلّي بطائفةٍ صلاةً تامّةً، ثمَّ يُصلّي بالطائفةِ الثانيةِ صلاةً تامّةً 
[4] ، فكانت الأولى فريضةً والثَّانيةُ نافلةً، فالطَّائفةُ الثَّانيةُ كانت تُصلّي الفريضةَ، وكانت للرَّسولِ نافلةً. فالصَّوابُ: صحّةُ صلاةِ المفترضِ خلفَ المتنفّلِ.
وهكذا القولُ فيمن يُصلّي الظّهرَ بمَن يُصلّي العصرَ، أو مَن يُصلّي العصرَ بمَن يُصلّي المغربَ، أو مَن يُصلّي المغربَ بمن يُصلّي العشاء، لا دليلَ له إلَّا قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديثِ:
(إنَّما جُعِلَ الإمامُ لِيؤتمَّ به، فلا تختلفوا عليه) [5]  وهذا نوعُ اختلافٍ، لكن هل هو في الأفعالِ؟ لا، بل هو اختلافِ في النّيَّةِ، والاختلافَ المنهيَّ عنه هو الاختلافُ في الأفعالِ، بل وقد يحصلُ اختلافٌ في الأفعالِ، لكنَّه اختلافٌ مأذونٌ فيه بالاتفاقِ؛ وهو اختلافُ المسبوقِ، فالمسبوقُ يُصلّي مع الإمامِ ويختلفُ عنه في النيّةِ، فمَن فاتَتْهُ ركعةٌ يُصلّي مع الإمامِ الأولى مِن صلاتِه على الصَّحيحِ، فما يُدركُهُ المسبوقُ هو أوّلُ صلاتِه، [6]  فالإمامُ يُصلّي الرَّكعةَ الثانيةَ وهو يُصلّي الأولى، والإمامُ يُصلّي الثالثةَ وهو يُصلّي الثانيةَ، والإمامُ يقعدُ للتشهّدِ الأخيرِ ليسلِّمَ، وهو يقعدُ للتَّشهّدِ موافقةً للإمامِ، لكنَّه يُخالفُه في النيّةِ، فالثاني يتشهّدُ ليقضي بعد ذلك، فعُلمَ أنَّ اختلافَ النيّةِ بين الإمامِ والمأمومِ لا تؤثّرُ، ولا مَن يُصلّي الظهرَ بمَن يُصلّي العصرَ.  
فالصَّوابُ صحّةُ ذلك، لا سيّما أنَّها متوافقة في الصّفةِ، وحتى وإن لم تكن متوافقةً؛ كمَن فاتتْهُ العصرُ ووجدَ النَّاسَ يُصلّونَ المغربَ: فيُصلّي معهم ويتمّ صلاةَ العصرِ، ومَن يُصلي المغربَ يمكن أن يأتمَّ ويُصلّي بمَن يُصلّي العشاءَ، ثمَّ إن شاءَ انفردَ وسلَّمَ، وإن شاءَ انتظرَ حتى يُسلِّمَ مع الإمامِ.
ودليل مَن قال: لا يصحُّ اقتداءُ مفترضٍ بمتنفِّلٍ 
[7] قولُه في الحديثِ السابق: (إنَّما جُعِلَ الإمامُ لِيؤتمَّ به، فلا تختلفوا عَليهِ)  [8] ، فإذا اختلفتْ نِيّةُ المأمومِ عن نيّةِ الإمامِ: كان هذا من الاختلافِ، وكذلك مَنْ يصلِّي الظهرَ بمن يصلِّي العصرَ، غيرها؛ لاختلافِ النّيَّةِ.
وقالوا أيضًا: إنَّ المفترضَ أعلى حُكمًا؛ لأنّ َالفريضةَ أعلى مِن النَّافلةِ، فلا يجوزُ مَن صلاتُه أعلى وأفضلُ أن يكونَ مأمومًا لِمَن هو دونَه، وهذا تعليلٌ يقولُ عنه الشيخُ محمدُ بنُ عثيمينَ: بأنَّهُ عليلٌ . 
[9]
وأمَّا حديثُ (إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليؤتمَّ به، فلا تختلفوا عليه): فهذا الاختلافُ ليس على إطلاقِه، بل حالاتٌ كثيرةٌ هم يسوّغونَها، صلاةُ المتنفّلِ خلفَ المفترضِ أليس فيها اختلافٌ؟ نعم فيها اختلافٌ، ومع ذلك فهو جائزٌ .  [10]
إذًا: الاختلافُ الذي نَهى عنه الرَّسولُ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: هو المخالفةُ في الأفعالِ، بيّنها بتفصيلٍ بقولِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: (فإذا كبَّرَ فكبّروا، وإذا ركعَ فاركعوا، وإذا قال: سمعَ اللهُ لِمَن حمدَه، فقولوا: ربَّنا ولك الحمد .. -إلى قوله:- فإذا صلّى قاعدًا فصلّوا قعودًا أجمعون)  [11] ، فهذا هو الاختلافُ الذي نهى عنه الرّسولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: (فَلا تَخْتَلفوا عَلَيهِ). [12]

 


الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
1 – وهي رواية عن الإمام أحمد، اختارها الموفق وشيخ الإسلام. ينظر: "المغني" 3/67، و"الاختيارات" ص104، و"الإنصاف" 2/275 -276
2 – أخرجه البخاري 711، ومسلم 465 من حديث جابر.
3 أخرجه البخاري 705، ومسلم 465 من حديث جابر.
4 – ينظر: زاد المعاد 1/510
5 أخرجه البخاري 722، ومسلم 414 من حديث أبي هريرة.
6 سبق هذا الاختيار لشيخنا، والمذهب: ما أدرك المسبوق مع الإمام فهو آخر صلاته، كما سبق.
7 – وهذا هو المذهب. ينظر: "المنتهى" 1/307، و"الإقناع" 1/261
8 – سبق تخريجه من حديث أبي هريرة.
9 – ينظر: "الشرح الممتع" 4/258
10 – وهذا هو المذهب.  ينظر: "الإنصاف" 2/275-276، و"المنتهى" 1/307، و"الإقناع" 1/261
11 أخرجه البخاري 734، ومسلم 417 من حديث أبي هريرة.
12 شرح "زاد المستقنع، كتاب الصلاة" درس رقم /36/