الرئيسية/شروحات الكتب/الرد على المنطقيين/(27) هل يمكن تصور الأشياء قوله “كذلك قولهم في حد الإنسان هو الحيوان الناطق”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(27) هل يمكن تصور الأشياء قوله “كذلك قولهم في حد الإنسان هو الحيوان الناطق”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الرَّد على المنطقيين) لشيخ الإسلام ابن تيميَّة
الدّرس السَّابع والعشرون

***    ***    ***    ***

 

– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ شيخُ الإسلامِ رحمه الله تعالى:

وكذلكَ قولُهم في حَدِّ الإنسانِ: "هو الحيوانُ الناطقُ" فلمَّا نَقَضُوا عليهِم بالـمَلَكِ زادَ المتأخِّرونَ الـمَائِت

– الشيخ : ما في تعليق؟ "الـمَائِت"؟ أيش "الـمَائِت"؟!

– القارئ : لا، ما علَّق عليه

– الشيخ : "زادَ المتأخِّرونَ المائت

– القارئ : نعم

– الشيخ : "المائت"، "المائت"، أيش "المائت"؟ لا إله إلا الله، ما هو "المائت"؟ الميت، ما [ليس] لَه معنى "المائت"! مَن يموت فهو ميت، يعني يمكن كان الكلام، يمكن كانَت الكلمةُ الصحيحة، إنه لما قالوا: "الإنسانُ حيوانٌ ناطقٌ"، المعارضون لهم أو الناقضون عليهم، قالوا: المائتُ، الميتُ ما هو بإنسان؟ الميتُ ما هو بإنسان؟ إنسان، ومع ذلكَ ليسَ بحيوان ناطق، مَيِّت، فالـمَلَكُ ليسَ بإنسانٍ مع أنه حيٌّ ناطقٌ، والـمَيِّتُ إنسانٌ، وليسَ هو، وليسَ بحيٍّ، ليسَ بحيوانٍ ولا ناطقٍ، يمكن أن "الـمَائِت" أصلها الميت، ما لها معنى، هذه..

 

– القارئ : وهي زيادةٌ فاسدةٌ، فإنَّ كونَهُ مَائِتًا ليسَ بوصفٍ ذاتيٍّ لَه إذْ يمكنُ تصوُّرُ الإنسانِ معَ عدمِ خطورةِ موتِهِ بالبالِ، بَلْ ولا هو صفةٌ لازمةٌ فضلًا عَن أنْ تكونَ ذاتيّةً، فإنَّ الإنسانَ في الآخرةِ هو إنسانٌ كاملٌ وهو حَيٌّ أبدًا.

وَهَبْ أنَّ مِن الناسِ مَن يَشُكُّ في ذلكَ

– الشيخ : إي، الجاحِدون للبَعْث يعني

– القارئ : أو يُكَذِّبُ به، أليسَ هو مما يمكن تَصوُّره في العقلِ؟ فإذا قُدِّرَ الإنسانُ على الحالِ التي أخبرَتْ بِه الرسلُ -عليهِم السلام- أليسَ هو إنسانًا كاملًا وهو غيرُ مَائِتٍ؟

ثمَّ يُقالُ أيضًا: والـمَلَكُ يـموتُ عندَ كثيرٍ مِن المسلمينَ واليهودِ والنَّصارى

– الشيخ : يموتُ، كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185]

– القارئ : أو أكثرِهم، وهَبْ أنَّه لا يـَموتُ كما قالتْهُ طائفةٌ مِن أهلِ الْمِلَلِ وغيرِهم، كمَا يقولُه مَن يقولُه، ولكن ليسَ ذلكَ معلومًا للمُخاطَبِ بالحَدِّ لا سِيما والنفسُ الناطقةُ مِن جنسِ ما يُسمُّونَهُ الملائكةُ، وهِيَ العقولُ والنفوسُ الفلكيَّةُ عندَهم، فظهرَ ضَعْفُ ما يَذكرُهُ الفارابيُّ وأبو حامدٍ وغيرُهما مِن هذا الاحترازِ.

ولكن يُقالُ: اسمُ الحيوانِ عندَهم مُختصٌّ بالنَّامِي الْمُغْتَذِي، وهذا يُخرِجُ الـمَلَكُ، فالحيوانُ يخرجُ الملكُ وحينئذٍ فالنَّاطقُ أعمُّ مِن الإنسانِ إذ قد يكونُ إنسانًا وغيرَ إنسانٍ كما أنَّ الحيوانَ أعمُّ منه.

– الشيخ : اصبر، يعني يمكن يمكن أنه يكونُ الناطقُ والحيوان، الناطقُ أعمُّ مِن الحيوان، والحيوانُ أعمُّ مِن الناطق، يعني هذا أعمُّ مِن وجهٍ، وهذا أعمُّ مِن وجهٍ، الله المستعان.

– القارئ : وهَبْ أنَّا نقبلُ فصلَهم بالـمَائِتِ

– الشيخ : "بالـمَائتِ"؟

– القارئ : نعم

الشيخ : والله عجيبةٌ ترديدُهم "مائت" ذي

القارئ : فنقولُ: المائتُ أيضًا ليسَ مختصًّا بالإنسانِ

الشيخ : فالجنُّ يموتونَ، يمكن كذا

القارئ : بل هو مِن الصفاتِ التي يشتركُ فيها الحيوانُ.

الشيخ : صح

القارئ : فقَدْ تبيَّنَ أنَّ كلَّ صفةٍ مِن هذه الصفاتِ "الحيوانُ" و"الناطقُ" و"الـمَائِتُ" ليسَ منها واحدٌ مختصٌّ بنوعِ الإنسانِ

الشيخ : لا إله إلا الله، لا إله إلا الله

القارئ : فَبَطَلَ قولُهُم: "أنَّ الفصلَ لا يكونُ إلا بالصفاتِ المختصَّةٍ بالنوعِ" فضلًا عَن كونِها ذاتيَّةً، وإنَّما يحصلُ التمييزُ بذكرِ المجموعِ إمَّا الوصفينِ وإمَّا الثلاثةُ.

هذا إذا جُعِلَ الفصلُ مُصوِّرًا للمحدودِ في نفسِ مَن لمْ يَتصورهُ، وأمَّا إذا جُعِلَ الفصلُ مُميِّزًا لَه عَن غيرِه فلا ريبَ أنه يكونُ بالصفاتِ المختصةِ، والمقصودُ أنَّه مَن تصوَّرَ المحدودَ بنفسِه فلا بدَ أنْ يَتصوَّرُ ما يختصُّه ويُميِّزُهُ عَن غيرِه، وهذا لا يُحتاجُ في تصورِه إلى حَدٍّ ولكن يُترجِمُ لَه الاسمُ الدالُّ عليهِ ويُميِّزُ لَه المسمَّى عَن غيرِه، لكن الحَدُّ يكونُ مُنَبِّهًا لَه على الحقيقةِ كما يُنَبِّهُ الاسمُ إذا كانَ عارفًا بِمُسمَّاهُ.

وأمَّا مَن لمْ يكنْ مُتصوِّرًا لَهُ فلا يمكنُ أنْ يذكرَ لَه صفةً واحدةً تختصُّ بالـمَحدودِ، فلا يمكنُ تعريفُه إيَّاه لا بفصلٍ ولا خاصَّة، سواءً ذُكِرَ الجنسُ والعرضُ العامُّ أو لم يُذكر؛ لأنَّ الصفةَ التي تختصُّ المحدود لا تُتصوَّرُ بدونِ تصوُّرِ المحدودِ، إذ لا وجودَ لها بدونِه، والعقلُ إنَّما يجردُ الكليَّاتِ إذا تَصوَّرَ بعضَ جزئياتِها فمَن لمِ يتصوَّرْ الشيءَ الموجودَ كيفَ يَتصوَّر جنسَه ونوعَه.

ولكن يُتَصوَّرُ بالتثميلِ والتشبيهِ ويُتصوَّرُ القَدْرُ المشتركَ بينَ تلكَ الصفةِ الخاصَّةِ وبينَ نظيرِها مِن الصفاتِ، والقَدْرُ المشترَكُ ليسَ هو فَصلًا ولا خاصةً، ولكن قد ينتظمُ مِن قَدْرٍ مشتركٍ، وقَدْرٌ مشتركٍ ما يخصُّ المحدودَ كما في قولِكَ: "شرابٌ مسكرٌ".

وعلى هذا فإذا قيلَ في الفَرَسِ: "إنَّه حيوانٌ صاهلٌ"، وفي الحمارِ: "إنَّه حيوانٌ ناهقٌ"، وفي البعيرِ: "إنَّه حيوانٌ راغٍ"، وفي الثورِ: "إنَّه حيوانٌ خائرٌ"، وفي الشاةِ: "إنَّها حيوانٌ ثاغٍ"، وفي الظبيِّ: "إنَّه حيوانٌ باغمٌ" وأمثالُ ذلكَ فهذهِ الأصواتُ مختصَّةٌ بهذهِ الأنواعِ لكن لا تُفيدُ تعريفَ هذه الحيواناتِ لِمَن لمْ يكنْ عارفًا بـها فمَنْ لمْ يعرفِ الفرسَ لا يَعرفُ الصَّهيلَ، ومَن لمْ يعرفِ الحمارَ لا يعرفُ النهيقَ، أعني: لا يَعرفُ معناهُ وإنْ سَمِعَ اللفظَ، فإذا أُريدَ تَعريفَ النهيقِ قيلَ لَه: هو صوتُ الحمارِ، فيَلْزمُ الدُّور إذ يكونُ قَد عَرَّفَ الحمارَ بالنهيقِ والنهيقَ بالحمارِ.

وهكذا سائرُ الخواصِّ الـمُميِّزةِ للمحدودِ لا يُعَرَّفُ بها المحدودَ لِمَن لم يكنْ عَرَفَهُ.

فتبيَّنَ أنَّ تعريفَ الشيءِ إنَّما هو بتعريفِ عينِهِ أو بِذكرِ ما يُشبهُهُ فمَن عَرَّفَ عينَ الشيءِ لا يفتقرُ في معرفتِه إلى حَدِّ، ومَن لم يعرفْه فإنَّـما يعرفُ بِه إذا عرفَ ما يشبهُهُ ولو مِن بعضِ الوجوهِ، فيُؤلَّفُ لَه مِن الصفاتِ المشتبهةِ المشتركةِ بينَه وبينَ غيرِه ما يَخُصُّ الـمُعرَّف.

ومَن تدبَّرَ هذا وجدَ حقيقتَه وعلمَ معرفةَ الخَلقِ بما أُخبرُوا بِهِ مِن الغيبِ مِن الملائكةِ واليومِ الآخرِ وما في الجَنةِ والنَّارِ مِن أنواعِ النَّعيمِ والعذابِ،

– الشيخ : إنما نعرفُ الـمُغَيَّبات بما نعرفُه في وُجودِنا وفي مَشهودِنا، فلولا القَدْرُ المشتركُ ما عرفنا معنى ما أخبرَنا اللهُ به مِن أحوالِ القيامة ومِن نعيمِ أهل الجنة، فنعلمُ بسبب القَدْرِ المشترَك بين موجوداتِ الدنيا وموجوداتِ الآخرة نَعرفُ بها ما غابَ عَنَّا، فنعرفُ بـما أخبرَ اللهُ به أنَّ القصورَ أو الخيامَ مَساكِن، وأنَّ العِنَبَ فاكهة، وأن الماءَ واللَّبنَ والعسلَ والخمرَ أنواعُ أشربةٍ، ولو لم نكن نَعْرِفُ هذه في الدنيا ما عرفنَاها في الخَبرِ، فالغائبُ لا يمكن الإخبارُ بِه إلا بواسطةِ العلم بـما في الشاهد.

– القارئ : بلْ عَرَفَ -أيضًا- ما يدخلُ مِن ذلكَ في معرفتِهم باللهِ تعالى وصفاتِه، ولَمَّا قالَ كثيرٌ مِن السلفِ: الـمُتشابِهُ هو الوعدُ

– الشيخ : إلى آخره، بس [يكفي]

القارئ : أحسن الله إليك، في أسئلة

– الشيخ : الله ييسر، أعوذُ باللهِ مِن الخذلان، أعوذُ باللهِ مِن الخذلان.

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة