التّفسير والتّدبر
* آيتان متشابهتان:
- آيتان في سورة البقرة متشابهتان لفظًا ومعنى، وهما قوله تعالى: وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا رقم (48) ورقم (123)=
- وقلَّ مِن المفسّرين مَن تفطّن للفرقِ الحقيقي في معناهما، الذي ترتّب عليه اختلاف لفظهما، ويظهرُ هذا الفرق بمعرفة مرجع الضّمير المجرور في الآية الأولى=
- وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا، والمجرور والمنصوب في الآية الثانية وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا،وَلَا تَنْفَعُهَا؛ فإنّه في الآية الأولى: يعود إلى النّفس الجازية، وفي الثّانية: إلى النّفس المجزية.
* غلبة الروم والفرس:
- قولُه تعالى في شأن غلبة الرّوم للفرس: وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ(الروم:3) ثم قال تعالى: وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ(الروم:4)، معناه:=
- يفرحُ المؤمنون بنصرِ الله لهم على المشركين بغَلبة الرّوم -أهل الكتاب- للفرس المشركين، فإنّ المؤمنين: يحبّون غَلبة الرّومِ للفرس=
- والمشركون: يحبّون غلبة الفرسِ للروم، وبهذا تكونُ الآية شاهداً لاختصاص نصر الله بالرّسل والمؤمنين، وإنْ كانَ لفظُ الآية محتملاً: فالواجبُ إجراؤها على نظائرها في القرآن=
- فيكون التّقدير: ويومئذٍ يفرحُ المؤمنون بنصرِ الله لهم حينَ غلبتِ الرّومُ الفرسَ . والله أعلم.
* التفكر في أقدار الله:
- إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(الرعد:3). كثيرٌ مِن النّاس لا يفكّرُ فيما يجري عليه مِن أقدار الله إلّا مِن حيث ما ينفعه وما يضرّه؛ فرحًا ويأسًا، مدحًا وذمّاً=
- ومِن ذلك: تقلّبات الأحوال في الليل والنّهار، بالحرّ والبرد، وبين ذلك، وتصريفُ الرّياح؛ عاصفة مثيرة للغبار، أو رخاء وصفاء، كثيرٌ مِن النّاس لا يتفكّر في حكمة الله في تدبيره=
- وأنّ له -تعالى- في كلّ ما يجري مِن هذه الأحوال حكمًا بالغة، فهذه الأحوالُ والتّقلّبات في الجوّ: جاريةٌ على سنّة الله في ابتلاء العباد، بالخير والشّر=
- كما قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً(الأنبياء:35)، وكذلك هي آيات دالّة على قدرته تعالى وحكمته، يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ(النور:44)=
- كثيرٌ مِن النّاس يتبرّم ويسخط إذا حصلَ ما يكرههُ، ويتكلّم بما فيه اعتراضٌ على الأقدار، وهو اعتراضٌ على مُقدِّر الأقدار=
- فمِن كلمات النّاس في ذلك: "الجوّ ما تعرفْ له، الجوّ متقلّب، الجوّ ما هو مضبوط، وش ها الغبار؟! وش هالحر؟! وش ها البرد؟!"=
- والواجبُ: استحضار التّدبير الإلهي؛ لتنطق الألسنُ بالحمدِ والتّسبيح والدّعاء، وكذلك الرّياح: فإنّها تهبُّ بالخير والشرّ، وهي مُرسَلَةٌ بأمر الله، والله مُصرّفها=
- فيجبُ على المسلم الحذر مِن سبّ الرّيح، ويُستحبّ له الدّعاء بما ورد: "اللهمّ إنّي أسألكَ خيرهَا وخيرَ ما فيها، وخيرَ ما أرسلتْ به، وأعوذُ بكَ مِن شرّها وشرّ ما فيها، وشرّ ما أرسلت به".
* حفظ القرآن:
- مضى المسلمون جيلاً بعد جيلٍ وعصراً بعد عصرٍ على الاجتهاد في حفظِ القرآن؛ حفظاً في الصّدور وكتابةً في المصاحف، وكانَ حفظُ القرآن أوّلَ علومهم=
- وأوّلَ ما يُعَلِّمون لصبيانهم، حتى وصلَ إلينا: غضّاً، طريّاً، بريئاً مِن التّحريف والتّبديل، مِصداقًا لقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(الحجر:9)
* الأصلُ في الإنسان الضّلالُ:
- الأصلُ في المكلَّفين: الضّلال، وهو الجهلُ بالحقّ وتركُ العمل به، ويشهد لذلك قولُه تعالى: وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا(الأحزاب:72)=
- ولذا كانَ الإنسانُ فقيرًا إلى هداية الله علمًا وتوفيقًا، وكانَ حقيقًا أن يكون ديدنه: اللهمّ اهدنا فيمَن هديت، اهدنا الصّراط المستقيم=
- قال اللهُ تعالى في الحديث القدسي: (يا عبادي: كُلّكم ضالٌّ إلّا مَن هَدَيتُهُ، فاستهدُوني أهدِكُم).
- العبدُ فقيرٌ إلى الله، لا يستغني عَن دعاء ربّه واستغفاره، والاستزادة مِن عطاءِ ربّه مهما بلغ في الولاية، ولهذا مدحَ اللهُ أنبياءه بدعائهم إيّاه=
- فقالَ تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ(الأنبياء:90)