الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية/(136) فصل بيان اضطراب كلام النصارى وتفرقهم في باب طبيعة المسيح قوله “يقول الله تعالى كذبني ابن آدم”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(136) فصل بيان اضطراب كلام النصارى وتفرقهم في باب طبيعة المسيح قوله “يقول الله تعالى كذبني ابن آدم”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الجواب الصَّحيح لِمَن بدّل دين المسيح) لابن تيمية
الدّرس: السَّادس والثّلاثون بعد المئة

***    ***    ***    ***

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلينَ، نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعينَ. قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ: "الجوابِ الصَّحيحِ لِمَن بدَّلَ دينَ المسيحِ" قالَ رحمَهُ اللهُ تعالى:

وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: (يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي ابْنُ آدَمَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: أَنَّى يُعِيدُنِي كَمَا بَدَأَنِي، وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: أَنِّي اتَّخَذْتُ وَلَدًا، وَأَنَا الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)

وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: (مَا أَحَدٌ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ، إِنَّهُمْ لَيَجْعَلُونَ لَهُ وَلَدًا وَشَرِيكًا، وَهُوَ يَرْزُقُهُمْ وَيُعَافِيهِمْ).

وَلِهَذَا كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يَقُولُ: لَا تَرْحَمُوا النَّصَارَى، فَإِنَّهُمْ سَبُّوا اللَّهَ مَسَبَّةً مَا سَبَّهُ إِيَّاهَا أَحَدٌ مِنَ الْبَشَرِ. فَجَاءَتْ هَذِهِ الشَّرِيعَةُ الْحَنِيفِيَّةُ الْقُرْآنِيَّةُ وَحَرَّمَتْ أَنْ يُتَكَلَّمَ فِي حَقِّ اللَّهِ بِاسْمِ ابْنٍ أَوْ وَلَدٍ، سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، كَمَا مَنَعَتْ أَنْ يَسْجُدَ أَحَدٌ لِغَيْرِ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّحِيَّةِ، كَمَا مَنَعَتْ أَنْ يُصَلِّيَ أَحَدٌ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا، لِئَلَّا يُشْبِهَ عُبَّادَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، فَكَانَتْ بِسَدِّهَا لِلْأَبْوَابِ الَّتِي تجعلُ لِلَّهِ فِيهَا الشَّرِيكُ وَالْوَلَدُ أَكْمَلَ مِنْ غَيْرِهَا مِنَ الشَّرَائِعِ، كَمَا سَدَّتْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الذَّرَائِعِ، مِثْلَ تَحْرِيمِهَا قَلِيلَ الْمُسْكِرِ; لِأَنَّهُ يَجُرُّ إِلَى كَثِيرِهِ، فَإِنَّ أُصُولَ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِيهَا:

قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33]

مِمَّا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ شَرَائِعُ الْأَنْبِيَاءِ بِخِلَافِ تَحْرِيمِ الطَّيِّبَاتِ عُقُوبَةً

– الشيخ : كما قالَ تعالى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ [النساء:160] عقوبةً لهم.

 

– القارئ : فَإِنَّ هَذَا جَاءَ فِي شَرْعِ التَّوْرَاةِ دُونَ شَرْعِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ اللَّهَ أَحَلَّ لِأَمَةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الطَّيِّبَاتِ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ، وَكَذَلِكَ تَكْمِيلُ التَّوْحِيدِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ وَسَدُّ أَبْوَابِ الشِّرْكِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، جَاءَتْ بِهِ هَذِهِ الشَّرِيعَةُ مَعَ اتِّفَاقِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى إِيجَابِ التَّوْحِيدِ وَتَحْرِيمِ أَنْ يُجْعَلَ لِلَّهِ شَرِيكٌ أَوْ وَلَدٌ.

فَإِذَا كَانَ مُرَادُ الْمَسِيحِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِالِابْنِ هُوَ النَّاسُوتُ، وَهُوَ لَمْ يُسَمِّ اللَّاهُوتَ ابْنًا، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ الِابْنَ لَا يَعْلَمُ السَّاعَةَ، فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمَسِيحَ هُوَ النَّاسُوتُ وَحْدَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ السَّاعَةَ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ، وَإِنْ قَالُوا: مُرَادُهُ بِالِابْنِ اللَّاهُوتُ أَوِ اللَّاهُوتُ وَالنَّاسُوتُ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ اللَّاهُوتَ أَوِ اللَّاهُوتَ وَالنَّاسُوتَ لَا يَعْلَمُ السَّاعَةَ، وَهَذَا بَاطِلٌ وَكَذِبٌ وَهُوَ أَيْضًا مُنَاقِضٌ لِقَوْلِهِمْ.

فَدَلَّ هَذَا النَّصُّ مِنَ الْمَسِيحِ مَعَ سَائِرِ نُصُوصِهِ وَنُصُوصِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى أَنَّ مُسَمَّى الِابْنِ هُوَ النَّاسُوتُ وَحْدَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا يَعْلَمُهُ اللَّهُ، وَذَلِكَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ مَخْلُوقٌ لَيْسَ بِخَالِقٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا خِطَابًا لِلنَّاسُوتِ الْمُتَّحِدِ بِاللَّاهُوتِ دُونَ اللَّاهُوتِ، كَمَا يَتَأَوَّلُهُ عَلَيْهِ بَعْضُ النَّصَارَى، لِأَنَّ كُلَّ مَا عَلِمَهُ اللَّاهُوتُ الْمُتَّحِدُ بِالْمَسِيحِ عَلِمَهُ النَّاسُوتُ، وَلِأَنَّ النَّاسُوتَ لَيْسَ هُوَ الِابْنُ عِنْدَهُمْ دُونَ اللَّاهُوتِ الْمُتَّحِدِ بِهِ، بَلِ اسْمُ الِابْنِ عِنْدَهُمْ هُوَ اللَّاهُوتُ، وَلِأَجْلِ الِاتِّحَادِ دَخَلَ فِيهِ النَّاسُوتُ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يثبتْ إِلَّا عِلْمَ الْأَبِ وَحْدَهُ لَمْ يَسْتَثْنِ عِلْمَ الِابْنِ الْأَزَلِيَّ عِنْدَهُمْ، بَلْ نَفَى عِلْمَ مَا سِوَى الْأَبِ بِهِ، وَهَذَا مُنَاقِضٌ لِقَوْلِهِمْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.

قالَ رحمَهُ اللهُ: فصلٌ:

قَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَيُّوبَ: وَمِثْلُ هَذَا أَنَّهُ لَمَّا خَاطَبَهُ الرَّجُلُ عَلَى مَا كُتِبَ فِي الْإِنْجِيلِ فَقَالَ لَهُ: "أَيُّهَا الْخَيِّرُ، فَقَالَ: لَيْسَ الْخَيِّرُ إِلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ"، قُلْتُ: وَبَعْضُهُمْ يُتَرْجِمُهُ "أَيُّهَا الصَّالِحُ، فَقَالَ: لَيْسَ الصَّالِحُ إِلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ". قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ فِي الْإِنْجِيلِ: "إِنِّي لَمْ آتِ لِأَعْمَلَ بِمَشِيئَتِي، لَكِنْ بِمَشِيئَةِ مَنْ أَرْسَلَنِي". قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ لَهُ مَشِيئَةٌ لَاهُوتِيَّةٌ، كَمَا يَقُولُونَ، لَمَا قَالَ هَذَا الْقَوْلَ فَقَدْ أَبْطَلَ بِهِ مَا تَدَّعُونَهُ فِي ذَلِكَ.

قَالَ: ثُمَّ أَنْتُمْ مَعَ ذَلِكَ تَدَّعُونَ أَنَّ الْمَسِيحَ كَلِمَةُ اللَّهِ، وَمِنْ قُوَّةِ اللَّهِ غَيْرُ بَائِنَةٍ مِنْهُ وَلَا مُنْفَصِلَةٍ عَنْهُ، وَتَشْهَدُونَ عَلَيْهِ فِي الْإِنْجِيلِ بِقَوْلِهِ: "إِنَّهُ يَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ وَيَجْلِسُ عَنْ يَمِينِ أَبِيهِ، وَيَدِينُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُجَازِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ، وَيَتَوَلَّى الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ، وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَنَحَهُ ذَلِكَ إِذْ كَانَ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْجَالِسُ لِلْحُكُومَةِ بَيْنَ الْعَالِمِينَ يَوْمَ الدِّينِ، وَالْقَاعِدُ عَنْ يَمِينِ أَبِيهِ وَهُوَ شَخْصٌ قَائِمٌ بِذَاتِهِ لَا يُشَكُّ فِيهِ هُوَ الْجَسَدُ الَّذِي كَانَ فِي الْأَرْضِ الْمُتَوَحِّدُ بِهِ الرُّبُوبِيَّةُ، فَقَدَ فَصَلْتُمْ بَيْنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَبَيْنَهُ، وَبَعَّضْتُمُوهُ بِاجْتِمَاعِهِمَا فِي السَّمَاءِ شَخْصَيْنِ مُتَبَايِنَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِ صَاحِبِهِ، وَهَذَا كُفْرٌ وَشِرْكٌ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنْ كَانَ جَسَدًا خَالِيًا مِنَ الْإِلَهِيَّةِ وَهِيَ الْكَلِمَةُ وَقَدْ عَادَتْ إِلَى اللَّهِ كَمَا بَدَتْ مِنْهُ، فَقَدْ زَالَ عَنْهُ حُكْمُ الرُّبُوبِيَّةِ الَّتِي تَنْتَحِلُونَهُ إِيَّاهَا.

قَالَ: وَنَسْأَلُكُمْ عَنْ وَاحِدَةٍ نُحِبُّ أَنْ تُخْبِرُونَا بِهَا، هِيَ أَصْلُ مَا وَضَعْتُمُوهُ مِنْ عِبَادَةِ الثَّلَاثَةِ الْأَقَانِيمِ الَّتِي تَرْجِعُ بِزَعْمِكُمْ إِلَى جَوْهَرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ اللَّاهُوتُ، مَا هُوَ؟ وَمِنْ أَيْنَ أَخَذْتُمُوهُ؟ وَمَنْ أَمَرَكُمْ بِهِ؟ وَفِي أَيِّ كِتَابٍ نَزَلَ؟ وَأَيُّ نَبِيٍّ تَنَبَّأَ بِهِ؟ أَوْ أَيُّ قَوْلٍ لِلْمَسِيحِ تَدَّعُونَهُ فِيهِ؟ وَهَلْ بَنَيْتُمْ أَمْرَكُمْ فِي ذَلِكَ إِلَّا عَلَى قَوْلِ "مَتَّى" التِّلْمِيذِ عَلَى الْمَسِيحِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَنَّهُ قَالَ لِتَلَامِيذِهِ حَيْثُ أَرَادَ أَنْ يُفَارِقَهُمْ: "اذْهَبُوا فَعَمِّدُوا النَّاسَ بِاسْمِ الْأَبِ وَالِابْنِ وَرُوحِ الْقُدُسِ".

قَالَ: وَهَذَا كَلَامٌ يَحْتَمِلُ مَعْنَاهُ إِنْ كَانَ صَحِيحًا أَنْ يَكُونَ ذَهَبَ فِيهِ بِأَنْ يَجْمَعَ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ إِلَى أَنْ تَجْتَمِعَ لَهُمْ بَرَكَاتُ اللَّهِ وَبَرَكَةُ نَبِيِّهِ الْمَسِيحِ وَرُوحِ الْقُدُسِ الَّتِي يُؤَيِّدُ بِهَا الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ، وَقَدْ نَرَاكُمْ إِذَا أَرَدْتُمُ الدُّعَاءَ بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ قُلْتُمْ: صَلَاةُ فُلَانٍ الْقِدِّيسَ تَكُونُ مَعَكَ. وَمَعْنَى الصَّلَاةُ: الدُّعَاءُ. وَاسْمُ فُلَانٍ النَّبِيِّ يُعِينُكَ عَلَى أُمُورِكَ.

وَكَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]

يَقْرِنُ طَاعَتَهُ نَبِيَّهُ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَفَنَقُولُ لِذَلِكَ إِنَّهُمْ جَمِيعًا آلِهَةٌ؟

قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَعْنًى يَدُقُّ عَنِ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ التَّأْوِيلِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ مَا قُلْنَاهُ، أَوْ يَكُونَ الْمَسِيحُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- ذَهَبَ فِيهِ إِلَى مَا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ، فَلِمَ حَكَمْتُمْ بِأَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ لَمَّا أَضَافَهَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ صَارَتْ آلِهَةً، وَجَعَلْتُمْ لَهَا أَقَانِيمَ لِكُلِّ اسْمٍ أُقْنُومٌ يَخُصُّهُ بِعَيْنِهِ وَهُوَ شَخْصٌ وَاحِدٌ، وَكَيْفَ اسْتَجَزْتُمْ مَا أَشْرَكْتُمُوهُ مَعَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالتَّأْوِيلِ الَّذِي لَا يَصِحُّ؟

إِذَا قُلْتُمْ بِثَلَاثَةِ أَقَانِيمَ كُلُّ أُقْنُومٍ بِذَاتِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَعْتَرِفُوا ضَرُورَةً بِأَنَّ كُلَّ أُقْنُومٍ مِنْهَا حَيٌّ سَمِيعٌ بَصِيرٌ عَالِمٌ حَكِيمٌ مُنْفَرِدٌ بِذَاتِهِ، كَمَا يَقُولُونَ فِي الْمَسِيحِ إِنَّهُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ أَبِيهِ، فَنَرَاكُمْ أَخَذْتُمُ الْأُقْنُومَيْنِ اللَّذَيْنِ أَحْدَثْتُمُوهَا مَعَ اللَّهِ تعالى مِنْ جِهَةِ أَنَّ

– الشيخ : أَحْدَثْتُمُوهما

– القارئ : فَنَرَاكُمْ

– الشيخ : أَحْدَثْتُمُوهما، اثنين اثنين

– طالب: إي نعم

– القارئ : عندي أحسنَ اللهُ إليكَ أَحْدَثْتُمُوهَا

– الشيخ : أَحْدَثْتُمُوهَا، اقرأ العبارة

– القارئ : فَنَرَاكُمْ أَخَذْتُمُ الْأُقْنُومَيْنِ اللَّذَيْنِ أَحْدَثْتُمُوهَا مَعَ اللَّهِ تعالى مِنْ جِهَةِ أَنَّ اللَّهَ حَكِيمٌ حَيٌّ، فَحِكْمَتُهُ الْكَلِمَةُ وَهِيَ الْمَسِيحُ، وَرُوحُهُ رُوحُ الْقُدُسِ، وَهَذِهِ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ مِثْلُهَا كَثِيرٌ، لِأَنَّهُ يُقَالُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ سَمِيعٌ بَصِيرٌ حَيٌّ قَدِيرٌ.

وَكَذَلِكَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَإِنْ كَانَتْ صِفَاتُنَا إِيَّاهُ لَا تَلْحَقُ صِفَاتَهُ وَلَا تَبْلُغُ كُنْهَ مَجْدِهِ إِلَّا بِالتَّمْثِيلِ لِعَظَمَتِهِ وَعِزَّتِهِ وَجَلَالِهِ وَعُلُوِّهُ، فَنَحَلْتُمْ صِفَاتِهِ الَّتِي هِيَ مَعْنَاهُ وَلَيْسَتْ سِوَاهُ غَيْرَهُ وَجَعَلْتُمُوهُ أَقَانِيمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْحَيَاةِ وَالْحِكْمَةِ وَسَائِرِ الصِّفَاتِ مِثْلُ الَّذِي لَهُ، وَمَا مِنْهَا أُقْنُومٌ لَهُ صِفَةٌ إِلَّا وَيُحْتَمَلُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِكُمْ أَنْ تَكُونَ صِفَتُهُ مِثْلُهُ، فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَقَانِيمُ آلِهَةٌ وَكُلُّ صِفَةٍ إِلَهٌ، وَهِيَ مِنْ جَوْهَرِهِ فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ كُلُّ صِفَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ الْأَقَانِيمِ إِلَهًا مِثْلَهُ إِذْ كَانَ مِنْ جَوْهَرِهِ فَيَتَّسِعُ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ غَايَةٌ وَلَا نِهَايَةٌ.

قَالَ: وَإِذَا قُلْتُمْ بِثَلَاثَةِ أَقَانِيمَ هِيَ فِي السَّمَاءِ مِنْ جَوْهَرٍ قَدِيمٍ، أَفَلَيْسَ يَلْزَمُكُمُ الْإِقْرَارُ بِثَلَاثَةِ آلِهَةٍ، لِأَنَّ الْأَقَانِيمَ أَشْخَاصٌ يُومَأُ إِلَيْهَا وَيَقَعُ الْحَدُّ عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَمَا الْحُجَّةُ وَأَنْتُمْ تَذْكُرُونَ فِي بَعْضِ احْتِجَاجِكُمْ أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ تَرْجِعُ إِلَى وَاحِدٍ غَيْرُ مُتَبَعِّضَةٍ وَلَا مُنْفَصِلَةٍ، وَتُشَبِّهُونَهَا فِي اجْتِمَاعِهَا وَظُهُورِ مَا يَظْهَرُ مِنْهَا بِالشَّمْسِ، وَقَدْ نَرَاكُمْ عَقَدْتُمْ شَرِيعَةَ إِيمَانِكُمْ عَلَى أَنَّ الْمَسِيحَ إِلَهٌ وَإِنْسَانٌ مُتَّحِدَيْنِ، وَأَنَّهُ يَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ وَيَجْلِسُ عَنْ يَمِينِ أَبِيهِ، وَالْجَالِسُ عَنْ يَمِينِ صَاحِبِهِ أَلَيْسَ هُوَ مُنْفَصِلًا عَنْهُ مَفْرُوزًا عَنْهُ؟ فَكَيْفَ يَصِحُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ قِيَاسٌ

عندي في نسختي: "أَلَيْسَ هُوَ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ مَفْرُوزًا عَنْهُ"، كأنَّ الأولى يقولُ: "مُنْفَصِلًا عَنْهُ مَفْرُوزًا عَنْهُ"

– الشيخ : مُنْفَصِلًا عندك؟

– القارئ : مُنْفَصِلٌ، الإخوان عندهم نسخة مُنْفَصِلًا

– الشيخ : أَلَيْسَ هُوَ…، الظَّاهرُ النَّصب، خبر ليس، و "هو" ضميرُ فصلٍ، "هو" ضميرُ فصلٍ ليس مبتدأً، أَلَيْسَ هُوَ مُنْفَصِلًا، النَّصب النَّصب

– القارئ : أَلَيْسَ هُوَ مُنْفَصِلًا عَنْهُ مَفْرُوزًا عَنْهُ؟ فَكَيْفَ يَصِحُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ قِيَاسٌ، أَوْ يَصِحُّ بِهِ عَقْدُ دِينٍ؟ تَقُولُونَ مَرَّةً مُجْتَمِعٌ، وَمَرَّةً مُنْفَصِلٌ، وَمَا شَبَّهْتُمُوهُ بِهِ مِنَ الشَّمْسِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُنَا لِبُطْلَانِ الْحُجَّةِ فِيهِ، وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ قِيَاسُهُ الْقِيَاسَ الَّذِي تَعَلَّقْتُمْ بِهِ.

عَلَى أَنَّا وَجَدْنَاكُمْ تَقُولُونَ فِي مَعْنَى التَّثْلِيثِ: إِنَّ الَّذِي دَعَاكُمْ إِلَيْهِ مَا ذَكَرْتُمْ أَنَّ "مَتَّى" التِّلْمِيذَ حَكَاهُ فِي الْإِنْجِيلِ عَنِ الْمَسِيحِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- إِذْ قَالَ لِتَلَامِيذِهِ: "سِيرُوا فِي الْبِلَادِ، وَعَمِّدُوا النَّاسَ بِاسْمِ الْأَبِ وَالِابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ". وَأَنَّكُمْ فَكَّرْتُمْ فِي هَذَا الْقَوْلِ بِعُقُولِكُمْ فَعَلِمْتُمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَنْ ثَبَتَ حُدُوثُ الْعَالَمِ عَلِمْتُمْ أَنَّ لَهُ مُحْدِثًا فَتَوَهَّمْتُمُوهُ شَيْئًا مَوْجُودًا، ثُمَّ تَوَهَّمْتُمُوهُ حَيًّا ثُمَّ نَاطِقًا، لِأَنَّ الشَّيْءَ يَنْقَسِمُ لِحَيٍّ وَلَا حَيٍّ، وَالْحَيُّ يَنْقَسِمُ لِنَاطِقٍ وَلَا نَاطِقٍ.

وَأَنَّكُمْ عَلِمْتُمْ بِذَلِكَ أَنَّهُ شَيْءٌ حَيٌّ نَاطِقٌ، فَأَثْبَتُّمْ لَهُ حَيَاةً وَنُطْقًا غَيْرَهُ فِي الشَّخْصِ وَهُمَا هُوَ فِي الْجَوْهَرِيَّةِ.

فَنَقُولُ لَكُمْ فِي ذَلِكَ: إِذَا كَانَ الْحَيُّ لَهُ حَيَاةٌ وَنُطْقٌ، فَأَخْبِرُونَا عَنْهُ: أَتَقُولُونَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَزِيزٌ، أَمْ عَاجِزٌ ذَلِيلٌ؟

فَإِنْ قُلْتُمْ: لَا بَلْ هُوَ قَادِرٌ عَزِيزٌ، قُلْنَا: فَأَثْبِتُوا لَهُ قُدْرَةً وَعِزَّةً، كَمَا أَثْبَتُّمْ لَهُ حَيَاةً وَحِكْمَةً.

فَإِنْ قُلْتُمْ: لَا يَلْزَمُنَا ذَلِكَ، لِأَنَّهُ قَادِرٌ بِنَفْسِهِ عَزِيزٌ بِنَفْسِهِ، قُلْنَا لَكُمْ: وَكَذَلِكَ فَقُولُوا: إِنَّهُ حَيٌّ بِنَفْسِهِ وَنَاطِقٌ بِنَفْسِهِ، وَلَا بُدَّ لَكُمْ مَعَ ذَلِكَ مِنْ إِبْطَالِ التَّثْلِيثِ، أَوْ إِثْبَاتِ التَّخْمِيسِ، وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ؟ وَهَيْهَاتَ مِنْ فَرْقٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَيُّوبَ

– الشيخ : حسبُك يا أخي، طوَّلَ طوَّلَ الشَّيخ -اللهُ يرحمُه- في النَّقل عن الحسنِ بنِ أيُّوب، اللهُ المستعانُ، إذا اهتدى بعضُ أفرادِ طوائفِ الضَّلالِ يكونُ أقدرَ على محاجَّة قومِه لأنَّه يكونُ خبيرًا بمذهبهم وبعوارِه وفسادِه لأنَّه من أهلِ الدَّارِ.

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :