الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب زاد المستقنع/كتاب الصلاة من زاد المستقنع/(41) “فصل: أحكام قصر الصلاة” قوله سفرا مباحا
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(41) “فصل: أحكام قصر الصلاة” قوله سفرا مباحا

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
– شرح كتاب "زاد المستقنع في اختصار المقنع"
– (كتاب الصّلاة)
– الدّرس: الحادي والأربعون

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيّنا محمّدٍ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، أمَّا بعد؛ قال المصنِّفُ رحمهُ اللهُ تعالى:
فصلٌ (أحكامُ قصرِ الصلاةِ)

– الشيخ:  هذا تابعٌ لصلاةِ أهلِ الاعذارِ، فأوّلُ الأعذارِ: المرضُ، وتقدَّمَ القولُ في صفةِ صلاةِ المريضِ، والعذرُ الثاني: السفرُ، ولصلاةِ السفرِ أيضًا صفةٌ تخالفُ صفةَ صلاةِ الحضرِ، وأوّلُ أحكامِ صلاةِ السفرِ هو القصرُ، فللسفرِ رخصٌ: الفِطرُ، ومدَّةُ المسحِ، وأهمُّها قصرُ الرباعيةِ. وهنا المؤلفُ يذكرُ أحكامَ القصرِ، وقصرُ الصلاةِ لا يكونُ إلَّا في سفرٍ، وليس للقصرِ سببٌ غير السفرِ، هل تقصرُ للمرضِ؟ لا، ومن الجهّالِ من يقول أنَّ الصلاةَ تُجمعُ وتُقصرُ في المطرِ، ويَظنّونَ أنّ الجمعَ والقصرَ متلازمان؛ أي الجمعُ والقصرُ، فالقصرُ لا يكونُ إلَّا في السفرِ، والجمعُ سيأتي الكلامُ عنه، ويكونُ في السفرِ والحضرِ، وهنا المؤلّفُ يريدُ أن يُفصّلَ أحكامَ القصرِ في السفرِ.
 
– القارئ: (مَنْ سافرَ سفرًا مباحًا أربعةَ بُردٍ، سُنَّ لهُ قصرُ رباعيةٍ ركعتينِ، إذا فارقَ عامرَ قريتِه، أو خيامَ قومهِ)
– الشيخ: السفرُ معروفٌ وهو مفارقةُ مكانِ الإقامةِ، ويقالُ له: الضربُ في الأرضِ؛ وهذا الذي جاءَ في القرآنِ: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ [النساء:101]، وفي السورةِ الأُخرى عَلِمَ أنْ سيكونُ منكم مرضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [المزمل:20]، أي يُسافرونَ طلبًا للمعاشِ والرزقِ.
"مباحًا": خرجَ به السفرُ المحرَّمُ، فعُلمَ بهذه اللفظةِ أنَّ هذا الحكمَ مختصٌّ بالسفرِ المباحِ، والسفرُ المباحُ يشملُ الواجبَ كالحجِّ، والمستحبَّ كالسفرِ لطلبِ العلمِ، زيارةٍ في اللهِ، كلُّ هذا يندرجُ في المباحِ، وكذلك السفرُ للتجارةِ سفرٌ مباحٌ، وهذا هو المذهبُ. وكثيرٌ من أهلِ العلمِ يخصّونَ السفرَ بأن يكونَ مباحًا، ليخرجَ المحرَّمُ؛ كالسفرِ لقطعِ الطريقِ، والسفرِ لبلوغِ معصيةٍ فلا يجوزُ فيها القصرُ، والتعليلُ معروفٌ؛ لأنَّ القصرَ رخصةٌ لرفعِ الحرجِ، ومن أجلِ التيسيرِ، قال اللهُ في حكمِ الفطرِ في السفرِ والمرضِ: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:186]، وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ [النساء:101]، وقال النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في القصرِ: (صدقةٌ تصدَّقَ اللهُ بها عليكم، فاقبلوا صدقةَ ربّكم).
إذًا: كان السفرُ حرامًا فلا يقصر؛ لأنَّ في القصرِ إعانةٌ على المعصيةٍ حينئذٍ. وقال بعضُ أهلِ العلمِ أنَّ القصرَ هو حكمُ صلاةِ المسافرِ مُطلقًا، سواءٌ كان السفرُ مباحًا أو حرامًا؛ لأنَّ أوَّلَ ما فُرضتِ الصلاةُ كانت ركعتين، كما في حديثِ عائشةَ: (أوَّلُ ما فُرضتِ الصلاةُ ركعتين، فأُقرَّت صلاةُ السفرِ وأُتمَّتْ صلاةُ الحضرِ)، أُتمتْ صلاةُ الحضرِ بعدما هاجرَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- إلى المدينةِ، فهم يقولون: إنَّ القصرَ واجبٌ، وهو صلاةُ المسافرِ مطلقًا سواءٌ أكانَ حلالًا أو حرامًا، واختارَ هذا شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمهُ اللهُ، ولكنْ واللهُ أعلمُ أنَّ الصوابَ ما ذهبَ إليه الجمهورُ، هو عندي أظهرُ، لكنَّ المسافرَ في سفرٍ محرَّمٍ إذا تابَ في أثناءِ الطريقِ ورجعَ فإنَّه يقصرُ، فقد زالَ المانعُ من القصرِ.
"أربعةَ بردٍ": أي مسيرةَ ومسافةَ أربعةِ بردٍ، والبُرُدُ: جمعُ بريدٍ، والبريدُ مسافةٌ معروفةٌ، قالوا أنَّها ثلاثُ فراسخَ وأربعةُ فراسخَ، والفرسخُ: ثلاثةُ أميالٍ. إذًا: أربعةُ بُردُ: ناتجُ ضربِ أربعةٍ في أربعةٍ، أربعةُ فراسخ في أربعةِ بُرُدٍ، ينتجُ ستةَ عشرَ مضروبة في ثلاثةِ أميالٍ فتبلغُ ثمانٍ وأربعينَ ميلًا، والميلُ: قدَّروهُ أهلُ العصرِ بالوحداتِ الحديثةِ فقالوا أنَّه ألفٌ وستمائةِ مترٍ، قريبٌ من كيلوين أو كيلوين إلَّا ثلث تقريبًا، فنتجَ من ذلك ثمانونَ كيلو، ولذلك المشهورُ في الفتوى أنَّها ثمانونَ كيلو مترٍ، وهذا يمكنُ أن يُقالَ أنَّه مذهبُ الجمهورِ، وليسَ فيه حديثٌ صحيحٌ مرفوعٌ، ولعلَّ ما أصحَّ فيه أثرٌ عن ابنِ عباسٍ الصحيحُ أنَّه موقوفٌ عليه: (لا قصرَ إلَّا في أربعةِ بُرُدٍ من….)، وهذا مثالٌ للمسافةِ وهي أربعةُ بُرُدٍ.
وقال بعضُ أهلِ العلمِ: إنَّه ليس لمسافةِ القصرِ حدٌّ محدودٌ، بل القصرُ مربوطٌ بالسفرِ مطلقًا فما كان سفرًا شُرعَ فيه القصرُ، وليسَ المرادُ أن يقطعَ الإنسانُ هذه المسافةَ فلا يقصرُ إلَّا بعدها؛ لا، بل أن تكونَ غايةُ مقصودِهِ هذا القدرُ، ولهذا يَبدأُ حكمُ القصرِ في حقِّهِ إذا فارقَ عامرَ قريتِهِ أو خيامَ قومِهِ كما قال المصنّفُ، والمهمُّ إذا سافرَ لهذه الغايةِ، وأقوالُ الناسِ في هذا مختلفةٌ كثيرًا فهي من المسائلِ التي اتَّسعَ فيها الخلافُ، وأحسنُ ما قيلَ وأضبطُه ما نقَلَهُ الشيخُ محمَّدٌ عندكم عن شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ؛ وهو أنَّه الأولُ ما كان ضابطُه سفرًا، ولكن يتحقَّقُ هذا إمَّا ببعدِ المسافةِ أن تسمّى سفرًا أو طولِ المدّةِ، فالسفرُ بالطائرةِ إلى جدةَ سفرٌ اسمُه سفرٌ نظرًا إلى بٌعدِ المسافةِ، وإمَّا أن يكونَ سفرًا لطولِ المدةِ فقد يسافرُ الإنسانُ عشرينَ أو ثلاثينَ كيلو مترًا لكنَّه يقيمُ أي يحتاجُ إلى يومٍ ويومين فهذا سفرٌ أيضًا فهذا سفرٌ ولو كانت المسافةُ قريبةً.
ويستشهدُ من يذهبُ لهذا المذهبِ بقصرِ أهلِ مكّةَ مع النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بعرفةَ، القصرُ لا يكونُ إلَّا في سفرٍ، والذين يُحدّدونَ بالمسافةِ يقولونَ: ليسَ لأهلِ مكّةَ أن يقصروا في عرفةَ، ولكنَّ الصحيحَ القولُ بأنَّ الحجّاجَ يقصرونَ جميعًا، أهلُ مكّةَ يقصرونَ مع الحاجِّ، والحُجّةُ: أنَّ أهلَ مكَّةَ قصروا مع النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بعرفةَ ولم يأمرْهم بالإتمامِ كما أمرَهم يومَ كانوا في بطنِ مكّةَ حيثُ قال لهم: (أتمّوا يا أهلَ مكّةَ فإنّا قومٌ سفرٌ)، وجابرٌ رضي اللهُ عنه نقلَ لنا صفةَ حجّةِ النبيّ وذكرَ الجمعَ بعرفةَ والجمعَ بمزدلفةَ، ولم يذكرْ أنَّ أهلَ مكةَ مُيّزوا بحكمٍ، فصلّى الناسُ معه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، وهكذا الناسُ بعدَ النبيّ كان الناسُ يُصلّونَ مع الأئمةِ والخلفاءِ كعمرَ، ولم يكونوا يُتمّونَ، ففي الحقيقةِ أنا أجدُ أنَّ هذا ضابطٌ حسنٌ، يعني اسم السفرِ يكونُ إمَّا بطولِ المسافةِ وبُعدِها، وإمَّا بطولِ الإقامةِ.
"سُنَّ لهُ قصرُ رباعيةٍ ركعتينِ": خرجَ بالرباعيةِ الثنائيةُ كالفجرِ، والثلاثيةُ كالمغربِ؛ فلا قصرَ فيهما، وجاءَ في الحديثِ تعليلُ هذا واللهُ أعلمُ؛ لأنَّ الفجرَ تُطوَّلُ فيها الصلاةُ القراءةُ، ولأنَّ المغربَ وترُ النهارِ، واللهُ أعلمُ.
"إذا فارقَ عامرَ قريتِه": يعني يبدأُ القصرُ، ويبدأُ اسمُ السفرِ، يبدأُ بمفارقةِ الإنسانِ قريتَه، وقالوا: "عامرَ قريتِه" تنبيهًا على أنَّه لا اعتدادَ بالخَرباتِ القديمةِ، لأنَّ البلدةَ قد يتّصلُ بها خَرباتٌ أو أحياءٌ خَربةٌ فلا اعتبارَ لها، فالمرادُ أن يفارقَ عامرَ البلدِ.
"أو خيامَ قومِه": كما إذا كانوا من سكانِ الباديةِ، فيُسافرُ أحدُهم إلى مكانٍ آخر، يبدأُ حكمُ سفرِهِ إذا فارقَ خيامَ قومِهِ، فخيامُهم بمنزلةِ القريةِ للحضرِ.
– مداخلةٌ: من سافرَ سفرًا مباحًا، ولكن يتخلّلُ سفرَه بعضُ المحرّماتِ؟
– الشيخ:
لا، لا، الشأنُ في قصدِه، قد يُسافرُ الإنسانُ للحجِّ ويعصي. المقصودُ: أنْ يكونَ السفرُ محرمًا كالسفرِ لقطعِ الطريقِ، يعني تكونُ الغايةُ من السفرِ معصيةً، لكن ليسَ المرادُ أن يعصيَ في سفرِهِ.
 
– القارئ: (وإنْ أحرمَ حضرًا ثم سافرَ، أو سَفَرًا ثم أقامَ، أو ذكرَ صلاةَ حضرٍ في سفرٍ، أو عكسَها، أو ائتمَّ بمقيمٍ، أو بمن يَشكُّ فيهِ، أو أحرمَ بصلاةٍ يلزمُه اتمامُها ففسدتْ وأعادَها، أو لم ينوي القصرَ عندَ إحرامِها، أو شكَّ في نيتِه، أو نوى إقامةً أكثرَ من أربعةِ أيامٍ، أو كان ملاحًا معهُ أهلُه لا ينوي الإقامةَ ببلدٍ: لَزِمَهُ أن يتمَّ).
– الشيخ: "لزمَهُ أن يُتمَّ": هذا هو جوابُ الشرطِ، من أحرمَ وهو مقيمٌ ثمَّ سافرَ، أو مسافرًا ثمَّ أقامَ الخ، كلُّ هذه حكمُها: لزمَهُ الإتمامُ، لزمَهُ الإتمامُ: هذا جوابُ "من"، فهذه جملةُ مسائل قالوا فيها من تحقّقَ فيه الشرطُ لزمَهُ الإتمامُ، وهذه المسائلُ منها ما هو كما قالوا، ومنها الرّاجحُ خلافُها؛ أنَّه لا يلزمُهُ الإتمامُ، ومنها ما يُقالُ أنَّ الراجحَ هو الإتمامُ.
"وإن أحرمَ حضرًا ثمَّ سافرَ": أحرمَ بالصلاةِ يعني كبَّرَ؛ "اللهُ أكبرُ" وهو في الحضرِ ثمَّ سافرَ وهو يُصلّي، ويُمثّلُ له برجلٍ كبَّرَ في السفينةِ ولم تمشِ بعدُ، أو الطائرةِ ما تحرَّكت، ثمَّ كبَّرَ للصلاةِ فتحركتِ السفينةُ فسافرَ، هنا كيف يُصلّي؟ يقول: يلزمُهُ الإتمامُ، وهذا صحيحٌ، شرعَ فيها وهو ينوي الإتمامَ فيتمُّها على صفتِها.
" أو سفرًا ثمَّ أقامَ": ومثالُه في السفينةِ أيضًا، كبَّرَ وهو في السفينةِ ثمَّ أرستِ السفينةُ، وصلَ البلدَ وهو يُصلّي، يقولُ: يلزمُهُ الإتمامُ. وقياسُ المسألةِ الأولى في الترجيحِ أن يُقالَ: إنَّه يُتمُّ؛ لأنَّه شَرَعَ في الصلاةِ مسافرًا بنيّةِ القصرِ وهو يُباحُ له القصرُ؛ فلا يلزمُهُ حكمُ الحضرِ حينئذٍ بمجردِ أن أقامَ. وهم قالوا بالإتمامِ في الصورتين، وعلى ترجيحِ المسألةِ الأولى، يكونُ الراجحُ في المسألةِ الثانيةِ كذلك، أي أنَّه لا يجبُ عليه الإتمامُ بل يُصلَّي صلاةَ السفرِ، قلنا في المسألةِ الأولى قلنا: يُتمّ، وفي المسألةِ الثانيةِ نقولُ: يقصرُ. وقد يقولُ قائلٌ: وهذا ما بدا لي الآن، قد يُقالُ: إنَّه إذا صلّى ركعةً لزمَهُ حكمُ القصرِ أو حكمُ الإتمامِ، لقولِه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: (من أدركَ ركعةً من الصلاةِ فقد أدركَ الصلاةَ)، فقد يُقالُ: من أدركَ من حالِ السفرِ أو حالِ الإقامةِ ركعةً لزمَه حكمُ المسافرُ أو حكمُ المقيمِ، وهذا لم يذكرْهُ الشيخُ محمدٌ لكن في الحقيقةِ له وجهٌ.
"أو ذكرَ صلاةَ حضرٍ في سفرٍ": يعني كان مسافرًا فتذكّرَ أنَّه نسيَ صلاةً في الحضرِ لم يُصلّها، فكيفَ يُصلّيها؟ يقولُ: يُصلّيها يُتمّها، وهذا هو الواجبُ لقولِ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: (من نامَ عن صلاةٍ أو نسيها فليُصلّها إذا ذكرَها لا كفارةَ لها إلّا ذلك)، قالوا: وهذا يجري على قاعدةِ القضاءِ يحكي الأداءَ، فيتمّها.
" أو ذكرَ صلاةَ سفرٍ في حضرٍ": قالوا: يلزمُهُ الإتمامُ، ولكن على قياسِ الترجيحِ في المسألةِ السابقةِ نقولُ: لا يلزمُهُ الإتمامُ؛ لأنَّ الواجبَ عليه قضاءُ صلاةِ السفرِ، قضاءً لما أوجبَه اللهُ عليه.
"أو ائتمَّ بمقيمٍ": كذلك، لِمَا جاءَ عن ابنِ عباسٍ (أنَّه سُئلَ عن الرجلِ يُصلّي، ما بالُ الرجل يتمُّ الصلاةَ مع الإمامِ المقيمِ؟ قال: هذه هي السُنَّةُ)، أو كما قال رضي اللهُ عنه، فهذا صحيحٌ، وهذا مذهبُ جمهورِ أهلِ العلمِ أنَّ المسافرَ إذا ائتمَّ بمقيمٍ فإنَّه يتَّبعُهُ للحديثِ: (إنّما جُعلَ الإمامُ ليؤتمَّ به)، فيُتمُّ معه حتى ولو لم يُدركْ إلَّا ركعةً.
"أو بمن يشكُّ فيه": يعني لا يعلمُ هل هو مقيمٌ أم مسافرٌ، فيشكُّ، فيغلّبُ جانبَ الإتمامِ لأنَّه أحوطُ، ويمكنُ أن ينظرَ إلى غلبةِ الظنِّ في بعضِ المواضعِ؛ كالمساجدِ الموجودةِ في المحطاتِ، فإنَّ غلبةَ الظنِّ فيهم أنَّهم يقصرونَ في الصلاةِ، فيمكنُ أن يبني على هذا، فلو تبيَّنَ أنَّ الإمامَ أتمَّ فإنَّه يُتمُّ معه.
– مداخلةٌ: إذا أدركَ مع الإمامِ ركعةً فقط، هل يُتمُّ أم يقصر؟
– الشيخ: يَقصر؛ لأنَّ الأصلَ في حقِّهِ القصرُ، فشكَّ في مُوجبِ العدولِ عن هذه الصفةِ، والأصلُ عندَه القصرُ.
"أو أحرمَ بصلاةٍ يلزمُهُ إتمامُها ففسدت وأعادَها": ما هي الصلاةُ التي يلزمُه إتمامُها؟ هي الفريضةُ، "إتمامها": يقصدُ أن تكونَ تامَّةً، يعني ممكن كما لو ائتمَّ بمقيمٍ، فمعلومٌ أنَّه يلزمُه الإتمامُ ولكنَّها فسدت صلاتُه لسببٍ من الأسبابِ كأن ينتقضَ وضوئُه، يقولون: ففسدت فيلزمُهُ الإتمامُ، أي عندما يُعيدها يلزمُهُ الإتمامُ، وهذا في الحقيقةِ فيه نظرٌ؛ لأنَّه إنَّما يلزمُه الإتمامُ مع الإمامِ لو مضى مع الإمامِ، أمَّا الآن فسدتِ الصلاةُ بسببِ انتقاضِ الوضوءِ فانقطعت علاقتُه مع الإمامِ، فالصوابُ إن شاءَ اللهُ: أنَّه يُصلّيها صلاةَ سفرٍ ولا يلزمُهُ الإتمامُ.
"أو لم ينوِ القصرَ عند إحرامِها": يعني كبَّرَ وهو مسافرٌ وغافلٌ، لم يستحضرْ أنَّه يَقصر، فعندهم أنَّ نيّةَ القصرِ شرطٌ فإذا لم ينوِ القصرَ أو شكَّ في نيّةِ القصرِ فإنَّه يتمُّ، وكأنَّ الأصلَ عندهم هو الإتمامُ، والقصرُ طارئٌ، فإذا لم ينوِ القصرَ وجبَ عليه ما هو الأصلُ وهو الإتمامُ، والصوابُ: أنَّ نيّةَ القصرِ ليست شرطًا، فقد كان الصحابةُ يُصلّونَ مع النبيّ ويقصرُ بهم ويقصرونَ دونَ أن يقولوا: إنّنا سنقصرُ، والناسُ صلّوا مع النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في عرفةَ ولم يقل: إنَّنا سنقصرُ، وهكذا كان الصحابةُ يُصلّونَ مع النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ولم يأمرْهم بالنيّةِ، فالعبرةُ بالأصلِ؛ فمن كان الأصلُ في حقِّهِ الإتمامُ أتمَّ، ومن كان الأصلُ في حقِّهِ القصرُ قصرَ، فلو كبّرَ المسافرُ ولم يستحضرْ نيَّة القصرَ فإنَّه يُصلّي الصلاةَ التي فرضَها اللهُ عليه، والنيّةُ إنّما تُعتبرُ في أصلِ العبادةِ لا في صفاتِها ولا في أجزائِها، لو وجبتِ النيّةُ في أجزائِها لوجبَ على الإنسانِ حرجٌ عظيمٌ؛ لأنَّ الإنسانَ إذا ركعَ هل يستحضرُ نيَّةَ الركوعِ؟ لا، لأنَّه قد يكونُ ساهيًا، وهذا حالُ كثيرٍ من الناسِ، إنَّما تُشترطُ النيّةُ في نوعِ العبادةِ وعينِ العبادةِ، أمَّا صفاتُ الصلاةِ فلا تُشترطُ فيها النيّةُ، المقيمُ يُصلّي وإن لم يستحضرْ نيّةَ الإتمامِ، فالواجبُ عليه أربعٌ، وكذلك المسافرُ يُصلّي ولو لم يستحضرْ عند التكبيرِ أنَّ الواجبَ عليه ركعتان.
"أو شكَّ في نيّتِه": هذا أصعبُ، يعني في المسألةِ الأولى لم ينوِ القصرَ، عرفَ، لكن هنا شكَّ في نيّتِه نوى أم لم ينوِ، وهذا يجرُّهُ إلى الوسواسِ، وإذا ترجّحَ في الأولِ أنَّه لا تُشترطُ النيةُ استوى الأمرُ، لكنَّ المسافرَ من الباطلِ أن ينويَ الإتمامَ، إذا نوى الإتمامَ فقد يُقالُ أنَّه يلزمُه، وقد يُقالُ أنَّه لا يلزمُه.
"أو نوى إقامةً أكثرَ من أربعةِ أيامٍ": يعني أن ينويَ المسافرُ أنَّه سيقيمُ في البلدِ أو الصحراءِ أكثرَ من أربعةِ أيامٍ؛ "لزمَهُ الإتمامُ": وهذا جوابُ الشرطِ، أي في كلِّ ما سبقَ أنَّه يلزمُهُ الإتمامُ، هذا جوابُ "مَنْ". وهذه مسألةٌ عظيمةٌ، وجماهيرُ أهلِ العلمِ على تحديدِ المدّةِ التي إن نوى المسافرُ أن يُقيمَها يلزمُهُ الإتمامُ، ومن أقوالِ أهلِ العلمِ وهذا أحدُها في هذه المسألةِ: من نوى أن يقيمَ في مكانٍ أكثرَ من أربعةِ أيامٍ، وقيل: أربعةَ أيامٍ، وقيل: ثلاثةَ أيامٍ، وقيل: عشرةً، وقيل: خمسةَ عشرَ، وقيل: تسعةَ عشرَ، وقيل: عشرين، ويقابلُ كلَّ هذه الأقوالِ قولُ من يقولُ: إنَّه لا حدَّ، بل المسافرُ إذا نوى الإقامةَ ولم ينوِ الاستيطانَ ولم ينوِ إقامةً مطلقةً فإنَّه يقصرُ مطلقًا ولو شهرًا أو شهرين أو سنةً أو سنتينِ، بل وقل: عشرةَ سنين. في الحقيقةِ أنَّ هذه المسألةَ يجدُ الإنسانُ حرجًا فيها.
كلُّ أصحابِ القولِ الأولِ مُطبقونَ على أنَّه لا بدَّ من تحديدِ مدّةٍ، وأنَّه لا يُباحُ القصرُ مُطلقًا للمسافرِ، لكن يختلفونَ في تحديدِ المدّةِ، والقائلونَ بالإطلاقِ يقولونَ: لم يأتِ ما يدلًّ على أنَّ المسافرَ إذا أقامَ مدّةً محدودةً أنَّه يجبُ عليه الإتمامُ، ومن يقولُ بتحديدِ أربعةِ أيامٍ يستدلُّ بأنَّ الرسولَ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أقامَ أربعةَ أيامٍ بمكةَ لمّا قدمَ للحجِّ دخلَ مكةَ في اليومِ السابعِ من ذي الحجة، وخرجَ من مكةَ في يومِ الترويةِ، فأقامَ في مكةَ الرابعَ والخامسَ والسادسَ والسابعَ والثامنَ، أربعةُ أيامٍ أو أكثرَ بقليلٍ، حتى يقولون: واحد وعشرونَ صلاةً وهو يقصرُ، فمن نوى إقامةَ هذه المدّةِ لزمَه الإتمامُ، أمّا من نوى يومًا أو يومين أو ثلاثةً فإنَّه لا يلزمُه الإتمامُ.
ومعلومٌ أنَّ الرسولَ عليه الصلاةُ والسلامُ إقامتُه تلك لم تكن عن قصدٍ وتحرٍّ وتحديدِ المدّةِ، فلو تقدَّمَ دخولُه مكّةَ أو تأخَّرَ خروجُه من مكةَ فإنَّ ظاهرَ الواقعِ أنَّه لا فرقَ، ولم يقلْ لمن سَبَقَه في الوصولِ إلى مكّةَ أنَّ عليهم أن يُتمّوا أو ما أشبهَ ذلك، لكن من قال هذا القولَ أو غيرَ هذا القولِ يقولون: إنَّ الأصلَ أنَّ المقيمَ فرضُهُ الإتمامُ، والقصرُ رخصةٌ، فالمسافرُ ضدُّ المقيمِ، فمن أقامَ فإنَّ فرضَه الإتمامُ، ولكن علمنا من ذلك الواقعِ أنَّ مثل هذه المدةَ لا ينقطعُ بها السفرُ مثلُ هذه المدّةِ، أربعةُ أيامٍ أو ثلاثةٌ أو عشرةٌ على حسبِ المذاهبِ، ومن يقولُ: تسعة عشر؛ يستدلُّ بأنَّه عليه الصلاةُ والسلامُ (أقامَ في تبوكَ تسعةَ عشرَ أو عشرينَ يومًا يقصرُ)، فطبّقَ الحكمَ على هذا الواقعِ.
ولهذا نقولُ أنَّ الاحتياطَ لمن أقامَ هذه المدّةَ أو قريبًا منها يعني ممكن، أمّا إقامةُ المُددِ التي تجعلُ المسافرَ كليسَ بمسافرٍ فليسَ بمسافرٍ، من يعرفُ أنَّه سيقيمُ في هذا الموضعِ سنةً أو سنتين اختيارًا لا اضطرارًا، اختيارًا: لحاجةٍ من حاجاتِه، أمّا الاضطرارُ: مثلُ ما جاءَ عن ابنِ عمرَ أنَّه أقامَ بأذربيجان ستةَ أشهرٍ حبسَهُ الثلجُ؛ هذا على هيئةِ المسافرِ لكنْ محبوسٌ، كمسافرٍ عرضَ له عدوٌّ وأوقفَه في الطريقِ لأنَّه مضطرٌّ ومحبوسٌ، أمَّا الذي ذهبَ ليدرسَ وأقامَ شهورًا أو سنينَ، فهذا هيئتُه ليس كالمسافرِ، ولا تنطبقْ عليه صفةُ السفرِ واللهُ أعلمُ.
"أو كان ملاحًا معه أهلُه لا ينوي الإقامةَ ببلدٍ: لزمَهُ أن يُتمَّ": الملاحُ: قائدُ السفينةِ. "معه أهلُه": أي زوجتُه وأولادُه معه في السفينةِ؛ كالباخرة فهي مدينةٌ يركبُ فيها وينامُ ويأكلُ ويشربُ وفيها تجارةٌ. "لا ينوي الإقامةَ ببلدٍ": ليس عندَهُ بلدٌ أصلٌ يقيمُ فيها. يقولُ: "لزمه أن يُتمَّ": وجبَ عليه الإتمامُ؛ لأنَّ هذه بلدُه وتنقُّله هذا ليسَ بسفرٍ، هل يقالُ: أنه سافرَ؟ هو في سفرٍ. بخلافِ من له أهلٌ يقيمُ عندَهم وإنَّ أكثرَ وقتِه في سفرٍ يذهبُ ويأتي لكن عندَهُ بلدٌ وزوجةٌ وأولادٌ يريحُ عندهم يومًا ويومين في الشهرِ، أو يومًا ويومين قُلْ في السنّةِ، هذا رحّالةٌ، لكن هذا الذي معه أهله. اقرأ لنا كلامَ الشيخِ محمد في هذه المسألةِ؛ لأنَّي لا أعرفُ ماذا رجَّحَ فيها، وتعلمونَ أنَّ الشيخَ محمدًا رجّحَ في المسألةِ الأخيرةِ المعضلةِ، رجّحَ فيها قولَ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ رحمهُ اللهُ، وبطريقتِه وجَّهَه ودلَّلَ عليه، ومع ذلك في الحقيقةِ تصعُبُ الفتوى به، واللهُ أعلمُ بالصوابِ.
 
– القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
أَوْ مَلاَّحًا مَعَهُ أَهْلُهُ لاَ يَنْوِي الإِقَامَةَ بِبَلَدٍ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ …
قولُه: "أو ملاحًا": الملاحُ قائدُ السفينةِ.
قولُه: "معه أهله": أي مصاحبونَ له، والجملةُ في محلِّ نصبٍ على أنَّها صفةٌ لملاحٍ.
قولُه: "لا ينوي الإِقامةَ ببلدٍ": يعني لا ببلدِ المغادرةِ، ولا ببلدِ الوصولِ، فهذا يجبُ عليه أن يُتمَّ؛ لأنَّ بلدَهُ سفينتُه. وعُلِمَ من قولِ المؤلفِ "معه أهلُه": أنَّه لو كان أهلُه في بلدٍ فإنَّه مُسافرٌ ولو طالتْ مدّتُه في السفرِ. وعُلمَ منه أيضًا: أنَّه لو كان له نيّةُ الإِقامةِ في بلدٍ فإنَّه يقصرُ إذا غادَرَه؛ لأنَّه مسافرٌ، فمثلًا: إذا كان ملاحًا في سفينةٍ وأهلُه في جدّةَ، لكنَّه يروحُ يجوبُ البحارَ كالمحيطِ الهندي والهادي، ويأتي بعد شهرٍ أو شهرين إلى جدّةَ فهذا مُسافرٌ؛ لأنَّه ليسَ معهُ أهلٌ، بل له بلدٌ يأوي إليه.
وكذلك أيضًا: لو فرضُ أنَّ الملاحَ ينوي الإِقامةَ في بلدٍ فهذا نقولُ له: إنَّكَ مسافرٌ إذا فارقتَه، لأنَّ لك بلدًا معينًا عيّنتَه للإِقامةِ. ومثلُ ذلك أصحابُ سياراتِ الأجرةِ الذين دائمًا في البرِّ نقولُ: إن كان أهلُهم معهم ولا ينوونَ الإِقامةَ ببلدٍ فهم غيرُ مسافرينَ لا يقصرونَ ولا يفطرونَ في رمضانَ، وإن كان لهم أهلٌ في بلدٍ فإنَّهم إذا غادروا بلَد أهلِهم فهم مسافرونَ يُفطرونَ ويقصرونَ، وكذلك لو لم يكن لهم أهلٌ لكنَّهم ينوونَ الإِقامةَ في بلدٍ يعتبرونَه مثواهم ومأواهم، فهم مسافرونَ حتى يرجعوا إلى البلدِ الذي نَووا أنَّه مأواهم. فإذا قال قائلٌ: هؤلاءِ الملَّاحونَ أو السائقونَ لسياراتِ الأجرةِ دائمًا في سفرٍ، فإذا قلنا: أنتم مسافرونَ لكم الفطرُ فمتى يصومونَ؟ نقول: يمكنُ أن يصوموا في سفرِهم في أيامِ الشتاءِ؛ لأنَّها أيامٌ قصيرةٌ وباردةٌ، فالصومُ فيها لا يشقُّ، كذلك لو قدموا إلى بلدِهم في رمضانَ فإنَّه يلزمُهم الصومُ ما داموا في بلدِهم، فإنْ قدموا في أثناءِ اليومِ إلى بلدِهم ففي لزومِ الإِمساكِ عليهم قولان لأهلِ العلمِ، هما روايتان عن الإِمامِ أحمدَ رحمهُ اللهُ. والصحيحُ: أنَّه لا يلزمُهم الإِمساكُ؛ لأنَّهم لا يستفيدونَ بهذا الإِمساكِ شيئًا، وليسَ هذا اليومُ في حقِّهم يومًا محترمًا؛ لأنّهم يأكلونَ ويشربونَ في أوّلِه وهم مُباحٌ لهم ذلك …
مسألةُ: من أفطرَ لإنقاذِ معصومٍ هل يلزمُه الإِمساكُ بقيَّةَ اليومِ… والفرقُ بين هذه المسألةِ والمسائلِ التي قبلها: أنَّ المسائلَ التي قبلَها زالَ فيها المانعُ، وهذه وجدَ سببُ الوجوبِ، فإذا وجدَ سببُ الوجوبِ في أثناءِ النهارِ لزمَهُ الإِمساكُ، كالصغيرِ يبلغُ، والمجنونُ يعقلُ والكافرُ يُسلمُ، وفي المسألةِ خلافٌ لكنَّ الصحيحَ وجوبَ الإِمساكِ، ولا يقضي اليومَ.
– الشيخ:
وكأنَّ الشيخَ مشى على كلامِ المصنّفِ في شأنِ الملّاحِ الذي لا ينوي الإقامةَ في بلدٍ، والمهمُّ أنَّ الشيخَ محمد لم يحررِ المسألةَ لا ترجيحًا ولا إقرارًا، وكأنَّه سكتَ عنها.
 
– القارئ: (وإنْ كانَ له طريقانِ فسلكَ أبعدَهُمَا، أو ذَكرَ صَلاةَ سَفرٍ في آخرَ: قَصَرَ)
– الشيخ:
نعم إن كان له طريقان فسلكَ أبعدَهما فإنَّه يقصرُ، ما لم يسلكِ الطريقَ من أجلِ القصرِ، كما نقولُ: إنَّه سافرَ ليقصرَ؛ فإنَّه لا يحلُّ له؛ لأنَّه من الاحتيالِ لإسقاطِ الواجبِ، فلا يجوزُ الاحتيالُ لإسقاطِ واجبٍ ولا لاستحلالِ محرَّمٍ.
"أو ذكرَ صلاةَ سفرٍ في آخر قصرَ": تقدَّمَ إذا صلاةَ سفرٍ في حضرٍ فما الواجبُ؟ قال: يلزمُه الإتمامُ، وتقدَّمَ في الترجيحِ أنَّه يُصلّيها صلاةَ سفرٍ، وهذه لا، إذا ذكرَ صلاةَ سفرٍ في سفرٍ آخرَ فإنَّه يقصرُ؛ لأنَّه لا مُوجبَ للإتمامِ.
 
– القارئ: (وإنْ حُبِسَ ولم ينو إقامةً، أو أقامَ لقضاءِ حاجةٍ بلا نيةِ إقامةٍ: قصرَ أبدًا)
– الشيخ:
هو مسافرٌ، فأُخذَ وحبسَ، "ولم ينوِ إقامةً": يعني لمّا أُخذَ ما قال: الحمدُ للهِ نريد أن نبقى في هذه البلادِ، اختيارًا حتى لو أُطلقَ، لو أُطلق هو سيقيمُ، فهذا إذا نوى الإقامةَ فحكمُهُ قد تقدَّمَ، حكم من نوى إقامةَ أيامٍ أربعةٍ أو أكثرَ، فتقدَّمَ الحكمُ ما إذا نوى إقامةً، لكنْ هذا حُبِسَ ولم ينوِ الإقامةَ؛ فإنَّه يقصرُ.
"أو أقامَ لقضاءِ حاجةٍ بلا نيّةِ إقامةٍ: قصرَ أبدًا": أقامَ ليشتري سِلعًا وهو تاجرٌ، وأقامَ ليقضيَ حاجاتَه فإنَّه يقصرُ مطلقًا؛ لأنَّه شبْهُ محبوسٍ.
– مداخلةٌ: والأسيرُ يقصرُ ما أقامَ عندَ العدوّ، ولو حُكمَ ثلاثَ سنواتٍ مثلًا؟
– الشيخ: هو محبوسٌ، لكنَّ الصورةَ مفروضةٌ في مسافرٍ، تبقى مسألةٌ ما ذكرَها الشيخُ، لو أُخذَ من بلدٍ وسُوفِرَ به، يعني لم يُسافرْ ولم يقصدِ السفرَ هل يكونُ مسافرًا؟ هل يُقالُ عنه أنَّه مسافرٌ؟ لا يُقالُ عنه مسافرٌ.
– مداخلةٌ: ….
– الشيخ:
أتينا بضابطٍ بالحقيقةِ جيد؛ وهو طولُ المسافةِ التي لا بدَّ أن تُسمَّى سفرًا، مثل ما ذكرنا في المثالِ: سافرت من الرياضِ إلى جدّةَ في مدّةِ ساعتين ومن ثمَّ رجعتُ، هل يُقالُ أنَّكَ سافرت أم لا؟ هو سفرٌ ولا بدَّ على كلِّ تقديرٍ، أو سافرت مسافةً وأقمتَ فيها ليلتين أو ثلاثة وإن كانت المسافةُ عشرين كيلو، خمسين كيلو، هذا هو الضابطُ.
 
– القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
ولكن شيخَ الإِسلامِ ابن تيمية رحمهُ اللهُ قال: إنَّ المسافةَ الطويلةَ في الزمنِ القصيرِ سفرٌ، والإِقامةَ الطويلةَ في المسافةِ القصيرةِ سفرٌ، فالمسألةُ لا تخلو من أربعِ حالاتٍ:
1 ـ مدّةٌ طويلةٌ في مسافةٍ طويلةٍ، فهذا سفرٌ لا إشكالَ فيه، كما لو ذهبَ في الطائرةِ من القصيمِ إلى مكةَ، وبقيَ فيها عشرة أيامٍ.
2 ـ مدّةٌ قصيرةٌ في مسافةٍ قصيرةٍ فهذا ليسَ بسفرٍ، كما لو خرجَ مثلًا من عنيزةَ إلى بريدةَ في ضحى يومٍ ورجعَ، أو إلى الرسِّ أو إلى أبعدَ من ذلك، لكنَّه قريبٌ لا يعدُّ مسافةً طويلةً.
3 ـ مدّةٌ طويلةٌ في مسافةٍ قصيرةٍ بمعنى أنَّه ذهبَ إلى مكانٍ قريبٍ لا ينسبُ لبلدِه، وليس منها، وبقيَ يومين أو ثلاثة فهذا سفرٌ، فلو ذهبَ إنسانٌ من عنيزةَ إلى بريدةَ مثلًا ليقيمَ ثلاثةَ أيامٍ أو يومين أو ما أشبهَ ذلك فهو مسافرٌ.
4 ـ مدَّةٌ قصيرةٌ في مسافةٍ طويلةٍ، كمَن ذهبَ مثلًا من القصيمِ إلى جدّةَ في يومِهِ ورجعَ فهذا يُسمّى سفرًا؛ لأنَّ الناسَ يتأهّبونَ له، ويرونَ أنَّهم مُسافرونَ.
– الشيخ:
هذا من أحسنِ ما يُعرفُ السفرُ الذي تُقصرُ فيه الصلاةُ، مراعاةُ طولِ المسافةِ وطولِ الزمانِ.
– مداخلةٌ: لو سافرَ بعدَ دخولِ الوقتِ أتمّها وجوبًا؟
– الشيخ: هذا رأيُهم في المسألةِ، وهل العبرةُ بالوجوبِ أم بالأداءِ؟ وجبت تامَّةً ما دامَ حاضرًا مقيمًا، وعندي العبرةُ بالإداءِ.
– مداخلةٌ: لو سافرَ وأُسرَ، وحُكمَ عليه بسنةٍ أو سنتين مثلًا؟
– الشيخ: يقصرُ أبدًا؛ لأنَّه غيرُ مختارٍ.
 




 
الأسئلة:
س1: هل يدخلُ في عامرِ القريةِ ما يلحقُ بالمدنِ الكبيرةِ كالمصانعِ والمستودعاتِ أو المزارعِ الكبيرةِ والتي قد تمتدُّ إلى عشراتِ الكيلومترات؟
ج: لا، هذه ليست من البلدِ، كثيرٌ من البلدانِ لها لواحقٌ وليست منها.
……………………………………………
س2: هل يجوزُ الجمعُ بين الصلاتين للمسافرِ النازلِ بالبلدِ من غيرِ حاجةٍ؟
ج: لا، لا ينبغي، الرسولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- سنّتُه إذا نزلَ أن يقصرَ فقط، إذا نزلَ في سفرٍ فإنَّه يقصرُ ولا يجمعُ، وهذا هو الغالبُ في سنّته، إنّما يجمعُ إذا جدَّ به السيرُ كما في حديثِ أنسٍ: (إذا زالتِ الشمسُ قبلَ أن يرتحلَ صلَّى الظهرَ ثمَّ ارتحلَ)، وفي لفظٍ: (صلّى الظهرَ والعصرَ)، (وإذا ارتحلَ قبلَ زوالِ الشمسِ أخّرَ الظهرَ وصلّاها مع العصرِ).
……………………………………………
س3: من سافرَ للسياحةِ لبلادِ الكفرِ، أو بلادِ المسلمينَ التي يكثرُ فيها الفسقُ، هل له أن يقصرَ؟
ج: هذا ينبني على حُكمِ الذهابِ إلى تلكَ البلدانِ، لكلِّ إنسانٍ حالُه وما يعلمُ من حالِه، ولكن في التأصيلِ أنَّ السفرَ إلى البلدانِ الإباحيةِ حرامٌ، لكنَّ الناسَ لهم أغراضُهم، وبعضُ من يُسافرَ للسياحةِ يزعمُ أنَّه لا يقصدُ مواضعَ الخَنى والفجورِ والمواضعَ التي تُرتكبُ فيها المحرّماتُ، بعضُهم يزعمُ هذا واللهُ أعلمُ، ولكنَّ الذهابَ إلى البلادِ الإباحيةِ يترجّحُ بها التَّحريمُ، وكلٌ مسؤولٌ عن نفسِه.
…………………………………………….
س4: شخصٌ وشمَ على يدِه ثمَّ صلّى ما حكمُ صلاتِه وماذا يجبُ عليه؟
ج: صلاتُه صحيحةٌ، ويجبُ عليه أن يزيلَ الوشمَ إذا كان لا يتضرَّرُ به.
……………………………………………
س5: إمامُ مسجدٍ صلَّى بجماعتِه صلاةَ العشاءِ وكان يقرأُ عليهم من الجوالِ، ثمَّ بعدَ الصلاةِ تكلّموا في ذلك ويسألون ما حكمُ صلاتِهم؟
ج: صلاتُهم صحيحةٌ، وصلاتُه صحيحةٌ، ولكن في الحقيقةِ لا ينبغي للإمامِ أن يفعلَ ذلك، يعني يقرأُ في الصلاةِ ما تيّسرَ له، أمَّا إخراجُه للجوالِ فهذا إغراقٌ وافراطٌ في استخدامِ الجوّالِ، حتى المصحف من غيرِ حاجةٍ.
……………………………………………
س6: شخصٌ سافرَ إلى الخارجِ وأكلَ طعامًا، ثمَّ تبينَ له بعد ذلك أنَّه لحمُ خنزيرٍ فماذا يجبُ عليه؟
ج: يجبُ عليه أن يستغفرَ اللهَ من التساهلِ والتهاونِ، وإذا كان له على إثرِ الأكلِ أن يتقيّأ إن تيسّرَ فعلُ ذلك، وأن يتوبَ ويستغفرَ اللهَ من التهاونِ.
…………………………………………..
س7: بعضُ من يُصابُ بمرضِ السرطانِ يأخذُ الكيماوي ويسقطُ شعرُه، فيقومُ بعضُ أصحابِه بحلقِ شعرِهم تضامنًا معه من الرجالِ والنساءِ فهل هذا من الحالقةِ؟
ج: لا لا، الحالقةُ هي أن تحلقَ رأسَها عند المصيبةِ جزعًا.
…………………………………………..
س8: أيُّهما أفضلُ: مسكُ السواكِ باليدِ اليمنى أم اليسرى؟
ج: المعروفُ عند أهلِ العلمِ باليُسرى، لكنَّ الأمرَ واسعٌ إن شاءَ اللهُ.
…………………………………………..
س9: هناك كثيرٌ من الرافضةِ يُصلّونَ في بعضِ مساجدنا، هل يجوزُ لي أن أقطعَ الصلاةَ وأمرُّ من أمامِهم؟
ج: لا، لست مسؤولًا عنهم، أقبِلْ على صلاتِك واشتغِلْ بنفسِك ودَعهم.
………………………………………….
س10: عندنا في بلدنِا مسجدٌ، وأُدخِلَ فيه قبرٌ إلزامًا وبغيرِ رضى جماعةِ المسجدِ، فما حكمُ الصلاةِ في هذا المسجد؟
ج: إذا كان المسجدُ مؤسسًا لا لهذا القبرِ، بل مؤسسٌ تأسيسًا شرعيًا لإقامةِ فرائضِ اللهِ، لإقامةِ الصلواتِ الخمسِ، وأُدخِلَ فيه هذا القبرُ، فلا عليكم، صلّوا به ولا يضرُّكم وجودُ القبرِ.
………………………………………….
س11: ما معنى هذه العبارة، قال أبو سليمان الدَّاراني: "ليستِ العبادةُ عندنا أن تَصُفَّ قدميك وغيرُك يفتُّ لك، ولكن ابدأ برغيفيكَ فأحرزهما ثمَّ تعبَّد"؟
ج: يعني ليس من العبادةِ أن تشتغلَ بالعبادةِ وتدعَ من يتصدَّقُ عليك، تنتظرُ الصدقةَ من الناسِ، لكن ابدأ بطلبِ الرزقِ حتى تتمكَّنَ من التفرغِ للعبادةِ دونَ أن يَمُنَّ عليكَ أحدٌ، هذا كلامٌ جيّدٌ في الجملةِ وفيه حكمةٌ.    
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الفقه وأصوله