الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الحاقة/(1) من قوله تعالى {الحاقة ما الحاقة} الآية 1 إلى قوله تعالى {لنجعلها لكم تذكرة} الآية 12
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(1) من قوله تعالى {الحاقة ما الحاقة} الآية 1 إلى قوله تعالى {لنجعلها لكم تذكرة} الآية 12

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الحاقَّة

الدَّرس: الأوَّل

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ السَّميعِ العليمِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ * كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ * فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ * وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ * فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً * إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ [الحاقة:1-12]

– الشيخ : إلى هنا، هذهِ سورةُ الحاقَّةِ، وهيَ مكِّيَّةٌ، والحاقَّةُ هي اسمٌ من أسماءِ القيامةِ كالواقعةِ والغاشيةِ والطَّامَّة والصَّاخَّة، ومعنى الحاقَّة أنَّها تقعُ، يشبهُ معناها معنى الواقعة، كالقارعةِ {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة:1-3]، وهنا {الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ} ففي هذه الكماتِ فيها تهويلٌ من شأنِ ذلك الحدثِ العظيمِ، هذهِ استفهاماتُ تعظيمٍ، {مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ}

ثمَّ أخبرَ تعالى عن الأممِ المكذِّبةِ برسلِها فذكرَ عادًا وثمودَ وقومَ نوحٍ وفرعونَ وقومَه وقومَ لوطٍ، وأشارَ في هذه الآياتِ إلى عصيانِهم لرسلِ اللهِ وتكذيبِهم بآياتِه وحلولِ العقابِ بهم {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ} بالصَّيحةِ الَّتي قطَّعَتْ قلوبَهم في أجوافِهم، صاعقةٌ هائلةٌ فظيعةٌ، وهذا ما يُشعِرُ به قولُهُ: {الطَّاغِيَةِ} صيحةٌ شديدةُ الوقعِ وشديدةُ الصَّوتِ وعنيفةٌ.

{فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ} أوَّلًا قبلَها: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ} أخبرَ تعالى أنَّ عادًا وثمودَ كذَّبُوا بالقارعةِ، يعني: بالقيامةِ، فأهلكَهم اللهُ {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ} بالصَّيحةِ.

{وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} صرصرٌ يدلُّ على أنَّها شديدةُ البرودةِ، ريحٌ باردةٌ وهذا أشدُّ ما يكونُ ألَمًا وأثرًا.

{سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ} أرسلَها عليهم {سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} كلُّ هذه المدَّةِ وهي تضربُ بهم وتُزلزلُهم وترفعُهم وتخفضُهم حتَّى صارُوا صرعى موتى {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ} مثلُ جذوعِ النَّخلِ، صاروا مثلَ جذوعِ النَّخلِ الملقاةِ على الأرضِ {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} وفي الآيةِ الأخرى قالَ: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر:20]، منقلِعٌ من أسفلِه.

{كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} المعنى لم يبقَ لهم باقيةٌ، بل هلكُوا جميعًا حتَّى لا يُرَى إلَّا مساكنهم {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} [الأحقاف:25]، وهكذا قصصُ القرآنِ القصَّةُ الواحدةُ إذا ذُكِرَتْ في مواضعَ يُذكَرُ في موضعٍ ما لا يُذكَرُ في الموضعِ الآخرِ فلا يكونُ تكرارًا.

{كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ * وَجَاءَ فِرْعَوْنُ} فرعونُ جاءَ بعدَهم ومِن قبلِه أيضًا، جاءَ أممٌ من قبلِه وأهلكَهم اللهُ كقومِ لوطٍ وشعيبٍ {وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ} والمؤتفكاتُ هي قرى قومِ لوطٍ، سمَّاها مؤتفكات؛ لأنَّها مقلوبةٌ عليهم {وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ}، {وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ} يعني: بالذَّنبِ العظيمِ، جاؤُوا بالكفرِ والتَّكذيبِ والعنادِ لرسلِ اللهِ.

{فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ} يعني: عصَوا رسلَهُ كلَّهم، عصَوا رسلَهم، فالمؤتفكاتُ عصَوا رسولَ اللهِ لوطًا، وفرعونُ ومَن معَه وقومَه عصَوا رسلَ اللهِ موسى وهارون -عليهما السَّلامُ- {فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً} أخذةً ربتْ على غيرِها من العقوباتِ وزادَتْ، ربا يربو إذا زادَ ومنه الرِّبا {اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ}، قالَ اللهُ: {فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً} زائدةً على غيرِها من العقوباتِ {أَخْذَةً رَابِيَةً}، {فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً}

ثمَّ قالَ تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ} في هذا إشارةٌ إلى غرقِ قومِ نوحٍ {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} لَمَّا طغى الماءُ وتجاوزَ الحدودَ حتَّى علا الجبالَ {حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} الَّتي هيَ السَّفينةُ، فاللهُ حملَ نوحًا ومن معَه من المؤمنينَ في السَّفينةِ {فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ * فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} [العنكبوت:14-15] لَمَّا حكمَ اللهُ بهلاكِ قومِ نوحٍ بالغرقِ أمرَ اللهُ نوحًا أنْ يصنعَ السَّفينةَ فصنعَها بوحيٍ من اللهِ {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} [هود:40]، فهؤلاءِ الذُّرِّيَّة الَّذين حملَهم نوحٌ معَه هم آباؤُنا، فنوحٌ -عليهِ السَّلامُ- هو أبو البشريَّةِ الثَّاني، وجميعُ مَن بعدَه هم ذرِّيَّتُهُ كما قالَ تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} [الصافات:77] فالبشريَّةُ بعدَه كلُّها من ذرِّيَّتِه.

{إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً} فالآنَ السَّفينةُ الَّتي يصنعُها النَّاسُ ويركبونها على ظهرِ البحرِ هي تُذكِّرُ بتلك السَّفينة، فسفينةُ نوحٍ هي النَّموذجُ الأوَّلُ، اللهُ جعلَها آيةً {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} [الشورى:32] فالسُّفنُ من آياتِ اللهِ وأوَّلُ هذه السُّفنُ هي سفينةُ نوحٍ -عليه السَّلامُ- {لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} تعيها وتدركُها تفهمُها الآذانُ الصَّاغيةُ الواعيةُ الَّتي لأهلِها قلوبٌ يقظةٌ مبصِرةٌ، فنلاحظُ أنَّ اللهَ ذكرَ جملةً من هذهِ القصصِ بطريقِ الإيجازِ والإشارةِ، وكلُّ هؤلاءِ قد فصَّلَ اللهُ أخبارَهم في سورٍ من القرآنِ كالأعرافِ وهودٍ والشُّعراء وغيرِها من السُّورِ.

 

 (تفسيرُ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى-: تفسيرُ سورةِ الحاقَّةِ وهيَ مكِّيَّةٌ.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ} الآياتِ:

{الْحَاقَّةُ} مِن أسماءِ يومِ القيامةِ، لأنَّها تحقُّ وتنزلُ بالخلقِ، وتظهرُ فيها حقائقُ الأمورِ، ومخبآتُ الصُّدورِ، فعظَّمَ تعالى شأنَها وفخَّمَهُ، بما كرَّرَهُ مِن قولِهِ: {الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ} فإنَّ لها شأنًا عظيمًا وهولًا جسيمًا، ومِن عظمتِها أنَّ اللهَ أهلكَ الأممَ المكذِّبةَ بها بالعذابِ العاجلِ.

ثمَّ ذكرَ نموذجًا مِن أحوالِها الموجودةِ في الدُّنيا المُشاهَدةِ فيها، وهوَ ما أحلَّهُ مِن العقوباتِ البليغةِ بالأممِ العاتيةِ فقالَ: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ} وهم القبيلةُ المشهورةُ سكانُ الحِجرِ الَّذينَ أرسلَ اللهُ إليهم رسولَهُ صالحًا -عليهِ السَّلامُ-، ينهاهم عمَّا هم عليهِ مِن الشِّركِ، ويأمرُهم بالتَّوحيدِ، فردُّوا دعوتَهُ وكذَّبُوهُ وكذَّبُوا ما أخبرَهم بهِ مِن يومِ القيامةِ، وهيَ القارعةُ الَّتي تقرعُ الخلقَ بأهوالِها، وكذلكَ عادٌ الأولى سكَّانُ حضرموتَ حينَ بعثَ اللهُ إليهم رسولَهُ هودًا -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- يدعوهم إلى عبادةِ اللهِ وحدَهُ فكذَّبُوهُ وكذَّبُوا بما أخبرَ بهِ مِن البعثِ فأهلكَ اللهُ الطَّائفتَينِ بالهلاكِ المُعجَّلِ {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ} وهيَ الصَّيحةُ العظيمةُ الفظيعةُ، الَّتي انصدعَتْ منها قلوبُهم وزهقَتْ لها أرواحُهم فأصبحُوا موتىً لا يُرَى إلَّا مساكنُهم وجثثُهم.

{وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ} أي: قويَّةٍ شديدةِ الهبوبِ لها صوتٌ أبلغُ مِن صوتِ الرَّعدِ القاصفِ {عَاتِيَةٍ} أي: عتَتْ على خزَّانِها، على قولِ كثيرٍ مِن المفسِّرينَ، أو عتَتْ على عادٍ وزادَتْ على الحدِّ كما هوَ الصَّحيحُ.

{سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} أي: نحسًا وشرًّا فظيعًا عليهم فدمَّرَتْهم وأهلكَتْهم، {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى} أي: هلكى موتى {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} أي: كأنَّهم جذوعُ النَّخلِ الَّتي قد قُطِّعَتْ رؤوسُها الخاويةُ السَّاقطُ بعضُها على بعضٍ.

{فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} وهذا استفهامٌ بمعنى النَّفيِ المتقرِّرِ.

قالَ اللهُ تعالى: {وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ…} الآياتِ:

أي: وكذلكَ غيرُ هاتينِ الأمَّتَينِ الطَّاغيتَينِ -عادٍ وثمودٍ- جاءَ غيرُهم مِن الطُّغاةِ العتاةِ كفرعونِ مصرَ الَّذي أرسلَ اللهُ إليهِ عبدَهُ ورسولَهُ موسى بنَ عمرانَ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- وأراهُ مِن الآياتِ البيِّناتِ ما تيقَّنُوا بها الحقَّ ولكنْ جحدُوا وكفرُوا ظلمًا وعلوًّا وجاءَ مِن قبلِهِ مِن المكذِّبينَ، {وَالْمُؤْتَفِكَاتِ} أي: قرى قومِ لوطٍ، الجميعُ جاؤُوا {بِالْخَاطِئَةِ} أي: بالفعلةِ الطَّاغيةِ وهيَ الكفرُ والتَّكذيبُ والظُّلمُ والمعاندةُ وما انضمَّ إلى ذلكَ مِن أنواعِ المعاصي والفسوقِ.

{فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ} وهذا اسمُ جنسٍ أي: كلٌّ مِن هؤلاءِ كذَّبُوا الرَّسولَ الَّذي أرسلَهُ اللهُ إليهم. فأخذَهم اللهُ جميعًا {أَخْذَةً رَابِيَةً} أي: زائدةً على الحدِّ والمقدارِ الَّذي يحصلُ بهِ هلاكُهم.

ومِن جملةِ أولئكَ قومُ نوحٍ أغرقَهم اللهُ في اليمِّ

– الشيخ : يعني: في ماءِ البحرِ، يعني: فلمَّا نزلَ الماءُ مِن السَّماءِ ونبعَ من الأرضِ صارَ على وجهِ الأرضِ بحرٌ يموجُ علا فوقَ الجبالِ.

 

– القارئ : أحسنَ اللهُ إليكَ، لمَّا طغى الماءُ على وجهِ الأرضِ وعلا على مواضعِها الرَّفيعةِ. وامتنَّ اللهُ على الخلقِ الموجودينَ بعدَهم أنَّ اللهَ حملَهم {فِي الْجَارِيَةِ} وهيَ: السَّفينةُ في أصلابِ آبائِهم وأمَّهاتِهم الَّذينَ نجَّاهم اللهُ.

فاحمدُوا اللهَ واشكرُوا الَّذي

– الشيخ : هو يريدُ الشَّيخ أنَّه يقولُ {حَمَلْنَاكُمْ} والمُخاطَبون لم يركبوا السَّفينةَ، لكن وجهُ ذلك أنَّ اللهَ حملَ آباءَهم الَّذين ركبُوا السَّفينةَ فهم أصلٌ لمن جاءَ بعدَهم ولهذا قالَ: {حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} فإذا نجا الآباءُ في السَّفينةِ فهي نجاةٌ لمن بعدَهم لذرِّيَّاتِهم، الشَّيخُ يريدُ يُوجِّهُ كونَ الخطابِ للموجودين عندَ نزولِ القرآنِ نجَّيناكم أو {حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ}، {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} والحقيقةُ أنَّه حملَ الآباءَ والأصولَ الَّتي نتجَت عنها هذه البشريَّةُ من بعدهم، نوحٌ وأولادُه ومَن معَهم من المؤمنين.

– طالب:

– الشيخ : هو كثيرٌ هذا كثيرٌ في القرآن، سورةُ البقرةِ كلُّها خطابٌ للموجودين، فيه توبيخٌ لهم وإنكارٌ عليهم بما فعلَ آباؤُهم وتبعوهم فيهِ.

 

– القارئ : فاحمدُوا اللهَ واشكرُوا الَّذي نجَّاكم حينَ أهلكَ الطَّاغينَ واعتبِرُوا بآياتِهِ الدَّالَّةِ على توحيدِهِ ولهذا قالَ: {لِنَجْعَلَهَا} أي: الجاريةُ والمرادُ جنسُها، {لَكُمْ تَذْكِرَةً} تذكِّرُكم أوَّلَ سفينةٍ صُنِعَتْ وما قصَّتُها وكيفَ نجَّى اللهُ عليها مَن آمنَ بهِ واتَّبعَ رسولَهُ وأهلكَ أهلَ الأرضِ كلِّهم فإنَّ جنسَ الشَّيءِ مذكِّرٌ بأصلِهِ.

وقولُهُ: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} أي: تعقلُها أولو الألبابِ ويعرفونَ المقصودَ منها ووجهُ الآيةِ بها.

وهذا بخلافِ أهلِ الإعراضِ والغفلةِ

– الشيخ : {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37]، من هذا القبيلِ، فمن كانَ له قلبٌ وأصغى إلى سماعِ الآياتِ انتفعَ بها وتذكَّرَ وصارَتْ له الآياتُ آياتٍ دالَّةً، تدلُّه على الهدى فيهتدي بها

– القارئ : أحسنَ اللهُ إليكَ، وهذا بخلافِ أهلِ الإعراضِ والغفلةِ وأهلِ البلادةِ وعدمِ الفِطنةِ فإنَّهم ليسَ لهم انتفاعٌ بآياتِ اللهِ لعدمِ وعيِهم عن اللهِ، وفكرِهم بآياتِ اللهِ. انتهى.

– الشيخ : باركَ اللهُ فيك .