الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية/(145) فصل متابعة حكاية كلام ابن البطريق عن النصارى قوله “ثم هذا الثالث إن كان قديما خالقا صار هنا خالقين قديمين”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(145) فصل متابعة حكاية كلام ابن البطريق عن النصارى قوله “ثم هذا الثالث إن كان قديما خالقا صار هنا خالقين قديمين”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الجواب الصَّحيح لِمَن بدّل دين المسيح) لابن تيمية
الدّرس: الخامس والأربعون بعد المئة

***    ***    ***    ***

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على أشرف الانبياء والمرسلين نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعينَ، أما بعد؛ فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- في كتابه: (الجوابُ الصَّحيحُ لِمَن بدَّلَ دِينَ المسيحِ) يقول رحمه الله تعالى:

ثُمَّ هَذَا الثَّالِثُ، إِنْ كَانَ قَدِيمًا خَالِقًا، صَارَ هُنَا خَالِقَيْنِ قَدِيمَيْنِ.

وَإِنْ كَانَ مَخْلُوقًا مُحْدَثًا، كَانَ الْخَالِقُ قَدْ صَارَ مَخْلُوقًا مُحْدَثًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ اسْتِحَالَةَ الْخَالِقِ إِلَى خَالِقٍ آخَرَ أَوْ إِلَى مَخْلُوقٍ، مُمْتَنِعٌ ظَاهِرُ الِامْتِنَاعِ.

وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا، أَنَّ مَا مَثَّلُوا بِهِ مِنَ الْحَدِيدَةِ الْمُحَمَّاةِ بِالنَّارِ، هِيَ جَوْهَرٌ ثَالِثٌ يَجْرِي عَلَى نَارِهَا مَا يَجْرِي عَلَى حَدِيدِهَا، فَإِذَا طُرِقَتْ، فَالتَّطْرِيقُ وَاقِعٌ عَلَى نَارِهَا كَمَا هُوَ وَاقِعٌ عَلَى حَدِيدِهَا، وَكَذَلِكَ إِذَا مُدَّتْ، وَكَذَلِكَ إِذَا بُصِقَ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ إِذَا أُلْقِيَتْ فِي الْمَاءِ.

فَإِنْ كَانَ هَذَا التَّمْثِيلُ مُطَابِقًا، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَا حَلَّ بِالنَّاسُوتِ قَدْ حَلَّ بِاللَّاهُوتِ.

فَيَكُونُ رَبُّ الْعَالَمِينَ هُوَ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَبُولُ وَيَتَغَوَّطُ، وَهُوَ الَّذِي صُفِعَ عِنْدَهُمْ، وَبُصِقَ فِي وَجْهِهِ، وَجُعِلَ الشَّوْكُ عَلَى رَأْسِهِ، وَضُرِبَ بِالسِّيَاطِ، وَصُلِبَ وَمَاتَ وَتَأَلَّمَ، كَمَا يُحْكَى مِثْلُ هَذَا عَنِ الْيَعْقُوبِيَّةِ.

وَهَذَا لَازِمٌ لِكُلِّ مَنْ قَالَ بِالِاتِّحَادِ، حَتَّى النُّسْطُورِيَّةِ إِنْ قَالُوا: إِنَّهُمَا مُتَّحِدَانِ بِالْمَشِيئَةِ بِمَعْنَى أَنَّ مَشِيئَةَ هَذَا عَيْنُ مَشِيئَةِ هَذَا.

بِخِلَافِ مَا إِذَا قَالُوا: إِنَّ مَشِيئَتَهُ مُوَافِقَةٌ لِمَشِيئَتِهِ، لَيْسَتْ إِيَّاهَا، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المائدة:72-75] فَذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: أَنَّهُمَا كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَظْهَرِ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّهُمَا مَخْلُوقَانِ مَرْبُوبَانِ، إِذِ الْخَالِقُ أَحَدٌ صَمَدٌ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ.

وَذَكَرَ مَرْيَمَ مَعَ الْمَسِيحِ; لِأَنَّ مِنَ النَّصَارَى مَنِ اتَّخَذَهَا إِلَهًا آخَرَ فَعَبَدَهَا كَمَا عَبَدَ الْمَسِيحَ.

وَالَّذِينَ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا كَثِيرٌ مِنْهُمْ يَطْلُبُ مِنْهَا كُلَّ مَا يُطْلَبُ مِنَ اللَّهِ حَتَّى يَقُولَ لَهَا: اغْفِرِي لِي وَارْحَمِينِي، وَغَيْرَ ذَلِكَ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَشْفَعُ فِي ذَلِكَ إِلَى ابْنِهَا.

فَتَارَةً يَقُولُونَ: يَا وَالِدَةَ الْإِلَهِ، اشْفَعِي لَنَا إِلَى الْإِلَهِ

– الشيخ : آمنتُ بالله.

– القارئ : وَتَارَةً يَسْأَلُونَهَا الْحَوَائِجَ الَّتِي تُطْلَبُ مِنَ اللَّهِ وَلَا يَذْكُرُونَ شَفَاعَةً، وَآخَرُونَ يَعْبُدُونَهَا كَمَا يَعْبُدُونَ الْمَسِيحَ.

وَقَدْ ذَكَرَ سَعِيدُ بْنُ الْبِطْرِيقِ هَذَا عَنْهُمْ، لَمَّا ذَكَرَ اجْتِمَاعَهُمْ عِنْدَ "قُسْطَنْطِينَ" بِـ "نِيقِيَةَ".

قَالَ: وَكَانُوا مُخْتَلِفِي الْآرَاءِ مُخْتَلِفِي الْأَدْيَانِ.

فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْمَسِيحُ وَأُمُّهُ إِلَهَانِ مِنْ دُونِ اللَّهِ،

– الشيخ : كما قال الله تعالى: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [المائدة:116]

 

– القارئ : وَهُمُ الْمَرْيَمَانِيُّونَ وَيُسَمَّوْنَ الْمَرْيَمَانِيَّةَ، كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [المائدة:116،117] وَهُوَ -سُبْحَانَهُ- لَمْ يَحْكِ هَذَا عَنْ جَمِيعِ النَّصَارَى، بَلْ سَأَلَ الْمَسِيحَ سُؤَالًا يُقَرِّعُ بِهِ مَنِ اتَّخَذَهُ وَأُمَّهُ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ.

قَالَ ابْنُ الْبِطْرِيقِ: وَيُقَالُ لِلنُّسْطُورِيَّةِ أَيْضًا: أَخْبِرُونَا عَنِ النَّاسُوتِ الَّتِي اتَّحَدَتْ بِهَا اللَّاهُوتُ وَسُمِّيَ مَسِيحًا، هَلْ لَمْ يَزَلْ مَسِيحًا مُنْذُ كَانَ فِي بَطْنِ مَرْيَمَ إِلَى حِينِ وَضَعَتْهُ وَأَرْضَعَتْهُ وَشَبَّ وَصُلِبَ وَقُتِلَ؟ أَمْ كَانَ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَهُوَ وَاحِدٌ مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ اتَّحَدَ بَعْدَ ذَلِكَ اللَّاهُوتُ بِالنَّاسُوتِ فَكَانَ مَسِيحًا؟

فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَكُنْ مَسِيحًا وَهُوَ فِي بَطْنِ مَرْيَمَ، وَإِنَّمَا وَلَدَتْ مَرْيَمُ إِنْسَانًا كَانَ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَهُوَ وَاحِدٌ مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ اتَّحَدَ بَعْدَ ذَلِكَ اللَّاهُوتُ بِالنَّاسُوتِ فَكَانَ مَسِيحًا، تَرَكُوا قَوْلَهُمْ وَكَذَّبُوا الْإِنْجِيلَ وَبَوْلُصَ وَجَمِيعَ كُتُبِ الْكَنِيسَةِ، وَخَرَجُوا عَنْ مَقَالَةِ النَّصْرَانِيَّةِ.

وَإِنْ قَالُوا: إِنَّ اللَّاهُوتَ اتَّحَدَ فِي النَّاسُوتِ عِنْدَ الْحَمْلِ، وَأنَّهُ كَانَ مَسِيحًا وَهُوَ مَحْمُولٌ وَمَوْلُودٌ وَمُرْضَعٌ إِلَى أَنْ صُلِبَ وَقُتِلَ – قَدْ أَقَرُّوا أَنَّ مَرْيَمَ وَلَدَتْ إِلَهًا مَسِيحًا وَاحِدًا، أُقْنُومًا وَاحِدًا.

– الشيخ : الحمد لله.

– القارئ : فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا التَّقْسِيمُ يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ النَّصَارَى الَّذِي ابْتَدَعَهُ طَوَائِفُهُمُ الثَّلَاثَةُ وَغَيْرُهُمْ، فَإِنَّ الِاتِّحَادَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ حِينِ حَمَلَتْ بِهِ مَرْيَمُ، وَأَنَّهُ كَانَ يَنْمُو قَلِيلًا قَلِيلًا كَنُمُوِّ جَسَدِ الْمَسِيحِ، وَالِاتِّحَادُ بَاطِلٌ، كَمَا قَدْ قُرِّرَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ مُمْكِنٌ لَظَهَرَ أَثَرُ ذَلِكَ.

فَإِنَّ اللَّهَ تعالى لَمَّا كَلَّمَ مُوسَى مِنَ الشَّجَرَةِ، ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ وَالْعَظَمَةِ مَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ كَانَ إِذَا كَلَّمَ مُوسَى يُظْهِرُ آيَاتِ ذَلِكَ.

وَكَذَلِكَ مَا أَخْبَرَ بِهِ فِي التَّوْرَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ مُصَاحَبَتِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُوَ مِمَّا ظَهَرَ أَثَرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّحِدًا وَلَا حَالًّا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.

وَلَمَّا تَجَلَّى مِنْ طُورِ سَيْنَا وَأَشْرَقَ مِنْ "سَاعِيرَ" وَاسْتَعْلَنَ مِنْ جِبَالِ "فَارَانَ" بِمَا أَنْزَلَهُ مِنْ كُتُبِهِ، ظَهَرَ آثَارُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتُهُ مُتَّحِدَةً وَلَا حَالَّةً بِفَارَانَ وَلَا طُورِ سَيْنَا، بِاتِّفَاقِ الْأُمَمِ.

فَكَيْفَ تَكُونُ ذَاتُهُ مُتَّحِدَةً بِمَا فِي بَطْنِ مَرْيَمَ، أَوْ حَالَّةً فِيهِ، وَلَا يَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ؟

وَأَيْضًا فَيُقَالُ لَهُ: قَدْ يَقُولُ النُّسْطُورِيَّةُ لَهُ: النَّاسُوتُ كَانَ مَسِيحًا مِنْ حِينِ الْحَمْلِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ طَاهِرًا مُقَدَّسًا، لَا بِمَعْنَى اتِّحَادِ اللَّاهُوتِ بِهِ.

وَإِنْ قَالُوا: الْمَسِيحُ اسْمُ اللَّاهُوتِ وَالنَّاسُوتِ جَمِيعًا. فَيُقَالُ: لَيْسَ فِي كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ مَا يَقْتَضِي هَذَا، وَالنُّسْطُورِيَّةُ يُسَلِّمُونَ ذَلِكَ، لَكِنْ قَدْ يَقُولُونَ: إِنَّ الْمَسِيحَ اسْمٌ لَهُمَا كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ اسْمٌ لِلرُّوحِ وَالْجَسَدِ.

ثُمَّ قَدْ يُقَالُ لِجَسَدِ الْإِنْسَانِ الْمَيِّتِ: "هَذَا الْإِنْسَانُ"، فَيُقَالُ وَهُوَ فِي بَطْنِ مَرْيَمَ أُمِّهِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ: "هَذَا الْجَنِينُ، وَهَذَا الْحَمْلُ". فَكَذَلِكَ إِذَا قِيلَ لَهُ: مَسِيحٌ بِدُونِ اللَّاهُوتِ.

وَأَيْضًا فَقَدْ تَقُولُ النَّسَاطِرَةُ بِاقْتِرَانِ اللَّاهُوتِ مِنْ حِينِ الْحَمْلِ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَدْ وَلَدَتْ إِلَهًا، إِذْ لَمْ يَقُولُوا بِالِاتِّحَادِ، بَلْ قَالُوا: هُمَا جَوْهَرَانِ أُقْنُومَانِ، وَلَدَتْ أَحَدَهُمَا وَلَمْ تَلِدِ الْآخَرَ، كَمَا تَقُولُ الْمَلَكِيَّةُ مَعَهُمْ: إِنَّهُ صُلِبَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُصْلَبِ الْآخَرُ، وَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَمُتِ الْآخَرُ، وَتَأَلَّمَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَتَأَلَّمِ الْآخَرُ.

فَكَيْفَ جَوَّزَ الْمَلَكِيَّةُ حِينَ الْمَوْتِ أَنْ يَحُلَّ الْمَوْتُ وَالصَّلْبُ وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَسَائِرُ الْأُمُورِ الْبَشَرِيَّةِ بِأَحَدِ الْجَوْهَرَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، وَلَمْ يُجَوِّزُوا -حِينَ الْوِلَادَةِ- أَنْ تَلِدَ مَرْيَمُ أَحَدَ الْجَوْهَرَيْنِ دُونَ الْآخَرِ؟ وَهَلْ هَذَا إِلَّا مِنْ تَنَاقُضِهِمْ؟ كَقَوْلِهِمْ جَمِيعًا: إِنَّهُ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ وَقَعَدَ عَنْ يَمِينِ أَبِيهِ مَعَ قَوْلِهِمْ: إِنَّ اللَّاهُوتَ مَعَ النَّاسُوتِ قَعَدَ عَنْ يَمِينِ الْأَبِ.

وَيَقُولُونَ مَعَ ذَلِكَ: إِنَّ اللَّاهُوتَ الْقَاعِدَ عَنْ يَمِينِ الْآخَرِ هُوَ ذَلِكَ الْآخَرُ، وَهُمَا جَوْهَرٌ وَاحِدٌ، وَإِلَهٌ وَاحِدٌ، مَعَ قَوْلِهِ: إِنَّهُ إِلَهٌ حَقٌّ مِنْ إِلَهٍ حَقٍّ، فَمُنَاقَضَتُهُمْ كَثِيرَةٌ.

وَلَا رَيْبَ أَنَّ قَوْلَ النُّسْطُورِيَّةِ أَيْضًا مُتَنَاقِضٌ، لَكِنْ لَا يُمْكِنُ أَنْ نُصَحِّحَ قَوْلَ الْمَلَكِيَّةِ دُونَ قَوْلِهِمْ، بَلْ قَوْلُ الْمَلَكِيَّةِ أَعْظَمُ فَسَادًا وَتَنَاقُضًا.

فَالنُّسْطُورِيَّةُ يَقُولُونَ: الْإِلَهُ لَمْ يُولَدْ وَلَمْ يُصْلَبْ.

وَالْيَعْقُوبِيَّةُ يَقُولُونَ: وُلِدَ وَصُلِبَ.

وَالْمَلَكِيَّةُ يَقُولُونَ: وُلِدَ وَلَمْ يُصْلَبْ.

وَمَتَى جَازَ أَنْ يُولَدَ، جَازَ أَنْ يَمُوتَ وَيُصْلَبَ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصْلَبَ وَيَمُوتَ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُولَدَ.

فَتَجْوِيزُ أَحَدِهِمَا وَمَنْعُ الْآخَرِ تَنَاقُضٌ.

وَيُقَالُ لِلْمَلَكِيَّةِ: أَنْتُمْ تَقُولُونَ: إِنَّ اللَّاهُوتَ اتَّحَدَ بِالنَّاسُوتِ عِنْدَ الْحَمْلِ،

– الشيخ : قف على هذا، وَيُقَالُ لِلْمَلَكِيَّةِ، الله المستعان

– القارئ : أحسن الله إليك، إذا كان نُكْمل ثلاثَ سطور بس [فقط] لأنَّه يبدأ "قالَ: ابن البطريق ويقال"، نكمل ثلاث سطور أحسن الله إليك؟

– الشيخ : أكمل

– القارئ : وَيُقَالُ لِلْمَلَكِيَّةِ: أَنْتُمْ تَقُولُونَ: إِنَّ اللَّاهُوتَ اتَّحَدَ بِالنَّاسُوتِ عِنْدَ الْحَمْلِ، وَكَانَ مَسِيحًا وَهُوَ مَصْفُوعٌ وَمَصْلُوبٌ وَمَيِّتٌ وَمُتَأَلِّمٌ. وَتَقُولُونَ: هَذَا كَانَ بِالنَّاسُوتِ دُونَ اللَّاهُوتِ، فَهَذَا التَّنَاقُضُ مِنْ جِنْسِ تَنَاقُضِ النَّسَاطِرَةِ.

قَالَ ابْنُ الْبِطْرِيقِ

– الشيخ : إلى هنا

– القارئ : أحسن الله إليكم

– طالب: أحسن الله إليك، سؤال: قوله سبحانه: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} [المائدة:112] هل كانوا شاكين في قدرة الله؟

– الشيخ : للمفسّرين في هذا كلام يقولون: "هل يمكن؟" يعني ما أرادوا بالاستطاعةِ يعني: هل يَقْدِرُ؟ يعني: "هل يمكن؟" "هل يمكن أن يُنزلَ اللهُ علينا كذا وكذا "

– طالب: لكن هل يُستفاد منه أنه مَنْ نطقَ بالكفر وهو غيرُ قاصدٍ أنه لا يكفر؟

– الشيخ : الذي نطق وهو لا يفهم مدلوله، ما يفهم ما يعرف، ما يفهم أنه كفر

– طالب: مثل الذي يحلف بغير الله سبحانه، متعودين، عندنا في مصر نقول: "والنبي" بس [لكن] ما نقصدُ الحلفَ بالنَّبي.

– الشيخ : بس [لكن] يُنكر عليهم ويُعلَّمون .

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :