الرئيسية/شروحات الكتب/فتح الرحيم الملك العلام/علم الاخلاق/(1) النوع الثاني من علوم القران ومقاصده – علم الآداب والأخلاق الكاملة
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(1) النوع الثاني من علوم القران ومقاصده – علم الآداب والأخلاق الكاملة

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ)
علم الأخلاق 
الدَّرس الأوَّل

***    ***    ***    ***

 

– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللَّهمَّ اغفرْ لشيخِنا وللحاضرينَ والمستمعينَ. قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى وأسكنَهُ فسيحَ جنانِهِ- في كتابِهِ: "فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلَّامِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ" قالَ رحمَهُ اللهُ:

النَّوعُ الثَّاني مِن علومِ القرآنِ ومقاصدِهِ "علمُ الآدابِ والأخلاقِ الكاملةِ"

القرآنُ الكريمُ كتابُ تعليمٍ وإرشادٍ، وكتابُ تربيةٍ على أكملِ الأخلاقِ، وأحسنِ الآدابِ، وأسمى الأوصافِ، وحثَّ عليها بكلِّ وسيلةٍ، وزجرَ عن ضدِّها، لا يُوجَدُ خلقٌ كاملٌ إلَّا وقد دلَّ عليهِ القرآنُ

– الشيخ : الصِّدق والصَّبر والعفو والحلم والإحسان أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:133-134]، اصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46]، اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119]، وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23]، وسيذكرُ الشَّيخُ شواهدَ لهذا.

 

– القارئ : ولا أدبٌ حميدٌ إلَّا وقد دعا إليهِ وبيَّنَهُ، والأخلاقُ الكاملةُ والآدابُ السَّاميةُ تجعلُ صاحبَها مستقيمَ الظَّاهرِ والباطنِ معتدلَ الأحوالِ، مكتمِلَ الأوصافِ الحسنةِ، طاهرَ القلبِ نقيُّهُ مِن كلِّ درنٍ وآفةٍ ونقصٍ، قويَّ القلبِ، متوجِّهًا قلبُهُ إلى أعلى الأمورِ وأنفعِها، قائمًا بالحقوقِ الواجبةِ والمُستحَبَّةِ، محمودًا عندَ اللهِ وعندَ خلقِهِ، قد حازَ الشَّرفَ والاعتبارَ الحقيقيَّ، وسلمَ مِن كلِّ دَنَسٍ وآفةٍ، قد تواطأَ ظاهرُهُ وباطنُهُ على الاستقامةِ، وسلوكِ طريقِ الفلاحِ، وعلُوُ مكانةِ المتخلِّقِ بأخلاقِ القرآنِ وآدابِهِ لا يمتري فيهِ مَن لهُ أدنى مسكةٍ مِن عقلٍ، لأنَّ العقلَ مِن أكبرِ الشَّواهدِ على حسنِ ما جاءَ بهِ الشَّرعُ.

ولهذا ينبِّهُ اللهُ أولي العقولِ والألبابِ، ويوجِّهُ إليهم الخطابَ، لأنَّهُ كلَّما كملَ عقلُ الإنسانِ عرفَ كمالَ ما جاءَ بهِ الشَّرعُ، وأنَّهُ يستحيلُ وجودُ قانونٍ أو نظامٍ أو غيرِها يقاربُ ما جاءَ بهِ القرآنُ كمالاً وفضلاً، ورفعةً وعلوًّا ونزاهةً، ويُعرَفُ ذلكَ بتتبُّعِ ما جاءَ بهِ القرآنُ.

فمِن أخلاقِهِ وآدابِهِ الَّتي فاقَتْ جميعَ الأخلاقِ: الحثُّ على الإخلاصِ للهِ في الأقوالِ والأفعالِ، والإنابةُ إلى اللهِ في جميعِ الأحوالِ، كما أمرَ اللهُ بالإخلاصِ في آياتٍ عديدةٍ، وأثنى على المخلصينَ والمنيبينَ إليهِ، وأخبرَ أنَّهم المنتفعونَ بالآياتِ.

فالإنابةُ هيَ انجذابُ القلبِ، وإقبالُهُ التَّامُّ على اللهِ، ويتحقَّقُ ذلكَ بالإخلاصِ للهِ في كلِّ ما يأتي العبدُ وما يذرُ، في معاملتِهِ للهِ والقيامِ بعبوديَّتِهِ، وفي معاملتِهِ للخلقِ والقيامِ بحقوقِهم. فأصلُ استقامةِ القلبِ بهذَينِ الأمرَينِ، فإنَّ المنيبَ المخلِصَ للهِ تعالى قد استقامَ على الصِّراطِ المستقيمِ، وتواطأَ ظاهرُهُ وباطنُهُ على الخيرِ المحضِ، وقد سهلَتْ عليهِ الأعمالُ بما في قلبِهِ مِن قوَّةِ الإنابةِ، وما يرجوا مِن ربِّهِ مِن جزيلِ الثَّوابِ.

ولا يخفى أنَّ النَّصيحةَ الَّتي هيَ الدِّينُ كما قالَ النَّبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الدِّينُ النَّصيحةُ) ثلاثًا، لا يمكنُ وجودُها ولا تمامُها إلَّا بهذَينِ الأمرَينِ.

فالمنيبُ المخلِصُ للهِ لا تجدُهُ إلَّا ناصحًا للهِ ولرسولِهِ، ولكتابِهِ ولأئمَّةِ المسلمينَ وعامَّتِهم.

قالَ تعالى: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ [الزمر:54]، مُنِيبِينَ إِلَيْهِ}[الروم:31]، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ [سبأ:9]، وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ [ق:33]

وقالَ تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5]، أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:3]

وقالَ في وصفِ النَّبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمهاجرينَ والأنصارِ أفضلِ هذهِ الأمَّةِ: يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً [المائدة:2]

وقالَ تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [النساء:114]

فالمخلِصُ للهِ قد علَّقَ قلبَهُ بأكملِ ما تعلَّقَتْ بهِ القلوبُ مِن رضوانِ ربِّهِ وطلبِ ثوابِهِ، وعملَ على هذا المقصدِ الأعلى فهانَتْ عليهِ المشقَّاتُ، وسهلَتْ عليهِ النَّفقاتُ، وسمحَتْ نفسُهُ بأداءِ الحقوقِ كاملةً موفرةً، وعلمَ أنَّهُ قد تعوَّضَ عمَّا فقدَهُ أفضلَ الأعواضِ وأجزلَ الثَّوابِ وخيرَ الغنائمِ.

وأيضًا مِن ثمراتِ الإخلاصِ أنَّهُ يمنعُ منعًا باتًّا مِن قصدِ مراءاةِ النَّاسِ وطلبِ محمدتِهم، والهربِ مِن ذمِّهم، والعملِ لأجلِهم، والوقوفِ عندَ رضاهم وسخطِهم، والتَّقيُّدِ بإرادتِهم ومرادِهم، وهذا هوَ الحرِّيَّةُ الصَّحيحةُ ألَّا يكونَ القلبُ متقيِّدًا متعلِّقًا بأحدٍ مِن الخلقِ.

ومِن ثمراتِ الإخلاصِ أنَّ العملَ القليلَ مِن المخلِصِ يعادلُ الأعمالَ الكثيرةَ مِن غيرِهِ، وأسعدُ النَّاسِ بشفاعةِ محمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَن قالَ: (لا إلهَ إلَّا اللهَ خالصًا مِن قلبِهِ) كما ثبتَ ذلكَ في حديثِ أبي هريرةَ -رضيَ اللهُ عنهُ-، وأنَّهُ أحدُ السَّبعةِ (الَّذينَ يظلُّهم اللهُ في ظلِّهِ، يومَ لا ظلَّ إلَّا ظلُّهُ، رجلانِ تحابَّا في اللهِ اجتمعَا عليهِ وتفرَّقَا عليهِ، ورجلٌ ذكرَ اللهَ خاليًا ففاضَتْ عيناهُ…) حديثُ السَّبعةِ الَّذينَ يظلُّهم اللهُ في ظلِّهِ، يومَ لا ظلَّ إلَّا ظلُّهُ. وأنَّ المخلصَ يصرفُ اللهُ عنهُ مِن السُّوءِ والفحشاءِ ما لا يصرفُهُ عن غيرِهِ. قالَ تعالى عن يوسفَ: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ[يوسف:24]، قُرِئَ بكسرِ اللَّامِ وفتحِها، وهما متلازمتانِ، لأنَّ اللهَ تعالى لإخلاصِهم جعلَهم مِن المخْلَصينَ.

فالمخلصونَ هم خلاصةُ الخلقِ وصفوتُهم، وهل يُوجَدُ أكملُ ممَّن خلصَتْ إرادتهُم ومقاصدُهم للهِ وحدَهُ، طلبًا لرضاهُ وثوابِهِ، وتفرَّعَتْ أعمالُهم الظَّاهرةُ والباطنةُ على هذا الأصلِ الطَّيِّبِ الجليلِ، مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا [إبراهيم:25-24]

ومِن ثمراتِ الإخلاصِ الطَّيِّبةِ: أنَّ المخلِصَ إذا عملَ معَ النَّاسِ إحسانًا قوليًّا، أو فعليًّا أو ماليًّا أو غيرَهُ، لا يبالي بجزائِهم ولا شكرِهم لأنَّهُ عاملَ اللهَ تعالى، واللهُ لا يضيعُ أجرَ مَن أحسنَ عملاً، ولا يثني عزمُهُ ونشاطُهُ قلَّةَ شكرِهم لهُ، فقد قالَ تعالى في حقِّ المخلصينَ: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً [الإنسان:9]

– الشيخ : ولهذا أرى أنَّه لا يطلبُ المعطي للصَّدقة لا يقول للفقير: "ادعُ لي" كأنَّه بهذا يتقاضى جزاءً، لكن إن دعا له ذاكَ فذاك من حسنِ ذاته وشكره للجميلِ، أعطِه وتصدَّقْ للهِ لا تطلبْ ممَّن تعطيه

– القارئ : ثمَّ قالَ رحمَهُ اللهُ: التَّوكُّلُ على اللهِ والاستعانةُ بهِ

– الشيخ : حسبُكَ، أقولُ: قفْ على هذا.

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة