الرئيسية/فتاوى/ما المراد بالتسلسل في المخلوقات الذي يثبته شيخ الإسلام
file_downloadshare

ما المراد بالتسلسل في المخلوقات الذي يثبته شيخ الإسلام

السؤال :

يقولُ السَّائلُ مِن روسيا: ما المرادُ بالتَّسلسُلِ في المخلوقاتِ الَّذي يثبتُهُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ ؟

 

المرادُ أنَّ المخلوقاتِ مستمرَّةٌ في الماضي، ويُعبَّرُ عن التَّسلسلِ بدوامِ الحوادثِ في الماضي، وهيَ مسألةٌ تكلَّمَ النَّاسُ فيها كثيرًا، وكثيرٌ مِن النَّاسِ وطلبةِ العلمِ لا يفهمونها، لا يفهمونَ حقيقتَها، معنى ذلك: ما مِن مخلوقٍ إلَّا وقبلَهُ مخلوقٌ وقبلَه مخلوقٌ، وهذا مأخوذٌ مِن أنَّ اللهَ لم يزلْ فعَّالًا لِمَا يريدُ ولم يزلْ على كلِّ شيءٍ قديرٌ، وكثيرٌ مِن طوائفِ المتكلِّمينَ يقولون: لا، يجبُ أنْ تكونَ للمخلوقاتِ بدايةٌ وقبلَها يمتنعُ وجودُ مخلوقاتٍ، ولا ريبَ أنَّ دوامَ الحوادثِ الماضيةِ ممكنٌ، لأنَّ اللهَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ، فحقيقةُ التَّسلسُلِ أنَّ ما مِن مخلوقٍ إلَّا وقبلَهُ مخلوقٌ، لكنْ كلُّ مخلوقٍ مسبوقٌ بعدمِ نَفسِهِ، فكلُّ مخلوقٍ فهو مُحدَثٌ بعدَ عدمٍ،  مُحدَثٌ بعدَ عدمٍ واللهُ خالقُهُ، وليسَ شيءٌ مِن هذه المخلوقاتِ مقارنًا لوجودِ اللهِ ودائمًا بدوامِه، فاللهُ قبلَ كلِّ شيءٍ، فما مِن مخلوقٍ إلَّا واللهُ قبلَه كما جاءَ في الحديثِ: (اللَّهمَّ أنتَ الأوَّلُ فليسَ قبلَكَ شيءٌ)، فاللهُ قبلَ كلِّ شيءٍ وليسَ قبلَهُ شيءٌ، اللهُ قبلَ كلِّ شيءٍ وليسَ قبلَهُ شيءٌ، والمنكَرُ هو القولُ بأنَّ هذه العوالمَ السَّموات أنَّها قديمةٌ هذا هو قولُ الفلاسفةِ، هذا لا يجوزُ، هذه السَّمواتُ مخلوقةٌ، مُحدَثةٌ بعدَ أنْ لم تكنْ، واللهُ أخبرَنا عن خلقِها فقالَ في آياتٍ: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [يونس:3]، وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ [الأنبياء:16]، وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ [الجاثية:22]، فالسَّمواتُ مخلوقةٌ مُحدَثةٌ بعدَ عدمٍ وليسَتْ بقديمةٍ وليسَتْ بقديمةٍ، وهذا باطلٌ .

وكلامُ شيخِ الإسلامِ لا يتضمَّنُ أثباتَ قديمٍ معَ اللهِ، لا، بل كلُّ مخلوقٍ فهو محدَثٌ بعدَ عدمٍ، وكلُّ مخلوقٍ فاللهُ خالقُهُ وهوَ قبلَهُ، وحينئذٍ فلا محذورَ في أنْ تكونَ المخلوقاتُ دائمةً أو الحوادثُ دائمةً، والتَّسلسُلُ يُعبَّرُ عنهُ بعباراتٍ: تسلسُلُ المخلوقاتِ في الماضي، دوامُ الحوادثِ في الماضي، حوادثُ لا أوَّلَ لها، كلُّها عباراتٌ واحدةٌ مدلولُها: أنَّهُ ما مِن مخلوقٍ إلَّا وقبلَهُ مخلوقٌ، هذا المقصودُ من التَّسلسُلِ، وقد شرحَهُ وقرَّرَهُ شيخُ الإسلامِ كثيرًا، وكثيرٌ من الغالطينَ عليهِ يقولونَ: إنَّهُ يقولُ بقِدَمِ العالَمِ، لا، فالمنكَرُ هو قولُ الفلاسفةِ أنَّ السَّمواتِ والأفلاكَ قديمةٌ، قديمةٌ يعني لا بدايةَ لوجودِها، وأنَّها مقارنةٌ لوجودِ اللهِ، هذا قولٌ منكَرٌ باطلٌ، وكذلك مَن قالَ: إنَّهُ يمتنعُ دوامُ الحوادثِ في الماضي، هو قولٌ باطلٌ؛ لأنَّهُ يتضمَّنُ تعجيزَ الرَّبِّ أنَّ اللهَ لم يكنْ قادرًا ثمَّ صارَ قادرًا، ولم يكنْ فاعلًا ثمَّ صارَ فاعلًا، لكنْ الحقُّ الَّذي دلَّ عليهِ العقلُ والشَّرعُ: أنَّ اللهَ لم يزلْ فعَّالًا لما يريدُ، ولم يزلْ على كلِّ شيءٍ قديرٌ .