(13) الفصل الثالث: معرفة دين الحق الإسلام (معنى شهادة أن محمداً رسول الله - الصلاة)

القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ حماد العمر –رحمه الله تعالى- في كتابه "الدين الحق":

معنى شهادةِ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ

ومعنى شهادةِ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ: أنْ تعلمَ وتعتقدَ بأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ إلى الناسِ جميعًا، وأنَّهُ عَبْدٌ لا يُعبَدُ، ورسولٌ لا يَكذِبُ، بل يُطاعُ ويُتَّبَعُ، مَنْ أطاعَهُ دخلَ الجنةَ، ومَنْ عصاهُ دخلَ النارَ، وأنْ تعلمَ وتعتقدَ بأنَّ تَلقِّي التشريعِ سواءٌ في شعائرِ العباداتِ التي أمرَ اللهُ بها، أو في نظامِ الحكمِ والتشريعِ في شتَّى المجالاتِ، أو في التحليلِ والتحريمِ، لا يكونُ إلا عَن طريقِ هذا الرسولِ الكريمِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّه رسولُ اللهِ المبلِّغُ عنه شريعتَهُ، فلا يجوزُ للمسلمِ أنْ يقبلَ تشريعًا أتى مِن غيرِ طريقِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، قالَ الله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا  [الحشر:7] وقالَ الله تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا  [النساء:65].
معنى الآيتَيْنِ: يأمرُ اللهُ في الآيةِ الأولى المسلمينَ أنْ يُطيعوا رسولَهُ محمدًا -عليهِ الصلاةُ والسلامُ- في جميعِ ما أمرَهُمْ بِهِ، وأنْ يَنتهوا عَن جميعِ ما نهاهُم عنه؛ لأنَّه إنَّما يأمرُ بأمرِ اللهِ ويَنهى بنهيهِ، وفي الآيةِ الأخرى يُقسمُ اللهُ -سبحانه- بنفسِهِ المقدَّسَةِ أنَّه لا يصحُّ إيمانُ إنسانٍ باللهِ وبرسولِهِ حتَّى يُحكِّمَ الرسولَ فيما شجرَ بينه وبينَ غيرِهِ، ثمَّ يرضى بحكمِهِ، ويُسلِّمَ لَه أو عليهِ، ...

الشيخ: ويسلِّم له، "عليه" ما لها وجه، ويسلِّم له..

القارئ:

ثمَّ يرضى بحكمِهِ، ويُسلِّمَ لَه، وقالَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم: مَنْ عملَ عملًا ليسَ عليهِ أمرُنَا فهو رَدٌّ  رواهُ مسلمٌ وغيرُهُ.

قالَ رحمَهُ اللهُ:

[شهادة لا إله إلا لله هي مفتاح الإسلام وأساسه ومقتضاها العمل بالأركان]

نداءٌ: إذا عرفتَ -أيُّها العاقلُ- معنى: "لا إلهَ إلا اللهُ محمَّدٌ رسولُ اللهِ"، وعرفتَ أنَّ هذهِ الشهادةَ هي مفتاحُ الإسلامِ وأساسُهُ الذي يُبنى عليهِ، فقلْ مِنْ قلبٍ مُخلِصٍ: "أشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا اللهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ"، واعملْ بمعنى هذهِ الشهادة لتنالَ السعادةَ في الدُّنيا وفي الآخرةِ، ولِتَنجو مِن عذابِ اللهِ بعدَ الموتِ.
واعلمْ أنَّ مِنْ مُقتضى شهادةِ "أنَّ لا إلهَ إلَّا اللهُ محمَّدٌ رسولُ اللهِ" العملُ ببقيةِ أركانِ الإسلامِ، لأنَّ اللهَ فرضَ هذهِ الأركانَ على المسلمِ ليعبدَهُ بأدائِها بصدقٍ وإخلاصٍ مِن أجلِهِ تعالى، ومَنْ تركَ ركنًا منها بدونِ عذرٍ مشروعٍ فقدْ أخلَّ بمعنى "لا إلهَ إلَّا اللهُ"، ولا تُعتبَرُ شهادتُهُ صحيحةٌ.

قالَ رحمَهُ الله:

الركنُ الثاني مِن أركانِ الإسلامِ: الصلاةُ

اعلمْ -أيُّها العاقلُ- أنَّ الركنَ الثاني مِن أركانِ الإسلامِ هو الصلاةُ، وهِيَ خمسُ صلواتٍ في اليومِ والليلةِ، شرعَها اللهُ تعالى؛ لتكونَ صلةً بينَه وبينَ المسلمِ، يُناجيهِ فيها ويدعوهُ، ولتكونَ ناهيةً للمسلمِ عَن الفحشاءِ والمنكرِ، فيحصلَ لَه مِن الراحةِ النفسيةِ والبدنيةِ ما يُسعدُهُ في الدُّنيا والآخرةِ.
وقدْ شرعَ اللهُ للصلاةِ طهارةَ البدنِ والثيابِ، والمكانِ الذي يُصلي فيهِ، فيتنظفُ المسلمُ بالماءِ الطَّهورِ مِن النجاساتِ مثلَ: البولِ والبرازِ، لكي يُطهِّرَ بدنَهُ مِن النجاسةِ الحسيَّةِ، وقلبَهُ مِن النجاسةِ المعنويَّةِ.
والصلاةُ هِيَ عمودُ الدِّينِ، وهِيَ أهمُّ أركانِهِ بعدَ الشهادتَيْنِ، يجبُ على المسلمِ أنْ يحافظَ عليها منذُ سِنُّ البلوغِ حتَّى يموتَ، ويجبُ أنْ يأمرَ بها أهلَهُ وأولادَهُ منذُ سِنِّ السَّابعةِ، لِكَي يعتادُوا عليها، قالَ اللهُ تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا  [النساء:103] وقال الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ  [البينة:5].
المعنى الإجمالي للآيتَيْنِ: يخبرُ اللهُ -تعالى- في الآيةِ الأولى أنَّ الصلاةَ فرضٌ محتَّمٌ على المؤمنينَ، وأنَّ عليهِمْ أنْ يُؤدُّوها في أوقاتِها المحدَّدةِ لها، وفي الآيةِ الأخرى: يُخبِرُ اللهُ –عزَّ وجل- أنَّ الأمرَ الذي أمرَ بِهِ الناسَ وخَلَقَهُمْ مِن أجلِهِ هو أنْ يعبدوهُ وحدَهُ، وأنْ يُخلصُوا لَه عبادتَهم، وأنْ يُقيمُوا الصلاةَ، ويُعطوا الزكاةَ للمستحقينَ.
والصلاةُ واجبةٌ على المسلمِ في جميعِ أحوالِهِ حتَّى في حالِ الخوفِ والمرضِ، فإنَّه يُصلِّي على قدرِ استطاعتِهِ قائمًا أو قاعدًا أو مضطجعًا، حتَّى لو لمْ يَقدِرْ إلا إشارةً بعينِهِ أو بقلبِهِ، فإنَّهُ يُصلِّي بالإشارةِ، وقدْ أخبرَ الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- أنَّ تاركَ الصلاةِ ليسَ بمسلمٍ رجلًا أو امرأةً، فقالَ: العهدُ الذي بَيْنَنَا وبينَهُمُ الصلاةَ فمَنْ تركَهَا فقدْ كَفَرَ  حديثٌ صحيحٌ.
والصلواتُ الخمسُ هي: صلاةُ الفجرِ، وصلاةُ الظهرِ، وصلاةُ العصرِ، وصلاةُ المغربِ، وصلاةُ العشاءِ.
ووقتُ صلاةِ الفجرِ يبدأُ بظهورِ نورِ الصباحِ في المشرقِ، ويخرجُ عندَ بزوغِ الشمسِ، ولا يجوزُ تأخيرُها إلى آخرِ وقتِها، ووقتُ صلاةِ الظهرِ يبدأُ مِن زوالِ الشمسِ حتَّى يصيرَ ظِلُّ الشيءِ طولَهُ بعدَ ظِلِّ الزوالِ، ووقتُ صلاةِ العصرِ يبدأُ بعدَ نهايةِ وقتِ الظهرِ إلى اصفرارِ الشمسِ، ولا يجوزُ تأخيرُها إلى آخرِ وقتِها، بلْ تُصلَّى ما دامتِ الشمسُ بيضاءَ نقيَّةً، ووقتُ المغربِ يبدأُ بعدَ غروبِ الشمسِ، وينتهي بمغيبِ الشَّفقِ الأحمرِ، ولا تُؤخَّرُ إلى آخرِ وقتِها، ووقتُ صلاةِ العشاءِ يبدأُ بعدَ نهايةِ وقتِ صلاةِ المغربِ إلى آخرِ الليلِ، لا تُؤخَّرُ بعدَهُ.

الشيخ: إلى منتصفِ الليلِ، هذا صحَّ به الحديث، وقتُ العشاءِ إذا غابَ الشفقُ إلى نصفِ الليلِ، هكذا صحَّ به الحديثُ، لا لآخرِ الليل...

طالب: وقتُ الاختيارِ يا شيخ؟

الشيخ: إي، هذا وقتُ الاختيار، معناه أنه ليسَ له التأخيرُ إلى بعد نصفِ الليل.

القارئ: إلا المضطر، صح شيخنا؟ إلا إذا كان مضطرًا وقتُ الاضطرار يعني.

الشيخ: نعم، بعدُه.

القارئ:

ولو أخَّرَ المسلمُ صلاةً واحدةً عَن وقتِها حتَّى يخرجَ مِن غيرِ مانعٍ شرعيٍّ خارجَ عَن إرادتِهِ؛ فإنَّهُ قدِ ارتكبَ ذنبًا عظيمًا، عليهِ أنْ يتوبَ إلى اللهِ ولا يعودُ، قالَ اللهُ تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ  [الماعون:4،5].

قالَ:

أحكامُ الصلاةِ

أولًا: الطهارةُ

قبلَ أنْ يدخلَ المسلمُ في الصلاةِ لا بدَّ لَه مِن الطهارةِ؛ فينظفُ أولًا المخرجَ، إنْ كانَ قدْ خرجَ منْهُ بولٌ أو برازٌ ثمَّ يتوضأُ.

[الوضوء]

والوضوءُ: يَنوي في قلبِهِ الطهارةَ، ولا يتلفَّظُ بالنيةِ؛ لأنَّ اللهَ بِهِ عليمٌ؛ ولأنَّ الرسولَ -صلى الله عليه وسلم- لمْ يتلفَّظْ بها، ويقولُ: بسمِ اللهِ، ثمَّ يتمضمضُ، ويستنشقُ الماءَ في أنفِهِ ويَنثرُهُ، ويغسلُ جميعَ وجهِهِ، ثمَّ يغسلُ يدَيْهِ معَ الذراعَيْنِ والمرفقَيْنِ بادئًا باليُمنى، ثمَّ يمسحُ جميعَ رأسِهِ بيدَيْهِ، ويمسحُ أذنَيْهِ، ثمَّ يغسلُ رجلَيْهِ معَ الكعبَيْنِ بادئًا باليُمنى.
وإذا خرجَ مِن الإنسانِ بعدما يتطهَّرُ بولٌ أو برازٌ أو ريحٌ، أو زالَ عقلُهُ بنومٍ أو إغماءٍ؛ فإنَّهُ يُعيدُ التطهُّرَ إذا أرادَ الصلاةَ.

[الغسل]

وإنْ كانَ المسلمُ جُنُبًا قدْ خرجَ منهُ المنيُّ بشهوةٍ ولو في المنامِ ذَكرًا أو أنثى، فإنَّهُ يتطهَّرُ بغسلِ جميعِ جسدِهِ مِن الجنابةِ، والمرأةُ إذا طَهُرَتْ مِن الحيضِ أو النِّفاسِ وجبَ عليها أنْ تتطهَّرَ بغَسلِ جميعِ جسدِها؛ لأنَّ الحائضَ والنُّفَسَاءَ لا تصحُّ صلاتُهُمَا، ولا تجبُ عليهما الصلاةُ حتَّى تَطْهُرَا، وقدْ خففَ اللهُ عنهما فأسقطَ عنهما قضاءَ ما فاتَهُمَا أيامَ الحيضِ والنِّفاسِ، أمَّا ما عَدَا ذلكَ فيجبُ عليهما قضاءُ ما فاتَهُمَا كالرجلِ.

[التيمم]

ومَنْ عُدِمَ الماءَ، أو كانَ يضرُّهُ استعمالُهُ كالمريضِ فإنَّهُ لأنَّ يتطهَّرُ بالتيممِ، وصفةُ التيممِ: يَنوي الطهارةَ في قلبِهِ، ويُسمِّي اللهَ، ثمَّ يضربُ بيدَيْهِ على الترابِ ضربةً واحدةً، ويمسحُ بهما وجهَهُ، ثمَّ يمسحُ ظهرَ اليدِ اليُمنى ببطنِ اليدِ الشمالِ، ويمسحُ ظهرَ الشِّمالِ ببطنِ اليُمنى، وبذا يكونُ قدْ تطهَّرَ، وهذا التَّيمُّمُ لكلٍّ مِن الحائضِ والنُّفساءِ إذا طَهُرَتَا، وللجُنُبِ، ولِمَنْ يريدُ الوضوءَ عندَ فَقْدِ الماءِ أو الخوفِ مِن استعمالِه.

قالَ –رحمه الله-:

ثانيًا: صفةُ الصلاةِ..

الشيخ: إلى هنا، نعم يا محمد..