الرئيسية/شروحات الكتب/القواعد الحسان لتفسير القرآن/(47) القاعدة الثّانية والأربعون: قوله “قد ميز الله في كتابه بين حقه الخاص وحق رسوله الخاص”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(47) القاعدة الثّانية والأربعون: قوله “قد ميز الله في كتابه بين حقه الخاص وحق رسوله الخاص”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس السّابع والأربعون

***     ***     ***     ***

– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمّدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين، قال الشيخ عبد الرّحمن بن ناصر السّعدي رحمهُ الله تعالى، وأسكنهُ فَسيحَ جِنانه، في رسالته "أصولٌ وقواعدُ في تَفْسيرِ القرآن":
القاعدة الثانية والأربعون:
فإنَّ الله قَدْ ميَّزَ في كتابهِ بينَ حقِّهِ الخاص وحقِّ رَسولهِ الخاص والحقِّ المُشْتَرَك.
الحقوقُ ثلاثة:
حقٌّ لله وَحْده، لا يَكونُ لغيرهِ: وهو عِبادتهُ وَحْدهُ لا شَريكَ له بِجَميعِ أنواعِ العبادات.
وحقٌّ خاصٌ لِرَسولهِ صلّى الله عليه وسلّم: وهو التّعزيرُ والتوقيرُ والقيامُ بِحَقّهِ اللائِق والاقتداءِ بهِ صلّى الله عليه وسلّم.
وحَقٌّ مُشْتَرَك: وهو الإيمانُ بالله ورسولهِ وطاعةِ الله ورسولهِ ومَحبّةِ الله ورَسولهِ.
وقَدْ ذكرَ الله الحقوقَ الثلاثة في آياتٍ كثيرةٍ مِنَ القرآنْ، فأمّا حَقّهُ: فَكُلُّ آيةٍ فيها الأمرُ بعبادتهِ وإخلاصِ العملِ لهُ، والتّرغيبِ في ذلك..

– الشيخ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ [البقرة:21]، وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا [النساء:36]، بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ [الزمر:66]، فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ [المائدة:44]
فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ [آل عمران:175]، وعلى الله فتوكَّلُوا [المائدة:23]، كُلُّ هذه في حقوقِ الله؛ لأنَّ هذه الأمور كُلَّها مِن أنواعِ العبادة، وكُلَّها حقٌ لله لا لِغيرهِ، فالخشيةُ والتّقوى والإنابة، هذه كُلُّها لله، والإيمانُ والطّاعة لله وللرّسول، إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ [النور:51-52]، فَخصَّ التّقوى والخَشية بالله، وجَعلَ الطّاعة لله وللرّسول، هذا مِنَ الحقِّ المُشْتَرك.

– القارئ: أحسن الله إليك، وقدْ جمعَ الله ذلكَ في قولهِ: لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [الفتح: من الآية9] فَهذا مُشْتَركْ، وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ [الفتح: من الآية9] فهذا خاصٌّ بالرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً [الفتح: من الآية9] فهذا حقٌّ لله وحده.
وقولهُ: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء:59]، في آيات كثيرة، وكذلك: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}.
وكذلكَ قولهُ: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوه 
[التوبة:62]، وقولهُ تَعالى: سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ [التوبة:59] فهذا مشترك، إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [التوبة:59] هذا مُختصٌّ بالله تعالى.
ولكنْ يَنْبَغي أنْ يَعْرفَ العبدُ أنَّ الحقَّ المُشترَكَ ليسَ مَعْناهُ أنَّ ما لله مِنْهُ يُثبِتُ نَظيرهُ مِن كُلِّ وَجهٍ لِرسولهِ، بلْ المحبّةُ والإيمانُ بالله والطّاعةُ لله لابدَّ أنْ يَصْحَبُها التعبّدُ والتّعظيمُ لله.

– الشيخ: التّعظيم، الطّاعة، طاعةُ الرّسولِ تَابعةٌ لطاعةِ الله، طاعةُ الرّسول تابِعة: مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80] فالمحبّةُ والإيمانُ بالرّسول هو مِن تَحقيقِ الإيمانِ بالله؛ لأنَّ الله أمرَ بذلك، فَللرّسولِ مِنَ الإيمانِ ما يَليقُ بهِ، ولله كذلكَ ما يَليقُ بهِ ويَخْتصُّ بهِ، فالإيمانُ بالله يَقْتَضي عِبادتهُ وإخلاصُ الدّينِ له، والإيمانُ بالرّسولِ يَقْتَضي اتّباعهُ والاقتداءَ بهِ صلّى الله عليه وسلّم.

– القارئ: أحسن الله إليكم، والطّاعةُ للهِ لابدَّ أنْ يَصْحَبها التّعبُّدُ والتّعظيمُ لله والخُضوع.
وأما المُتعلِّقُ بالرّسولِ مِن ذلك: فإنّهُ حبٌّ في الله، وطاعةٌ لأجلِ أنَّ مَن أطاعَ الرّسول فقدْ أطاعَ الله، بلْ حقُّ الرّسولِ على أمّتهِ مِن حقِّ الله تعالى، فَيقومُ المؤمنُ بهِ امْتِثالاً لأمرِ الله، وعبوديّةً له، وقياماً بِحقِّ رَسولهِ وطاعةً له.
وإنّما قيلَ لهُ حقُّ الرّسول، لِتَعلُّقهِ بالرّسول، وإلّا فَجميعُ ما أمرَ الله بهِ وحَثَّ عليهِ مِنَ القيامِ بِحقوقِ رَسولهِ، وحقوقِ الوالدين والأقْرَبين وغَيرهم، كُلُّه حقٌّ لله تَعالى، فَيقومُ بهِ العبدُ امْتِثالاً لأمرِ الله وتَعبُّداً لهُ، وقياماً بحقِّ ذي الحقِّ، وإحساناً إليهِ، إلّا الرسول، فإنَّ الإحسانَ مِنْهُ كُلّه إلى أمّتهِ، فما وصلَ إليهم خيرٌ إلّا على يَديهِ صلّى الله عليه وسلّم تَسْليماً.
– الشيخ:
نعم
– القارئ: أحسن الله إليك
القاعدة الثالثة والأربعون:
يأمرُ الله بالتّثبّتِ وعَدمِ العَجَلةِ في الأمورِ التي يُخْشى مِن عَواقِبها، ويَأمرُ ويَحثُّ على المُبادرةِ على أمورِ الخيرِ التي يُخشَى فَواتها، وهذه القاعدةُ في القرآنِ كَثير، قالَ تَعالى في القِسمِ الأول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا [النساء:94]، وفي قراءة: فتثبَّتُوا، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ [الحجرات:6]
وقدْ عاتبَ الله المُتسرِّعينَ إلى إذاعةِ الأخبارِ التي يُخْشى مِن إذاعتِها، فَقالَ تعالى: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء:83]، وقال تعالى: بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ [يونس:39]
ومِن هذا الباب: الأمرُ بالمُشاورةِ في الأمورِ، وأخذِ الحذَر، وأنْ لا يَقولَ الإنسانُ ما لا يَعْلم، وفي هذا آياتٌ كثيرة.
وأمّا القسمُ الثاني: فَقولهُ: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْض [آل عمران:133]، وقال تعالى: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة:148]، وقال تعالى: أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون:61]، وقال تعالى: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ [الواقعة:10]، أيْ: السّابِقُونَ في الدنيا إلى الخيراتْ: هم السّابِقون في الآخرةِ إلى الجّناتِ والكَرامات، والآيات كثيرةٌ في هذا المعنى.
وهذا الذي أرْشدَ الله عِبادَهُ إليهِ هو الكمال، أنْ يَكونوا حازِمينَ ولا يُفوّتونَ فُرَصَ الخَيراتِ، وأنْ يَكونوا مُتَثَبّتينَ خَشْيةِ وقوعِ المَكْروهاتِ والمَضرَّات، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة: 50]
– الشيخ:
أحسنت، انتهيت
– القارئ: انتهى، أحسن الله إليك
– الشيخ: لا إله إلّا الله، هذا هو موجِب الحِكمة والعَقل، أنْ يَكون، أنْ يتَّسمَ الإنسانُ بالتثبُّتِ والأناة في الأمورِ، وفي الأمورِ الطيّبة، إذا اسْتَبانَت، المُبادَرة والمُسارَعة، هذا هو الحَزم والحِكمة والرُّشد، والله نَهى عَن التسرُّع وأمرَ بالتثبُّتِ، وفي نَفسِ الوقت أمرَ بالمسابَقة إلى الخَيراتِ، إذا تَبيّن وَجهُ الأمرِ ووَجهُ الحقِّ فَلا مَجالَ للانْتِظار، بادِرْ واغْتَنِم الفُرَص، وهذا في الحقيقة أمرٌ يَفوتُ على كَثيرٍ مِنَ النَاس، والإنسانُ إذا تَدبَّرَ هذا يَجد أنّهُ واقعٌ في قَدْرٍ مِن هذا الأمرِ.
 
 
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :القرآن وعلومه