الرئيسية/شروحات الكتب/القواعد الحسان لتفسير القرآن/(55) القاعدة الخامسة والخمسون: قوله “يكتب للعبد عمله الذي باشره”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(55) القاعدة الخامسة والخمسون: قوله “يكتب للعبد عمله الذي باشره”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس الخامس والخمسون

***     ***     ***     ***

– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمّدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، اللهمَّ اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين، قال الشيخ عبد الرّحمن بن ناصر السّعدي رحمهُ الله تَعالى، وأسكنهُ فَسيحَ جِنانهِ، في رسالتهِ "أصولٌ وقواعدُ في تَفْسيرِ القرآنِ الكريم":
القاعدة الخامسة والخمسون:
يُكْتَبُ للعبدِ عَملَهُ الذي باشَرهُ، ويُكمَّلُ لهُ ما شُرِعَ فيهِ وعَجزَ عَن تَكْميلهِ، ويُكتَبُ لهُ ما نَشأ عَن عَمَلِه..
– الشيخ:
نعم، ويُكتب له

– القارئ: نعم، ويُكمَّلُ له ما شَرَعَ فيه، وعَجَزَ عَن تَكْميلهِ، أحسن الله إليك
– الشيخ:
وعَجِزَ
– القارئ: وعَجِزَ عَن تَكْميلهِ، ويُكتَبُ لهُ ما نَشأَ عَن عَمَلِه..
– الشيخ:
الله أكبر، فضلٌ مِنَ الله، فَضلٌ مِنَ الله، مِن شَواهِد هذا قَولهُ تَعالى في المجاهدين: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ [التوبة:120] الله أكبر، يُكْتَبُ لهم بهِ حَسنات، وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [التوبة:121]
(إِذَا مَاتَ ابنُ آدمَ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ، أَوْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ) أو كما جاءَ في الحديث.
الله أكبر، فيُكتَبُ للعبدِ العملِ الذي عَمَله، ويُكمَّلُ لهُ ما عَجِزَ عَنه، ويُكتَبُ لهُ ما ترتَّبَ على عَملهِ مِن آثارٍ حَميدة، ودَلائِلُ هذا كثيرة: (مَنْ دَلَّ عَلى هُدَى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا)

– القارئ: أحسن الله إليك، فهذه الأمورُ الثلاثة وَرَدتْ في القرآن، أمّا الأعمالُ التي بَاشرَها العبدُ فأكثرُ مِن أنْ تُحْصَى النُّصوصُ الدالّةُ عَليها..
– الشيخ:
وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ 
[الانفطار:10-11]، وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ، شامِل، كِتابة الحَسنات والسّيئات، مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]، وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف:80]، وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ [القمر:53]
أحسن الله إليك، كقوله: بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [المائدة:105] لَهَا مَا كَسَبَتْ [البقرة:286]، لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ [يونس:41]، ونحو ذلك.
وأمّا الأعمالُ التي شَرَعَ العبدُ فيها ولمَّا يُكمِّلها: فقدْ دلَّ عَليها قَولهُ تَعالى: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ 
[النساء:100]
– الشيخ: الله أكبر، الله أكبر
– القارئ: فهذا خرَجَ للهجرةِ، وأدْرَكَهُ الأَجل قَبل تَكْميلِ عَملِه، فأخبرَ تَعالى أنّهُ وَقعَ..
– الشيخ:
وين، وين، قَبل تَكْميلِ عَملهِ؟! عِند الباب، يَخْرجُ مِن بَيتهِ، خَرجَ مِن بَيتهِ ثمَّ أدرْكَهُ الموت، يَعني تَصوَّر خَرجَ مِن بَيتهِ مُهاجِراً ثمَّ ماتَ عِندَ الباب!

– القارئ: أحسن الله إليك، وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [النساء:100]، فهذا خَرجَ للهجرة، وأدْرَكهُ الأَجل قَبلَ تَكْميلِ عَملهِ، فأخبرَ تَعالى أنّهُ وقعَ أجرهُ على الله، فَكلُّ مَن شرعَ في عَملٍ مِن أعمالِ الخيرِ، ثمَّ عَجزَ عَن إتمامهِ بموتٍ أو عَجْزٍ بَدني أو عَجزٍ مالي أو مانعٍ داخلي أو خارجي، وكانَ مِن نيّته -لولا المانع- لأتَمَّهُ: فقد وقعَ أجرهُ على الله، فإنّما الأعمالُ بالنيّات.
وقالَ تَعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا 
[العنكبوت:69]، فكلُّ مَن اجْتَهد في الخيرِ هَداهُ الله الطريقَ المُوصلةِ إليهِ، سواءً أكملَ ذلكَ العمل أو حَصلَ لهُ عائقٌ عَنهُ.

وأمّا آثارُ أعمالِ العبدِ: فقد قالَ تَعالى: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا [يس:12]، أي: باشروا عَمله..
– الشيخ:
{وَآَثَارَهُمْ}
– القارئ: وَآَثَارَهُمْ، التي تَرتَّبت عَلى أعْمالِهم مِن خيرٍ وشرٍّ.
وقالَ في المجاهدين: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ
 [التوبة:120]، فكلُّ هذه الأمور مِن آثارِ عَمَلِهم ثمَّ ذَكرَ أعمالَهم التي باشروها بِقولهِ: وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً [التوبة:121]، إلى آخر الآية.
والأعمالُ التي هي مِن آثارِ عَملهِ نوعان؛ أحدهما: أنْ تَقعَ بغيرِ قَصْدٍ مِنَ الإنسانِ، كأن يَعملَ أعمالاً صالِحة خيريّة، فَيَقْتَدي بهِ غَيرهُ في هذا الخيرِ، فإنَّ ذلكَ مِن آثارِ عَملهِ، وكَمَن يَتَزوّج بِغيرِ نيّةِ حُصولِ الأولادِ الصّالحين، فيُعْطيهِ الله أولاداً صَالحين فإنّهُ يَنْتَفِعُ بِهم وبِدُعائِهم.
والثاني -وهو أشرفُ النوعين-: أنْ يَقعَ ذلكَ بِقَصْدهِ، كَمَن علَّمَ عِلماً نافِعاً فَنفْسُ تَعْليمهِ ومُباشرتهِ لهُ مِن أجلِّ الأعمالِ، ثمَّ ما حَصلَ مِنَ العلمِ والخيرِ المُترتِّبِ على ذلك، فإنّهُ مِن آثارِ عَملهِ.
وكَمَنْ يَفْعلُ الخيرَ ليَقْتَدي بهِ الناس، أو يَتَزوَّجَ لأجلِ حُصولِ الذريّة الصّالحة، فَيَحْصُلُ مُرادهُ، فإنَّ هذا مِن آثارِ عَملهِ، وكَمَنْ يَزْرعُ زَرعاً أو يَغْرِسُ غَرْساً أو يُباشرَ صِناعةً مِمّا يَنْتَفعُ بِها النّاس في أمورِ دينهم ودُنياهم، فَقصدَ بذلكَ حُصولَ النفعِ، فما ترتَّبَ مِن نَفْعٍ دينيٍّ أو دنيوي على هذا العَمل فإنّهُ مِن آثارِ عَملهِ، وإنْ كانَ يَأخذُ على عَملهِ الأخير أجراً وعِوضاً، فإنَّ الله يُدْخِلُ بالسّهمِ الواحدِ الجنّة ثَلاثة: صَانِعُهُ ورَاميهِ والمُمدِّدِ له.
القاعدة السادسة والخمسون
– الشيخ: الله المستعان، رحمهُ الله، لا إله إلّا الله، يَنْبَغي للإنسانِ أنْ يُفكِّرَ بهذه المعاني، ويَجْتَهد في إرادة الخيرِ، ويَجْتَهد في فِعلِ الخيرِ ويُحْسِنَ النيّة، في جميعِ الأمورِ، في تَعامُلِه.
إنّكَ لنْ تَعْملَ عَملاً، المُعوَّلُ على الإخلاص، ومَا أعظمَ التّقصير والنّقص! ما أعظمَ التقصير والنقص في هذا الأمر، (إِنَّكَ لَنْ تَعْمَلَ عَمَلاً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهِ، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ) وفي فَمِ ولدك وخادمك، وهي نَفَقة، نفقة، ولكنْ نسألُ الله الصّلاح، اسْتَحْضار..
أكثرُ النّاسِ يَتَعاطَون هذه الأمورِ ويُباشرونَ هذه الأمور بِحكمِ العادة والجِبِلَّة، والشُّعور أنّهُ لابُدَّ مِنهُ، لابُدَّ أنْ يُنْفِقَ على أهلهِ وولَدهِ بِحكمِ العادة، وبِحكمِ العقل، وبِحكم الشّرع؛ لأنّهُ لازم، ملزومٌ أنْ يُنفِقَ على زَوجتهِ، لا بُد أن يُنفِقَ على أولادهِ، مثل اللي عليهِ دَين، يَعْرف أنّهُ لا بُدَّ يَقْضيه، ولكنْ واحد يَقْضيهِ تَقوى لله، يَقْضيهِ امْتِثالاً لأمرِ الله، فلا يُماطِلُ ولا يَبْخَسُ، ولا يَجْحدُ خوفاً مِن الله، ومُراقبةً لله في النِّيَّات، يَنْبَغي للإنسانِ أنْ يَجْتَهد في إصلاح النيّة، في جميعِ الأمور، (فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا)
والضابِط الذي إنْ أردتَ أنْ تَعْرِف، أَجب على هذا السؤال: لِمَ؟ فقط، لِمَ أعطيت؟ لمَ خَرجت؟ لمَ خَرجت؟ سبحان الله، الله المستعان.
واحِد يُنحِّي حَجراً عَن الطريق، عادي بِحكمِ العادة، يَعني هذا أمرٌ، مَطْلب بين الناس، وواحد لا، يُنحِّيهِ إيماناً واحْتِساباً، يَرجو ثوابَ الله، يَسْتَحْضِرُ هذا المعنى، نسألُ الله أنْ يُصلحَ لنا ولكم النيَّات، سبحان الله العظيم.
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :القرآن وعلومه