الرئيسية/شروحات الكتب/التبصرة في أصول الدين/(18) قوله “أنه سئل عن القران هل خالق أم مخلوق”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(18) قوله “أنه سئل عن القران هل خالق أم مخلوق”

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
التَّعليق على كتاب (التَّبصرةُ في أصولِ الدِّينِ) لأبي الفرج الشّيرازي
الدِّرس: الثّامن عشر

***    ***    ***    ***
 

- معنى قول "القرآن ليس بخالق ولا مخلوق" [1] - إثباتُ الأفعال الاختياريَّة والرَّد على شبهة حلول الحوادث [2] - معنى "القديم" وحكمُ اطلاقه عن القرآن [3] - حكم إطلاق "الخرس والسكوت" عن الله [4]

 
 
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. أمَّا بعدُ: قالَ أبو الفرجِ الشِّيرازيّ -رحمه الله تعالى- في كتابِه: "التبصرةُ في أصولِ الدِّين"، قالَ رحمَه اللهُ:
دليلٌ ثامنٌ:
ما رُوِيَ أنَّ جعفرًا بنَ محمَّدِ الصَّادق -رضي الله عنه- أنه سُئِلَ عَن القرآنِ: هل خالقٌ أم مخلوقٌ؟ فقالَ: ليسَ بخالقٍ ولا مخلوقٍ، ولكنَّه كلامُ اللهِ، وأنشدَ الشاعرُ في معنى قولِه:
كلامُ رَبـِّي لا تُمَارُونَه…. ليسَ بمخلوقٍ ولا خالقِ
دليلٌ تاسعٌ:
هو أنَّ القرآنَ لو كانَ مُحْدَثًا

[1] معنى قول "القرآن ليس بخالق ولا مخلوق"
– الشيخ: أقول: كلامٌ واضحٌ حقٌّ، ليس بخالقٍ، فالله هو الخالق، وإن كانَ القولُ يعني إن كانَ الخَلْقُ يكون بكلمةِ اللهِ وبقدرتِهِ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ [النحل:40] فلا يُقالُ: إنَّ الكلمةَ هي الخالقةُ، فالخالقُ هو الله وهو يخلقُ بقدرتِه وبمشيئتِه وبكلامِه سبحانه وتعالى.
وليس بمخلوقٍ، فإنه مِن صفاته تعالى، والله تعالى هو الخالقُ وصفاتُه صفاتُ الخالق، فكلمةُ جعفر مُسدَّدَةٌ ومُحكَمَة، ليسَ بخالقٍ ولا مخلوق، وإنما هو كلامُ الله، هذا هو، القرآن كلام الله، هذا هو، فلا يقال: إنه خالقٌ، ولا يقال: إنه مخلوقٌ.
 

[2] إثباتُ الأفعال الاختياريَّة والرَّد على شبهة حلول الحوادث
– القارئ: دليلٌ تاسعٌ: هو أنَّ القرآنَ لو كانَ مُحدَثًا فلا يَخلو إمَّا أن يكونَ الباري أحدثَه في ذاتِهِ أو ذاتِ غيرِه، أو أحدثَهُ في نفسِه قائمًا بنفسِه، فلا يجوزُ أن يكونَ أحدثَهُ في ذاتِه؛ لأنَّ ذاتَهُ ليسَتْ مَحلًّا للحوادثِ
– الشيخ: لا إله إلا الله، يعني هذه الكلمة التي يتعلَّقُ بها نُفُاةُ الأفعالِ الاختياريَّة فيقولون: "إنَّه تعالى لا تَحُلُّه الحوادث" أو "مُنزَّهٌ عن حلولِ الحوادث"، ويَعدُّون الأشياء الواقعةَ بمشيئتِه حوادث، فلو قامَت به الأفعال الاختياريةُ لَزِمَ من ذلك حلولِ الحوادث في ذاتِه، وهذا مِن الكلام الـمُحْدَثِ الذي يَحتملُ حَقًّا وباطلًا، ولم يأتِ في كتابٍ ولا سُنةٍ إثباتُ ولا نفيُ أنه تقوم به الحوادث وتحلّه الحوادث أو لا تحلّه الحوادث، فهذه تُكُأَتُهم التي يُعوِّلون عليها في نفيِ الأفعال الاختياريّة، واللهُ يتكلَّمُ إذا شاء بـما شاء، ويُحدِثُ مِن أمرِه ما شاء، سبحانه وتعالى، وهذا هو الكمال، ليسَ الكمالُ أن يكون كلامُه معنىً نفسي لا بحرفٍ ولا صوتٍ، أو يكون كلامُهُ عينًا ونوعًا كلُّه قديم، لا، الكمال أن يتكلَّم بما شاءَ إذا شاءَ كيف شاءَ، وهذا مُوجِبُ العقلِ والسَّمع.
 

– القارئ: فلا يجوزُ أن يكونَ أحدثَه في ذاتِه؛ لأنَّ ذاتَه ليسَتْ مَحَلًّا للحوادثِ، ولا يجوزُ أن يكونَ أحدثَهُ في ذاتِ غيرِه؛ لأنَّه لو أحدثَهُ في ذاتِ غيرِه لكانَ كلامًا لغيرِه، كما إذا حَدَثَ السَّوادُ والبياضُ في مَحَلٍّ فإنهما صفةٌ لمحليهِما.
ولا يجوزُ أنْ يكونَ أحدثَه في نفسِه قائمًا بنفسِه؛ لأنَّ القرآنَ صفةٌ لَه والصفاتُ لا تقومُ بنفسِها بَلْ لا بدَّ لها مِن مَحَلٍّ تقومُ بِهِ

– الشيخ: أيش يقول؟ ولو كان، أعد
– القارئ: ولا يجوزُ أنْ يكونَ أحدثَه في نفسِه قائمًا
– الشيخ: أحدثَه بنفسِه، أحدثَه بنفسِه
– القارئ: أحدثَه في نفسِه
– الشيخ: "في نفسِه"، الضمير هنا يعودُ إلى الله، نعم بعدها
– القارئ: قائمًا بنفسِه
– الشيخ: هذا على طريقتِه، يعودُ إلى نفسِ الكلام
– القارئ: لأَّن القرآنَ صفةٌ لَه
– الشيخ: صفة، وليس شيئًا قائمًا بنفسِه.
– القارئ: والصفاتُ لا تقومُ بنفسِها بَلْ لا بدَّ لها مِن مَحَلٍّ تقومُ بِهِ، فإذا بطلتْ هذه الأقسامُ لمْ يَبْقَ إلا أنْ يكونً قديمًا غيرَ مخلوقٍ
 
[3] معنى "القديم" وحكمُ اطلاقه عن القرآن
– الشيخ: إي والله، إنَّه غيرُ مخلوق، لكنه ليس قديمًا بالمعنى الذي يَعنونه، القرآنُ حقًّا هو كلام الله، تكلَّمَ به حينَ شاء ويَتكلَّمُ إذا شاء، أمَّا إطلاقُ القولِ بأنَّه قديمٌ، ومعنى قديم: هو القِدَمُ الـمُطلَق، دائمًا إذا قالوا: "قديم" يعنون به القِدَمُ الذي لا نهايةَ له في الأَزَلِ.
وكلامُهُ مِن الأول كله يُدَنْدِنُ على أنَّ كلامه ليسَ بمشيئتِهِ، لا تتعلَّق به المشيئةُ، فإنَّ القديمَ لا تتعلَّق به المشيئة، وما تتعلَّقُ به المشيئةُ لا بدَّ أن يكونَ مُحْدَثًا، واللهُ تعالى يقول: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ [الأنبياء:2] وسمَّى الله كلامَه "حديثًا": وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87]
 

– القارئ: دليلٌ عاشرٌ: هو أنَّه لا يخلو إمَّا أنْ يكونَ الباري –جلَّ جلالُهُ- مُتَكَلِّمًا في قِدَمِهِ أو غيرَ مُتَكَلِّمٍ، لا يجوزُ أنْ يكونَ غيرَ مُتَكَلِّمٍ في قِدَمِهِ؛ لأنَّه لو جازَ ذلكَ عليهِ لوجبَ وصفُهُ بِضِدٍّ مِن أضدادِ الكلامِ الذي هو الخَرَسُ والسُّكوتُ؛ لأنَّ مَن ليسَ بمتكلِّم فهو إما ساكتٌ أو أخرسٌ وتعالى اللهُ عَن ذلكَ عُلُوًّا كبيرًا.
[4] حكم إطلاق "الخرس والسكوت" عن الله
– الشيخ: أمَّا الخَرَسُ فلا ريبَ في تنزيهِ الله، الخَرَسُ هو العجزُ عن الكلام، الأخرسُ هو الذي لا يستطيعُ الكلام، أمَّا السكوت هذا مَحَلُّ نظرٍ في إطلاقِه، فإذا فُسِّرَ السكوتُ بِتركِ الكلامِ فالله يتكلَّمُ إذا شاءَ ولا يتكلَّم إذا شاء، تمام، يتكلَّم إذا شاءَ بما شاءَ كيفَ شاءَ.
 

– القارئ: وتعالى اللهُ عَن ذلكَ عُلُوًّا كبيرًا؛ لأنَّه لو كان فيما لم يَزَلْ مِن الزمانِ ساكتًا لكانَ السُّكوتُ صفةً قديمةً
– الشيخ:
– القارئ: والقِدَم يستحيلُ عدمُهُ، فكانَ يجبُ أنْ نقولَ: إنَّه مُتكلِّمٌ
– الشيخ: هذه النتيجة، نتيجةُ التقرير، يعني: مُتكلِّم في القِدَم، نعم، هو مُتكلِّم في القِدَم، لكنَّه يتكلَّمُ بمشيئةٍ.
– القارئ: لأنَّه إذا وُجِدَ الكلامُ عُدِمَ السكوتُ، ولَمَّا أجمعْنا على أنَّه مُتكلِّمٌ الآن دَلَّ على قِدَمِ كلامِهِ، ألا تَرَى أنَّه لو وُصِفَ بغيرِ العِلم في القِدَمِ لوجبَ وصفُهُ بضدِّهِ الذي هو الجهلُ؛ لأنَّ الحَيَّ لا يَـخْلُو مِن وصفِهِ بالشيءِ
– الشيخ: أيش يقول؟ أعد
– القارئ: ولَمَّا أجمعْنا على أنَّه مُتكلِّمٌ الآن دَلَّ على قِدَمِ كلامِهِ، ألا تَرَى أنَّه لو وُصِفَ بغيرِ العِلم في القِدَمِ لوجبَ وصفُهُ بضدِّهِ الذي هو الجهلُ
– الشيخ: ما ليسَ بعالمٍ هو جاهلٌ
– القارئ: لأنَّ الحَيَّ لا يَخلو مِن وصفِهِ بالشيءِ أو بِضِدِّهِ معَ عَدمِهِ
– الشيخ: أو ضده؟
– القارئ: معَ عَدمِهِ
– الشيخ: "معَ عَدمِهِ": معَ عدمِ الوصفِ، كلام!
– القارئ: فإنْ قيلَ: إذا قلتُم: إنه مُتكلِّمٌ فيما لمْ يَزَلْ ولا مُتَكَلِّمَ هناك، ولا هو مُفتقرٌ إلى أنْ يَتذكَّرَ كانَ كلامُهُ عَبَثًا، والجوابُ عنْه مِن وجوهٍ كثيرةٍ
نواصل أحسن الله إليك؟

– الشيخ: لا، بس [يكفي] خله، نعم يا محمد
– القارئ: أحسن الله إليك، حاط [واضع] حاشية المحقق مِن كلامِ شيخ الإسلام قال: ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَنَّ اللَّهَ يُوصَفُ بِالسُّكُوتِ، لَكِنَّ السُّكُوتَ يَكُونُ تَارَةً عَنْ التَّكَلُّمِ وَتَارَةً عَنْ إظْهَارِ الْكَلَامِ وَإِعْلَامِهِ، لَكِنَّ هَذَانِ الْمَعْنَيَانِ الْمَعْرُوفَانِ فِي السُّكُوتِ لَا تَصِحُّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ مُتَكَلِّمٌ كَمَا أَنَّهُ عَالِمٌ
– الشيخ: "مُتَكَلِّمٌ كَمَا أَنَّهُ عَالِمٌ"؟
– القارئ: نعم
– الشيخ: كأنه على قولِ مَن يقولُ: إنه مُتكلِّم كما أنه عالمٌ، يعني أنه متكلِّم كلامًا لازمًا لذاتِه، كما أن العلم لازمٌ لذاتِه، وهو القول بقِدَمِ الكلام.
– القارئ: كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ كُلَّابٍ وَالْأَشْعَرِيِّ وَمَنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالصُّوفِيَّةِ مِنْ الْحَنْبَلِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ. فَهَؤُلَاءِ إمَّا أَنْ يَمْنَعُوا السُّكُوتَ -وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِهِمْ- أَوْ يُطْلِقُوا لَفْظَهُ وَيُفَسِّرُوهُ بِعَدَمِ خَلْقِ إدْرَاكٍ لِلْخَلْقِ يَسْمَعُونَ بِهِ الْكَلَامَ الْقَدِيمَ
– الشيخ: آمنتُ بالله، يا الله لكَ الحمد
– القارئ: أحسن الله إليك، انتهى
– الشيخ: جزاك الله خيرًا.
 
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الفقه وأصوله