الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب زاد المستقنع/كتاب الطهارة من زاد المستقنع/(7) “باب السواك وسنن الوضوء” وتجب التسمية في الوضوء مع الذكر
file_downloadshare

(7) “باب السواك وسنن الوضوء” وتجب التسمية في الوضوء مع الذكر

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ

قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
(وتجبُ التّسميةُ في الوضوءِ معَ الذِّكرِ)

يقول المؤلف: "وتجبُ التّسمية في الوضوء مع الذُّكر" أي: عند التذكّر، يعني يُسقِطُ الوجوبَ النسيانُ، هذا معنى الكلام، والتسمية في الوضوء محل اختلاف بين أهل العلم، فمهم: من يقول إنها واجبة مطلقاً، مع الذكر أو النسيان، ومنهم: من يقول بل هي واجبة، مع الذكر، كما هنا، ومنهم: من يقول بل هي سنة.
والأصل أنه قد ورد ما يدل على وجوبها، كما في الحديث: (لا صلاة لمَن لا وضوء له، ولا وضوءَ لمن لم يُذكرْ اسمُ اللهِ عليهِ) وجاء من طرق عديدة، عن جماعة من الصحابة، ولكن كلها ضعيفة، ومنهم من حسَّنها بمجموع طرقها، ونقل الحافظ ابن حجر في "بلوغ المرام" عن الإمام أحمد، قال: "لا يثبت فيه شي".  
والذين نقلوا صفة وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يذكروا أنه كان يسمّي، بل هو مسكوت عنه، وبه استدل من قال: إن التسمية سنة، وليست بواجب، بل ذُكر عن بعضهم أنه قال: إنها بدعة! بما أنه لم تصح هذه الأحاديث، ولم يثبت من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-: فتكون بدعة، ولعل القول بأنها سنة، وسط بين هذه الأقاويل.
ووقت التسمية هو أول الوضوء، بعد النية، فالوضوء يبدأ من غسل الكفين، فينوي أولاً، ويسمي، حتى تكون التسمية داخلة في نية الوضوء.

(ويجبُ الخِتانُ، ما لم يَخفْ على نفسهِ)
والختان معروف، يسميه الناس عندنا: التطهير، تطهير الصبي، وهو بالنسبة للرجل: قطع القُلفة التي في رأس الذكر، وبالنسبة للأنثى: قطعُ لحمةٍ زائدة فوق محلِّ الإيلاج، قال الفقهاء رحمهم الله: إنها تشبه عُرف الدِّيك.
والمؤلف أطلق القول بوجوب الختان، يقول: ويجب الختان مطلقاً، لم يخص الرجال، وهذا الإطلاق يقتضي وجوبه أيضاً، في حق النساء، أو البنات، وفي هذا خلاف كبير.
وختان النساء: الظاهر أنه ينفر منه كثير من الناس، وبعض الجهات المسئولة في بلاد المسلمين عندها شيء من المنع منه، ولا أدري إن وصل الأمر إلى درجة التقنين، فجعلوه قانوناً، أو أنه ممنوع، منعاً شبه توجيه، وشفهي، وما أشبه ذلك.
وقد جاء في الأثر، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للخاتنة: (اخْفِضِي ولا تُنْهِكِي، فإنَّهُ أنْضَرُ للوَجْهِ، وأحْظَى عند الزَّوْجِ). اخفضي: يعني شيء خفيف، ختان يسير، يخفف الغُلمة عند المرأة، وأما المضاعفة، يضعف الشهوة كثيًرا.
وأصل مشروعية الختان هو أنه سنة إبراهيم -عليه السلام-، وسنة محمد -صلى الله عليه وسلم- والله تعالى يقول: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}(النحل:123).
وقال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتفق على صحته: (خمسٌ من الفطرةِ) -الفطرة التي فطر الله العباد عليها، يعني خمسة من الأمور التي تقتضيها الفِطر السليمة، والطباع القويمة- (الختانُ، والاستحدادُ) -إزالة شعر القبل، الاستحداد: يعني بالحديد، بالموس مثلاً- (وتقليمُ الأظفارِ، ونتفُ الإبطِ، وقصُّ الشَّاربِ).
هذه خمسة، وفي حديث آخر: عشر من الفطرة، وذكرَ: (قصُّ الشَّاربِ، وإعفاءُ اللِّحيةِ، والسِّواكُ، واستنشاقُ الماءِ، وقصُّ الأظفارِ، وغسلُ البراجمِ، ونتفُ الإبطِ، وحلْقُ العانةِ، وانتقاصُ الماءِ. قال زكريَّاءُ: قال مصعبٌ: ونسيتُ العاشرةَ. إلَّا أن تكونَ المضمضةَ. زاد قُتيبةُ: قال وكيعٌ: انتقاصُ الماءِ يعني الاستنجاءَ). فالمقصود أن هذا هو الأصل.
ومن أهل العلم من قال بوجوبه، ومنهم من قال بل هو سنة فقط؛ لأن حديث "خمس من الفطرة" لا يدل على الوجوب، والصحيح أن الفطرة قد تكون واجبة، وقد تكون مستحبة، فإعفاء اللحية من الفطرة، وإعفاؤها واجب، وكذلك قص الشاب، أو إحفاء الشارب، الأظهر هو القول بوجوبه؛ لأنه الأمر ورد بهما: (جُزُّوا الشواربَ، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس)، (خالفوا المشركين: وفِّروا اللحى، وأحْفُوا الشوارب)، يعني جاء الأمر بها وفيه: (خالفوا المجوس) (خالفوا المشركين)، مما يؤكد الوجوب.
فبعض خصال الفطرة واجب، وبعضها مستحب، كتقليم الأظفار، ولكن ورد ما يؤكد وجوب -أو يقتضي الوجوب- فإنه جاء في صحيح مسلم، عن أنس -رضي الله عنه- أنه قال: (وُقِّتَ لنا في قصِّ الشاربِ، وتقليمِ الأظفارِ، ونتفِ الإبطِ، وحلقِ العانةِ، أن لا نتركَ أكثرَ من أربعينَ ليلةً).
والختان هو شعار الأمة المحمدية، وقد جاء ما يدل على أنها صفة هذه الأمة، في الكتب السابقة، والنصارى الآن من دينهم المبدل: أنهم لا يختتنون، ولهذا يقال لهم: "القُلف"، جمع أقلف، والأقلف: هو غير المختون، لأن هذه اللحمة الزائدة اسمها القُلفة.
وأما وقت الختان: فالذي عليه عمل المسلمين –قديماً- قبيل البلوغ، واستحب كثير من أهل العلم ختان الصبي في صغره؛ لأن ذلك أسرع لبرئه، وقد أقبل عليه الناس الآن، فالناس يختنون صبيانهم في صغرهم، فور مولده، أصبح يسيراً وهيّناً.
وقال المصنف هنا: (ما لم يَخفْ على نفسهِ)، وهذا إنما يكون في ظروف معينة، قد يكون لكبر الشخص، أو مرضه، أو قام به مانع، يخشى معه على نفسه لو اختتن.
ومن قال بوجوبه: منهم من يقول: "كل من أسلم يجب عليه الختان"، ولكن المتأمل للسيرة، لا يجد هذا ظاهراً، فالمسلمون أسلموا كثيراً، ولم يثبت أنهم كانوا يؤمرون بالاختتان، هذا الغالب عليهم: عدم الاختتان، لكن يمكن أن يُترك لهم، إذا عرفوا السنة في هذا، فكل واحد يتصرف مع نفسه، لكن لا يُكلفَّون، فالإنسان إذا دخل في الإسلام، وعرف شرائعه، وسننه، فالمنتظر منه: أن يعمل بشرائعه، وفضائله، وسننه، وأخلاقه.

(ويُكرهُ القًزَعُ)
القزع: هو حلق بعض رأس الصبي، وترك بعضه، وخُصّ الصبيُّ؛ لأنه كان يُفعل بهم كثيراً، وهذا الأمر مُشاهد، يعني بعض الناس يحلق بعض رأس الصبي، ويترك بقعة، قد تكون صغيرة، وقد تكون كبيرة.
وقد ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه نهى عن القزع، وفسَّر العلماء القزع: بأنه حلق بعض الرأس، وترك بعضه، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صبيًا قد حلق بعض شعره، وترك بعضه، فنهى عن ذلك وقال: (احلقوا كله، أو اتركوا كله) .
والمشهور عند أهل العلم: أن القزع مكروه، كما هنا، والمتأمل للدليل يرى أن الراجح هو التحريم، نهى رسول الله عن القزع، وأمر بحلقه كله، أو تركه كله.
والأظهر أن حلق الشعر جائز، وتركه أفضل، يعني إقتداءً بهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنه -عليه الصلاة والسلام- تكون له جُمة، تارة إلى شحمة أذنه، وتارة إلى منكبه، والذي يظهر أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان يقصِّر شعره، أما في حجه وعمرته: فسنته الحلق، فقال -صلى الله عليه وسلم- في عمرة الحديبية: (اللهمَّ اغفِرْ للمُحَلِّقينَ، قالوا: وللمُقَصِّرينَ؟ قال: اللهمَّ اغفِرْ للمُحَلِّقينَ، قالوا: وللمُقَصِّرينَ؟ قالها ثلاثًا، قال: وللمُقَصِّرينَ).
فالحلق سنة في النسك، في الحج والعمرة، وأما فيما سوى ذلك فالتقصير أفضل، كون الشعر يصير فيه بقية، لكن توفير الشعر إلى أن يضرب إلى المنكب، هذا فيه تأمل!، فهل هذا من قبيل العادة، أو أنها سنة!؟.
جاء عن الإمام أحمد، أنه سُئِلَ عن اتخاذ الشعر، فقال: سنة، ولكن له مؤنه، وكلفة؛ لأن توفير الشعر يحتاج إلى عناية، يحتاج إلى تسريح وتنظيف، وأما أن يبقى شعثًا، ومنتثراً، فهذا لا يليق، ورُوي في حديث: (مَن كانَ لهُ شعرٌ مَن فليُكرِمهُ)، يصلحه، إما بالدهان، كما هي عادة بعض الناس، قديماً وحديثاً، وإما بالتسريح والتنظيف، بحيث أنه يكون منتظماً، لأن كما جاء في الحديث: (إنَّ اللهَ جميلٌ يحبُّ الجمالَ)، أما أن يوفر الإنسان شعره، ثم يكون شعثاً، متناثراً، متفرقاً، فإما أن يكرمه، وإما أن يقصره، وهذا أولى من حلقه، إلا في النسك.

(ومِن سننِ الوضوءِ: السِّواكُ، وغسلُ الكفينِ ثلاثاً)
شرع المصنف في ذكر سنن الوضوء، والمعاني المتقدمة –كلها- من معاني الزينة، وشريعة الإسلام جاءت بكل الفضائل والكمالات، جاءت باستحباب، أو وجوب الزينة المشروعة المتوائمة مع الطبع السليم.
والزينة: منها ما هو واجب، ومنها ما هو مستحب، ومنها ما هو محرم، فالتزيّن بلبس الحرير حرام للرجال، وكذلك التزيّن بالذهب، والتزيّن بزينة النساء كذلك؛ لأن تشبُّه الرجال بالنساء، أو النساء بالرجال، جاء فيه اللعن: (لعَن رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المُتَشَبِّهينَ من الرجالِ بالنساءِ، والمُتَشَبِّهاتِ من النساءِ بالرجالِ).