بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (مُـختصر الصَّواعقِ الـمُرسلة على الجهميَّة والـمُعطِّلة) للموصلي
الدّرس: الثَّالث والخمسون
*** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ، قالَ المؤلِّفُ -غفرَ اللهُ لنا ولهُ-:
وَأَمَّا الْيَوْمُ الْآخِرُ فَإِنَّ جُمْهُورَهُمْ بَنَوْهُ عَلَى إِثْبَاتِ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ
– الشيخ: هذا الكلامُ عن المتكلِّمين، أمَّا الفلاسفةُ فقد سبقت الإشارةُ إلى أنَّهم لا يقُّرون ببعثِ الأجسادِ، الفلاسفةُ القدامى ومن تبعَهم من أرسطو والمعلِّم الأوّل ومن سارَ على نهجِه، كابنِ سينا وغيره ونحوه، لا يقرّون أصلاً ببعثِ الأجسادِ، أمَّا المتكلِّمون، مثل: الجهميَّة والمعتزلة ومن تبعَهم فإنَّهم يقرّون بالبعث، يقرّون بالبعث، بعث الأجساد، لكن لهم تحليلاتٌ وتفسيراتٌ لصفةِ البعث، لصفة البعثِ يعني غير مستقيمةٍ وغير مناسبةٍ وغير موافقةٍ لما دلَّت عليه النصوص، نصوصُ البعثِ، قلْ، وأمَّا اليومُ الآخرُ.
– القارئ: وَأَمَّا الْيَوْمُ الْآخِرُ فَإِنَّ جُمْهُورَهُمْ بَنَوْهُ عَلَى إِثْبَاتِ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ، وقَالُوا: لَا يتأتَّى التَّصْدِيقَ بِالْمَعَادِ إِلَّا بِإِثْبَاتِهِ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ
– الشيخ: الجوهرُ الفردُ يفسِّرُه لنا شيخُ الإسلامِ، ما ندري عنه، أنَّه بأنَّهم يريدون به الجزءَ الَّذي لا يتجزَّأُ، يقولون: كلُّ الأجسامِ تنحلُّ عن الجواهر المفردة، كلُّها مركَّبةٌ من الجواهر المفردة، والجوهرُ الفردُ هو الجزءُ الَّذي لا يتجزَّأُ، يعني لا يقبل التجزئةَ، آخر شيء ما، وشيخُ الإسلام كما يقولُ ابنُ القيِّم يقرِّرُ ويبيِّنُ أنَّ هذا لا حقيقة له، أنَّه ما في جزءٍ لا يتجزَّأُ، بل ما من جزءٍ إلَّا ويتجزَّأُ ويتجزَّأ ويتجزَّأ حتَّى ينعدمَ أو يستحيلَ ويصير شيئاً آخرَ، فليسَ هناك جزءٌ لا يتجزَّأُ، لا إله إلَّا الله، نعم وهذا معنى كلامِه، نعم أيش يقول..
– القارئ: قالَ: وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ
– الشيخ: يعني فكرةٌ أو نظريَّةٌ كما نسمّيها نظريّةُ الجوهر الفرد، نظريّةٌ باطلةٌ لا حقيقةَ لها.
– القارئ: وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَالْمُثْبِتُونَ لَهُ يَعْتَرِفُونَ أَنَّ الْقَوْلَ بِهِ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ وَأَدِلَّتُهُ مُتَعَارِضَةٌ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ لَهُ قَوْلَانِ فِي إِثْبَاتِهِ وَنَفْيِهِ، وَسَلَكُوا فِي تَقْرِيرِ الْمَعَادِ مَا خَالَفُوا فِيهِ جُمْهُورَ الْعُقَلَاءِ، وَلَمْ يُوَافِقُوا مَا جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، فَقَالُوا: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْدَمُ أَجْزَاءَ الْعَالَمِ كُلَّهَا حَتَّى تَصِيرَ عَدَمًا مَحْضًا، ثُمَّ يُعِيدُ الْمَعْدُومَ وَيَقْلِبُهُ وجُودًا
– الشيخ: هذا قولُ جهمٍ، هذا قولُ جهمٍ، جهمٌ يقولُ: إنَّ المعادَ وما أخبرَ به تعالى عن السمواتِ والأرض و .. أنَّ اللهَ يعدمُها عدماً، عدمٌ عدمٌ، يصبحُ ما لها أصلٌ، ولا لها أثرٌ، ولا لها بقيَّةٌ ولا شي، ثمَّ يوجدُها، ويجعلون هذا تفسيرَ المعادِ، وذكرَ هذا في النونيَّةِ، ابنُ القيِّم ذكرَ هذا في النونيَّةِ:
وقضى بأنَّ اللهَ يجعلُ خلقَهُ عدماً ويقلبُهُ وجوداً ثانِ
وجابَ على هذا أبيات، كلُّ الوجودِ -السموات والأرض وبني آدم الأموات- كلُّها عدمٌ، يجعلُهم عدمٌ ثمَّ يوجدُهم.
ويقولُ المخالفون لهم: إنَّ هذا لا يعدُّ إعادةً، الإعادةُ الَّتي أنكرَها الكفَّارُ واستبعدوها، إعادتُهم بعد أن كانوا رفاةً وتراباً، نفسُ التراب نفسُ التراب ونفسُ الرفاة يتحوَّلُ إلى أجسامٍ حيَّةٍ، لا أنَّهم يعدمون ثمَّ يوجدهم اللهُ كما كانوا في العدم، ثمَّ خلقُ اللهِ آدمَ، لا هذا لا يكونُ إعادةً، الإعادةُ المستحيلةُ المستعظمةُ الَّتي استعظمَها المشركون أن يُعادوا بعد أنْ صاروا رميماً رفاةً عظاماً كذا.
فالمعروفُ بهذا جهمٌ ومن قالَ بقوله، هو الَّذي قالَ: إنَّ اللهَ يجعلُ الخلقَ عدماً ثمَّ يوجدُه، الإيجادُ هذا خلقٌ آخرُ، خلقٌ آخرُ ما هو بإعادةٍ، يعني على سبيل المثالِ: صانعٌ صنعَ شيئاً أو جهازاً أو جسماً من أجزاءٍ كثيرةٍ ثمَّ تلفتْ احترقتْ، ثمَّ أنشأَ جهازاً آخرَ مثله، مثله تماماً، هل هذا إعادةٌ، ليس بإعادةٍ، هذا أنشأَ جهازاً وأثاثاً آخرَ غير، ما بهو هو، فهو يجعلُه من هذا القبيلِ.
– القارئ: قالَ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْدَمُ أَجْزَاءَ الْعَالَمِ كُلَّهَا حَتَّى تَصِيرَ عَدَمًا مَحْضًا
– الشيخ: عدماً محضاً ما لها أثرٌ كما كانتْ قبلَ الوجودِ.
– القارئ: ثُمَّ يُعِيدُ الْمَعْدُومَ وَيَقْلِبُهُ مَوْجُودًا حَتَّى إِنَّهُ يُعِيدُ زَمَنَهُ بِعَيْنِهِ وَيُنْشِئُهُ، لَا مِنْ مَادَّةٍ، كَمَا قَالُوا فِي الْمَبْدَأِ، فَجَنَوْا عَلَى الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ وَأَغْرَوْا أَعْدَاءَ الشَّرْعِ بِهِ، وَحَالُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ تَصْدِيقِ الرُّسُلِ.
وَأَمَّا البدء فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ مُعَطَّلًا فِي الْأَزلِ، وَالْفِعْلُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، مَعَ قَوْلِهِمْ: كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ، ثمَّ
– الشيخ: تناقضٌ تناقضٌ، يقولون: الفعلُ ممتنعٌ يمتنعُ أنْ يفعلَ، أنْ يقومَ به فعلٌ، يمتنعُ، مع قولهم بأنَّه كان قادراً عليه، هذا تناقضٌ، القدرةُ لا تتعلَّقُ إلَّا بالممكِن، القدرةُ لا تتعلَّقُ بالممتنعِ لذاته، لا تتعلَّقُ بالممتنع لذاتِه، فكانَ هذا نوعٌ من الجمعِ بين الضِّدَّين، مقدورٌ مستحيلٌ، مقدورٌ مستحيلٌ.
– القارئ: وَالْفِعْلُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، مَعَ قَوْلِهِمْ: كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ، ثُمَّ صَارَ فَاعِلًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا، مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ أَمْرٍ أَصْلًا، وَانْقَلَبَ الْفِعْلُ مِنَ الِامْتِنَاعِ الذَّاتِيِّ إِلَى الْإِمْكَانِ الذَّاتِيِّ، وَذَاتُ الْفَاعِلِ قَبْلَ الْفِعْلِ وَمَعَ الْفِعْلِ وَبَعْدَ الْفِعْلِ وَاحِدَةٌ.
فَهَذَا غَايَةُ عُقُولِهِمُ الَّتِي عَارَضُوا بِهَا الْوَحْيَ، وَهَذِهِ طُرُقُهُمُ الْعَقْلِيَّةُ الَّتِي لَمْ يُثْبِتُوا بِهَا رَبًّا وَلَا رِسَالَةً، وَلَا مَبْدَأً وَلَا مَعَادًا.
الْوَجْهُ الْحَادِي وَالثَلَاثُونَ، أحسنَ اللهُ إليكم، في قولِهِ: وَأَمَّا الْيَوْمُ الْآخِرُ فَإِنَّ جُمْهُورَهُمْ بَنَوْهُ عَلَى إِثْبَاتِ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ، هوَ بمعنى أنّ الأجزاءَ تتفكَّكُ حتَّى يبقى اليومُ الآخرُ؟ يبقى الجوهرُ الفردُ الَّذي هوَ اليومُ الآخرُ؟
– الشيخ: هم يزعمون، ما شرحَها الشيخُ كأنَّه، هم يقولون: إنَّ حقيقةَ المعاد أنَّ هذه الأجسامَ تنحلُّ إلى الجزيئاتِ الَّتي لا تتجزَّأُ، وهي ما سمَّوه بالجوهر الفرد، وأنَّ البعثَ مجرَّدُ لملمةٍ، هذه الجواهرُ فقط، لملمةُ هذه الجواهرِ.
– القارئ:
الْوَجْهُ الْحَادِي وَالثَلَاثُونَ: أَنَّ مُعَارَضَةَ الْوَحْيِ بِالْعَقْلِ مِيرَاثٌ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي مُرَّةَ، فَهُوَ أَولُ مَنْ عَارَضَ السَّمْعَ بِالْعَقْلِ وَقَدَّمَهُ
– الشيخ: من هو الشيخُ أبو مرة؟
– القارئ: إبليس
– الشيخ: شيخ؟! ..هذه مشهورةٌ أخو مُرَّةَ، نُشِرَتْ عندَ العوامِ، أخو مرَّة هو إبليس، لا إله إلَّا الله، قف على هذا باركَ اللهُ فيك.