بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (مُـختصر الصَّواعقِ الـمُرسلة على الجهميَّة والـمُعطِّلة) للموصلي
الدّرس: السَّابع والخمسون
*** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، سيِّدنا ونبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِهِ. قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ القَيِّمِ -رحمَه اللهُ تعالى-:
الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَالثَلَاثُونَ:
أَنَّ اللَّهَ -سُبْحَانَهُ- إنما نَفَى عَنْ نَفْسِهِ مَا يُنَاقِضُ الْإِثْبَاتَ وَيُضَادُّ ثُبُوتَ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ فَلَمْ يَنفِ إلا أَمْراً عَدَمِيًّا أَوْ مَا يَسْتَلْزِمُ الْعَدَمَ، كَنَفْيِ السِّنَةِ وَالنَّوْمِ الْمُسْتَلْزِمِ لِعَدَمِ كَمَالِ الْحَيَاةِ وَالْقَيُّومِيَّةِ، وَنَفْيِ الْعُزُوبِ
– الشيخ: الآن عندنا "السِّنَةُ والنَّومُ" يستلزمُ عدمَ كمالِ الحياة والقَيُّومِيَّةِ، ونَفْيهُمَا يستلزمُ كمالَ الحياةِ والقَيُّومِيَّةِ، نفيُ السِّنَةِ والنَّومِ والموتِ يستلزمُ كمالَ الحياةِ والقَيُّومِيَّةِ، فنفَى عَن نفسِه ما يستلزمُ النَّقْصَ، فالسِّنَةُ والنَّومُ يستلزمُ النقصَ -نقصَ الحياةِ والقَيُّومِيَّةِ-، ونفيُهُما يَستلزمُ كمالَ الحياةِ والقَيُّومِيَّةِ، وهكذا كلُّ نفيٍ في صفاتِ اللهِ فإنه يستلزمُ إثباتَ كمالٍ، فنفيُ الظلمِ يستلزمُ كمالَ العدلِ، ونفيُ اللُّغوبِ يستلزمُ كمالَ القدرةِ والقوةِ، ونفيُ الغَفْلةِ والنِّسيانِ والضَّلالِ يستلزمُ كمالَ العلمِ وهكذا، ونفيُ العَجزِ يستلزمُ كمالَ القدرةِ.
– القارئ: وَنَفْيِ الْعُزُوبِ وَالْخَفَاءِ الْمُسْتَلْزِمِ لِنَفْيِ كَمَالِ الْعلمِ، وَنَفْيِ الظُّلْمِ الْمُسْتَلْزِمِ لِنَفْيِ كَمَالِ الْغِنَى وَالْعَدْلِ، وَنَفْيِ الشَّرِيكِ وَالظَّهِيرِ وَالشَّفِيعِ الْمُقَدَّمِ بِالشَّفَاعَةِ الْمُسْتَلْزِمِ لِنَفْيِ كَمَالِ الْغِنَى وَالْقَهْرِ وَالْمِلْكِ، وَنَفْيِ الشَّبِيهِ وَالْمَثِيلِ وَالْكُفْءِ الْمُسْتَلْزِمِ لِعَدَمِ التفرُّدِ بالْكَمَالِ الْمُطْلَقِ، وَنَفْيِ إِدْرَاكِ الْأَبْصَارِ لَهُ وَإِحَاطَةِ الْعِلْمِ بِهِ الْمُسْتَلْزِمَيْنِ لِعَدَمِ كَمَالِ عَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَسَعَتِهِ وَإِحَاطَتِهِ، وَكَذَلِكَ نَفْيُ الْحَاجَةِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ عَنْهُ سُبْحَانَهُ; لِاسْتِلْزَامِ ذَلِكَ عَدَمَ كَمَالِ غِنَاهُ، وَإِذَا كَانَ إنما نَفَى عَنْ نَفْسِهِ الْعَدَمَ أَوْ مَا يَسْتَلْزِمُ الْعَدَمَ عُلِمَ أَنَّهُ أَحَقُّ بِكُلِّ وُجُودٍ وَثُبُوتٍ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمًا وَلَا نَقْصًا.
وَهَذَا هُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ صَرِيحُ الْعَقْلِ، فَإِنَّهُ -سُبْحَانَهُ- لَهُ الْوُجُودُ الدَّائِمُ الْقَدِيمُ الْوَاجِبُ بِنَفَسِهِ الَّذِي لَمْ يَسْتَفِدْهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَوُجُودُ كُلِّ مَوْجُودٍ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ، وَمُتَوَقِّفٌ فِي تَحْقُّقِهِ عَلَيْهِ، وَالْكمالُ وجودٌ كُلُّهُ، وَالْعَدَمُ نَقْصٌ كُلُّهُ، فَإِنَّ الْعَدَمَ كَاسْمِهِ لَا شَيْءَ، فَعَادَ النَّفْيُ الصَّحِيحُ إِلَى نفيِ النقائصِ ونَفْيِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْكَمَالِ، وَعَادَ الْأَمْرَانِ إِلَى نَفْيِ النَّقْصِ، وَحَقِيقَةُ ذَلِكَ نَفْيُ الْعَدَمِ وَمَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْعَدَمِ
– الشيخ: عبارات …
– طالب: وما يَسْتلزمُ العدم
– الشيخ: نعم وما يستلزمُ العدمَ، كأنه هو المناسب، نعم وما يستلزمُ العدمَ، هكذا يظهر.
– القارئ: هكذا يا شيخ، وَحَقِيقَةُ ذَلِكَ نَفْيُ الْعَدَمِ وَمَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْعَدَمِ،
– الشيخ: يعني عباراتُ الشيخِ في هذا الموضعِ طَوَّلَها ولَّا الأصلُ أنْ يُقالَ أنه -تعالى- وصفَ نفسَه بنفيِ كلِّ نقصٍ، بنفيِ النقائصِ مما يستلزمُ نفيُه إثباتَ الكمالِ، فالآن عندنا مثل ما طَبَّقَنَاهُ في السِّنَةِ والنومِ، هو الأقربُ والأيسرُ أنْ يقالَ: نفيُ السِّنَةِ والنومِ يستلزمُ إثباتَ كمالِ الحياةِ، نفيُ السِّنَةِ والنومِ يستلزمُ إثباتَ كمالِ الحياةِ والقيامِ.
ومعلومٌ أنَّ السِّنَةَ والنَّومَ إثباتُ السِّنَةِ والنومِ يستلزمُ عدمَ هذا الكمالِ، عدمَ هذا الكمالِ أعني: كمالَ الحياةِ والقيامِ، فالأوضحُ والأيسرُ في التعبيرِ أنْ نقولَ: إنَّ كلَّ نفيٍ في صفاتِ اللهِ فإنه يستلزمُ إثباتاً، إثباتَ كمالٍ، كما طبَّقنا فنفيُ الظلمِ يستلزمُ كمالَ العدلِ، نفيُ النسيانِ والغفلةِ يستلزمُ إثباتَ، ونفيُ عزوبِ شيءٍ عنه لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ [سبأ:3] يستلزمُ كمالَ العلمِ، ونفيَ الولدِ والوالدِ يستلزمُ كمالَ الغِنى وكمالَ الوحدانيةِ فلا نظيرَ ولا شبيهَ ولا شريكَ.
– القارئ: فَتَأَمَّلْ هَلْ نَفَى الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ عَنْهُ -سُبْحَانَهُ- سِوَى ذَلِكَ؟ وَتَأَمَّلْ هَلْ يَنْفِي الْعَقْلُ الصَّحِيحُ غَيْرَ ذَلِكَ؟ وَهُو -سُبْحَانُهُ- قَدْ وَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ بَعْدَ وَصْفِهِ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ الصَّمَدُ، وَالصَّمَدُ: السَّيِّدُ الَّذِي كَمُلَ فِي سُؤْدُدِهِ؛ وَلِهَذَا كَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّي أَشْرَافَهَا بِهَذَا الِاسْمِ لِكَثْرَةِ الْأَوْصَافِ الْمَحْمُودَةِ لِلْمُسَمَّى بِهِ، قَالَ شَاعِرُهُمْ:
أَلَا بَكَّرَ النَّاعِي بِخَيْرِ بَنِي أَسَدٍ … بِعَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ وَبِالسَّيِّدِ الصَّمَدِ
فَإِنَّ الصَّمَدَ مَنْ تَصْمُدُ نَحْوَهُ الْقُلُوبُ بِالرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ؛ وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ خِصَالِ الْخَيْرِ فِيهِ، ولِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ السَّلَفِ، مِنْهُمُ: ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: الصَّمَدُ: الَّذِي كَمُلَ سُؤْدُدُهُ، وَهُوَ الْعَالِمُ الَّذِي كَمُلَ عِلْمُهُ، والْقَادِرُ الَّذِي كَمُلَتْ قُدْرَتُهُ، الْحَلِيمُ الَّذِي كَمُلَ حِلْمُهُ، الرَّحِيمُ الَّذِي كَمُلَتْ رَحْمَتُهُ، الْجَوَادُ الَّذِي كَمُلَ جُودُهُ.
وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ، فَقَوْلُهُ لَا يُنَاقِضُ هَذَا التَّفْسِيرَ، فإن اللفظةَ من الاجتماعِ فهو الذي اجتمعتْ لَه صفاتُ الكمالِ ولا جَوْفَ لَه، فَإِنَّ مَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ كُفُوًا لَهُ لَمَا كَانَ صَمَدًا كَامِلًا فِي صَمَديَّتِهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صِفَاتُ كَمَالٍ وَنُعُوتُ جَلَالٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْمٌ وَلَا قُدْرَةٌ وَلَا سَمْعٌ وَلَا بَصَرٌ وَلَا يَقُومُ بِهِ فِعْلٌ، وَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا الْبَتَّةَ، وَلَا لَهُ حَيَاةَ وَلَا إِرَادَةَ وَلَا كَلَامَ وَلَا وَجْهَ وَلَا يَدَ، وَلَا هُوَ فَوْقَ عَرْشِهِ وَلَا يَرْضَى وَلَا يَغْضَبُ وَلَا يُحِبُّ وَلَا يَبْغَضُ، وَلَا هُوَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، وَلَا يَرَى وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُرَى،
– الشيخ: هذا مضمونُ أو صريحُ وفصيحُ عباراتِ الْمُعطِّلة، كلّ هذه، يَنْفُونَ عنه كلَّ الصفاتِ، يعني ما تقومُ به، المعتزلةُ والجهميةُ يَنْفُونَ الصفاتِ كلَّها، لا تقومُ به الصفاتُ لا صفاتاً ذاتيةً ولا صفاتاً فعليةً.
أمَّا مثلُ الأشاعرةِ والكُلَّابيةِ فيُثْبِتُونَ بعضَ الصفاتِ خصوصاً الذاتيةَ، وأمَّا الصفاتُ الفعليةُ فإنَّهم يَنْفُونَهَا؛ لأنَّ عندَهم أنَّه لا يقومُ بهِ شيءٌ بمشيئتِهِ، أو تتعلَّقُ بِه المشيئةُ ولهذا قالوا في الكلامِ: إنه معنىً واحدٌ قديمٌ لا تتعلَّقُ به المشيئةُ، معنىً نفسيٌّ واحدٌ قديمٌ، شوف: معنىً نفسي، بالنفسِ معناه: أنَّهُ ليسَ بحرفٍ ولا صوتٍ، قديمٌ لا يكونُ بمشيئةٍ، سبحان الله العظيم! الحمد لله.
– القارئ: وَلَا يُشَارَ إِلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُشَارَ إِلَيْهِ، لَكَانَ الْعَدَمُ الْمَحْضُ كُفُوًا لَهُ، فَإِنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ مُنْطَبِقَةٌ عَلَى الْمَعْدُومِ، فَلَوْ كَانَ مَا يَقُولُهُ الْمُعَطِّلُونَ هُوَ الْحَقُّ لَمْ يَكُنْ صَمَدًا وَكَانَ الْعَدَمُ كُفُوًا لَهُ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ -تعالى-: رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ..
– الشيخ: لا إله إلا الله، عدمُ يعني لا تقومُ به صفاتٌ، كما يقولُ ما لا تقومُ به أيُّ صفةٍ لا وجودَ لَه هو معدومٌ، ما في شيء ثاني، فذاتٌ مجردةٌ عن جميعِ الصفاتِ هذه لا وجودَ لها، ولهذا يقولُ ابنُ تيمية: إنَّهم يُعَطِّلُونَ الأسماءَ والصفاتِ تعطيلاً يستلزمُ نفيَ الذاتِ، فهم يُثْبِتُونَ ذاتًا مجرَّدَةً عَن جميعِ الصفاتِ، ونفيُهم لجميعِ الصفاتِ يستلزمُ نفيَ ما أثبتُوه بزعمِهم.
– القارئ: وَكَذَلِكَ قَوْلُه تعالى: رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65] فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا سَمِيَّ لَهُ عَقِبَ قَوْلِ الْعَارِفِينَ بِهِ: وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا*رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65-64]
فَهَذَا الرَّبُّ الَّذِي لَهُ هَذَا الْجُنْدُ الْعَظِيمُ وَلَا يَتَنَزَّلُونَ إِلَّا بِأَمْرِهِ، وَهُوَ الْمَالِكُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَهُوَ الَّذِي كَمُلَتْ قُدْرَتُهُ وَسُلْطَانُهُ وَمُلْكُهُ وَكَمُلَ عِلْمُهُ، فَلَا يَنْسَى شَيْئًا أَبَدًا، وَهُوَ الْقَائِمُ بِتَدْبِيرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا، كَمَا هُوَ الْخَالِقُ لِذَلِكَ كُلِّهِ، وَهُوَ رَبُّهُ وَمَلِيكُهُ، فَهَذَا الرَّبُّ هُوَ الَّذِي لَا سَمِيَّ لَهُ لِتَفَرُّدِهِ بِكَمَالِ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ، فَأَمَّا مَنْ لَا صِفَةَ لَهُ
– الشيخ: ومَنْ هذا شأنُهُ هو المستحِقُّ للعبادةِ ولهذا قالَ: فَاعْبُدْهُ بعدَ هذا الوصفِ قالَ: فَاعْبُدْهُ ، رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ، لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا*رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ.
– القارئ: فَهَذَا الرَّبُّ هُوَ الَّذِي لَا سَمِيَّ لَهُ لِتَفَرُّدِهِ بِكَمَالِ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ، فَأَمَّا مَنْ لَا صِفَةَ لَهُ
وَلَا فِعْلَ وَلَا حَقَائِقَ لِأَسْمَائِهِ، إِنْ هِيَ إِلَّا أَلْفَاظٌ فَارِغَةٌ مِنَ الْمَعَانِي، فَالْعَدَمُ سَمِيٌّ لَهُ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ -سُبْحَانَهُ-: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ ذَلِكَ عَقِبَ ذِكْرِ كَمَالِ أَوْصَافِهِ فَقَالَ: حم*عسق*كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ*لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ*تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ*وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ [الشورى:1-6] إِلَى قَوْلِهِ: فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11]
فَهَذَا الْمَوْصُوفُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ وَالْعُلُوِّ وَالْعَظَمَةِ وَالْحِفْظِ وَالْعِزَّةِ وَالْحِكْمَةِ وَالْمُلْكِ وَالْحَمْدِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْكَلَامِ وَالْمَشِيئَةِ وَالْوِلَايَةِ، وَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَالْقُدْرَةِ التَّامَّةِ الشَّامِلَةِ، وَالْحُكْمِ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَكَوْنِهِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لِكَثْرَةِ نُعُوتِهِ وَأَوْصَافِهِ وَأَسْمَائِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَثُبُوتِهَا عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ لَا يُمَاثِلُهُ فِيهِ شَيْءٌ، فَالْمُثْبِتُ لِصِفَاتِ كَمَالِهِ هُوَ الَّذِي يَصِفُهُ بأَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَأَمَّا الْمُعَطِّلُ النَّافِي لِصِفَاتِهِ وَحَقَائِقِ أَسْمَائِهِ فَإِنَّ وَصْفَهُ بِأَنَّهُ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ مَجَازٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، كَمَا يَقُولُ فِي سَائِرِ أَوْصَافِهِ وَأَسْمَائِهِ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ وَالثَلَاثُونَ
– الشيخ: إلى هنا يا أخي، الله المستعان، الحمدُ لله الذي هدَانا وعافَانا مِن شُبهِ الـمُضلِّين.