بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (مُـختصر الصَّواعقِ الـمُرسلة على الجهميَّة والـمُعطِّلة) للموصلي
الدّرس: الثّمانون
*** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ، سيِّدِنا ونبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ القيِّمِ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في "مُختصَرُ الصَّواعقِ المُرسلَةِ على الجهميَّةِ والمُعطِّلةِ":
فصلٌ: فِي ذِكْرِ حُجَّةِ الْجَهْمِيِّ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَرْضَى وَلَا يَغْضَبُ، وَلَا يُحِبُّ وَلَا يَسْخَطُ وَلَا يَفْرَحُ، وَالْجَوَابُ عَنْهَا:
احْتَجَّ الْجَهْمِيُّ عَلَى امْتِنَاعِ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذَا انْفِعَالٌ وَتَأْثِيرٌ عَنِ الْعَبْدِ وَالْمَخْلُوقِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْخَالِقِ، فَلَوْ أَغْضَبَهُ أَوْ فَعَلَ مَا يَفْرَحُ بِهِ لَكَانَ الْمُحْدَثُ قَدْ أَثَّرَ فِي الْقَدِيمِ تِلْكَ الْكَيْفِيَّاتِ
– الشيخ: الْمُحْدَثُ: المخلوقُ، والقديمُ هو الخالقُ، يقولون…، هذا داخلٌ في نفي الصِّفات الاختياريَّة، هم يقولون: لا يحبُّ، ولا يرضى، ولا يسخطُ، هذه الصِّفاتُ، هي صفاتٌ فعليَّةٌ، هذه صفاتٌ فعليَّةٌ؛ لأنَّها تكون بمشيئته، ولكن -سبحان الله- لها أسبابٌ، بعضُ ما يفعلُه الرَّبُّ له أسبابٌ لكنَّه تعالى السَّببُ والـمُسبَّبُ كلُّه راجعٌ إليه، كلُّه بمشيئته، سيذكرُ ابنُ القيِّمِ شيئًا من هذا المعنى وأنَّ المخلوقَ…، يعني إذا فعلَ العبدُ الطَّاعاتِ فأحبَّهُ اللهُ، نقولُ: إنَّ المخلوقَ أثَّرَ في الخالقِ وجعلَه كذا يحبُّ؟! وكذلكَ يقولون في الدُّعاء يقولون: الإجابة، إجابةُ الدُّعاءِ هذا فعلٌ من أفعال وهو من آثارِ الدُّعاء، والدُّعاءُ فعلُ مخلوقٍ، فهل يقالُ: إنَّ المخلوقَ أثَّرَ في الخالقِ؟ ففعلُ المخلوقِ أثَّرَ في الخالقِ وجعلَه يفعلُه كذا ويفعلُ كذا؟
وحاصلُ الجوابِ: إنَّ مردَّ هذا وهذا السَّبب والـمُسبَّب راجعٌ إليه سبحانه، فهوَ الَّذي يُلهِمُ العبدَ الدُّعاءَ ويمنُّ عليه بالإجابة، وهو الَّذي يوفِّقُ العبدَ للإيمان والطَّاعة، ويمنُّ عليه بالقبولِ والرِّضا والمحبَّةِ، هذا هو مُحصَّلُ الجوابِ، وهكذا كلُّ الأسبابِ.. المسبَّبات سواءً كانتْ أفعالًا قائمةً بالرَّبِّ كما ذُكِرَ أو أمور أخرى مخلوقة فاللهُ خالقُ السَّببِ والـمُسبَّبِ في المخلوقات، فهو الَّذي أنزلَ الماءَ وأخرجَ به النَّباتَ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ [الأعراف:57].
– القارئ: فَلَوْ أَغْضَبَهُ أَوْ فَعَلَ مَا يَفْرَحُ بِهِ لَكَانَ الْمُحْدَثُ قَدْ أَثَّرَ فِي الْقَدِيمِ تِلْكَ الْكَيْفِيَّاتِ
– الشيخ: هذه الشُّبهةُ، هذه الشُّبهةُ، هذه الشُّبهةُ الجاحضةُ
– القارئ: قالَ: وَهَذَا مُحَالٌ
– الشيخ: هذا تقريرُ الشُّبهةِ
– القارئ: وهَذِهِ الشُّبْهَةُ مِنْ جَنْسِ شُبَهِهِمُ الَّتِي تُدْهِشُ السَّامِعَ أَوَّلَ مَا تَطْرُقُ سَمْعَهُ
– الشيخ: يعني يبدو إذا سمعَ الجاهلُ: "إنَّها شبهةٌ قويَّةٌ، إي واللهِ" فيغترُّ بها وينخدعُ بها ويصدِّقُ الخصمَ ويستجيبُ لما أرادَ.
– القارئ: وهَذِهِ الشُّبْهَةُ مِنْ جَنْسِ شُبَهِهِمُ الَّتِي تُدْهِشُ السَّامِعَ أَوَّلَ مَا تَطْرُقُ سَمْعَهُ، وَتَأْخُذُ مِنْهُ تُرَوِّعُهُ، كَالسِّحْرِ الَّذِي يُدْهِشُ النَّاظِرَ أَوَّلَ مَا يَرَاهُ.
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ، وَكُلُّ مَا فِي الْكَوْنِ مِنْ أَعْيَانٍ وَأَفْعَالٍ وَحَوَادِثَ فَهِيَ بِمَشِيئَتِهِ وَتَكْوِينِهِ، فَمَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، قضيَّتانِ لَا تَخْصِيصَ فِيهِمَا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَكُلُّ مَا يَشَاؤُهُ إِنَّمَا يَشَاؤُهُ لِحِكْمَةٍ اقْتَضَاهَا حَمْدُهُ وَمَجْدُهُ، فَحِكْمَتُهُ الْبَالِغَةُ أَوْجَبَتْ كُلَّ مَا فِي الْكَوْنِ مِنَ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبِّبَاتِ، فَهُوَ -سُبْحَانَهُ-
– طالب: .. الْأَسْبَابِ والمشيئات هذا في الأصل
– الشيخ: "كُلَّ مَا فِي الْكَوْنِ مِنَ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبِّبَاتِ"، لا، لا، الْمُسَبِّبَاتِ، المشيئات! "كُلَّ مَا فِي الْكَوْنِ من المشيئات"
– طالب: هو تكلَّمَ قبلَ هذا: "وَكُلُّ مَا يَشَاؤُهُ إِنَّمَا يَشَاؤُهُ لِحِكْمَةٍ"
– الشيخ: خلِّ [اترك] هذا، هذه مشيئةُ الرَّبِّ تعالى، لكن ما في الكون، يعني ما نقولُ: مشيئةُ اللهِ ندخلُها في الكون، كأنَّه ما هي مناسبة.
– القارئ: فَهُوَ -سُبْحَانَهُ- خَالِقُ الْأَسْبَابِ الَّتِي تُرْضِيهِ وَتُغْضِبُهُ وَتُسْخِطُهُ وَتُفْرِحُهُ
– الشيخ: لا، واضح المسبِّبات، وهي جملةٌ معروفةٌ، معروفةٌ أنَّه تعالى خالقُ الأسبابِ والمسبِّبات، هذا في الكونيَّات المسبِّبات المخلوقة، كما قلنا في الماءِ والنَّبات وكلِّ المتولِّداتِ كلِّها، وخالق.. هذا شيءٌ مطَّرِدٌ في الأسباب والمسبِّبات.
– القارئ: قالَ: فَهُوَ سُبْحَانَهُ خَالِقُ الْأَسْبَابِ الَّتِي تُرْضِيهِ وَتُغْضِبُهُ وَتُسْخِطُهُ وَتُفْرِحُهُ، وَالْأَشْيَاءَ الَّتِي يُحِبُّهَا وَيَكْرَهُهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ خَالِقُ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَالْمَخْلُوقُ أَضْعَفُ وَأَعْجَزُ أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهِ سبحانَهُ، بَلْ هُوَ الَّذِي خَلَقَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَى عِلْمِهِ، بأنَّهُ يُحِبُّ هَذَا وَيَرْضَى هَذَا، وَيُبْغِضُ هَذَا وَيَسْخَطُ هَذَا، وَيَفْرَحُ بِهَذَا فَمَا أَثَّرَ فِيهِ غَيْرُهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ.
– الشيخ: يعني
– طالب: في الأصل: "فما أثَّرَ غيرُهُ فيه بوجهٍ"
– الشيخ: فما أثَّرَ؟
– طالب: غيرُه فيه بوجهٍ
– الشيخ: والجملةُ الأولى: فما أثَّرَ
– القارئ: غَيْرُهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، تقديمٌ وتأخيرٌ
– الشيخ: كأنَّ ما فيه شيء
– القارئ: الثَّانِي: أَنَّ التَّأْثِيرَ لَفْظٌ فِيهِ اشْتِبَاهٌ وَإِجْمَالٌ، أَتُرِيدُ بِهِ أَنَّ غَيْرَهُ لَا يُعْطِيهِ كَمَالًا لَمْ يَكُنْ لَهُ، وَلا يُوجدُ
– الشيخ: أتريدُ أَنَّ غَيْرَهُ أعطاه؟
– طالب: يعطيه
– الشيخ: أو يعطيه، عندك أيش يا؟
– القارئ: أَنَّ غَيْرَهُ لَا يُعْطِيهِ
– الشيخ: لا، وعندك يا محمَّد؟
– طالب: أَتُرِيدُ أَنَّ غَيْرَهُ يُعْطِيهِ
– الشيخ: يعطيه، صحّ، هذا الصَّواب، هذا هو الصَّواب: أَنَّ غَيْرَهُ يُعْطِيهِ كَمَالًا لَمْ يَكُنْ.
– القارئ: أَنَّ غَيْرَهُ يُعْطِيهِ كَمَالًا لَمْ يَكُنْ لَهُ، وَلا يُوجدُ فِيهِ صِفَةً كَانَ فَاقِدَهَا؟
– الشيخ: يُعْطِيهِ يُعْطِيهِ كَمَالًا لَمْ يَكُنْ لَهُ، أيش بعده؟
– القارئ: أَتُرِيدُ أَنَّ غَيْرَهُ يُعْطِيهِ كَمَالًا لَمْ يَكُنْ لَهُ
– الشيخ: هذا واضحٌ أيش بعده؟
– القارئ: في نسختي: وَلا يُوجَدُ فِيهِ صِفَةً، وفي الأصل: ولا وُجِدَ فيهِ صفةٌ كانَ فاقدَها.
– الشيخ: وَلا يُوجَدُ فِيهِ صِفَةً كان فاقدَها، وفي الأصل: ولا وُجِدَ فيه صفةٌ كان فاقدَها.
– طالب: عندي نسخة أحسن الله إليك: وَيُوجَدُ فِيهِ صِفَةً كَانَ فَاقِدَهَا
– الشيخ: وَيُوجِدُ وَيُوجِدُ وَيُوجِدُ كذا بس [يكفي] يعطيه ويوجد، كذلك، اقرؤُوها كذا
– القارئ: أَتُرِيدُ أَنَّ غَيْرَهُ يُعْطِيهِ كَمَالًا لَمْ يَكُنْ لَهُ
– الشيخ: ويُوجِدُ
– القارئ: وَيُوجِدُ فِيهِ صِفَةً كَانَ فَاقِدَهَا؟
– الشيخ: بس [فقط]، تمام الآن
– القارئ: فَهَذَا مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ أَمْ تُرِيدُ أَنَّ غَيْرَهُ لَا يُسْخِطُهُ وَلَا يُغْضِبُهُ، وَلَا يَفْعَلُ مَا يَفْرَحُ بِهِ أَوْ يُحِبُّهُ أَوْ يَكْرَهُهُ، أو نَحْوَ ذَلِكَ، فَهَذَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ وَهُوَ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ، وَلَيْسَ مَعَكَ فِي نَفْيِهِ إِلَّا مُجَرَّدُ الدَّعْوَى بِتَسْمِيَةِ ذَلِكَ تَأْثِيرًا فِي الْخَالِقِ، وَلَيْسَ الشَّأْنُ فِي الْأَسْمَاءِ إِنَّمَا الشَّأْنُ فِي الْمَعَانِي وَالْحَقَائِقِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ [محمد:28] وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَبِي بَكْرٍ فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ: (لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ).
الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا يُبْطِلُ مَحَبَّتَهُ لِطَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَبُغْضَهُ لِمَعَاصِي الْمُخَالِفِينَ، فَهَذَا وَهَذَا مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ بِالضَّرُورَةِ وَالْعَقْلِ وَالْفِطَرِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَاتِّفَاقِ أَهْلِ الْأَدْيَانِ كُلِّهِمْ، بَلْ هَذَا حَقِيقَةُ دَعْوَةِ الرُّسُلِ بَعْدَ التَّوْحِيدِ.
الرَّابِعُ: أَنَّ هَذَا يَنْتَقِضُ بِإِجَابَةِ دَعَوَاتِهِمْ وَسَمَاعِ أَصْوَاتِهِمْ، وَرُؤْيَةِ أَفْعَالِهِمْ وَحَرَكَاتِهِمْ، فَإِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا أُمُورٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَفْعَالِهِمْ، فَمَا كَانَ جَوَابُكَ عَنْهَا فهو جوابُنا فِي مَحَلِّ الْإِلْزَامِ.
الْخَامِسُ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ إِذَا كَانَ يُحِبُّ أُمُورًا، وَتِلْكَ الْأُمُورُ المَحْبُوبَةُ لَهَا لَوَازِمٌ يَمْتَنِعُ وُجُودُهَا بِدُونِهَا، كَانَ وُجُودُ تِلْكَ الْأُمُورِ مُسْتَلْزِمًا لِلَوَازِمِهَا الَّتِي لَا تُوجَدُ بِدُونِهَا، مِثَالُهُ مَحَبَّتُهُ لِلْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالتَّوْبَةِ، فَهَذِهِ الْمَحْبُوبَاتُ تَسْتَلْزِمُ وُجُودَ مَا يَعْفُو عَنْهُ وَيَغْفِرُهُ وَيَتُوبُ إِلَيْهِ الْعَبْدُ مِنْهُ، وَوُجُودُ الْمَلْزُومِ بِدُونِ لَازِمِهِ مُحَالٌ، فَلَا يُمْكِنُ حُصُولُ مَحْبُوبَاتِهِ -سُبْحَانَهُ- مِنَ التَّوْبَةِ وَالْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ، بِدُونِ الَّذِي يُتَابُ مِنْهُ وَيَغْفِرُهُ وَيَعْفُو عَنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ)، وَهَذَا هُوَ الَّذِي وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِالْفَرَحِ بِهِ، وَهَذَا الْمَفْرُوحُ بِهِ يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ قَبْلَ الذَّنْبِ فَضْلًا مِنْ أَنْ يَكُونَ قديمًا، فَهَذَا الْمَفْرُوحُ بِهِ يُحِبُّ تَأَخُّرَهُ قَطْعًا، وَمِثْلُ هَذَا مَا رُوِيَ: «أَنَّ آدَمَ لَمَّا رَأَى بَنِيهِ وَرَأَى تَفَاوُتَهُمْ، قَالَ: يَا رَبِّ، هَلَّا سَوَّيْتَ بَيْنَ عِبَادِكَ؟ قَالَ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُشْكَرَ»، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَحَبَّتَهُ لِلشُّكْرِ عَلَى مَا فَضَّلَ بِهِ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ، فَإِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ التَّسْوِيَةِ وَالتَّفْضِيلِ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، وَذَلِكَ مُحَالٌ.
الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ: أَنَّ هَذِهِ الْمُعَارَضَةَ بَيْنَ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ هِيَ أَصْلُ كُلِّ فَسَادٍ فِي الْعَالَمِ، وَهِيَ ضِدُّ دَعْوَةِ الرُّسُلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَإِنَّهُمْ دَعَوْا إِلَى تَقْدِيمِ الْوَحْيِ عَلَى الْآرَاءِ وَالْعُقُولِ، وَصَارَ خُصُومُهُمْ إِلَى ذَلِكَ، فَأَتْبَاعُ الرُّسُلِ قَدَّمُوا الْوَحْيَ عَلَى الرَّأْيِ وَالْمَعْقُولِ، وَأَتْبَاعُ إِبْلِيسَ أَوْ نَائِبٌ مِنْ نُوَّابِهِ قَدَّمُوا الْعَقْلَ عَلَى النَّقْلِ.
– الشيخ: فَأَتْبَاعُ الوحي
– القارئ: فَأَتْبَاعُ الرُّسُلِ قَدَّمُوا الْوَحْيَ عَلَى الرَّأْيِ وَالْمَعْقُولِ
– الشيخ: عَلَى الرَّأْيِ وَالْمَعْقُولِ يعني لو فُرِضَ التَّعارضُ وإلَّا الأصلُ أنَّه الوحي الَّذي جاءتْ به الرُّسلُ لا بناقض المعقولِ؛ فإنَّ الرُّسلَ لا يأتون بما تمنعُه العقولُ وتحيلُه، فهو على تقدير، قدَّمُوه لو لو وُجِدَ معارضٌ عقليٌّ قدَّموا الوحيَ عليه، مع أنَّ الحقيقةَ والواقعَ أنَّ هذا غيرُ موجودٍ، فلا تعارض، غاية الأمر قد يأتي في دينِ الرُّسلِ ما تدلُّ عليه العقولُ، ولهذا يقولون: إنَّ الرُّسلَ لا يأتون بمحالاتِ العقولِ، لكن يأتون بمحاراتِ أو بمجازاتِ العقولِ، يعني بما يجوِّزُه العقلُ، والجائزُ هو الي [الذي] قابل للوجود والعدم، والمحالُ هو الممتنعُ الوجودِ.
– طالب: …
– الشيخ: من هو؟ في أذهانهم؟ هذا على فرض ما هو
– القارئ: فَأَتْبَاعُ الرُّسُلِ قَدَّمُوا الْوَحْيَ عَلَى الرَّأْيِ وَالْمَعْقُولِ وَأَتْبَاعُ إِبْلِيسَ أَوْ نَائِبٌ مِنْ نُوَّابِهِ قَدَّمُوا الْعَقْلَ عَلَى النَّقْلِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الشَّهْرَسْتَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ: اعْلَمْ أَنَّ أَوَّلَ شُبْهَةٍ وَقَعَتْ فِي الْخَلْقِ شُبْهَةُ إِبْلِيسَ
– الشيخ: لعلَّك تقفُ على هذا.