الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية/(130) فصل بيان اضطراب كلام النصارى وتفرقهم في باب طبيعة المسيح قوله ” ثم وجدت منهم صنفا يعرفون باليعقوبية”

(130) فصل بيان اضطراب كلام النصارى وتفرقهم في باب طبيعة المسيح قوله ” ثم وجدت منهم صنفا يعرفون باليعقوبية”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الجواب الصَّحيح لِمَن بدّل دين المسيح) لابن تيمية
الدّرس: الثّلاثون بعد المئة

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسَلينَ، نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعينَ، أمَّا بعدُ: فيقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ "الجوابِ الصَّحيحِ لِمَن بدَّلَ دينَ المسيحِ" يقولُ -رحمَهُ اللهُ تعالى-:
قَالَ: ثُمَّ وَجَدْتُ مِنْهُمْ صِنْفًا يُعْرَفُونَ بِالْيَعْقُوبِيَّةِ، يَقُولُونَ: إِنَّ الْمَسِيحَ طَبِيعَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ طَبِيعَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا طَبِيعَةُ النَّاسُوتِ وَالْأُخْرَى طَبِيعَةُ اللَّاهُوتِ، وَأَنَّ هَاتَيْنِ الطَّبِيعَتَيْنِ تَرَكَّبَتَا كَمَا تَرَكَّبَتِ النَّفْسُ مَعَ الْبَدَنِ فَصَارَتَا إِنْسَانًا وَاحِدًا وَجَوْهَرًا وَاحِدًا وَشَخْصًا وَاحِدًا، وَأَنَّ هَذِهِ الطَّبِيعَةَ الْوَاحِدَةَ وَالشَّخْصَ الْوَاحِدَ هُوَ الْمَسِيحُ، وَهُوَ إِلَهٌ كُلُّهُ وَإِنْسَانٌ كُلُّهُ، وَهُوَ شَخْصٌ وَاحِدٌ وَطَبِيعَةٌ

– الشيخ:  هذا معنى الاتِّحاد، هذا هو معنى قول من قالَ بالاتِّحاد، اتَّحدَ اللَّاهوتُ بالنَّاسوتِ، يعني: صارَا شيئًا واحدًا، اتَّصلَ اللَّاهوتُ بالنَّاسوت أو النَّاسوتُ باللَّاهوتِ وصارَا شيئًا واحدًا كالرُّوحِ معَ البدنِ.
 
– القارئ: وَهُوَ إِلَهٌ كُلُّهُ وَإِنْسَانٌ كُلُّهُ، وَهُوَ شَخْصٌ وَاحِدٌ وَطَبِيعَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ طَبِيعَتَيْنِ.
وَقَالُوا: إِنَّ مَرْيَمَ وَلَدَتِ اللَّهَ -تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ- وَإِنَّ اللَّهَ مَاتَ وَتَأَلَّمَ وَصُلِبَ مُتَجَسِّدًا، وَدُفِنَ وَقَامَ مِنْ بَيْنِ الْأَمْوَاتِ وَصَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ، فَجَاؤُوا مِنَ الْقَوْلِ بِمَا لَوْ عُرِضَ عَلَى السَّمَاءِ لَانْفَطَرَتْ، أَوْ عَلَى الْأَرْضِ لَانْشَقَّتْ، أَوْ عَلَى الْجِبَالِ لَانْهَدَّتْ، فَلَمْ يَكُنْ لِمُحَاجَّةِ هَؤُلَاءِ وَجْهٌ، إِذْ كَانَ كُفْرُهُمْ بِمَا صَرَّحُوا بِهِ أَوْضَحَ مِنْ أَنْ يَقَعَ فِيهِ الشَّكُّ، وَكَانَ غَيْرُهُمْ مِنَ النَّصَارَى كَالْمَالِكَانِيَّةِ وَالنَّسْطُورِيَّةِ يَشْهَدُونَ بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ.
قَالَ: ثُمَّ نَظَرْتُ فِي قَوْلِ الْمَلِكَانِيَّةِ وَهُمُ الرُّومُ وَهُمْ أَكْثَرُ النَّصَارَى فَوَجَدْتُهُمْ قَالُوا: إِنَّ الِابْنَ الْأَزَلِيَّ الَّذِي هُوَ اللَّهُ الْكَلِمَةُ تَجَسَّدَ مِنْ مَرْيَمَ تَجَسُّدًا كَامِلًا كَسَائِرِ أَجْسَادِ النَّاسِ، وَرَكَّبَ فِي ذَلِكَ الْجَسَدِ نَفْسًا كَامِلَةً بِالْعَقْلِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْعِلْمِ كَسَائِرِ أَنْفُسِ النَّاسِ، وَأَنَّهُ صَارَ إِنْسَانًا بِالنَّفْسِ وَالْجَسَدِ اللَّذَيْنِ هُمَا مِنْ جَوْهَرِ النَّاسِ، وَإِلَهًا بِجَوْهَرِ اللَّاهُوتِ كَمِثْلِ أَبِيهِ لَمْ يَزَلْ، وَهُوَ إِنْسَانٌ بِجَوْهَرِ النَّاسُوتِ مِثْلَ إِبْرَاهِيمَ وَدَاوُدَ، وَهُوَ شَخْصٌ وَاحِدٌ لَمْ يَزِدْ عَدَدُهُ

– الشيخ:  لَمْ يَزِدْ؟
– القارئ:  نعم، لَمْ يَزِدْ عَدَدُهُ
– الشيخ:  يعني اختلفَت الألفاظُ والمعنى واحدٌ، يعني هو من جنسِ ما قبله، قولُ النُّسطوريَّة والملكانيَّة كقولِ اليعقوبيَّة قريب، كلُّ هذه يرجعُ إلى دعوى إلى القولِ بالاتِّحاد.
 
– القارئ: وَهُوَ شَخْصٌ وَاحِدٌ لَمْ يَزِدْ عَدَدُهُ وَثَبَتَ لَهُ جَوْهَرُ اللَّاهُوتِ كَمَا لَمْ يَزَلْ يَصِحُّ لَهُ جَوْهَرُ النَّاسُوتِ الَّذِي لَبِسَهُ مِنْ مَرْيَمَ، وَهُوَ شَخْصٌ وَاحِدٌ لَمْ يَزِدْ عَدَدُهُ وَطَبِيعَتَانِ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الطَّبِيعَتَيْنِ مَشِيئَةٌ كَامِلَةٌ
– الشيخ:  هذا من الاضطرابِ و…
– القارئ: فَلَهُ بِلَاهُوتِهِ مَشِيئَةٌ مِثْلَ الْأَبِ وَالرُّوحِ، وَلَهُ بِنَاسُوتِهِ مَشِيئَةٌ مِثْلَ مَشِيئَةِ إِبْرَاهِيمَ وَدَاوُدَ.
وَقَالُوا: إِنَّ مَرْيَمَ وَلَدَتْ إِلَهًا، وَأَنْ الْمَسِيحَ وَهُوَ اسْمٌ يَجْمَعُ اللَّاهُوتَ وَالنَّاسُوتَ مَاتَ، وَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَمُتْ، وَالَّذِي وَلَدَتْ مَرْيَمُ قَدْ مَاتَ بِجَوْهَرِ نَاسُوتِهِ، فَهُوَ إِلَهٌ تَامٌّ بِجَوْهَرِ لَاهُوتِهِ، وَإِنْسَانٌ تَامٌّ بِجَوْهَرِ نَاسُوتِهِ، وَلَهُ مَشِيئَةُ اللَّاهُوتِ وَمَشِيئَةُ النَّاسُوتِ، وَهُوَ شَخْصٌ وَاحِدٌ لَا نَقُولُ، عندي أحسنَ اللهُ إليكَ: لَا نَقُولُ شَخْصَانِ
– الشيخ:  نعم، "لَا نَقُولُ شَخْصَانِ"
– القارئ: كذا صحيحٌ يا شيخ أحسنَ اللهُ إليك؟ "لَا نَقُولُ شَخْصَانِ"؟
– الشيخ: إي، يعني يقولون: إنَّهما طبيعتان ومشيئتان، ولكن لا نقولُ عنهما أنَّهما شخصان، فهذا من الاضطرابِ، من اضطرابِهم.
 
– القارئ: لَا نَقُولُ شَخْصَانِ لِئَلَّا يَلْزَمَنَا الْقَوْلُ بِأَرْبَعَةِ أَقَانِيمَ.
قَالَ: فَهَؤُلَاءِ أَتَوْا مِنْ ذَلِكَ بِمِثْلِ مَا أَتَتْ بِهِ الْيَعْقُوبِيَّةُ فِي وِلَادَةِ مَرْيَمَ اللَّهَ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ، وَقَالُوا: إِنَّ الْمَسِيحَ وَهُوَ اسْمٌ لَا تَشُكُّ جَمَاعَةُ النَّصَارَى أَنَّهُ وَاقِعٌ عَلَى اللَّاهُوتِ وَالنَّاسُوتِ مَاتَ، وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَمُتْ، فَكَيْفَ يَكُونُ مَيِّتًا لَمْ يَمُتْ، وَقَائِمًا قَاعِدًا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ؟ وَهَلْ بَيْنَ الْمَقَالَتَيْنِ فَرْقٌ إِلَّا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الطَّبَائِعِ؟
قَالَ: ثُمَّ نَظَرْتُ فِي قَوْلِ النَّسْطُورِيَّةِ فَوَجَدْتُهُمْ قَالُوا: إِنَّ الْمَسِيحَ شَخْصَانِ وَطَبِيعَتَانِ

– الشيخهذا كلُّه حكاية عن النَّصرانيِّ الَّذي أسلمَ وردَّ على النَّصارى، أيش اسمه؟ الحسن يقول؟
– القارئ: بنُ أيوبَ.
قَالَ: ثُمَّ نَظَرْتُ فِي قَوْلِ النَّسْطُورِيَّةِ فَوَجَدْتُهُمْ قَالُوا: إِنَّ الْمَسِيحَ شَخْصَانِ وَطَبِيعَتَانِ لَهُمَا مَشِيئَةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَنَّ طَبِيعَةَ اللَّاهُوتِ الَّتِي لِلْمَسِيحِ غَيْرُ طَبِيعَةِ نَاسُوتِهِ، وَأَنَّ طَبِيعَةَ اللَّاهُوتِ لَمَّا تَوَحَّدَتْ بِالنَّاسُوتِ بِشَخْصِهَا الْكَلِمَةُ الَّتِي صَارَتِ الطَّبِيعَتَانِ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِرَادَةٍ وَاحِدَةٍ، وَاللَّاهُوتُ لَا يَقْبَلُ زِيَادَةً وَلَا نُقْصَانَ وَلَا يَمْتَزِجُ بِشَيْءٍ، وَالنَّاسُوتُ يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ، فَكَانَ الْمَسِيحُ بِتِلْكَ إِلَهًا وَإِنْسَانًا، فَهُوَ إِلَهٌ بِجَوْهَرِ اللَّاهُوتِ الَّذِي لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ، وَهُوَ إِنْسَانٌ بِجَوْهَرِ النَّاسُوتِ الْقَابِلِ لِلزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ.
وَقَالُوا: إِنَّ مَرْيَمَ وَلَدَتِ الْمَسِيحَ

– الشيخ: هذا يتضمَّنُ الجمعَ بينَ النَّقيضين، إلهٌ وإنسانٌ كأن معناه خالقٌ ومخلوقٌ، هو خالقٌ وهو مخلوقٌ، فهذا جمعٌ بينَ النَّقيضين، والجمعُ بينَ النَّقيضين ممتنعٌ في بدائهِ العقولِ.
 
– القارئ: وَقَالُوا: إِنَّ مَرْيَمَ وَلَدَتِ الْمَسِيحَ بِنَاسُوتِهِ، وَإِنَّ اللَّاهُوتَ لَمْ يُفَارِقْهُ قَطُّ مُنْذُ تَوَحَّدَتْ بِنَاسُوتِهِ.
وَقَالَ: فَوَجَدْنَا الْيَعْقُوبِيَّةَ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَرْيَمَ وَلَدَتِ اللَّهَ -تَعَالَى عَمَّا يَصِفُهُ الْمُبْطِلُونَ وَيَقُولُهُ الْعَادِلُونَ- وَأَنَّهُ تَأَلَّمَ وَصُلِبَ وَمَاتَ، وَقَامَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ بَيْنِ الْمَوْتَى، وَهَذَا الْكُفْرُ الَّذِي تَشْهَدُ بِهِ عَلَيْهِمْ سَائِرُ مِلَلِ النَّصَارَى وَغَيْرُهِمْ.
وَوَجَدْنَا الْمَلِكَانِيَّةَ قَدْ حَادُوا عَنْ هَذَا التَّصْرِيحِ إِلَى مَا هُوَ دُونَهُ فِي الظَّاهِرِ، فَقَالُوا: إِنَّ الْمَسِيحَ شَخْصٌ وَاحِدٌ وَطَبِيعَتَانِ، فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الطَّبِيعَتَيْنِ مَشِيئَةٌ، فَلَهُ بِلَاهُوتِهِ مَشِيئَةٌ مِثْلُ الْأَبِ وَالرُّوحِ، وَلَهُ بِنَاسُوتِهِ مَشِيئَةٌ كَمَشِيئَةِ إِبْرَاهِيمَ وَدَاوُدَ. وَأَوْهَمُوا الْوَاقِفَ عَلَى قَوْلِهِمْ أَنَّهُمْ بِمَا اخْتَرَعُوهُ مِنْ هَذَا الِاخْتِيَارِ قَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ اللَّاهُوتِ وَالنَّاسُوتِ، ثُمَّ عَادُوا إِلَى قَوْلِ الْيَعْقُوبِيَّةِ، فَقَالُوا: إِنَّ مَرْيَمَ وَلَدَتْ إِلَهًا وَأَنَّ الْمَسِيحَ -وَهُوَ اسْمٌ يَجْمَعُ اللَّاهُوتَ وَالنَّاسُوتَ عِنْدَ جَمَاعَتِهِمْ لَا يَشُكُّونَ فِي ذَلِكَ- مَاتَ بِالْجَسَدِ وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَمُتْ، وَالَّذِي قَدْ وَلَدَتْهُ مَرْيَمُ قَدْ مَاتَ بِجَوْهَرِ نَاسُوتِهِ، فَكَيْفَ يَكُونُ مَيِّتٌ لَمْ يَمُتْ؟ وَهَلْ بَيْنَ الْمَقَالَتَيْنِ إِلَّا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الطَّبَائِعِ فَرْقٌ؟
وَإِذَا كَانُوا قَدِ اعْتَرَفُوا بِأَنَّ مَرْيَمَ وَلَدَتِ اللَّهَ، وَأَنَّ الَّذِي وَلَدَتْهُ مَرْيَمُ وَهُوَ الْمَسِيحُ الِاسْمُ الْجَامِعُ لِلْجَوْهَرَيْنِ، لِلَّاهُوتِ وَالنَّاسُوتِ قَدْ مَاتَ، فَهَلْ وَقَعَتِ الْوِلَادَةُ وَالْمَوْتُ وَسَائِرُ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَحْكِي النَّصَارَى أَنَّهَا فُعِلَتْ بِالْمَسِيحِ إِلَّا عَلَيْهِمَا؟
فَكَيْفَ يَصِحُّ لِذِي عَقْلٍ عِبَادَةُ مَوْلُودٍ مِنِ امْرَأَةٍ بَشَرِيَّةٍ قَدْ مَاتَ وَنَالَتْهُ الْعِلَلُ وَالْآفَاتُ؟
قُلْتُ: وَمِمَّا يُوَضِّحُ تَنَاقُضَهُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الْمَسِيحِ وَهُوَ اللَّاهُوتُ وَالنَّاسُوتُ شَخْصٌ وَاحِدٌ وَأُقْنُومٌ وَاحِدٌ مَعَ قَوْلِهِمْ أَنَّهُمَا جَوْهَرَانِ بِطَبِيعَتَيْنِ وَمَشِيئَتَيْنِ فَيُثْبِتُونَ

– الشيخ: أيش قالَ المعلِّقُ على: "قلْتُ"؟
– القارئ: ما عندي شيءٌ أحسنَ اللهُ إليك
– الشيخ: يعني يُحتمَلُ أنْ يكونَ من المؤلِّف، وإلَّا من
– طالب: عندنا تعليق
– الشيخ: عندك تعليقٌ؟
– طالب: قالَ: هذا كلامُ الشَّيخِ تعقيبًا على كلامِ الحسنِ بنِ أيوب
– الشيخ: يبدو كذا، لأنَّه كلُّه كلامٌ، ما في، فحينَ يقولُ: قلتُ.. كأن هذا توجيهٌ حسنٌ
– القارئ: قُلْتُ: وَمِمَّا يُوَضِّحُ تَنَاقُضَهُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الْمَسِيحِ وَهُوَ اللَّاهُوتُ وَالنَّاسُوتُ شَخْصٌ وَاحِدٌ وَأُقْنُومٌ وَاحِدٌ مَعَ قَوْلِهِمْ أَنَّهُمَا جَوْهَرَانِ بِطَبِيعَتَيْنِ وَمَشِيئَتَيْنِ فَيُثْبِتُونَ لِلْجَوْهَرَيْنِ أُقْنُومًا وَاحِدًا، وَيَقُولُونَ: هُوَ شَخْصٌ وَاحِدٌ، ثُمَّ يَقُولُونَ: إِنَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ إِلَهٌ وَاحِدٌ، وَأُقْنُومٌ وَاحِدٌ، وَجَوْهَرٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقَانِيمَ، فَيَثْبُتُونَ لِلْجَوْهَرِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَةَ أَقَانِيمَ، وَلِلْجَوْهَرَيْنِ الْمُتَّحِدَيْنِ أُقْنُومًا وَاحِدًا، مَعَ أَنَّ مَشِيئَةَ الْأَقَانِيمِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَهُمْ وَاحِدَةٌ، وَالنَّاسُوتُ وَاللَّاهُوتُ يُثْبِتُونَ لَهُمَا مَشِيئَتَيْنِ وَطَبِيعَتَيْنِ، وَمَعَ هَذَا هُمَا عِنْدَهُمْ شَخْصٌ وَاحِدٌ، أُقْنُومٌ وَاحِدٌ، وَهَذَا يَقْتَضِي غَايَةَ التَّنَاقُضِ سَوَاءٌ فَسَّرُوا الْأُقْنُومَ بِالصِّفَةِ، أَوِ الشَّخْصِ، أَوِ الذَّاتِ مَعَ الصِّفَةِ، أَوْ أَيِّ شَيْءٍ قَالُوهُ.
وَهُوَ يُبَيِّنُ أَنَّ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِهَذَا الْكَلَامِ مَا تَصَوَّرُوا مَا قَالُوهُ، بَلْ كَانُوا ضُلَّالًا جُهَّالًا، بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ الْأَنْبِيَاءُ فَإِنَّهُ حَقٌّ، فَلِهَذَا لَا يُوجَدُ عَنِ الْمَسِيحِ وَلَا غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَا يُوَافِقُ قَوْلَهُمْ فِي التَّثْلِيثِ وَالْأَقَانِيمِ وَالِاتِّحَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا ابْتَدَعُوهُ بِغَيْرِ سَمْعٍ وَعَقْلٍ، بَلْ أَلْقَوْا أَقْوَالًا مُخَالِفَةً لِلشَّرْعِ وَالْعَقْلِ.
ثُمَّ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَيُّوبَ: ثُمَّ وَجَدْنَا النَّصَارَى الْمَعْرُوفِينَ بِالنَّسْطُورِيَّةِ قَدْ خَالَفُوا الْيَعْقُوبِيَّةَ وَالْمَلِكَانِيَّةَ فِي قَوْلِهِمْ بِشَخْصَيْنِ لَهُمَا مَشِيئَةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَنَّ الطَّبِيعَتَيْنِ اتَّحَدَتَا فَصَارَتَا بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ عَادُوا إِلَى شَبِيهِ قَوْلِهِمْ فِي أَنَّ مَرْيَمَ وَلَدَتِ الْمَسِيحَ، فَإِذَا كَانَتْ وَلَدَتِ الْمَسِيحَ فَقَدْ لَزِمَهُمْ وَوَجَبَ عَلَيْهِمُ الْإِقْرَارُ بِأَنَّهَا وَلَدَتْ هَذَا اللَّاهُوتَ وَالنَّاسُوتَ الْمُتَّحِدَيْنِ.
وَقَدْ رَجَعَ الْمَعْنَى إِلَى قَوْلِ الْيَعْقُوبِيَّةِ، إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَارُوا لِذَلِكَ أَلْفَاظًا زَوَّقُوهَا وَقَدَرُوا بِهَا التَّمْوِيِهَ عَلَى السَّامِعِ، وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِالْقَوْلِ كَتَصْرِيحِ الْيَعْقُوبِيَّةِ; لِأَنَّ الْمُتَّحِدَ بِالشَّيْءِ هُوَ الْمُمَازِجُ لَهُ وَالْمُجْتَمِعُ مَعَهُ حَتَّى صَارَ مَازِجُهُ وَهُوَ شَيْئًا وَاحِدًا، ثُمَّ أَكَّدُوا الْقَوْلَ بِإِقْرَارِهِمْ أَنَّ النَّاسُوتَ مُنْذُ اتَّحَدَ بِاللَّاهُوتِ لَمْ يُفَارِقْهُ، فَمَا لَمْ يُفَارِقِ الشَّيْءَ هَلْ هُوَ إِلَّا يَجْرِي مَجْرَاهُ فِي سَائِرِ مُتَفَرَّقَاتِهِ مِنْ ضُرٍّ وَنَفْعٍ، وَخَيْرٍ وَشَرٍّ، وَحَاجَةٍ وَغِنًى؟
قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ مَرْيَمَ وَلَدَتِ الْمَسِيحَ بِنَاسُوُتِهِ فَهَذِهِ أُغْلُوطَةٌ، وَإِلَّا فَكَيْفَ يُولَدُ وَلَدٌ مُتَّحِدٌ بِشَيْءٍ آخَرَ مُجَامِعٌ لَهُ دُونَ ذَلِكَ الشَّيْءِ؟ وَكَيْفَ يَكُونُ ذَاكَ وَهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهُ لَمْ يُفَارِقْهُ قَطُّ؟ وَهَلْ يَصِحُّ هَذَا عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ؟ أَوَلَيْسَ الْحُكْمُ عِنْدَ كُلِّ نَاظِرٍ وَمِنْ كُلِّ ذِي عَقْلٍ يُوجِبُ أَنْ تَكُونَ الْوِلَادَةُ وَاقِعَةً عَلَى اللَّاهُوتِ وَالنَّاسُوتِ مَعًا؟ بِمَعْنَى الِاتِّحَادِ وَبِمَعْنَى الِاسْمِ الْجَامِعِ لِلَاهُوتِ وَالنَّاسُوتِ وَهُوَ الْمَسِيحُ، وَكَذَلِكَ الْحَمْلُ بِهِمَا جَمِيعًا، وَأَنْ يَكُونَ الْبَطْنُ قَدْ حَوَاهُمَا؟
قَالَ: فَإِنْ لَجُّوا فِي الْبَاطِلِ وَدَافَعُوا عَنْ قَبِيحِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَمَالُوا إِلَى تَحْسِينِهَا بِالتَّمْوِيهَاتِ الْمُشَكِّكَةِ لِمَنْ قَصُرَتْ مَعْرِفَتُهُ، فَنَحْنُ نُقِيمُ عَلَيْهِمْ شَاهِدًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ لَا يُمْكِنُهُمْ دَفْعُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ شَرِيعَةَ إِيمَانِهِمُ الَّتِي أَلَّفَهَا لَهُمْ رُؤَسَاؤُهُمْ مِنَ الْبَطَارِكَةِ وَالْمَطَارِنَةِ وَالْأَسَاقِفَةِ وَالْأَحْبَارِ فِي دِينِهِمْ وَذَوِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ بِحَضْرَةِ الْمَلِكِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمْ مِنْ آفَاقِ الْأَرْضِ بِمَدِينَةِ "قُسْطَنْطِينِيَّةَ" وَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ رَجُلًا، يَصِفُونَ أَنَّهُمْ نَطَقُوا بِهَا بِرُوحِ الْقُدُسِ، وَهِيَ الَّتِي لَمْ تَخْتَلِفْ جَمَاعَتُهُمْ عِنْدَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْمَقَالَاتِ فِيهَا، وَلَا يَتِمُّ لَهُمْ قُرْبَانٌ إِلَّا بِهَا عَلَى هَذَا النَّسَقِ الَّذِي نُبَيِّنُهُ: نُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْأَبِ، مَالِكِ كُلِّ شَيْءٍ، صَانِعِ مَا يُرَى وَمَا لَا يُرَى، وَبِالرَّبِّ الْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ اللَّهِ الْوَاحِدِ، بِكْرِ الْخَلَائِقِ كُلِّهَا، وَلَيْسَ بِمَصْنُوعٍ، إِلَهٌ حَقٌّ مِنْ إِلَهٍ حَقٍّ، مِنْ جَوْهَرِ أَبِيهِ، الَّذِي بِيَدِهِ أُتْقِنَتِ الْعَوَالِمُ، وَخُلِقَ كُلُّ شَيْءٍ، الَّذِي مِنْ أَجْلِنَا مَعْشَرَ الْبَشَرِ، وَمِنْ أَجْلِ خَلَاصِنَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، وَتَجَسَّدَ مِنْ رُوحِ الْقُدُسِ، وَصَارَ إِنْسَانًا، وَحُبِلَ بِهِ وَوُلِدَ مِنْ مَرْيَمَ الْبَتُولِ، وَتَأَلَّمَ وَصُلِبَ أَيَّامَ قِيطُوسَ بْنِ بِيلَاطُوسَ، وَدُفِنَ، وَقَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ، وَصَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ، وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ أَبِيهِ، وَهُوَ مُسْتَعِدٌّ لِلْمَجِيءِ تَارَةً أُخْرَى لِلْقَضَاءِ بَيْنَ الْأَمْوَاتِ وَالْأَحْيَاءِ، وَنُؤْمِنُ بِرُوحِ الْقُدُسِ الْوَاحِدِ رُوحِ الْحَقِّ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَبِيهِ رُوحٌ، وَمَجِيئُهُ، وَبِمَعْمُودِيَّةٍ وَاحِدَةٍ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا، وَبِجَمَاعَةٍ وَاحِدَةٍ قِدِّيسِيَّةٍ سَلِيخِيَّةٍ جَاثِلِيقِيَّةٍ، وَبِقِيَامَةِ أَبْدَانِنَا، وَبِالْحَيَاةِ الدَّائِمَةِ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ.

– الشيخ: هذا نصُّ ما يسمُّونه بالأمانة، وهي اتِّفاقيَّةٌ اتَّفقوا في عقيدتهم على ما تضمَّنته هذه الأمانةُ، الَّتي هي خيانةٌ، أعظمُ خيانةٍ؛ أنَّها مشتملةٌ على الكفر بالله، والشِّرك به، سبحانه وتعالى عمَّا يقولون علوًّا كبيرًا، اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:31].
 
– القارئ: قَالَ: فَهَذِهِ الشَّرِيعَةُ يَجْتَمِعُ عَلَى الْإِيمَانِ بِهَا، وَبَذْلِ الْمُهَجِ فِيهَا، وَإِخْرَاجِ الْأَنْفُسِ دُونَهَا جَمَاهِيرُهُمْ مِنَ الْمَلِكَانِيَّةِ وَالْيَعْقُوبِيَّةِ وَالنَّسْطُورِيَّةِ.
وَقَدِ اعْتَرَفُوا فِيهَا جَمِيعًا بِأَنَّ الرَّبَّ الْمَسِيحَ الَّذِي هَذِهِ صِفَتُهُ عَلَى مَا اقْتَصَصْنَاهُ مِنْهَا الْإِلَهُ الْحَقُّ مِنَ الْإِلَهِ الْحَقِّ، نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَتَجَسَّدَ مِنْ رُوحِ الْقُدُسِ، وَصَارَ إِنْسَانًا وَحُبِلَ بِهِ وَوُلِدَ مِنْ مَرْيَمَ الْبَتُولِ وَتَأَلَّمَ وَصُلِبَ.
قَالَ: فَهَلْ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ شُبْهَةٌ أَوْ عُلقةٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا الْعَنِتُ الْمُدَافِعُ عَنِ الْحُجَّةِ؟ فَتَدَبَّرُوا هَذَا الْقَوْلَ يَا مَعْشَرَ النَّصَارَى، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَحَدٌ مِنْكُمْ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهُ، وَلَا أَنْ يَدْفَعَ مَا صَرَّحَ بِهِ، فَإِنَّكُمْ إِنْ قُلْتُمْ: إِنَّ الْمَقْتُولَ الْمَصْلُوبَ هُوَ اللَّهُ، فَمَرْيَمُ عَلَى قَوْلِكُمْ وَلَدَتِ اللَّهَ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ، وَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّهُ إِنْسَانٌ فَمَرْيَمُ وَلَدَتْ إِنْسَانًا، وَفِي ذَلِكَ أَجْمَعُ بُطْلَانِ شَرِيعَةِ إِيمَانِكُمْ، فَاخْتَارُوا أَيَّ الْقَوْلَيْنِ شِئْتُمْ، فَإِنَّ فِيهِ نَقْضَ الدِّينِ.
قَالَ: وَقَدْ يَجِبُ عَلَى ذَوِي الْعُقُولِ أَنْ تَزْجُرَهُمْ عُقُولُهُمْ عَنْ عِبَادَةِ إِلَهٍ وَلَدَتْهُ مَرْيَمُ، وَهِيَ امْرَأَةٌ آدَمِيَّةٌ، ثُمَّ مَكَثَ عَلَى الْأَرْضِ ثَلَاثِينَ سَنَةً تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْآدَمِيِّينَ مِنْ غِذَاءٍ وَتَرْبِيَةٍ، وَصِحَّةٍ وَسَقَمٍ، وَخَوْفٍ وَأَمْنٍ، وَتَعَلُّمٍ وَتَعْلِيمٍ، لَا يَتَهَيَّأُ لَكُمْ أَنْ تَدَّعُوا أَنَّهُ كَانَ مِنْهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ مِنْ أَسْبَابِ اللَّاهُوتِيَّةِ شَيْءٌ، وَلَا لَهُ مِنْ أَحْوَالِ الْآدَمِيِّينَ كُلِّهَا مِنْ حَاجَتِهِمْ وَضَرُورَاتِهِمْ وَهُمُومِهِمْ وَمِحَنِهِمْ وَتَصَرُّفَاتِهِمْ مَخْرَجٌ، ثُمَّ أَحْدَثَ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ مَا

– الشيخ: اللهُ تعالى يقولُ في المسيح وأمِّه: كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ [المائدة:75] فهذا يدلُّ على أنَّهما ليسَا إلهينِ؛ أنَّ الإلهَ لا يكونُ إلَّا غنيًّا، لا يكونُ مفتقِرًا إلى الأكل، ويضافُ إلى هذا من يقولُ: إنَّ هذا فيه إشارةٌ على أنَّه يحصلُ منهما الحدثُ؛ لأنَّ مَن يأكلُ الطَّعامَ يحتاجُ إلى الخلاص منه بقضاءِ الحاجةِ، مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ [المائدة:75]، {كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ} فهذا يدلُّ على بطلانِ إلهيَّتِهما من هذين الوجهين: من أصلِ الأكلِ، وما يقتضيهِ الأكلُ من الحدث.
 
– القارئ: ثُمَّ أَحْدَثَ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ مَا أَحْدَثَهُ مِنْ إِظْهَارِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالنُّبُوَّاتِ وَالْآيَاتِ الْبَاهِرَةِ الْمُعْجِزَةِ بِقُوَّةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ كَانَ عندَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِثْلُهَا وَمَا هُوَ أَعْلَى مِنْهَا، فَكَانَتْ مُدَّتُهُ فِي ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ، ثُمَّ انْقَضَى أَمْرُهُ بِمَا يَصِفُونَ أَنَّهُ انْقَضَى بِهِ وَيَنْسُبُونَهُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْسٍ وَضَرْبٍ وَقَذْفٍ، وَصَلْبٍ وَقَتْلٍ، فَهَلْ تَقْبَلُ الْعُقُولَ مَا يَقُولُونَ مِنْ أَنَّ إِلَهًا نَالَ عِبَادُهُ مِنْهُ، مِثْلَ مَا تَذْكُرُونَ أَنَّهُ نِيلَ مِنْهُ؟
فَإِنْ تَأَوَّلْتُمْ أَنَّ ذَلِكَ حَلَّ بِالْجِسْمِ، وَلَيْسَ بِالْقِيَاسِ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ لِمَا شَرَحْنَاهُ مِنْ مَعْنَى اتِّحَادِ اللَّاهُوتِ بِهِ، أَفَلَيْسَ قَدْ وَقَعَ بِجِسْمٍ تَوَحَّدَتِ اللَّاهُوتِيَّةُ بِهِ، وَحَلَّتِ الرُّوحُ فِيهِ، وَقَدْ أَنْجَبَهُ اللَّهُ تعالى عَلَى مَا تَزْعُمُونَ وَتَصِفُونَ لِخَلَاصِ الْخَلْقِ، وَفَوَّضَ إِلَيْهِ الْقَضَاءَ بَيْنَ الْعِبَادِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ لِلْحِسَابِ، وَقَدْ وَجَدْنَاكُمْ تُؤْثِرُونَ أَخْبَارًا فِي قَوْمٍ عَرَضُوا التَّوَابِيتَ فِيهَا شُهَدَاءُ لَكُمْ بِأَنَّ الْأَيْدِيَ الَّتِي بُسِطَتْ إِلَيْهَا جَفَّتْ، أَوْ هَلْ نَالَ أَحَدًا مِنَ الْجَزَعِ وَالْهَلَعِ وَالْغَمِّ وَالْقَلَقِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَى اللَّهِ فِي إِزَالَةِ مَا حَلَّ بِهِ، مِثْلَ مَا يُحْكَى فِي الْإِنْجِيلِ أَنَّهُ نَالَهُ، وَوَجَدْنَا الْكُتُبَ تُنْبِئُ بِأَنَّهُ نِيلَ مِنْ جُورْجِيسَ أَحَدِ مِنْ كَانَ عَلَى دِينِ الْمَسِيحِ مِنَ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ بِالْقَتْلِ وَالْحَرْقِ وَالنَّشْرِ بِالْمَنَاشِيرِ مَا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ فِي أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ، وَنَالَ خَلْقًا كَثِيرًا مِنْ تَلَامِذَتِهِ أَيْضًا عَذَابٌ شَدِيدٌ.
وَقِيلَ: لَمَّا كَانَ الْمُلُوكُ الْمُحَارِبُونَ لَهُمْ يَسُومُونَهُمْ إِيَّاهُ مِنَ الرُّجُوعِ عَنْ أَدْيَانِهِمْ إِلَى الْكُفْرِ الَّذِي كَانَ أُولَئِكَ الْمُلُوكُ عَلَيْهِ فَصَبَرُوا عَلَى ذَلِكَ وَاحْتَسَبُوا أَنْفُسَهُمْ، فَلَمْ يَهْرُبُوا مِنَ الْمَوْتِ، وَقَدْ كَانَ يُمْكِنُهُمُ الْهَرَبُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، وَالِاسْتِتَارُ وَإِخْفَاءُ أَشْخَاصِهِمْ، وَمَا أَظْهَرُوا فِي حَالٍ مِنْ تِلْكَ الْأَحْوَالِ جَزَعًا وَلَا هَلَعًا، وَهُمْ بَعْضُ الْآدَمِيِّينَ التَّابِعِينَ لَهُ، لِأَنَّهُ خُفِّفَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَنَالُونَ بِهِ بِتَأْيِيدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِيَّاهُمْ.
قَالَ: ثُمَّ نَقُولُ قَوْلًا آخَرَ..

– الشيخ: إلى هنا.
 
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة